غول وحلم الرئاسة
28 رجب 1428

الأنظار التركية كلها متركزة حاليا على انتخابات الرئاسة رغم أن النواب الجدد لم يؤدوا القسم الدستوري في البرلمان بعد.. أما رئيس الوزراء رجب طيب إردوغان فقد أعطى أولى الإشارات على مرشح حزبه العدالة والتنمية للرئاسة.. <BR><BR>فهو بينما يقول إن القرار الأخير يعود لعبد الله غول وبأنه بانتظار رده، فإنه يرمي الكرة بذلك في ساحة عبد الله غول والذي بدوره أكد في تصريح صحفي له عقب فوزهم بالانتخابات بأنهم لن يتجاهلوا نتائج الانتخابات ونبض الشارع التركي ملمحا بذلك إلى أنه سيرشح نفسه مجددا.<BR> السؤال هنا، هل من الممكن أن يعاد ترشيح عبد الله غول مع أنه هو من فشل في إدارة مرحلة الرئاسة، وكان السبب الذي دفع بحزبه إلى إجراء انتخابات مبكرة عن موعدها بثلاثة أشهر؟<BR>في الواقع، لا يصح أبدا أن تنقاد البلاد إلى خضم أزمة جديدة بينما البرلمان لم يفتتح فيها بعد.. وفيما يبدو أن إردوغان استشعر هذه الأزمة لهذا هو رمى الكرة في ساحة غول الذي يبدو رغم ذلك مصمما على الترشيح..<BR>زعيم حزب الحركة القومية دولت باهشلي أعلن أن حزبه سيشارك في جلسة البرلمان على انتخابات الرئاسة وبالتالي هو لمح مبدئيا إلى أنه لن تكون هناك أي مشكلة من ناحية جمع النصاب المطلوب قانونيا (أي367 مقعدا)، لكن هذه المرحلة بالذات هي مربط الفرس بمعنى أن يدور الآن التساؤل: هل أن غول سيرشح نفسه مجددا أم أن حزب العدالة والتنمية سيرشح اسما آخر؟ وفي مثل هذه الحالة هل يمكن أن تحصل مشكلة داخل الحزب بسبب غول؟بصورة أوضح، هل من الممكن أن يكون إعلان دولت باهشلي عن مشاركته في جلسات الاقتراع الرئاسية لأنه يعلم مسبقا بأن غول لن يرشح نفسه.. أم تراه فعلها من أجل الحيلولة دون نشوب أزمة سياسية جديدة؟؟.<BR><font color="#0000FF">هذه المرة رئاسة غول مضمونة! </font><BR>طبعا، الجواب الشافي لهذا السؤال المحير سوف من الممكن قراءته ببساطة من خلال النتائج التي خرجت بها الانتخابات البرلمانية الأخيرة والتي أسفرت عن فوز ساحق غير متوقع لحزب العدالة والتنمية بحصوله على 46.7% و341 من مقاعد البرلمان التركي، فالأجواء الحالية في البرلمان الذي تغير مع انتخابات الثاني والعشرين من يوليو 2007 تساعد حتما عبد الله غول في تحقيق حلمه بالرئاسة.. لهذا يمكن القول بأن رئاسة عبد الله غول مضمونة هذه المرة بما أن برلمان اليوم يختلف عن برلمان ما قبل 22 يوليو؛ فهذا البرلمان على الأقل عادل أكثر من سابقه بما أنه يحتوي على أحزاب من كل الأطراف. وبالتالي، فإن المشاركة فيه ستكون عالية جدا ولن تبقى هناك أي حجج بشأن مشروعية التمثيل بداخله.<BR>لا شك أن النسبة التي حصل عليها حزب العدالة والتنمية في هذه الانتخابات تفوق الخيال.. فإذا كان في البرلمان السابق قد حصل على نسبة 34.43 بالمئة مع حزبين فقط.. فإنه اليوم قد رفع من هذا السقف بشكل كبير رغم وجود ثلاثة أحزاب كبيرة وعدد غير مسبوق من النواب المستقلين.<BR>الأمر الهام الذي أود التشديد عليه هو أن النواب المنتخبين اليوم لن يخاطروا أبدا بإعاقة انتخابات رئاسة الجمهورية ما يستدعي إجراء انتخابات مبكرة جديدة.. ببساطة لأنهم يخافون أن يبقوا هذه المرة خارج البرلمان لهذا هم مضطرون إلى المشاركة في جلسات البرلمان مهما كان الأمر مع الإشارة إلى أن البرلمان الحالي تجدد بنسبة 68% يعني لم يبق من النواب القدامى سوى 179 فقط. وعلى هذا الأساس، فإن الجرأة لن تسعف أي من الأحزاب بزعزعة الترتيب الحالي في البرلمان.. وإذا وضعوا نصب أعينهم النسبة الساحقة التي حصل عليها حزب العدالة والتنمية، فإنه لن يكون بمقدورهم تحمل مسئولية الاصطفاف في المعارضة من جديد ولن يرغبوا أن يقعوا في موضع من يريد سد الطريق في البرلمان لأن الشعب هذه المرة لن يشفع لهم أبدا.. <BR>هذا عدا طبعا، عن أن إجراء انتخابات جديدة قد تفتح أبواب أزمة اقتصادية كبيرة في البلد لأن الاقتصاد لا يمكنه أن يتحمل أعباء إجراء انتخابات على فترات متتالية، وإلا فإن سلبياته سوف تنعكس على كل الشعب.<BR> وأيضا بالنظر إلى الدعم الكبير الذي يقدمه حزب العدالة والتنمية إلى عبد الله غول ووجود رجب طيب إردوغان وبولنت أرينج إلى جانبه وتوافق وتعاضد كل نواب الحزب على هذا الاسم والوحدة السائدة بينهم سوف تضع المعارضة في موقف حرج جدا أمام الشعب..<BR> إلى ذلك، فإن الحزب الحاكم الذي امتنع في الانتخابات السابقة عن التقارب مع السياسيين من أجل تسمية المرشح الرئاسي فإنه هذه المرة سوف يقوم بهذه الزيارات يعني هو سيتدارك هذا الخطأ باستراتيجية ذكية ما يجعل من معارضته أمرا مستحيلا. وحتى لو لم يقدم حزب الشعب الجمهوري دعمه لرئاسة عبد الله غول، فإن البرلمان هذه المرة سوف يجتمع لاسيما أن زعيم حزب اليسار الديمقراطي نفسه ترك الباب مفتوحا أمام حزب العدالة والتنمية في هذا الصدد. أما حزب الحركة القومية فلم يشترط أي شيء لحد الآن وقد أعلن زعيم الحزب دولت باهشلي أيضا بأن حزبه سوف يشارك في جلسات البرلمان للمرشح الرئاسي حتى وأن لم يصوت لصالح عبد الله غول ناهيكم أيضا عن أن النواب الأكراد المستقلين لحزب المجتمع الديمقراطي سوف يشاركون وبالتالي فإن النصاب القانوني (367) سوف يكون موجودا بكل الأحوال لافتتاح الجلسة وإذا لم يفز غول في الجولتين الأولى والثانية في أسوأ الأحوال، فإنه سيحصل على الرئاسة في الجلسة الثالثة.<BR><BR>من هنا يمكن توقع إمكانية أن يكون رئيس تركيا القادم من الإسلاميين في ظل سيطرة حزب العدالة والتنمية على ما يقارب من ثلثي مقاعد البرلمان وهذا الأمر سوف تكون له تداعيات مختلفة داخلية وخارجية على مستقبل تركيا فترة ليست قصيرة من الوقت.<BR><br>