الغزو التركي المرتقب للأكراد .. من يفوز ومن يخسر؟
14 شوال 1428

يقولون في تركيا .. لماذا من حق إسرائيل أو أمريكا غزو دول ومناطق أخري بحجة حماية أمنها ويحرمون هذا علي الأتراك ؟ وثمة من يقول أن التصعيد غير المبرر من جانب المتمردين اليساريين من حزب العمال الكردستاني علي الحدود مع تركيا والذي سبب حرجا شديدا للجيش التركي بالعملية الأخيرة التي قتل فيها 15 جنديا وحرج العشرات وأسر 8 جنود ، يقف وراءها واشنطن نفسها التي تدعم الأكراد بالسلاح بهدف تأديب تركيا في ظل حكم حزب العدالة ذي التوجه الإسلامي لأنها تعارض المشاريع الأمريكية في المنطقة سواء فتح القواعد الأمريكية علي أرضها لغزو العراق أو رفضها التعاون في الضربة المرتقبة ضد إيران !.<BR>ولو نظرنا للأزمة الأخيرة من عدة زوايا تتعلق بضبابية العلاقة بين حكومة أردوغان - ذات الجذور الإسلامية – والجيش (العلماني) ، ودور حكومة أردوغان – وكذلك الرئيس الجديد عبد الله جول – في التقارب مع أكراد تركيا وتوفير الخدمات لمناطقهم والسماح لهم باستخدام اللغة الكردية ، فضلا عن الورطة الأمريكية في العراق ، وغيرها ، فسوف نلحظ أن هناك عناصر متشابكة من التأثير والتأثير بين هذه العوامل الداخلية والخارجية مجتمعة في تحديد الموقف من أزمة الأكراد .<BR>بعبارة أخري يري البعض أن مشكلة حزب العمال الكردي هي تحد كبير وخطير لحكومة أردوغان الإسلامية ، وفي الوقت نفسه تمثل تحد أكبر لقادة الجيش التركي الذين أهانهم الأكراد بالهجمات الأخيرة وأظهروهم بمظهر الضعيف أمام الشعب التركي ، ما أدي لتقارب الحكومة والجيش رغما عنهما وتوحيد مواقفهم للرد عسكريا علي تداعيات الأزمة .<BR>أيضا هناك مشكلة ومخاوف أمريكية وعراقية من أن يؤدي الرد العسكري التركي لمزيد من التدهور الأمني في العراق ، لأن الصورة الحالية في العراق تشير لاستقرار الأوضاع الأمنية والسلام في الشمال العراقي فقط حيث المناطق الكردية لدرجة أن العراقيين يهاجرون من الجنوب للشمال بحثا عن هذا الاستقرار والهدوء خصوصا لسنة العراق ، وهذا مقابل انهيار أمني في الجنوب وبغداد ، ومن شأن الضربة العسكرية التركية أن تدخل هذا الشمال الكردي لدوامة القتال وعدم الاستقرار ، ما يصعب مهمة قوات الاحتلال الأمريكية هناك خصوصا أنها تعد الأيام وتطرح المبادرات لانسحاب مبكر يقيها هجمات المقاومة.<BR><font color="#ff0000">إدارة الصراع</font><BR>ولو نظرنا لكيفية إدارة كل طرف للصراع الخاص بحزب العمال الكردستاني سنلاحظ أن الحكومة التركية تدير الأزمة بكفاءة غير عادية ، في حين أن قيادة الجيش التركي خسرت المزيد من هيبتها الخارجية بعدما خسرت هيبتها الداخلية حينما فشلت في منع وصول أو رئيس ذي جذور إسلامية ( عبد الله جول) من دخول قصر الرئاسة الذي هو أحد أضلاع المثلث العلماني التركي بعد الجيش والمؤسسات القضائية والتعليمية .<BR>وعلي المستوي الخارجي ، اضطرت حكومة بغداد للتعاطي مع تركيا وحظر حزب العمال والإعلان عن استعدادها – مع قوات الاحتلال الأمريكية – لعمل مشترك ضد هؤلاء المتمردين الأكراد ، في حين اضطرت واشنطن بدورها لخطب ود تركيا كي لا تبعثر لها ما تبقي من أوراق سليمة في شمال العراق ، وتزيد العبء الأمني عليها .<BR>فليس هناك شك في أن حزب العدالة حظي بسبب هذه الأزمة – ولأول مرة تقريبا – علي دعم العسكريين الأتراك الذين كانوا يعادوه ، خصوصا أنه نجح في إدارة الأزمة بحنكة حينما أسند أمر إدارة الحرب لقرار البرلمان أولا ثم التشاور مع الجيش ، ومع الأمريكان والعراقيين ، ما أكسبه عدة مكاسب في قضية الأكراد قبل أن يتحرك عسكريا أبرزها الدعم الأمريكي والأوروبي وحتى العراقي ، بحيث لو ضرب الجيش التركي شمال العراق الأن فلن يجري انتقاده بنفس الحدة لو فعل هذا قبل بضعة أسابيع .<BR>وليس هناك شك أيضا أن الولايات المتحدة ستكون هي أبرز الخاسرين في هذه الجولة التركية – الكردية ، لأنه لو لم يغزو الجيش التركي شمال العراق ، فسوف تكون واشنطن مطالبة بمنع هجمات حزب العمال علي تركيا ، ما يحقق للأتراك هدفهم عبر الضغط السياسي والدبلوماسي ودون أن يطلقوا طلقة رصاص واحدة داخل العراق ، ولو غزا الجيش التركي العراق ، فسوف يثير أخر أعشاش الدبابير العراقية التي ظلت مستقرة وأمنه منذ الغزو الأمريكي للعراق لأسباب تتعلق بالتحالف الكردي الأمريكي ، وطبيعة المنطقة وبعدها عن منطقة الصراع السني الشيعي في الوسط والجنوب العراقي .