
فوز مع وقف التنفيذ (!) .. هكذا يمكن وصف فوز (الرئيس الباكستاني) برويز مشرف في انتخابات الرئاسة الباكستانية الأخيرة بعدما جمدت المحكمة العليا إعلان النتيجة ليوم 17 أكتوبر كنوع من الضغط على الجنرال مشرف لترك قيادة الجيش مقابل توليه الرئاسة خمسة أعوام أخري ، وهو تجميد قد يتحول لكارثة في حالة قبول المحكمة للطعون في فوز مشرف ، ما سيضطر الجنرال هنا لفرض الإحكام العرفية أشبه بانقلاب عسكري جديد .<BR>ما جري في الانتخابات وما واكبها من مصادمات دامية في منطقة القبائل (وزيرستان) على الحدود مع أفغانستان سقط فيها 200 جندي باكستاني لأول مرة في صدام محلي غير مئات القبليين ، يكشف بوضوح عن بوادر اتفاق أمريكي جديد مع ثنائي : العسكريين (في صورة الجنرال مشرف) ، والليبراليين (في صورة بنازير بوتو) لمواجهة التصاعد الحالي في نفوذ الإسلاميين ومؤيدي تنظيم القاعدة وحركة طالبان في باكستان ، ليس فقط للحفاظ على المصالح الحيوية الأمريكية ، وإنما لمنع تقوية شوكة هؤلاء الإسلاميين وخشية أن ينهار حكم مشرف ويصل سلاح باكستان النووي في أيدي الإسلاميين ! <BR>بعبارة أخري وجدت واشنطن أن الحل لتصاعد الاضطرابات في باكستان ، وفشل الجنرال مشرف في قمع التيارات الدينية في منطقة القبائل على الحدود مع أفغانستان ، وفشله في إضعاف تنظيم القاعدة هناك ، يتلخص في محاولة إيجاد "سند" ديمقراطي علماني يعاون الجنرال في حربه ضد الإسلاميين أو ما يسمونه "الإرهاب" وتنظيم القاعدة ، ويحسن صورة النظام ضمنا ، خصوصا أن بوتو أصدرت تصريحات منافسة لمشرف حول قدرتها على مواجهة هؤلاء الإسلاميين .<BR>فقد ذكرت رئيسة وزراء باكستان السابقة بي نظير بوتو عن زياراتها واشنطن سبتمبر الماضي في تصريح خاص لشبكة سي إن إن الأميركية الخميس أن حزب الشعب الذي تتزعمه "سيكون حليفا أفضل للولايات المتحدة في حربها ضد الإرهاب"، خصوصا أن الحزب يتمتع بتأييد ودعم شعبي " وفق قولها ، بل وزايدت على مشرف في معرض الترويج لنفسها لدي الأمريكان حينما قالت: إنها قد تسمح بتنفيذ ضربة عسكرية أمريكية داخل باكستان للقضاء على (زعيم القاعدة) أسامة بن لادن إذا كان موجودًا في باكستان ، وهو أمر كان يرفضه مشرف خشية إغضاب الشعب .<BR>ويبدو أن واشنطن باتت تعول أكثر على بوتو على الأقل لتصبح هي البديل لمشرف في حالة رفض المحكمة الدستورية الاعتراف بفوزه رئيسا ، أو في حالة تطور المواجهات الداخلية بين الجيش والقبائل القريبة من التيار الإسلامي وتدهور الوضع ، بحيث تسقط الثمرة في حجر بوتو العلمانية بل الإسلاميين .<BR>فالرئيس مشرف لم يفز بتصويت 342 نائبا هم نواب البرلمان ، ولكن فاز بأصوات 252 صوت من 257 حضروا التصويت بعدما انسحب 30% من نواب البرلمان الذين ينتخبون الرئيس (85 نائبا) وقدموا استقالاتهم ، وفاز الرئيس الجنرال بأصوات النواب الأغلبية الحاضرين المؤيدين له بنسبة 99% من أصواتهم .<BR>كما أنه من الصعب أن تستمر واشنطن وأوروبا في الصمت على القمع الذي يقوم به الرئيس مشرف لمعارضيه ما يسبب لهم الحرج واتهام الغرب بـ "النفاق الديمقراطي" حيث يصمت على ما يجري في باكستان من قمع للمعارضين في حين يثير أزمة الديمقراطية في بورما !.