العلاقات الفرنسية الأفريقية في عهد ساركوزي إلى أين ؟!
5 جمادى الأول 1428

[email protected]<BR><BR><BR> لقد كانت العلاقة التي رسّخها الرئيس السابق ديجول في المستعمرات الفرنسية والقاضية بالاختيار بين الاندماج الكامل في النسيج الفرنسي ، أو الاندماج الجزئي ، هي التي تحكم العلاقة بين الطرفين منذ أمد بعيد . ولكن هذه السياسة الديجولية بدأت تترنح شيئاً فشيئاً مع تعاقب الساسة الفرنسيين على الحكم ، ولعل فترة ميتران 1981م كانت البداية لإنهاء الود المزعوم ، والشعارات الجوفاء التي كان يرددها حكام فرنسا ، بأنَّ فرنسا هي بلد العدالة والحرية والمساواة ، وأنها تتبع خطى مفكريها : جان جاك روسو ، وفولتير ، وديدرو ، وموباسان وغيرهم ، فقد أدرك زعماء الدول الفرانكفونية أن ربيعها مع باريس على وشك الانتهاء وفقاً للتغييرات التي طرأت على الساحة الدولية وخاصة بعد أفول نجم الاشتراكية وظهور راعي البقر الأمريكي منفرداً بالسياسة الدولية ، فارضاً رؤيتها الأحادية على الآخرين وفقاً للسياسة التي اتبعها الجميع وأعلنها بوش : " إما معنا أو ضدنا"، هذه السياسة الأمريكية كانت إحدى الأسباب التي دعت فرنسا إلى تغيير نظرتها وسياستها تجاه مستعمراتها في القارة ، وظهر ذلك جلياً في الخطاب الذي ألقاه ميتران في قمة " كانوسون " في المكسيك ، حيث قال : " يجب الاهتمام بشعوب العالم النامي وليس بقياداته فقط "! مما يعني رفع الحصانة المخصصة لزعماء دول القارة الفرانكفونيين مواكبة للتغيرات التي طرأت في عصر العولمة وظهور القطب الواحد وما يصاحب ذلك من نظرياته حول الديمقراطية والعدالة مما قد تدفع الشعوب إلى نبذ فرنسا ونبذ عملائها معها . وجاء جاك شيراك ليتابع تلك السياسة الديجولية التي اتبعها أسلافه ، و ظهر في عهده اتجاهان تتجاذبان السياسة الفرنسية تجاه القارة وهما : <BR><font color="#0000FF">ـ اتجاه يدعو</font> إلى القطيعة مع الإرث الديغولي المتبع في القارة ، وإعادة رسم العلاقات وفقاً للمفاهيم الحديثة للرأسمالية وسياسات العولمة . ويوضح وزير الخارجية الأسبق " أوبير فيدرين " تلك المفاهيم والسياسات الحديثة بقوله : " منذ توليتُ وزارة الخارجية اضطررت مراراً إلى الاحتفاظ بمسافة مع "العقيدة " الجديدة قيد التكوين في مجال العلاقات الدولية. فالتاريخ لم يعد يدخل في الحساب ونعيش في عالم جديد بالكامل حيث يجب إعطاء الأفضلية إلى "المجتمع المدني" الوطني والدولي . ومن هذه المعتقدات الحديثة التي تطرح في الساحة الدولية ـ وإن لم أكن مقتنعاً بها بشكل كامل ـ معتقد يطرح كمسلمة أن القيم الغربية وكما هي دون أي نقاش أو تعديل ممكن ، هي قيم عالمية لا تتغير، وأي تساؤل حول هذا الموضوع وأي براغماتية هي من المحرمات في هذا الباب. والمعتقد الثاني هو أن كل بلد غير ديمقراطي يمكنه ويتوجب عليه أن يتحول إلى الديمقراطية بين ليلة وضحاها، إذ إن المعيار هي الديمقراطية الغربية السائدة اليوم ." <BR> وهكذا يضع " أوبير " السياسة التي يجب اتباعها في العصر الحديث ، رابطاً بينها وبين القيم الغربية التي على الدول الأخرى اتباعها ، ولكن هل هي قيم حقة أم مفاهيم وثنية ، وشعارات مزخرفة ، وأسس إلحادية ، وإشاعة للفاحشة ؟!