
[email protected]<BR><BR>يتحكم الاقتصاد التركي بنسبة كبيرة في مجريات الأحداث السياسية المتعاقبة خلال السنوات الماضية، والتي كان آخرها فوز عبد الله جول (أستاذ الاقتصاد الدولي)، الحاصل على الدكتوراة في موضوع "تطور العلاقات الاقتصادية بين تركيا والعالم الإسلامي"، والخبير ببنك التنمية الإسلامي بجدة في الفترة من عام 1983 لعام 1991، ومهندس مشروع حكومة حزب الرفاه "مجموعة الثمانية الاقتصادية الإسلامية" G8.<BR>وتركيا التي يقدر تعداد سكانها بنحو 73 مليون نسمة، ضربتها أزمات اقتصادية عديدة قدرت بثلاثة عشر أزمة منذ سطو أتاتورك على الحكم عام 1923، وكانت أقوى تلك الأزمات عام 2001، والتي نتج عنها انكماش الناتج الإجمالي بصورة وصفت بأنها أسوأ أداء للاقتصاد التركي منذ عام 1945، تراجع حجم التجارة الخارجية، انفجار قضية الديون، الارتفاع الشديد في البطالة، انخفاض دخل الفرد وتفاقم مشكلة الفقر، تراجع عائدات السياحة، وانهيار برنامج التضخم الذي كانت تنفذه الحكومة العلمانية بالتعاون مع صندوق النقد الدولي منذ عام 1999 بتكاليف قدرها 11.5 مليار دولار. <BR>إلا أنه بعد تشكيل حزب العدالة والتنمية للحكومة في عام 2002 حقق الاقتصاد التركي قفزات مدهشة، انعكست ثمراتها على واقع المواطن التركي ومعيشته ورفاهيته ما أثر بصورة مباشرة في انتخاب عبد الله جول. <BR>فطبقاً للإحصاءات الرسمية فإن الدخل القومي بلغ 143 مليار دولار عام 2001 بينما نجده وصل إلى 400 مليار دولار عام 2006، وهو ما انعكس على دخل الفرد الذي ارتفع من 2105 دولارات إلى 5475 دولارات عام 2006.<BR>كما تراجع معدل التضخم من 88.6% عام 2001 إلى 9.6% عام 2006،<BR>وامتاز عام 2005 بانخفاض هذا المعدل إلى 2.7% فقط؛ الأمر الذي مكن البنك المركزي التركي من طرح عملة جديدة وهي الليرة التركية الجديدة (Yeni Türk Lirası) محذوف منها ستة أصفار، لكي تحل محل الليرة التركية القديمة، ما وفر نوعاً من الآمان لأبناء تركيا والوافدين عليها من القلق المليوني الفارغ في تعاملاتهم اليومية.<BR>أما عن السياحة فقد بلغ عدد زوار تركيا عام 2006 (21 مليون سائح) كان نصيب العرب منهم 5%، وبلغت عائدات السياحة عشرين مليار دولار.<BR> بينما كان عدد السياح عام 2001( 11.6 مليون سائح) والعائدات 8 مليار دولار.<BR>وبلغت صادرات تركيا عام 2006 (85 مليار دولار) بينما كانت 34 مليار عام 2001. والواردات بلغت عام 2006 (137 مليار)مقابل 38 مليار عام 2001.<BR>كما شهدت حكومة العدالة جذباً كبيراً للاستثمارات الأجنبية، حيث يوجد في تركيا خمسة عشرة ألف شركة أجنبية، ووصلت نسبة التبادل التجاري مع العالم العربي 15% من حجم التبادل التجاري الكلي للبلاد.<BR>وما زالت مشكلة البطالة تمثل تحدياً أمام حزب العدالة والتنمية، فطبقاً لأرقام معهد الإحصاءات التركي فإن معدل البطالة التركي ارتفع إلى 8.9 % في الفترة بين إبريل ويونيو من عام 2007 مقارنة مع 8.8 % في نفس الفترة من عام 2006، وفي كلٍ مازال المعدل كبيراً على الرغم أنه تجاوز نسبة 11.4% عام 2001.<BR>وبعد كل هذه الانجازات الناتجة عن طهارة اليد والاقتراب من آلام الناس واحتياجاتهم الفعلية، صار الطريق معبداً لفوز جول بالرئاسة، لتدخل تركيا مرحلة جديدة فيها مزيد من الاستقرار الاقتصادي، ومبشرات تلك المرحلة بدأت غداة نجاح جول في الانتخابات، حيث تمت عمليات شراء أسهم قوية أدت إلى ارتفاع مؤشر سوق الأسهم القياسي في إسطنبول بما يتجاوز 5 %، إضافة إلى ما شهدته الليرة التركية من ارتفاع حاد مقابل الدولار الأمريكي.