
في مرسوم صدرت نسخة منه عن وزارة الخارجية، جاء فيه أن السلطات الجزائرية تمنع منعا باتا أي نشاط ديني غير إسلامي في الجزائر.. و إن كان المرسوم قصيرا و مقتضبا أعلنت قناة الجزيرة القطرية عن محتواه، إلا أنه يؤكد ما قلناه في الكثير من المرات بأن الظروف الأمنية الخطيرة في الجزائر فتحت الباب واسعا للعديد من الجمعيات التي صارت تتخذ من بعض المناطق مأوى لها لأجل القيام بعمليات تنصيرية، تماما كما حدث في بداية التسعينات من القرن الماضي حين كان ينشط جماعة من المنصرين المسيحيين في مناطق كثيرة طالها الإرهاب، تحت شعار " المحبة للمسيح السلام" و التي تعني أن الإسلام مصدر الإرهاب و القتل و التهجير، و أن لا خلاص للناس سوى في اللجوء إلى رمز السلام" المسيح" متمثلا في الكنيسة بكل ما تعنيه هذه الأخيرة من تناقضات ليس على أساس مذهبي فقط، بل و عقائدي أيضا.. لقد كشفت العديد من الصحف الجزائرية عن حملة تنصيرية خطيرة قامت بها شخصيات دينية مسيحية فرنسية وأمريكية لأجل خلق حالة من الشك في نفوس الجزائريين بالخصوص الذين طالهم أذى العنف المسلح الأعمى في البلاد، و الحال أن الكارثة كانت في عدد الجزائريين الذين ارتدوا عن الإسلام، و قد نشرت صحف كثيرة أن عددهم تجاوز عام 2000 الـ10 آلاف جزائري ارتدوا عن الإسلام، وقد يعتقد أن هؤلاء كلهم من سكان منطقة القبائل، لكن الكارثة أن عدد من المرتدين لم يكونوا من سكان القبائل فقط، بل كانوا من سكان الغرب الجزائري، و بعضهم من الشرق أيضا، وصار الامتداد التنصيري اليوم في الجنوب الجزائري.. <BR><font color="#0000FF">التنصير لغة اليائسين: </font><BR>لعل الجميع يدرك أن الاحتلال الفرنسي لم يقم على أساس مطامع سياسية فقط، بل قام على مطامع أيديولوجية و دينية، لأن الواقع الذي يمكن أن نطالعه في العديد من مذكرات جنرالات فرنسا يقول أن الجنود الفرنسيين الذين كانوا يرسلون إلى الجزائر إبان الاحتلال لم يكونوا يرسلون بمعزل من منصرين دينيين كانوا يأتون معهم لأجل غرس "ثقة الإيمان في قلوبهم" و لأجل نزع نفس الثقة من قلوب الجزائريين، فالجزائر لم تكن مجرد دولة محتلة، بل كانت جزء لا يتجزأ من فرنسا الكبيرة ( و هو الكلام الذي أكده محمد حسنين هيكل في حديثه الأسبوعي على قناة الجزيرة حين تكلم عن قناعة الفرنسيين بأن الجزائر حلم فرنسا الأزلي) .. بيد أن ضمن تلك القناعة تجسدت سياسة التنصير كجزء من سياسة الاحتلال المطلق و الكامل للأرض، و قد حاول المنصرون انتزاع الثوابت الجزائرية من جذورها، و إن لم ينجحوا تماما، إلا أن الاستقلال الجزائري في بداية الستينات من القرن الماضي كان نتاجا منطقيا لسنوات من النضال، و تجسيدا أن الثورة لم تكن لقيطة، بل كانت جزء من قيم الوطن و من أصالته الضاربة في جذور الجزائريين، بالخصوص أولئك الذين لم يكونوا يحسبون درجة حرارة الكراسي (المقبلة) في نضالهم، و لم تكن تعنيهم المناصب لما بعد الاستقلال حين جاهدوا و حين استشهد الكثير منهم.. لقد كانت الأخطاء الكبيرة لما بعد الاستقلال تكمن في أن الذين اخذوا زمام البلاد لم يفكروا في تقييم مرحلة الاحتلال، و في إصلاح العطب الشديد الذي أصاب البلاد، و نقصد به العطب اللغوي و الفكري على حد سواء، خاصة أن الذين تولوا زمام الأمور كانوا في النهاية يعتبرون " الفرنسية غنيمة حرب" كما لو أن على الجزائريين أن يفرحوا بذلك، ويبتهجوا بتلك الغنيمة التي كانت ترضي الفرنسيين أيّـما رضا، و قد قالها الجنرال المهزوم شارل ديغول بعد الاستقلال بستة أشهر: لن يصمد الاستقلال أكثر من ثلاثين سنة! و إن صمد الاستقلال أكثر من ربعين سنة إلا أنه يبدو اليوم هشا، و قابلا للاختراق، ربما لأن أكثر من جهة تحاول النيل من قيم الجزائريين، الممارسات الرديئة السياسية داخليا و الفساد القائم من جهة، الإرهاب الأعمى من جهة ثانية، الحرب الدينية المضادة و