ثورة في الجيش "الإسرائيلي"!
13 جمادى الأول 1428

كأن حرب جنوب لبنان الصيف الماضي، وتقرير فينوجراد الذي كشف ضعف الجيش الصهيوني لا يكفيان كي يبكي الصهاينة علي حالهم، وكيف أنهم أصبحوا بلا قائد عسكري تاريخي بعد ذهاب آخر هؤلاء القادة المؤسسين للدولة الصهيونية، لتجيء الضربة الأقصى في صورة خلافات حادة واتهامات متبادلة بين القادة العسكريين الصهاينة وثورة تدعو لإعادة بناء الجيش والدولة ككل من جديد وإلا ضاعت مستقبلا!.<BR>فالنكبة التي يحتفل الشعب الفلسطيني بالذكري الـ 59 لها (ذكري احتلال فلسطين) ، واكبتها نكبة صهيونية أخرى علي الجانب الآخر وموجة لطم للخدود تحسرا علي "جيش الدفاع" الذي لا يقهر والذي لم يكن يدخل حربا إلا وكسبها ، فجاءت حرب لبنان الأخيرة لتكشف عجزه عن وقف الهجوم علي العمق الصهيوني وتخبط قادته العسكريين ،والتي تبعها توابع أخرى في صورة تقرير فينوجراد، أتبعه ثورة حقيقية في الجيش الصهيوني بين الجنرالات علي قادتهم العسكريين والسياسيين معا !.<BR>هذه الثورة الحقيقية داخل الجيش الصهيوني والتي تحدثت عنها وسائل إعلام صهيونية رصدها تقرير هام للدكتور سيللو روزنبرغ نشره في موقع "أوميديا" المختص بالشؤون الإعلامية والمعروف بتوجهاته اليمينية الصهيونية في مايو الجاري 2007، وجاء ليكشف حالة الترهل داخل الجيش الصهيوني وتراجعه، وكيف أن حرب لبنان أدت إلى الإضرار به ، وبشدة، كأقوى جيش في الشرق الأوسط كما يصفه الصهاينة.<BR>أما مطلب هؤلاء الجنرالات والجنود الصهاينة الثائرين فيتلخص في قيام لجان التحقيق في تراجع الجيش بتقديم حل جذري يعيد لهذا الجيش هيبته وقوته لأنه علي حد قول روزنبرغ: " لن يحل هذه المشكلة سوى ثورة كاسحة في مؤسسة وزارة الدفاع "الصهيونية .<BR><font color="#ff0000">تغيير شامل من أسفل لأعلي</font><BR>إذا كان تقرير فينوجراد قال بوضوح أن القادة المدنيين والعسكريين الصهاينة قد فشلوا في الحرب وحملهم المسئولية ، فإن تقرير روزنبرج يسخر من لجان التحقيق التي شهدتها الدولة الصهيونية في الأشهر الأخيرة عقب حرب لبنان الثانية مثل لجان جيش الدفاع الداخلية، لجنة فينوغراد، إلخ... ، ويقول بوضوح إن كل هذه اللجان "لن تنتج شيئا إلا إذا خضع الجيش إلى تحول حقيقي من الأعلى إلى الأسفل. فمشاكل الجيش "الإسرائيلي" أعمق بكثير" !.<BR>ويضيف: "يجب الإيعاز لوضع خطة علاجية جذرية"، وينبه إلي أن هذه الأزمة والخلل داخل الجيش الصهيوني ليست جديدة ، فقد سبق أن أكد تقرير Comptroller، الذي صدر قبل بضعة أشهر ذلك، وحدد بوضوح "نقاط المشكلة المتفيشية في جيش الدفاع الإسرائيلي" وهي: الافتقار إلى المهنية على أعلى المستويات، الافتقار إلى الإجراءات المنهجية المنظمة للتخطيط وصنع القرار، الخلل الهيكلي والعيوب العملانية .