<BR>صحيح أن مفتاح سر صمت الغرب عن انتهاكات الحريات في باكستان هو أن الجنرال مشرف له علاقات إستراتيجية مع الغرب ، ويقود حربا بالوكالة عن أمريكا ضد تنظيم القاعدة في منطقة وزيرستان منذ عام 2002 ، كما أن الغرب لا يمكن أن يسمح بسقوط الجنرال لأنه يمسك بمفاتيح الصواريخ النووية الباكستانية التي يخشى سيطرة الإسلاميين أو أي رئيس آخر له ميول إسلامية على هذا السلاح النووي ، ولكن هذه السياسة تزيد العداء للغرب وترفع أسهم الإسلاميين والقاعدة في المنطقة .<BR>القصة إذا متشابكة : فهناك علاقة بين (العسكريين) وبين السيطرة على (النووي الباكستاني) ، وهناك أيضا علاقة بينهم وبين (الغرب) ضمن اتفاق يقضي أن يحارب الجيش الباكستاني (الإسلاميين) في منطقة وزيرستان قرب حدود أفغانستان نفوذ تنظيم القاعدة المتنامي، وهذا ما يفسر سر إصرار الرئيس الباكستاني على تولي الرئاسة فيما يشبه الاستفتاء ، وسر بطشه بمعارضيه ، وسر الصمت الغربي على انتهاكات مشرف في حق الديمقراطية طالما أن هناك مصالح للغرب هناك !<BR><font color="#ff0000">بوتو "الديمقراطية" لتلميع "مشرف" الديكتاتور</font><BR>الضغوط الأمريكية على مشرف كي يأمر بعفو عام يشمل بوتو ويسمح بعودتها لباكستان ، لا تخرج بالتالي عن الخطة الأمريكية للاستعانة بتحالف من العسكريين والليبراليين العلمانيين مثل بوتو وحزبها ضد الإسلاميين وتنظيم القاعدة خصوصا أن بوتو أبدت حماسه أكبر للسماح لأمريكا بانتهاك المجال الجوي لبلادها وضرب الإسلاميين بالطائرات الأمريكية .<BR>خلطة الديمقراطية الأمريكية الجديدة – بعد فشل والتخلي عن خطة نشر الديمقراطية التي دشنها بوش عام 2002 عقب فوز إسلاميون في الانتخابات – تقوم بالتالي على تحالف بين الأنظمة الديكتاتورية الحاكمة ( التي ثبت أنها تحمي مصالح أمريكا الإقليمية) وبين معارضيهم الليبراليين ( الذين كانت واشنطن تأمل بفوزهم في انتخابات خطة نشر الديمقراطية البائدة) ، ولهذا جاء فوز مشرف بالرئاسة، متزامنا مع عودة بنازير بوتو زعيمة الليبراليين في باكستان لبلادها بعد عفو رئاسي عنها استعدادا لتقاسم السلطة بين حزبها وحزب الجنرال مشرف لمواجهة أفضل ضد الإسلاميين .<BR>فخطة "مشرف" – أو بالأحرى واشنطن - لإعادة الحكم المدني الديمقراطي إلى باكستان منذ استيلاء الجيش على السلطة في انقلاب ابيض عام 1999 تقوم على تقاسم السلطة مع حزب بوتو (حزب الشعب الباكستاني) الذي ينافس مشرف في الحديث قدرته الأفضل على مواجهة الإسلاميين وتنظيم القاعدة ، وظهر هذا التحالف في صورة مرسوم من مشرف بالعفو عن بوتو وسحبت بوتو بالمقابل تهديدها باستقالة نواب حزبها من البرلمان ، وهي الخطوة التي كان يمكن ان تفقد الانتخابات شرعيتها وتهدد فوز مشرف ! <BR>وضمن هذا المخطط أيضا جاء وعد مشرف بالتخلي عن قيادة الجيش بحلول 15 نوفمبر عند انتهاء ولايته الرئاسية ، وتعليق المحكمة الدستورية إعلان فوزه لحين تنازله عن قيادة الجيش الذي يقول هو انه ضروري لقتال القاعدة، ليصبح حاكما مدنيا قبل أن يتولى منصبه رئيسا للبلاد لولاية جديدة خمسة أعوام .