برلمان الجزائر 2007 .. لماذا خسر الإسلاميون ؟
3 جمادى الأول 1428

هل هي مفاجأة أن تظهر نتائج انتخابات برلمان 2007 الجزائري تراجعا كبيرا في شعبية التيار الإسلامي هناك على اختلاف أطيافه؟ وهل هي مفاجأة أن تستمر خسارة التيار الإسلامي الممثل في عدة أحزاب للمرة الثالثة على التوالي منذ أول انتخابات تعددية في 5 يونيو عام 1997 منذ إلغاء نتائج انتخابات عام 1992 التي كان من المرجح أن يفوز فيها الجبهة الإسلامية للإنقاذ ؟ <BR>هل لمقاطعة العديد من القوي الإسلامية الفاعلة خصوصا الجبهة الإسلامية للإنقاذ وجبهة الشيخ جاب الله زعيم حزب الإصلاح السابق دور في عزوف الناخبين المؤيدين للتيار الإسلامي عن المشاركة في الانتخابات خصوصا أن نسبة التصويت بلغت 35% فقط كما أعلن رسميا ، ما انعكس على مقاعد الأحزاب الإسلامية التي شاركت بعكس التي قاطعت ؟ أم أن اتهامات التزوير التي تحدث عنها بعض الإسلاميين كانت سببا له دوره ؟ .<BR> لقد فازت الأحزاب الإسلامية ممثلة في حزب مجتمع السلم (حمس) فقط ( الذي يمثل الإخوان المسلمين) بـ 69 مقعداً في أول انتخابات عام 1997 بعد انقلاب الجيش عام 1992 ، وفي انتخابات 2002 تحسن الوضع نسبيا ، فرغم تراجع مقاعد حزب حركة مجتمع السلم إلى 38 مقعد فقط ، فقد عوض خسارة الإسلاميين عموما فوز حزب جبهة الإصلاح بزعامة الشيخ جاب الله بـ 43 مقعد ليزيد عدد مقاعد الإسلاميين إلى 81 مقعدا من 389 مقعداً برلمانياً .<BR>أما في انتخابات 2007 ، وبصرف النظر عن إقصاء الحكومة للعديد من مرشحي حزب الإصلاح وعلي رأسهم زعيم الحزب السابق عبد الله جاب الله الذي أسقط من زعامة الحزب لصالح زعيم آخر هو محمد بولحية ، فلم يفز الإسلاميون إلا بـ 55 مقعد هي حصيلة فوز حركة مجتمع السلم بـ 52 مقعداً و3 مقاعد فقط لحزب الإصلاح بزعامته الجديدة .<BR><font color="#ff0000">اليسار والعلمانيون عادوا ! </font><BR>وبشكل عام أظهرت النتائج الرسمية للانتخابات التشريعية الجزائرية الأخيرة لعام 2007 فوز الائتلاف الحاكم (جبهة التحرير الوطني- التجمع الوطني الديمقراطي - وحركة مجتمع السلم) بالأغلبية، حيث فازت "جبهة التحرير الوطني" التي يتزعمها رئيس الحكومة الحالي عبد العزيز بلخادم بـ 136 مقعداً مقابل 199 كانت تستحوذ عليها في آخر انتخابات 2002 ، وحصل التجمع الوطني الديمقراطي (الشريك الثاني في الائتلاف) الذي يرأسه أحمد أويحيى ( علماني) على 61 من مقاعد البرلمان بعدما كان له 48 مقعداً فقط في برلمان 2002 ، وظفر حزب حركة مجتمع السلم الذي يتزعمه أبو جرة سلطاني بـ 52 مقعداً مقابل 38 في البرلمان السابق .<BR>أيضاً حصل حزب "التجمع من أجل الثقافة والديمقراطية" (علماني) على 19 مقعداً، مستعيدا بذلك تمثيله البرلماني بعد مقاطعة الانتخابات التشريعية عام 2002 ، فيما حقق حزب العمال (يسار راديكالي) بزعامة لويزة حنون مفاجأة كبيرة وحصل على 26 مقعدًا (بزيادة خمس مقاعد عن برلمان 2002) ليصبح أول قوة سياسية ممثلة في المجلس وراء أحزاب التحالف الرئاسي الثلاثة .