<BR>ويطرح تقرير روزنبرج خريطة طريق لإصلاح الجيش الصهيوني وإلا قام بثورة ، مؤكدا أنها تستلزم وقتا، ويحدد ما يسميه (المبادئ الإرشادية الأساسية لثورة مفتوحة في جيش الدفاع الإسرائيلي) بعدة خطوات أبرزها :<BR><font color="#0000FF">إلغاء التجنيد الإجباري وتأسيس جيش محترف صرف</font><BR>وهنا يؤكد أن فكرة "جيش الشعب" التي يؤمن بها "الإسرائيليين" هي فكرة بائدة ، وأثرها الوحيد الباقي، هو في مجال الفولكلور. فقد تصور بن غوريون الشبان والشابات، ككل، مجندين في الجيش، أما حقيقة المسألة، فهي أن الخدمة الإجبارية كانت فكرة تمثل مشكلة للدولة، لأن "إسرائيل" كانت بلاد يندمج بها المهاجرون على اختلاف أعراقهم في مواطنة يهودية واحدة وكان هذا يرتبط بتقديس فكرة الجماعة، وهذا ما جعل "جيش الدفاع الإسرائيلي" على مدى سنوات، قوة موحدة تستحق الثناء العالي ، ولكن الأن لسوء الحظ، فقد تغير ذلك الواقع وحدث تحول من فكرة المجتمع الموحد إلي الفردية المدمرة ، وأصبح مفهوم "جيش الشعب" اليوم شيئا من الماضي !.<BR>ويوضح روزنبرج هذا بقوله أن أكثر من نصف أولئك المؤهلين للخدمة الإجبارية لا يخدمون مطلقا في الجيش الإسرائيلي، كما أن أولئك المجندون إجباريا لا ينهون فترة خدمتهم الإجبارية، وذلك إما بسبب المشاكل الانضباطية الشديدة، وإما بسبب "الأسباب الصحية".<BR>لذلك يظهر بأن أقلية فقط، من أولئك المجبرين على الخدمة يؤدون بالواقع خدمتهم العسكرية، وبالتالي فالأسطورة بأن جيش الشعب هي مؤسسة لا يمكن المس بها "أصبحت مضحكة" ، أما الموارد المستثمرة في مجموع هؤلاء السكان الذين يؤدون خدمة عسكرية جزئية فهي غير مبررة بالكامل، فهذه الموارد يمكن تمريرها لشئون أخري أكثر أهمية .<BR>وضمن هذا الخلل أيضا يأتي وضع جنود الاحتياط، فليس سرًا أن أقلية من جنود الاحتياط يقومون بالفعل بأداء واجبهم، على الأقل في وحدات القتال ، فعدد من جنود الاحتياط يؤدون واجبهم الاحتياطي في وحدات لا يحتاجها الجيش لكنها وحدات تكلف الدولة العبرية ثروة و"لأجل هذه الأسباب على "إسرائيل" أن تقوم بتحويل جيش الدفاع إلى جيش احترافي. وسواء كان يجب أن يكون التجنيد على أساس تطوعي أو من خلال نظام آخر، فإنها مشكلة مطروحة للنقاش العام الجدي".<BR>باختصار يري تقرير البروفيسور روزنبرج أن : "إلغاء الخدمة الإجبارية سوف يؤدي إلى تحرير موارد هائلة لجيش الدفاع الإسرائيلي، لا يمكن تقديمها اليوم ، وبهذا، سوف يري كثيرون الخدمة العسكرية بمثابة نداء بدلا من التزام وسيقومون باستثمار كل طاقاتهم المهنية بها – الشبان والشابات على السواء ، وبهذا سوف يصبح جيش الدفاع الإسرائيلي جيشًا احترافيًا، مدربا جيدًا مع قدرات لا يمكن تحقيقها حاليا، تحديدًا بسبب العبء المفروض من جراء الخدمة العسكرية الإجبارية ".<BR><font color="#0000FF">تأسيس وحدات قتالية احتياطية احترافية: </font><BR>وضمن هذا يقترح التقرير - كحل لانجاز ثورة تقنية في الجيش الصهيوني لا داخل - أن يتم استثمار الموارد في التدريب وفي المحافظة على وحدات قتالية احتياطية احترافية ، وليس هناك من حاجة إلى آلاف الاحتياطيين الذين لا يقومون بشيء سوى تنفيذ مهمات لا فائدة منها. ويحدد بأنه : خلال المرحلة الانتقالية، يجب أن يلقي نظام الاحتياط أفضل تدريب ممكن كما يجب أن يكون جنود القتال الاحتياطيين موازنين جيدًا، سواء كان ذلك من خلال الحوافز المالية أو من خلال حوافز أخرى يكافئون بها حصريا. ويجب أن تكون الحوافز من النوع الذي يسمح للاحتياطيين بأداء عملهم بأفضل طريقة ممكنة.