<BR><font color="#0000FF">ـ أما الاتجاه الثاني فيدعو</font> إلى حل وسط في التعامل بين ضرورة الحفاظ على مكتسبات الإرث الديغولي ، وضرورة مواكبة التطورات في العلاقات الدولية. وكان يقود هذا الاتجاه الرئيس شيراك ، الذي يرى ضرورة النظر إلى السياسات العالمية ما بعد الحرب الباردة ، وفي نفس الوقت الحفاظ على مكتسبات الإمبراطورية الفرنسية وخاصة في القارة الأفريقية . <BR> ولقد ظهر في الأفق منذ حكومة ميشال روكار مروراً بجوسبان ، وانتهاءً بالحكومة الحالية ، سياسة تقليص النفقات على المساعدات المقدمة للزعماء الموالين لفرنسا في الدول الأفريقية الفرانكفونية ، وصرّح في أكثر من مناسبة ومن قبل عدد من الوزراء أن أموال دافع الضرائب الفرنسي لن تنفق عبثا من أجل تعاون لا يخدم أغراض فرنسا الحرة .<BR> لقد أدركت الدول الأفريقية أن حقبة شيراك ، هي الحقبة الأخيرة للإمبراطورية الفرنسية والمفاهيم الديجولية ، وهذا ما دفع القادة الأفارقة لتوديع شيراك ولتوديع الإمبراطورية في القمة الإفريقية الفرنسية الرابعة والعشرين في مدينة " كان " الفرنسية في مارس 2007م . ليختم بذلك حقبة من التاريخ الاستعماري البغيض تحت شعارات الحرية والعدالة والمساواة ، ذلك الثالوث الذي يروّج له فرنسا منذ احتلالها للبلدان الأفريقية ، ويبشر بها القادة ليل نهار ، واتضح من خلال الممارسة ما هي إلا شعارات للاستغلال الشعوب المستضعفة ، وإسكاتها بوعود معسولة ، ليست لها من التطبيق في شيء ، ولا أدل على فراغ مضمون هذه الشعارات ، ما قام به البرلمان الفرنسي يوم 23 فبراير 2005 بإقرار قانون يشيد بالدور الإيجابي للاستعمار في أفريقيا ، وما المجازر التي حدثت في الجزائر والسنغال ، وتشاد وغيرها ما هي إلا ضرورة كان لابدَّ من اتباعها لتحضير المجتمعات الأفريقية البربرية ! ويوضح لنا الوزير " دوست بلازي " وجهة نظر الدولة المتحضرة في استعمارها واضطهادها لشعوب القارة وتسويغ هذا الاضطرار ، بقوله : " في كل حالات الاستعمار هناك لحظتان: لحظة الغزو التي تكون دائما مهولة ، لتتبعها لحظة تقدم بفضل نساء ورجال قاموا بعملهم في مجالات التدريس، والمهندسين الذين قاموا بعملهم، وكذلك الأطباء".ويتناسى دور هؤلاء في المجازر وفي التنصير ، أو كما عبَّر عنه أحد القيادات الأفريقية بقوله : " <font color="#ff0000">قبل أن يأتي المستعمر إلى ديارنا كانت لنا مزارعنا وكانت لنا حضارتنا ، ولكن ما إن حلَّ المستعمر في بلادنا حتى جاء بالسلاح وبالإنجيل فترك لنا الإنجيل وأخذ مزارعنا وبلادنا ، خذوا إنجيلكم أيها البيض ! وأرجعوا إلينا مزارعنا " ! </font><BR> ومن الفقرات الواردة في هذا القانون : <font color="#ff0000">" يجب أن تتضمن البرامج المدرسيّة بصفة خاصّة بالدور الايجابي للحضور الفرنسي في ما وراء البحار وخاصة في شمال إفريقيا، وتولى لهذا التاريخ وللتضحيات التي قدّمها المحاربون بالجيش الفرنسي المكانة المتميّزة التي يستحقونها... " </font>، ويستخدم المشرع الفرنسي عبارة:(Présence) بدلاً من كلمة الاستعمار (Colonialisme)، إمعاناً