<BR>وهو ما يعني أن الأحزاب اليسارية والعلمانية – بخلاف الأحزاب الأخرى التي تدور في فلكهم وتسمي الأحزاب الصغيرة أو "المجهرية" – حصلت تقريبا على حوالي 110 مقعد أي حوالي ثلث المقاعد مقابل 55 مقعد فقط للإسلاميين !<BR><font color="#ff0000">لماذا خسر الإسلاميون ؟</font><BR>لو قلنا أن وفاة زعيم الحزب التاريخي لحركة مجتمع السلم الشيخ محفوظ نحناح تعد سبباً مهماً في ضعف الحزب وظهور خلافات داخلية فيه كانت سببا خفيا لإخفاق الحزب في تحقيق نسبة مقاعد جيدة ، وقلنا أن فوزه بـ 52 مقعدا يعتبر مكسبا معقولا ، فلا يمكن أن نفهم سر هذا الصراع داخل حزب الإصلاح الإسلامي بين قياداته والذي أدي في نهاية الأمر لنصرة وزارة الداخلية الجزائرية لغريم رئيس الحزب السابق الشيخ جاب الله ، وإبعاد جاب الله وآخرون من الإسلاميين عن الانتخابات .<BR>فقد أدي الصراع داخل هذا الحزب الذي صعد في انتخابات 2002 وكان الكثيرون يعولون ليمثل تيار جبهة الإنقاذ الجزائرية الإسلامية لخسارة كبيرة للحزب، ومنيت حركة الإصلاح الوطني (إسلامي) التي يترأسها حاليا محمد بولحية بخسارة شديدة، ولم تحصد سوى ثلاثة مقاعد، مقابل 43 مقعداً في آخر برلمان .<BR>فالحركة شهدت أزمة انشقاقات وصراعات داخلية كبيرة قبل الانتخابات أدت إلى بروز قيادة جديدة بزعامة محمد بولحية بعد الإطاحة بالشيخ عبد الله جاب الله بقرار من وزير الداخلية ، ودفع ذلك الوضع الشيخ جاب الله إلى دعوة أنصاره للتصويت ضد قوائم حركة الإصلاح ، وحدث ما توقعه الشيخ عبد الله جاب الله من إلحاق هزيمة تاريخية بخصومه قد تحقق بالفعل، لتدخل بذلك أزمة حركة الإصلاح الوطني في دوامة جديدة.<BR>ولا يعني هذا أن جبهة الشيخ جاب الله متماسكة فهي أيضا مخترقة ، وهناك العديد من أنصاره نزلوا على قوائم أحزاب صغيرة بالمخالفة لدعوته هو لعدم التصويت في هذه الانتخابات، ما يعني أن هناك انشقاقات أخري بين أنصار جاب الله.<BR>ومع أن هناك محللين جزائريين يرون أن تكالب السلطة ضد جاب الله وإقصاءه عن حزبه يرجع لرغبة السلطة في إقصائه لترشحه في الانتخابات الرئاسية كمنافس للرئيس عبد العزيز بوتفليقة، وعدم مشاركته في الحكومة عام 2002 عندما أصبح حزبه ثالث حزب في البرلمان من حيث عدد النواب ، وأصر على البقاء في صف المعارضة ما جعل منه هدفًا للسلطة كي تبعده عن الحزب ، خصوصا أنه يطرح آراء تعد متطرفة من وجهة النظر الأمريكية خصوصا في ظل تحسن العلاقات الجزائرية/الأمريكية .<BR>ولكن هذا لا يمنع أن السبب الرئيس لتراجع الإسلاميين هو خلافاتهم كما ظهر في حزب الإصلاح، كمثال واضح للحزب الإسلامي، فمجموعة مجلس شورى حزب الإصلاح التي تمردت على جاب الله؛ وصفوه في بيان أصدروه بأنه : "ديكتاتوري في تعامله مع أعضاء الحركة، ووسع من صلاحياته على حساب مؤسسات الحركة" !.