<BR>والمشكلة أن الجنرال برويز مشرف يعد نفسه حصن ضروري للعالم اجمع في وجه أسامة بن لادن وتنظيم القاعدة وبهذه الصفة حصل على دعم الغرب له لأقصي الحدود ، ولكن تزايد حالة العصيان في باكستان من قبل نواب وأحزاب ديمقراطية وإسلامية ، وكذا تصاعد القتال بين الجيش والقبائل في وزيرستان والذي حصد أرواح المئات ، اضطرا الجنرال ومعه الحليف الأمريكي لضبط عملية التحول المدني وأضطر مشرف لتقديم تنازلين كبيرين هما التخلي عن قيادة الجيش التي احتفظ بها وإبرام اتفاق مع رئيسة الوزراء السابقة المقيمة في المنفى بنازير بوتو .<BR>والقنبلة المتفجرة في وجه الجنرال الأن هي قنبلة تصاعد القتال في المناطق الحدودية بين باكستان وأفغانستان التي لجأ إليها قادة طالبان والقاعدة عقب الغزو الأمريكي لأفغانستان ، بعدما بدأت القبائل هناك حربا مفتوحة ضد الجيش سقط فيها في فترة وجيزة قرابة 200 جندي بين قتيل ومفقود وجريح .<BR>أيضا ستواجه مشرف مستقبلا مشكلة التأقلم مع بنازير بوتو وحزبها ما يشير لخلافات كثيرة بينهما مستقبلا ، فضلا عن أنه يخشى أن تقبل المحكمة العليا – التي سبق أن عزل رئيسها افتخار أحمد ثم عاد – الطعون الانتخابية المقدمة في حقه ومن ثم تعتبر فوزه كرئيس لاغيا ، ويخشى أكثر أن يترك قيادة الجيش ثم يحرم من الرئاسة ، ولذلك يتريث لحين اعتراف المحكمة بفوزه شرعيا كرئيس قبل تنازله عن قيادة الجيش .<BR> <BR>انتخابات الرئاسة الباكستانية لها علاقة بالتالي بالخطط الأمريكية لمواجهة تنظيم القاعدة على الحدود الباكستانية الأفغانية حيث تؤكد الولايات المتحدة أن القاعدة ومقاتلي طالبان الأفغان الذي أطيح بهم في نهاية 2001، أعادوا تنظيم صفوفهم رغم وجود تسعين ألف جندي باكستاني هناك .<BR>ومع أن الجيش الباكستاني تورط في حرب هناك ضد القبائل وأنصار القاعدة ، خسر فيها قرابة ألف جندي منذ عام 2003 ، أضيف لهم 200 جندي في معارك الشهر الحالي فقط ، فلا يزال الاعتقاد الأمريكي هو أن نفوذ الإسلاميين هناك في تزايد سواء كانوا من أنصار القاعدة أو القبائل المتدينة أو أنصار طالبان باكستان الجدد .<BR>وما يزيد قلق الإدارة الأمريكية أن البيت الأبيض مقتنع – حسبما ذكر تقرير له حول الأمن القومي نشر 9 أكتوبر 2007- أن تنظيم القاعدة بزعامة أسامة بن لادن لا يزال يسعى إلى حيازة أسلحة دمار شامل بما فيها أسلحة نووية وبيولوجية ، وهو ما يزيد مخاطر وقوع أي سلاح نووي باكستاني في يد القاعدة .<BR>إذ جاء في تقرير صادر عن مجلس الأمن الداخلي في البيت الأبيض بعنوان "الإستراتيجية الوطنية للأمن الداخلي" "يجب ألا يغيب عن بالنا الرغبة الدائمة للقاعدة بالحصول على أسلحة دمار شامل، حيث يواصل التنظيم السعي إلى حيازة واستخدام المواد الكيميائية والبيولوجية والإشعاعية والنووية" ـ ودعا التقرير إلى مضاعفة تنسيق جهود مكافحة الإرهاب على كافة المستويات الحكومية، وقال إن تنظيم القاعدة لا يزال "أخطر مظاهر" التهديد ضد الولايات المتحدة .<BR>ويشير التقرير الأمريكي هنا إلي أن القاعدة عادت إلى العمل، وخلقت ملاذاً آمناً في مناطق القبائل الباكستانية مما يسهل قيامها بشن هجوم آخر على الوطن" !<BR><br>