
بالأمس كانت المعارضة اللبنانية تراهن على أمرين اثنين، رحيل الرئيس الفرنسي "جاك شيراك" إلى السجن بعد تورطه - بحسب المعارضة اللبنانية طبعا- بعلاقات غير طبيعية مع "آل الحريري" مستغلاً منصبه السياسي لمصالح شخصية ، وتحقيق انفراج في جدار الأزمة بين الولايات المتحدة الأمريكية وكل من دول "المحور المقاوم" سوريا وإيران خلال انعقاد "مؤتمر شرم الشيخ" ، إلا ان التوقعات جاءت على العكس تماما فلا الانتخابات الفرنسية جاءت مناسبة لرغبات وتطلعات المعارضة اللبنانية حيث تؤكد معظم المؤشرات على أن "ساركوزي" خليف" شيراك" أكثر منه تشدداً في موضوع إقرار المحكمة الدولية الخاصة باغتيال "الرئيس الحريري" ، بل ربما تربطه بـ"إسرائيل" علاقة عاطفية قد تكون مشابهة لعلاقة شيراك بـ"آل الحريري" لكن في الاتجاه المعاكس ما يعني دفعاً لإقرار المحكمة الدولية في مجلس الأمن ولو تحت الفصل السابع كما صرحت به وزيرة الخارجية الأمريكية "كوندوليزا رايس" خلال حديثها لـ"قناة العربية" منذ عدة أيام ، ولا "مؤتمر شرم الشيخ" آت أكله باتجاه إزاحة الجدار بين أمريكا وكل من إيران وسوريا بل على العكس تماما كاد المؤتمر يزرع بوادر انشقاق في العلاقات السورية الإيرانية بعد السلوك السوري المخالف للسلوك الإيراني داخل المؤتمر، ما دفع الصحافة الإيرانية لشن هجوماً لاذعاً على السياسة السورية على مدار الأيام السابقة واصفة إياها بالتسرع وقصر النظر.<BR> <BR>وهكذا مضى "مؤتمر شرم الشيخ" ومضت معه الانتخابات ولم يحدث جديد لصالح المحور الإيراني السوري بل زادت الأمور تفاقم بين كل من الولايات المتحدة الأمريكية وكل من إيران وسوريا فـ"رايس" أكدت مرة أخرى أن الخيار العسكري ضد إيران ما زال قائما إذا لم تفلح العقوبات في ردعها من استكمال برنامجها النووي، وأن المحكمة الدولية آتية ولو تحت الفصل السابع، الأمر الذي دفع بالرئيس السوري "بشار الأسد" ليعلن أن الولايات المتحدة تريد من سوريا أن تكون كبش محرقة.<BR><BR>أثناء انعقاد "مؤتمر شرم الشيخ" وقبيل الانتخابات الفرنسية ، دخل لبنان بعد خطف شابين وقتلهما في هدنة غير معلنة وغزل بين "جنبلاط" رأس الحربة في قوى الأكثرية وفريق المعارضة، حتى خال للمتابعين أن صفقة ما تُطبخ خلف الكواليس بين الموالاة والمعارضة ، برضا دولي وإقليمي يتمثل في "مؤتمر شرم الشيخ" ، لكن الهدنة التي لم تشب بعد وئدت في مهدها فإذا بالتصعيد بين الطرفين يعود من جديد وبشكل أعنف من ذي قبل.<BR><font color="#ff0000">الانقلاب على كل شيء</font><BR><BR>فبين طلة الأمين العام لحزب الله الشيخ "حسن نصر الله" على "قناة العالم الإيرانية" وتعقيب رئيس الحكومة "فؤاد السنيورة" في اليوم التالي بدأت الملفات تتفجر الواحد تلو الآخر ، بدءاً من اتهام حزب الله للحكومة بعرقلة إعادة بناء الأحياء الشيعية المهدمة جراء حرب تموز، والتذكير بما اتهم به أطراف في الحكومة بالتآمر على الحزب خلال العدوان الإسرائيلي ، وانتهاءً باتهام الحكومة للمعارضة بمحاولة الانقلاب هذه المرة على الطائف الذي أنهى الحرب الأهلية في لبنان ، والانقلاب بالتالي على النقاط السبع التي أوقفت العدوان "الإسرائيلي" على لبنان خلال حرب تموز والمتمثلة في ما يلي: <BR>1 – تبادل الأسرى عن طريق اللجنة الدولية للصليب الأحمر.