<BR>أيضا لم يكن حزب مجتمع السلم بمنأى عن هذه الخلافات الداخلية ، صحيح أن مشاركته في الائتلاف الحكومي منذ انقلاب الجيش على السلطة أثارت تساؤلات بعض القوي الإسلامية عن سر هذا التحالف مع السلطة، وهل هو تبادل منافع حيث استفادت السلطة من وجود حزب إسلامي داخلها لتؤكد أنها لا تقصي الإسلاميين كلهم وترفع الحرج عن نفسها بعدما أجهض الجيش أن كانت الجبهة الإسلامية للإنقاذ على وشك الوصول للسلطة علم 1991 ، بيد أن الانتخابات الأخيرة شهدت خلافات أيضا، حيث عبّر العديد من النواب السابقين المنتمين لحركة مجتمع السلم (حمس - الشريك الثالث في الائتلاف الحاكم) ممن جرى إسقاط ترشيحاتهم، عن غضبهم مما تعرضوا له، وإن تفهّم بعضهم الرغبة التي كان قد عبّر عنها رئيس الحركة الشيخ أبو جرة سلطاني، في عدم ترشيح النواب لأكثر من عهدتين (فترتين) .<BR>بل إن بعض قادة الجبهة الإسلامية ممن صدقوا أقوال السلطة عن السماح لهم بالمشاركة في الانتخابات ، خدعوا هذا العام للمرة الثانية حينما تم رفض ليس فقط تأسيسهم حزبا جديدا، وإنما نزولهم على قوائم أحزاب صغيرة ، كما ظلت الاجتهادات بينهم متضاربة.<BR>فالسلطة مثلا خيبت آمال مدني مزراق قائد ما كان يسمى "الجيش الإسلامي للإنقاذ" الذراع العسكرية لـ"جبهة الإنقاذ الإسلامية" المحظورة خلال مرحلة القتال ضد الجيش وقبل العفو الرئاسي ، حيث وعدته جهات بالسلطة بالمشاركة بالانتخابات التشريعية عبر قوائم حزب صغير، لدرجة أن مزراق غالى بالتفاؤل وراح يعلن عن تأسيس حزب على أنقاض جبهة الإنقاذ، باسم جديد؛ لأن الهدف حسب رأيه - المشروع الذي ناضل من أجله الأجداد.<BR>وكان "مزراق" يعلن دوما أمام الصحافة أنه وزملاءه ممن صدر بحقهم عفو رئاسي عام 2000 ليسوا ممن يشملهم (قوانين المصالحة الوطنية) ، التي تعني حظر النشاط السياسي ، ولكن وزير الداخلية نور الدين زرهوني ، ورئيس الحكومة عبد العزيز بلخادم ردوا عليه بالقول : "بأن قوانين المصالحة الوطنية واضحة بالحظر الكامل لأي نشاط سياسي لمن تسبب بالمأساة الوطنية" ويقصد بها حرب الجزائر التي عصفت بـ 200 ألف جزائري ، ليظل المقصود بقوانين المصالحة الوطنية غير واضح ، ومن هو مسموح له ومن هو غير مسموح بممارسة العمل السياسي ؟!<BR>ولينتهي الأمر بتكرار تجربة شطب كل أعضاء الإنقاذ السابقين من قوائم الانتخابات عام 2002 في عام 2007 رغم أن صحيفة سوابقهم بيضاء وليسوا مطلوبين للمحاكمة أو الأمن، أما الحجة التي يرفعها وزير الداخلية لمنع مشاركة هؤلاء فهي "عدم إثارة ضحايا الإرهاب"!!<BR>لقد شارك في انتخابات 2007 حوالي 24 حزبًا و102 قائمة حرة للمنافسة على 389 مقعدًا في الغرفة الأولى، وفاز التحالف الرئاسي الثلاثي ببرنامج واحد، وهو برنامج الرئيس عبد العزيز بوتفليقة الذي يتضمن وعود بالحرية وإنعاش الاقتصاد وتشغيل الشباب العاطل وغيره، ولكن إبعاد الإسلاميين عاما بعد آخر والتضييق عليهم لحد طرد الشيخ على بلحاج من قاعة إعلان نتيجة الانتخابات واعتقاله ستة ساعات من أجل عدم السماح له بالتعليق على كلام وزير الداخلية عن التجاوزات في الانتخابات، كلها أمور لا تصب في صالح استقرار الجزائر مستقبلا.