<BR><BR><font color="#0000FF"> الطموحات الاقتصادية لحزب العدالة والتنمية</font><BR>أعلن حزب العدالة والتنمية عن برنامج حكومي مدته خمس سنوات، يلتزم فيه بالمضي قدماً في "إصلاحات" تهدف إلى ضم البلاد إلى الاتحاد الأوروبي، هذا الملف الشائك الذي يعتبر أحد أهم أوراق اللعبة السياسية بين الجيش وحزب العدالة والتنمية داخل تركيا من ناحية، وتركيا وأوربا من ناحية أخرى، والاعتراض فيه من جهة حزب العدالة والتنمية قد يمثل له أزمة لا يريد أن يدخل في براثنها، ولربما تولد اليقين لدى العدالة من رفض الاتحاد الأوروبي التام لانضمام تركيا، فتجاوز الاعتراض الشكلي، وجعل شعار السعي للانضمام مدخلاً لتحقيق مزيد من الانجازات الاقتصادية الداخلية التي تكسبه مزيداً من الاقتراب بالشعب.<BR>وقد تعهد (رئيس الوزراء) رجب طيب إردوجان بمواصلة برنامجه الإصلاحي الداعم لاقتصاد السوق، والذي يهدف لتعزيز نمو الاقتصاد وخفض معدلات البطالة والتضخم ورفع نصيب الفرد من الدخل السنوي إلى عشرة آلاف دولار، والعمل على استقرار الأسعار وتحرير نظام أسعار الصرف، وخفض أسعار الفائدة الاسمية إلى مستويات في خانة الآحاد.<BR> وكذلك خفض الضرائب من أجل زيادة القدرة التنافسية لتركيا وتقليل الضرائب على العمالة، كما تعهد البرنامج برفع عدد السياح إلى ثلاثين مليوناً عام 2010. ولعل هذه الطموحات تكون طريقاً لهز أركان الجدار العلماني الربوي.<BR><BR><font color="#0000FF"> الخصم العلماني وأوراق خلخلة الاقتصاد التركي</font><BR>هناك ورقتان رئيسيتان يلعب بهما الخصم اليهودي والعلماني التركي في الشأن الاقتصادي، وبهما يتوافر له قدر من الخلخلة للاقتصاد التركي، ما يربك الحالة السياسية داخل تركيا. وقد فطن الإسلاميون جيداً لهاتين الورقتين فاستخدموا نفس الأسلوب في مقابلة الورقتين العلمانيتين المدعومتين من الجيش، وإن كان من المأمول أن تقوى الورقتان الإسلاميتان بعد فوز عبد الله جول.<BR><BR><font color="#ff0000">الورقة الأولى: جمعيات رجال الأعمال</font><BR>عندما شعرت القوى العلمانية واليهودية المهيمنة على الاقتصاد التركي باحتمال ظهور قوى أخرى قد تؤثر على مصالحها، قررت تشكيل إطار رسمي منظم يحمي مصالحها الاقتصادية، ويحافظ على مكانة سياسية وتأثير قوي في نظام الدولة، وعلى إثر ذلك تأسست جمعية رجال الأعمال والصناعيين الأتراك "توسياد" عام 1971 في إسطنبول. وكان عدد كبير من مؤسسي هذه الجمعية من اليهود العلنيين ويهود الدونمة (وهم يهود أظهروا الإسلام وأبطن معظمهم اليهودية) وكانت الغاية من تأسيسها بحسب اللائحة الداخلية للجمعية " تنمية التركيبة الاجتماعية المخلصة والوفية لأهداف ومبادئ أتاتورك في الحضارة العصرية، والعمل على ترسيخ مفهوم دولة القانون العلمانية والمجتمع المدني الديمقراطي".<BR>وأعضاء هذه الجمعية الذين لا يتجاوز عددهم 550 شخصاً هم الأكثر ثراءً في تركيا، حيث يمتلكون 1300 شركة يعمل فيها نحو 500 ألف شخص، وحجم تعاملها الذي يتركز على الدول الغربية بشكل خاص يصل إلى 70 مليار دولار، وتتحكم في 47% من القيمة الاقتصادية التي تنتجها تركيا، وهي تشكل إضافة إلى الجيش والصحافة العلمانية تحدياً ثلاثياً كبيراً أمام حزب العدالة والتنمية.