المتمثلة في عمليات التنصير السرية والعلنية التي يسعى من خلالها أصحابها إلى إقناع الجزائريين بأن الإسلام دين عنف و إرهاب و ألا مناص من إتباع دين التسامح المتمثل في المسيحية ناسيين تماما أن المسيحية تجسد تاريخيا أكبر أسباب الحروب في العالم ( لا نعني المسيحية بمعناها الحقيقي الذي نؤمن به كمسلمين يؤمنون بالمسيح عيسى عليه السلام) بل نعني بها المسيحية الراهنة التي تتخذ رؤية صليبية متطرفة تحاول على أساساها الاستحواذ على ممتلكات الآخرين بالقوة، و لنا في المجرم جورج دابليو بوش أكبر دليل، هو الذي يبدأ كلامه بعبارة " ليباركنا الرب" كما لو أن الرب سيبارك مصاصي دم البشر..!<BR><font color="#0000FF">سياسة التضليل تبدأ بالتشكيك! </font><BR>لقد اكتشفت السلطة الجزائرية أن التحركات المشبوهة لعدد من الجمعيات الثقافية الغربية في الجزائر لا علاقة لها بالثقافة كثقافة، بل لها علاقة مباشرة بالدعم الذي صارت تمنحه السفارات الغربية لتلك الجمعيات، لأجل توسيع نشاطها، و لأجل استقطاب الشباب إليها من باب الانفتاح على الغرب أولا عبر تسهيلات الحصول على الفيزا، والتشجيع على السفر إلى الخارج، و من باب التنصير أيضا على أساس ما تسميه تلك الجمعيات بالبديل المنقي للفراغ القائم (!).. و ليت البديل يكمن في تحسين وضع الشباب اجتماعيا، بل البديل في تشجيع الشباب على الارتداد عن الدين و عن الثوابت التي يمثلها الدين وأهمها الأخلاق، كما يكمن بديلهم في محاربة الإسلام عبر جملة من الطرق منها الطرق الإعلامية التي تنشط عبر الانترنت و الساعية إلى إلصاق تهمة الإرهاب بكل ما هو إسلامي.. 10 آلاف جزائري ارتدوا عن الإسلام في نهاية التسعينات، فكم صاروا اليوم يتساءل أحد السياسيين من حركة حمس الإسلامية الجزائرية، و الحال أنه ناقوس الخطر يدق اليوم بقوة، على كل الأصعدة، بحيث أن المسألة ليست مرتبطة بحقوق الإنسان كما تدعي العديد من التنظيمات المشبوهة التي تنشط في الجزائر، بل صارت تمس كيان المجتمع الجزائري، و نعي أن الخطر سينتقل آليا إلى دول الجوار مثل المغرب و تونس (و إن كنا نعتقد أن السياسية التونسية تشجع اليوم من حيث لا تدري هذا النوع من الارتداد عن الدين!)، لهذا لم يشعر أحد من الجزائريين بالمفاجأة أن يصدر هذا المرسوم الرسمي بمنع الشعائر الدينية غير الإسلامية في الجزائر والذي جاء ليؤكد حجم الخطر الذي وصلت إليه البلاد جراء العمل التنصيري غير المشروع و لا المبرر الذي تقوم به سفارات أجنبية في الجزائر منها السفارة الفرنسية التي تورطت عام 1999 الميلادية من القرن الماضي في قضية الأناجيل التي تم ضبطها على متن باخرة قادمة من مدينة مرسيليا الفرنسية و كانت موجهة إلى منطقة القبائل ومناطق أخرى من البلاد.. ثم أن السفارة الأمريكية صارت تعمل الشيء نفسه منذ أكثر من خمسة أعوام عبر الدعم المادي التي قدمته على شكل" مساعدات تشجيعية" لجمعيات معروفة بمناهضتها للإسلام في الجزائر، إلى أن صارت السفارة الأمريكية اليوم تقوم بدور " زرقاء اليمامة" في توجيهاتها الأمنية للسلطات الجزائرية، مثلما حدث في المرة السابقة عندما أعلنت السفارة الأمريكية عن معلومات بحوزتها تحتوي على مكان و زمان عمليات إرهابية سيقوم بها مسلحون في الجزائر!! نعي جيدا أن الفوضى الخلاقة في الجزائر ساعدت العديد من الجهات المعادية و المشبوهة لتنشط بشكل كبير وشامل في البلاد، و نعي أن العنف المسلح ساعد الكثير من أعداء الدين لإلصاق تهمة الإرهاب بالإسلام و تهمة الإرهابيين بالمسلمين.. نعي أن التنصير لم يعد مجرد تحذير عابر، بل صار يهدد كيان الجزائر اليوم، و لهذا نتساءل بجدية اليوم: كيف يمكن مواجهة المنصرين في وضع يموت فيه عشرات الجزائريين البسطاء في كمائن إرهابية، لتتلذذ السلطة بالكراسي التي تجلس عليها بعبارة " سنبقى هنا إلى الأبد؟" ذاك هو السؤال.<BR><BR><BR><br>