<BR>2 – انسحاب الجيش "الإسرائيلي" إلى ما وراء "الخط الأزرق" وعودة النازحين إلى قراهم.<BR>3 –وضع منطقة مزارع شبعا وتلال كفرشوبا تحت سلطة الأمم المتحدة .<BR>4 –حصر السلاح والسلطة بالدولة اللبنانية كما نص اتفاق المصالحة الوطنية في الطائف.<BR>5 – تعزيز القوة الدولية التابعة للأمم المتحدة العاملة في جنوب لبنان وزيادة عددها وعتادها وتوسيع مهامها<BR>6 – العودة للالتزام بالهدنة الذي وقعه لبنان وإسرائيل عام 1949 <BR>7 – التزام المجتمع الدولي دعم لبنان على كل الصعد .<BR><BR>لذا لا تفتأ الموالاة تذكر نصر الله بمحاضر الحكومة اللبنانية التي كان حزبه جزءاْ منها حين انعقد مجلس الوزراء في 5/8/2006 ، وصدر عنه البيان التالي : "جددت الحكومة تمسكها بالإجماع وإجماع سائر اللبنانيين على النقاط السبع، وتمنت الابتعاد في مواقف الجميع عن كل ما يمكن أن يؤثر على وحدة الموقف الوطني".<BR><BR>بل إن الأمين العام للحزب "السيد نصر الله" ، وبتاريخ 9/8/2006 وجه كلمة إلى اللبنانيين بثها تلفزيون "المنار" قال فيها: "أدعو الحكومة اللبنانية إلى مزيد من الصمود السياسي وإلى التمسك بخطة النقاط السبع التي اجمعنا عليها كلبنانيين لأن أي تجاوز لبنود هذه الخطة التي اعتبرت في رأينا تحفظ الحد الأدنى من الحقوق الوطنية والمطالب هو خروج على الإجماع الذي كنا جميعا حريصين عليه في كل المراحل السابقة".<BR><BR>ويذهب الخوف بالموالاة من أن يؤدي الأمر بالمعارضة العاجزة عن تطبيق أي من أجندتها حتى الآن للتنكر لـ"اتفاق الطائف" الذي أنهى الحرب اللبنانية إذا تفاقمت الأمور أكثر وهي تدرس بعناية كل تحرك ممكن أن تقوم به المعارضة لا سيما أن البلد قادم على استحقاقات عديدة .<BR><BR><font color="#ff0000">ملامح الخطوات القادمة</font><BR><BR>بعد أن وجدت المعارضة اللبنانية المتمثلة حقيقة في حزب الله وحركة أمل أن اعتصامها في الساحات في وسط العاصمة بيروت لم يعد يفلح كما أن عكوف وزرائها لم ينجح في شلّ الحكومة وبالتالي إسقاطها، فقد رشحت الأنباء المتوافرة عن تغيرات تكتيكية في سياسة الضغط التي تمارسها المعارضة تتمثل في التوجهات التالية:<BR>• تحركات شعبية للمعارضة ، فقد تسربت أنباء بأن "حزب الله" و"حركة أمل" يستعدان لتنظيم تحركات شعبية واعتصامات وقطع طرقات في مناطق بيروت والجنوب والبقاع تحت ذريعة التباطؤ الحكومي في دفع التعويضات للمتضررين من العـدوان "الإسرائيلي" على لبنان، ومن المرجح حسب المعلومــات أن تنضم باقي قوى المعارضة إلى هذا التحرك للضغط على حكومة السنيورة، على الرغم من مسارعة الرئيس فؤاد السنيورة إلى احتواء هجمات وانتقادات نواب "حزب الله" فضلا عن الامين العام للحزب "السيد حسن نصر الله" حول ما سمي "تباطؤاً" في انجاز التعويضات كاشفا بالأرقام ما تم تحقيقه حتى الآن، داعيا السيد نصر الله إلى تقديم كشوفات بالمبالغ التي قدمت للمتضررين في الضاحية وفي الجنوب، مؤكدا أن "التباطؤ" ليس مقصودا، وبالتالي ليس موجها ضد "حزب الله" خلال مؤتمره الصحفي أمس البارحة.