<BR>ويقول أنه في الوقت الحاضر، ليس لدى جنود الاحتياط حوافز حقيقية؛ وإن أولئك الذين يخدمون في الاحتياط لفترات مطولة يمكن أن يجدوا أنفسهم عاطلين عن العمل أو يواجهون صعوبات جدية عندما يخضعون لامتحانات كلياتهم. ولذلك فإن التدريبات لفترات الخدمة الاحتياطية واتعابها وتعويضاتها الهامة يجب إنجازها من خلال تشريع قانوني يلزم الجميع. واليوم، يقوم جنود الاحتياط المحاربين بأداء واجبهم برغم الصعوبات العديدة، ومع ذلك، يجب اتخاذ خطوات، كما يجب تقديم حوافز لمكافحة شعور الاحتياطيين بأنهم "مغفلين".<BR><font color="#0000FF">إنشاء جهاز لوجستي وتكنولوجي </font><BR>حيث يؤكد التقرير أن ما كان يميز الدولة الصهيونية هو وجود قوة عاملة متعلمة ومتطورة في مجالات العلوم والتكنولوجيا، أما الأن فلاجتذاب هذه القوة إلى الجيش "الإسرائيلي"، فإن ذلك سيتطلب تغييرا في التفكير. فالشعارات لا تؤثر اليوم بأحد. فكل "إسرائيلي" يريد مهنة ويريد الحصول على حياة الراحة. وحتى يستطيع الجيش "الإسرائيلي" تلبية التحديات التكنولوجية التي يشكلها الواقع، فإن عليه اجتذاب أفضل العقول في مجال العلوم والتكنولوجيا. <BR>أما في الوقت الحاضر، فإن هذا الأمر لا يمكن تحقيقه سوى عن طريق تقديم مكافآت مالية أكبر من تلك التي في القطاع الخاص و إذا ما تم تنفيذ الإصلاح بكليته، فإنه سيكون هناك موارد مالية كافية وزيادات أخرى في الرواتب موضوعة جانبا لسحب كبار العلماء والتقنين إلى الجيش.<BR><font color="#0000FF">الأكاديمية العسكرية: </font><BR>ويبدو أن هذا الاقتراح تحديدا يستهدف التغلب علي مشكلة هامة يعاني منها الجيش الصهيوني هي مشكلة غياب القادة العسكريين التاريخيين من جيل الآباء المؤسسين وذلك عن طريق السعي لتكثيف التأسيس المهني للعسكريين الصهاينة ليتخرج منهم جنرالات جدد يعوضون غياب الجنرالات السابقين .<BR>حيث يقول التقرير أنه يجب أن يتم تدريب الجنود والقادة من خلال إطار عمل مصمم لهذه المهنة الفريدة ، بمعني إنه ليس المهم السؤال عن الأقدمية أو التوقيع كشريك لأجل مخصصات قليلة للمهنة، وإنما السؤال عن التقدم في المرتبة المبني على أساس المهنية والكفاءة .<BR>والحل - كما هو الحال في أكثر بلدان العالم تقدما – يكمن في أن تكون الأكاديمية العسكرية مؤسسة لتوفير التدريب لمؤسسة "جيش الدفاع الإسرائيلي"، فكلما تم تشجيع التفوق والامتياز أكثر، كلما ظهر قادة وجنرالات أكثر. فإسرائيل اليوم تملك عددًا من الجنرالات وقلة قليلة جدًا من القادة الحقيقيين.<BR><font color="#0000FF">تغييرًا هيكليا في الجيش "الإسرائيلي":</font><BR>وضمن هذا أيضا يطرح التقرير فكرة أن تخضع البنية التنظيمية أيضا للتغيير، خصوصا بالنسبة للقوات البرية التي أثبتت فشلها في حرب لبنان ، فهذا النظام "مبعثر ومن دون مسؤولية وقيادة موحدة، وبالرغم من تأسيس قيادة جيش الميدان، يبقى نظام القتال البري غير مقبول ويجب أن يخضع النظام إصلاح بنيوي مصمم ليساعد على التطور والتقدم".