في الاستخفاف بهذه الشعوب وبمقاومتهم الباسلة ، واستخدام عبارة " حضور " هنا لإضفاء مزيد من التضليل والكذب عن دورهم في القارة ، في أسلوب من أساليب العنجهية الفرنسية الكاثوليكية ! <BR> وقد كانت هناك نداءات من بعض الفرانكفونيين وخاصة الزعماء كسنغور وغيره ، من أن ادعاءات الحرية والعدالة والمساواة ما هي إلا ادعاءات باطلة فالحرية المقصودة هي حرية الرجل الأبيض ذات العيون الخضر ، والمساواة هي المساواة التي تتم بين البيض ، وكذا العدالة ، وليست للشعوب التي لا تنتمي للجنس الآري !<BR> وقد عبّر عن ذلك أيضاً " جون بول نغوباندي " ، رئيس الوزراء السابق في أفريقيا الوسطى في كتابه : " أفريقيا بدون فرنسا " والذي أصدره عام 2002، وأدّى هذا الازدراء والاستخفاف بالشعور القومي للأفارقة إلى مزيد من التدهور في العلاقات حيث تم حرق السفارة الفرنسية في أكثر من بلد ، وطرد السفير الفرنسي في بعض البلاد . بل وقتل السفير الفرنسي في أفريقيا الوسطى وصحفيين فرنسيين ، وظهر ذلك جلياً في الأحداث التي ارتكبت فيها فرنسا المجزرة الدموية التي حدثت في رواندا ، والأحداث التي جرت في ساحل العاج والتي لم تنته إلى يومنا هذا ! ففي أحداث ساحل العاج حاول الفرنسيون فرض موظف فرنسي تابع لهم ليحكم ساحل العاج ويفرض هيمنته على العاجيين وفق الطرق البوليسية والعنجهية القديمة ، وعلى حساب المسلمين في ساحل العاج ، حيث صرّح " دومينيك دوفيلبان " حينها إثر لقائه بالرئيس العاجي " غباغبو" : " لقد طلبت من الرئيس إرسال المرتزقة وتثبيت طائراته بالأرض للقضاء على المقاومة الشمالية "، فعلق أحد الصحافيين الفرنسيين على كلامه قائلاً : " ذهب دوفيلبان إلى أبيدجان لإعادة غباغبو إلى الطريق الصحيح ." ! <BR> لتمثل هذه الصيحات المتكررة جانباً من جوانب الانقطاع عن فرنسا وخاصة من قبل النخبة الفرانكفونية تجاه فرنسا ، وهذا ما دفع بالأفارقة إلى تغيير البوصلة والاتجاه إلى أمريكا وتوطيد العلاقات معه ، في سعي منها للقضاء على الدور الفرنسي !<BR><font color="#0000FF">ساركوزي والموجهات الجديدة للعلاقة مع أفريقيا : </font><BR>فوز ساركوزي في الانتخابات الرئاسية 2007م ، هي المرحلة الأخيرة من تلك العلاقة ، حيث يمثل التيار الذي يدعو إلى إعادة العلاقة مع أفريقيا وقطع الصلة مع السياسة الديجولية ، وهو صاحب الانتقادات اللاذعة لأفريقيا ، ويدعو إلى " هجرة منتقاة " وإلى " شراكة محدثة " قائمة على المصالح الفرنسية وفقاً لمفاهيم العولمة والديمقراطية الغربية .<BR>وذكر أن الهجرة من إفريقيا يجب أن تكون للنخبة المثقفة والكوادر العلمية المؤهلة التي تستفيد منها فرنسا ، لذا قوبل أثناء زيارته عندما كان وزيراً للداخلية في بعض الدول الأفريقية ، وخاصة بنين ومالي بموجة من الغضب من الجماهير ومن الطبقات المثقفة والسياسية . وفي خطاب ألقاه في " كوتونو" في البنين ، قال ساركوزي : إن على فرنسا وأفريقيا أن تغيرا النمط القديم للعلاقات وتخطي ما سماه بـ"العصر الاستعماري السابق . وقال : <font color="#ff0000">"علينا أن نخلص العلاقات الفرنسية الأفريقية من التلوث الذي يسودها والاستعاضة