<BR>بل أن اجتياح القوات التركية لشمال العراق إذا ما حدث سيؤدي لخلاف تركي أمريكي كبير وربما يهدم التحالف القائم بينهما ضمن حلف الناتو لأنه سيحرج واشنطن ويضعف خططها لجلب الاستقرار في العراق ، وفي كل الأحوال سيكون موقف واشنطن حرجا ، لو تدخلت القوات الأمريكية هناك لصد التوغل التركي أو الرد عليه فسوف يعني هذا حرب بين الحليفين الأمريكي والتركي ، ولو صمتت القوات الأمريكية وتركت الجيش التركي يضرب ما يشاء ، فسوف تخسر أمريكا هذه المرة الحليف الكردي ، وقد تخسر استقرار وهدوء قسم كبير من العراق هي في أحوج حالاتها له !.<BR>والأهم والأخطر أن الأزمة الكردية مع تركيا خلقت بصورة غير مباشرة تحالفا ـ مؤقتا على الأقل ـ تركيا إيرانيا سوريا ضد أمريكا ، لأن سوريا وإيران تؤديان الضربة التركية للأكراد لأسباب داخلية تتعلق بالمخاوف من الأقليات التركية علي حدود سوريا وإيران ، وأسباب خارجية تتعلق بالسعي لتحجيم الدور الأمريكي في المنطقة وإشعال النار تحت أقدام الاحتلال الأمريكي في العراق كي يرحل ومن ثم تفشل باقي خطط البنتاجون الخاصة باستهداف سوريا وإيران في مراحل لاحقة بعد العراق .<BR><font color="#ff0000">الوضع العسكري</font><BR>ولا شك أن الوضع العسكري في منطقة الأزمة للأتراك والأكراد والأمريكان والعراقيين ، سوف يسم الكثير من ملف الأزمة ، فبداية يستفيد حزب العمال الكردستاني من قدرته علي الكر والفر في الجبال الوعرة التي يحفظها مقاتلوه عن ظهر قلب ، كما أن أي عملية عسكرية للجيش التركي في شمال العراق قد تدفع مقاتلين أكرادا آخرين (قوات البشمركة الكردية في العراق التي تقدر بـ 100 ألف مقاتل) إلى الانضمام إليه، وقد ظهر هذا بوضوح في تعاطف الطالباني والبارزاني مع أكراد حزب العمال .<BR>فحسب المركز الدولي للدراسات الإستراتيجية في لندن يقدر عدد مقاتلي حزب العمال الكردستاني بما بين ثلاثة آلاف وخمسة آلاف مقاتل. وهو عدد قليل إذا ما قورن بعدده السابق (عشرة آلاف مقاتل) رجل خلال فترة النزاع المسلح ضد أنقرة في جنوب شرق تركيا بين عامي 1984 و1999 ، وأحد أسباب ذلك تخلي سوريا عن دعمهم بعدما كانت أمدتهم سابقا بأسلحة مضادة للدبابات وصواريخ أرض جو .<BR>كما أن فترة الهدنة التي أعلنها الأكراد من طرف واحد في 1999 والتي أنهوها في 2006 لم تشهد تجنيدا متزايدا بين قواتهم وعلي العكس ربما يكون العديد منهم انتقل لشمال العراق كي يحظي برغد العيش هناك ضد دولة شبه مستقلة للأكراد في شمال العراق ، ولهذا ستكون مهمة الجيش التركي سهلة نسبيا بحكم القوة العسكرية واستخدام الطائرات والمدفعية بشرط أن ينجزها قبل موسم هبوط الثلوج الذي بدأ تقريبا، وهو ما يبدو أن الجيش يدركه وبدأ تحركه بالفعل .<BR>وربما يزيد الضغط علي الأكراد هناك أن العراق أعلن عبر رئيس الوزراء العراقي نوري المالكي أنه سيغلق مكاتب حزب العمال الكردستاني واعتبره تنظيماً إرهابياً ، كما رئيس إقليم كردستان العراق مسعود بارزاني حزب العمال إلى إنهاء الكفاح المسلح الكردستاني الذي دام أكثر من عقدين واعتماد طريق "العمل السياسي".<BR><BR>المؤشرات تؤكد بالتالي أن تركيا التي تقوم بعمليات عسكرية محدودة في شمال العراق، ستخرج فائزة سياسيا وعسكريا من أزمة أكراد العراق، وأن الفائز الأكبر سيكون هو حزب العدالة الذي انتهج أسلوب الحوار مع أكراد الداخل، وتعامل مع أزمة المتمردين الأكراد بحكمة بالغة وبحرفة سياسية أظهرته بمثابة الممسك بمقاليد الأمور في تركيا، ونزعت حتى أوراق القوة من قادة الجيش بحيث بدا أن قرار الحرب في يد البرلمان أولا ثم رئاسة الوزراء.<BR>أما الخاسر الأكبر فهو الولايات المتحدة سواء غزا الأتراك شمال العراق أم لا لأنهم اضطروا للتراجع أمام الضغوط التركية ، وقد يخسرون استقرار الإقليم الوحيد المستقر في العراق منذ غزوهم ، بل ويخسرون حليفهم التركي في حلف الناتو في وقت خسرت فيه إدارة بوش العديد من أوراقها في المنطقة .<BR>أما الأهم فهو أن أزمة حزب العمال الكردستاني ، بدت كصورة مصغرة من أزمة كبري قد تواجه المنطقة مستقبلا في حالة وقوع حرب أمريكية إيرانية ، وكشفت من ثم عن شكل التحالفات في المنطقة مع أو ضد الولايات المتحدة .<BR><br>