<BR><font color="#0000FF">عقيدة الأمن: </font><BR>حيث يجب – وفق تقرير روزنبرج - وضع مسودة أولية لعقيدة الأمن ، لأن ما يثير الدهشة أن الدولة الصهيونية "لا تملك عقيدة أمنية واضحة " ، ومن ثم "علينا صياغة مفهوم أمني جيد يناسب واقع اليوم". كما يجب تجنيد أفضل العقول في إسرائيل والخارج ، من الأكاديمية ومن الفروع المنخرطة في استراتيجيات مختلفة لتوصل لهذه العقيدة الأمنية المحددة .<BR><font color="#0000FF">إزالة التقييمات الأمنية من الاستخبارات العسكرية: </font><BR>منذ العام 1973 (عقب هزيمة الصهاينة في حرب أكتوبر) ، لم يتم تنفيذ توصيات لجنة "أغرانات" بخصوص الحاجة إلى سحب التقييم السنوي للظروف الأمنية من استخبارات جيش الدفاع الإسرائيلي، ففي عدد من الحالات تحولت تقييمات استخبارات جيش الدفاع لتقييمات غير دقيقة ، ومن ثم فعلى استخبارات الجيش الصهيوني التعامل مع المعلومات الاستخبارية وتقديمها للقادة بصورة واضحة وعلى كل حال، لا يجب إنجاز التحليل والتقييم بواسطة استخبارات الجيش وإنما بواسطة مجلس أمن قومي.<BR><font color="#0000FF">مجلس الأمن القومي: </font><BR>وسيصل التقرير في نهايته إلي مجلس الأمن القومي "الإسرائيلي" ليؤكد أن هناك حاجة ملحة لرفع وتحسين مكانة ، فحتى لو حصل تحول كبير في الجيش "الإسرائيلي"، فسيكون علي القادة القيام باتخاذ القرارات حول العلاقات الخارجية والقضايا الأمنية، إذ لديهم السلطة للقيام بذلك وعليهم المسؤولية. <BR>أما اليوم، فإن الحكومة "الإسرائيلية" عاجزة عن تبني القرارات في مجال الأمن بشكل صحيح، لأسباب متنوعة ومتعددة، إلا أن السبب الرئيسي لذلك هو أن رئيس الحكومة وفريقه الوزاري لا يمكنهم فهم، وأحيانا لا يفهمون، أي شيء حول الأمن. ولذلك، فإن تفعيل مجلس أمني وطني على نموذج الولايات المتحدة هو أمر حيوي للأمن "الإسرائيلي" .<BR>ويقترح التقرير أن يكون مجلس الأمن القومي عبارة عن مؤسسة تضم طاقما يقوم بتحضير تقارير عقلانية هادفة وخالية من المحاباة ، ويضم أفضل الخبراء في البلاد ، وليس من الجنود فقط ، وإنما من المدنين الذين ليس لديهم التزامات خارجية ، وهنا يقول التقرير أنه : "بما أنه من المستبعد أن تتنازل الحكومة وكذلك جيش الدفاع الإسرائيلي والمؤسسة الدفاعية عن سلطاتهم ، فإن على الكنيست أن يفرض التغيير بالقوة وذلك بوسائل القانون أو القيام بتعديل قانون تأسيس الحكومة".<BR>ويخلص التقرير للقول : "يجب أن تكون هذه الأسس هي المبادئ التوجيهية الأساسية في الثورة داخل جيش الدفاع الإسرائيلي والمؤسسة الدفاعية العسكرية " .<BR>هم يتعلمون بالتالي من أخطائهم ويسعون لتقييم إعواجاجهم بعد الخسائر في حرب لبنان ويسعون لثورة تقنية قبل أن تأتي ثورة فعلية من الجنود والضباط ، فهل نتعلم من عدونا مرة واحدة أم ستستمر الخسائر والنكثات العربية بدون حتي أن نصفها بأنها هزيمة أو خسارة ؟!<BR><br>