عن ذلك بعلاقات شفافة "! </font><BR>وما زال الأفارقة يتذكرون عباراته أثناء مظاهرات الضواحي الباريسية ، من أن سكانها حثالة وأنهم أوباش . وهذه العبارات البذيئة التي تنطلق منه كل مرة وسعيه الحثيث لسرقة الأدمغة الأفريقية هي العوامل التي ستحكم علاقاته مع القارة، قد يقول قائل إن تلك العبارات وتلك المواقف ما هي إلا ضرورة من الضرورات التي لا بدَّ منها للوصول إلى قصر " الأليزيه " ! إلا أن الحقيقة تقول غير ذلك لأن هذا اليهودي الهنغاري لن يطبق ولن يقوم بشيء إلا وفقاً لتلك النظرة الدراونية للآخرين ، كما ذكر ذلك بنفسه في أكثر من موقف . وأن انضمامه إلى الصهاينة الأمريكان مؤشر قوي أن المصالح اليهودية والغربية هي التي تحدد الموجهات التي ينبغي اتخاذها في العلاقة مع أفريقيا وأن المصالح الاقتصادية جزء لا يتجزأ من تلك المصالح ، ولو كانت على حساب القتلى والمشرّدين والجرائم التي ترتكبها تحت ادعاء نشر القيم الحضارة الغربية وسط البيئات المتخلفة !<BR>إنَّ العلاقات لأفريقية الفرنسية في المرحلة القادمة ستحددها الأطر التالية :<BR> ـ إطار التكالب على ثروات القارة والتنافس حولها وخاصة بينها وبين أمريكا ، وذلك عن طريق تقديم بعض التنازلات لأمريكا ، للحفاظ على قدر من التعاون في القضايا الأخرى وأهمها الشرق الأوسط .<BR>ـ تحددها الإطار الأوروبي بتقليل هجرة المسلمين إلى أوروبا ، للحد من ظاهرة انتشار الإسلام والمسلمين في أوروبا .<BR>ـ تحددها كذلك مفاهيم الاتحاد الأوروبي وحلف الشمال الأطلسي من خلال التعاون العسكري ، والسياسة الأوروبية الموحدة في القضايا المشتركة ، ومنها القواعد العسكرية الفرنسية المنتشرة في بعض البلاد الأفريقية ستسحب ويحل بدلاً عنها قوات حلف الشمال الأطلسي ، كما هو جار حالياً من خلال العمليات العسكرية المشتركة والتي تنفذ في القارة من حين لآخر تحت مسميات مختلفة .<BR>ـ تحددها أيضاً مجلس الكنائس العالمي وخاصة الفاتيكان باعتبار فرنسا معقلاً من معاقل الكاثوليكية ، وذلك للحد من انتشار الإسلام في القارة وتقوية العوامل التي تدفع على تغيير انحسار دور الكنيسة والنصرانية في القارة .<BR>ولتحقيق بعض من تلك الخطوات لا بدَّ من اتباع عامل مهم وهو نشر المفاهيم ( القيم ) الغربية وسط المجتمعات الإسلامية المحافظة ، لكسر طوق الحماية الإسلامية التي يتمسك بها كثير من أبناء القارة ، وخاصة فيما يتعلق بمفاهيم الأسرة والمرأة ، والدفع بالمزيد من الفرق والجماعات والحركات الهدّامة دعماًً مادياً وإعلامياً للترويج لما يًسمَّى " بالقيم " الغربية ، ويتمثل هنا بدعم البرامج العلمية والثقافية باللغة الفرنسية ، وخاصة الصحف والإذاعات والوسائل الإعلامية الأخرى على اعتبار أنها وسيلة من الوسائل المهمة التي تساعد على استغلالهم ونهبهم للثروات الأفريقية . <BR><font color="#ff0000">فهل سيعي الأفارقة الدور المطلوب منهم في المرحلة القادمة من العلاقات مع باريس ، أم أنَّ النظرة الضيقة التي يتمتّع بها بعض الحكام تحول دون وعيها، والحفاظ على مصالح دولها من الجشع اليهودي الفرنسي الأمريكي القادم إلى القارة ؟!</font><BR><br>