<BR><BR>• عودة الوزراء المستقيلين التابعين لحزب الله وحركة أمل لمكاتب وزاراتهم ليس تصالحاً مع الحكومة التي استعاضت عنهم بوكلاء من الوزراء الحاليين وإنما تطبيقاً لسياسة جديدة في إطار الضغط أكثر وقد برر أحد الوزراء المستقيلين هذه الخطوة بالقول :"من حيث المبدأ لم يتغير موقفنا من الحكومة بأنها لا شرعية ولا دستورية ولا ميثاقية، ولكن في الوقت نفسه، لا نريد أن يتم تسليم مقدرات البلد لفريق الأكثرية، فضلا عن ضرورة السعي لإعادة تسهيل أمور الناس وتعطيل أي محاولة للاستئثار والكيدية كما جرى في الشهور التي تلت الاستقالة". وردا على سؤال حول التوقيت، أجاب المصدر نفسه، بأن الممارسات "فاقت كل وصف ولعل هناك فرصة للشرح أكثر في الأيام المقبلة".! وكشفت المعلومات أيضا أن وزراء حركة "أمل" يتجهون للعودة إلى تصريف الأعمال في وزاراتهم، لسحب التفويض المعطى إلى الوزراء بالوكالة وإلى المديرين العامين، علما أن عددا منهم يمارس صلاحياته بشكل جزئي.<BR><BR>• الاستمرار في الضغط لدفع الموالاة للتوجه لانتخابات نيابية مبكرة حيث طالب "السيد نصر الله " خلال حديثه الإذاعي بحل الأزمة عبر انتخابات نيابية مبكرة ، أو تشكيل حكومة جديدة توزع بحسب حجم كل كتلة نيابية داخل البرلمان ما يعني حصول قوى المعارضة على ما يقرب من نصف المقاعد الوزارية، الأمر الذي ترفضه الموالاة بشدة وتعتبره حيلة لإقالة الحكومة بعد أن عجزت المعارضة عن إسقاطها بالشارع.<BR><BR>• التركيز خلال المرحلة القادمة على ملف رئاسة الجمهورية ، فالخلاف في تفسير الدستور اللبناني بين الموالاة والمعارضة يزداد حول إذا ما كان ينبغي وجود الثلثين من النواب في كل تصويت على انتخاب الرئيس أم انه يكفي في المرة الثانية من التصويت الأخذ بمبدأ الأكثرية المطلقة(1/2+1). المعارضة تشدد على ضرورة وجود الثلثين في حين تذهب الموالاة صوب التفسير الآخر. ويبدو أن المعارضة حسمت خياراتها في ترشيح الجنرال "ميشال عون" زعيم التيار الوطني الحر لرئاسة الجمهورية. بل إن "السيد نصر الله "في سبيل الخروج من الأزمة المتوقعة في البرلمان أثناء استحقاق الانتخاب الرئاسي ذهب لدعم فكرة الجنرال عون انتخاب رئيس الجمهورية من قبل الشعب لمرة واحدة أو لمرات عديدة على خلاف ما هو معمول به في لبنان منذ تأسيسه معتبراً ذلك" فكرة ديمقراطية متحضرة ومدنية ومتطورة وجديرة بالاهتمام". <BR><BR><BR>في حال تم وضع المحكمة تحت الفصل السابع ولم تفلح المعارضة في تحقيق أي من أهدافها مع تطبيقها للخطوات السابقة فإنه من المرجح أن تلجأ للخيار الأخير والذي يعد حقيقة من أخطر الخيارات التي ستلجأ له المعارضة خصوصاً أنه قد يعيد البلد لأجواء الحرب اللبنانية ما بين عامي 1988 و1990 حين شكلت في لبنان حكومتين أحدهما عسكرية بقيادة الجنرال "ميشال عون" والثانية بقيادة "سليم الحص" ، فقد أشاعت المعارضة خلال الفترة الماضية من دعمها لخيار "الرئيس لحود" الموشك على انتهاء ولايته لتشكيل حكومة جديدة لعدم اعترافه بحكومة السنيورة بحيث تصبح البلاد منقسمة إلى حكومتين إحداهما حكومة السنيورة الحالية والثانية تملأ فراغ الرئاسة الأولى ، ما سيؤدي إلى توتر أكبر في المواقف السياسية خصوصاً أن المرشح لرئاسة الحكومة الثانية هو ماروني في حين أن كل الحكومات السابقة كان يرأسها مسلم سني فضلاً عن أن المرشح المطروح لذلك هو نفسه "الجنرال عون" الذي شغل منصب رئيس الحكومة الثانية إبان الحرب الأهلية ما يجعل الأبواب مفتوحة على كل الاحتمالات.<BR><br>