<BR>إلا أنه في المقابل نجد أن رؤوس الأموال الإسلامية والعربية قد نجحت في الدخول إلى المناخ الاستثماري التركي، ونتج عن ذلك ظهور مؤسسات مالية "إسلامية" تعمل وفقاً لنظام المرابحة بدلاً من نظام الفوائد الربوي.<BR>وقد أدى تنامي النشاط الاقتصادي الإسلامي إلى إنشاء جمعية تحميه وتحدث نوعاً من التوازن قبالة جمعية "توسياد"، ونظراً للمنع التركي باستخدام الأسماء والشعارات الإسلامية، فقد تم في عام 1990 تأسيس جمعية باسم "جمعية رجال الأعمال والصناعيين المستقلين" واسمها المختصر "الموصياد". <BR>وبمجرد تأسيس هذه الجمعية أظهرت نمواً سريعاً في الأوساط الاقتصادية الإسلامية في تركيا، ووصل عدد أعضائها إلى أكثر من 2500 شخص يملكون 7500 شركة يعمل فيها نحو مليوني شخص، وأصبحت هذه الجمعية لاعباً مهما في اقتصاد تركيا وسياستها، وعلى الرغم من ذلك فهي لم تبلغ بعد قوة وتأثير الجمعية اليهودية المسيطرة، وإن كانت تتميز عنها بالقبول الشعبي.<BR>الجدير بالذكر أن الشركات الإسلامية قد تعرضت بعد إسقاط حكومة أربكان لضربات علمانية ومصادرات مؤلمة، جعلتها تعدل من إستراتيجيتها وتتجنب الصدام المباشر مع العلمانيين.<BR>وبعد نجاح جول فمن المؤكد أنه سيلعب جيداً بهذه الورقة المربحة حتى يرسخ قواعد الاقتصاد الإسلامي في تركيا ويحد من النفوذ اليهودي والعلماني.<BR><BR><font color="#ff0000"> الورقة الثانية: الأموال الساخنة</font><BR>هذا التعبير يقصد به في تركيا "الأموال الأجنبية التي تتواجد داخل المناخ الاقتصادي التركي على شكل ودائع بنكية تهدف إلى الإفادة من نسب الفائدة العالية في تركيا، أو عن طريق بيع وشراء الأسهم والمضاربة في البورصات التركية أو عن طريق بيع وشراء العملات الصعبة في أسواق العملات التركية".<BR>وهذه الأموال يصفها الخبراء بالقدم الرابعة في تركيا، وعلى الرغم من أنها تحدث نوعاً من التوازن الاقتصادي داخل تركيا، مع وجود سيولة واحتياطي كبير في العملات الصعبة، إلا أنه ليس لها أي إسهام في الإنتاج أو في توفير فرص عمل داخل تركيا، وعند حدوث أي أزمة سياسية في تركيا وشعور هذه الأموال بخطر على مصالحها تنسحب فوراً من الأسواق التركية، وعندها تؤدي إلى خلل في التوازن العام للاقتصاد والدخول في أزمات خانقة. وهذه الورقة يستخدمها اليهود جيداً بأموال غربية لها تأثير كبير في العملية السياسية. <BR>إلا أن حكومة إردوجان نجحت في كسر احتكار اليهود لتلك الورقة، وذلك عن طريق جذب الأموال العربية والإسلامية لتستثمر في تركيا، خاصة تلك الأموال التي تم سحبها من أمريكا وأوربا في أعقاب أحداث سبتمبر، وقد اقترب حجم الأموال العربية القادمة إلى تركيا من 20 مليار دولار، وهذا الرقم يمثل نسبة حوالي 40% من قيمة الأموال الساخنة الناشطة في تركيا والتي قدرت في العامين الأخيرين بـ50 مليار دولار.<BR>وهذه الورقة والاقتصاد التركي بصفة عامة في ظل التطورات السياسية الجديدة التي جاءت في صالح ممثلي التيار الإسلامي، تحتاج إلى مزيد من التنشيط من قبل رؤوس الأموال العربية المغتربة في أوربا وأمريكا والتي تتجاوز الثلاثة آلاف مليار دولار أمريكي، والمسلط عليها سيف التجميد تحت مزاعم دعم الإرهاب، خاصة وأن تركيا تشهد نوعاً من الاستقرار الاقتصادي ويسعي رئيس الدولة الجديد عبد الله جول و(رئيس الحكومة) رجب إردوجان ذوا التوجه الإسلامي، إلى مزيد من الازدهار الاقتصادي، واختراق المنظومة العلمانية اليهودي الربوية بتطبيقات عملية تدريجية.<BR><br>