<BR>لقد جري تعطيل الانتخابات في 11 يناير 1992 لحرمان حزب إسلامي من الصعود لسدة الحكم ما نتج عنه عنف شديد يشابه ما يجري في العراق حاليا، واستمر هذا حتى 5 يونيو 1997، حينها عرفت الجزائر تجربتين برلمانيتين: الأولى تحت اسم المجلس الوطني الاستشاري المتكون من 60 عضواً معينًا أنشأ بعد استقالة الشاذلي بن جديد وتعيين محمد بوضياف خلفا له ، والثانية تحت اسم المجلس الانتقالي بتاريخ 18 مايو 1994، لتوسع من أعضاء البرلمان والفئات المشاركة فيه من أحزاب وجمعيات عبر تعيينات رسمية .<BR>وحينما عادت الانتخابات التعددية بعد خمس سنوات من الحكم الانتقالي في 5 يونيو 1997، استمر التضييق على الإسلاميين، وجاء الرئيس بوتفليقه ليسمح لثلاثة تيارات سياسية هي: الوطنيون، والإسلاميون (السلم والنهضة فقط) ، والعلمانيون، لكن هذه التجربة سرعان ما فشلت، فعوضها باختيار ثلاثة أحزاب هي جبهة التحرير الوطني، التجمع الوطني الديمقراطي، وحركة مجتمع السلم، لقيادة الحكومة حيث كونت ائتلافًا حكوميًّا، وتحالفًا رئاسيًّا لتجديد عهدته الثانية عام 2004. <BR>ولكن ظلت المشكلة في رغبة الرئيس أن تدعم هذه الأحزاب برنامج رئيس الجمهورية، والتخلي عن برامجها بالرغم من أنها تمثل ثلاثة تيارات سياسية مهمة، وهو ما ظهر بوضوح عام 2002 حينما فاز حزب الإصلاح وتقهقر حزب مجتمع السلم ، ورفض الإصلاح الانضمام لتحالف السلطة هذا فتم التضييق عليه وإسقاط رئيسه.<BR>ولهذا قيل أن الغرض من انتخابات عام 2007 هو تقليم أظافر أحمد أويحيى رئيس حزب التجمع وأبو جرة سلطاني رئيس حزب مجتمع السلم ، ووضع بقية القوى السياسية في خدمة جناح الرئيس بغرض تنفيذ برنامجه، والاقتصار على هذا (وزارة الداخلية أغلقت باب إنشاء أحزاب جديدة)، وهي معادلة خطيرة في ظل مرض الرئيس بوتفليقه الذي ينعكس سلبًا على ما يجري في الجزائر.<BR> <BR>البرلمان الجديد سيتميز بالتالي بتراجع عدد المقاعد التي تمتلكها الأحزاب "الإسلامية" بوجه عام في ظل ضغط السلطة عليهم من جانب والانشقاقات الكثيرة التي تحدث داخل الأحزاب الإسلامية من جانب آخر، وبصعود القوي العلمانية واليسارية على حساب الإسلاميين.<BR><font color="#ff0000">انهيار التيار الإسلامي وتراجعه في برلمان 2007 يرجع بالتالي لأمرين رئيسيين : (الأول) هو خلافات الإسلاميين بين بعضهم البعض وانشقاقاتهم، و(الثاني) هو أن هناك مخططاً مسبقاً للسلطة – بالتعاون مع الغرب – يستهدف تحجيم الإسلاميين في البرلمان القادم وفق توجه السلطة الجديد الموالي أكثر للغرب والمناصر للعلمانية على حساب الإسلاميين. </font><BR><br>