ساركوزي الرئيس: صديق مخلص للغرب يخلف صديقا وهميا للعرب
20 ربيع الثاني 1428

بفوز نيكولا ساركوزي مرشح اليمين بالجولة الثانية والحاسمة من انتخابات الرئاسة الفرنسية، بنسبة 53 % من أصوات الناخبين، مقابل 47% للمرشحة الاشتراكية سيجولين رويال ، يمكن القول إن عهد الرؤساء التاريخيين قد ولى ودخلت فرنسا عهد جيل جديد من السياسيين ، وأن العهد الذي كان يقال فيه – خلال مدة حكم شيراك طوال 12 سنة - أن فرنسا هي "صديق العرب" قد ولى أيضا ، وأننا مقبلون على عهد جديد سيتولى فيه ساركوزي "فتى واشنطن المدلل" السلطة لينحاز بصورة أكبر للصهاينة وللصليبيين الغربيين الجدد الذين يعادون ليس فقط المهاجرين العرب في فرنسا ، وإنما حتي انضمام دولة مثل تركيا (المسلمة) للاتحاد الأوروبي (المسيحي) !؟<BR>سيجولين رويال لو فازت لم تكن بدورها ستكون صديقة العرب ، فهي زارت "إسرائيل" وقالت في الصهاينة شعرا ، ولكن ما يلفت الانتباه إليها من جانب آخر أنها كانت تقريباً أول مرشحة رئاسية تلتقي مسؤولا من "حزب الله" اللبناني وهو النائب على عمار ، ربما لموازنة سياستها ومحاولة فهم ما يجري دون إقصاء أي طرف في الشرق الأوسط .<BR>لن نقول إن ساركوزي – وزير الداخلية السابق الذي قمع بعنف اضطربات المهاجرين في الضواحي بالقوة – سيكون أكثر تطرفا ويمينية وعدوانية من كل رؤساء فرنسا ضد المهاجرين وغالبيتهم من العرب والمسلمين الذين يشكلون 6 ملايين نسمة ويعدون ثاني أغلبية دينية في فرنسا الداخل ، ولن نتحدث عن تصريحاته التي قال فيها أنه سيكنس هؤلاء المهاجرين وكأنهم حثالة ليس لهم حقوق ، ولكن سنذكر فقط أن ساركوزي سيكون أكثر تبعية لأمريكا من تبعية بلير لبوش ، وأنه سينتهي الحياد الظاهر على الأقل لفرنسا والذي مكنها من معارضة قرار غزو العراق . <BR>والغريب أنه لم يخيب التوقعات ، وكان أول تصريح له هو تأكيد أنه سيحافظ على علاقات فرنسا مع أمريكا قائلاً: " عليكم الاعتماد على صداقتنا.. فرنسا ستكون إلى جانبكم دائما" !! <BR><font color="#0000FF"> أمن "إسرائيل" أولا ! </font><BR>فرغم أن ساركوزي وعد باستمرار سياسة فرنسا في الشرق الأوسط إذا ما انتخب رئيسا لبلاده، إلا أن العديد من المراقبين وكذا من خصوم ساركوزي يشكون في هذا، مبررين ذلك بأن مواقفه القريبة جدا من مواقف (الرئيس الأمريكي) جورج دبيلو بوش المنحاز لـ"إسرائيل" تنبئ بملامح سياسة فرنسية جديدة في المنطقة، ستكون أكثر انحيازاً بالشكل الذي قد لا يمكن باريس من لعب دور إيجابي مقبول من الطرفين.<BR>ومع أن غالبية المرشحين للرئاسة الفرنسية شددوا على أنه يتوجب على فرنسا أن تشارك في البحث عن سلام بين "الإسرائيليين" والفلسطينيين ، وأكدوا على حق "إسرائيل" في العيش بأمان وحق الفلسطينيين في أن تكون لهم دولة قابلة للحياة ، وأهمية الأمن "الإسرائيلي" ، فهناك مخاوف أشد بسبب ميول ساركوزي اليهودية المتعاطفة مع الدولة الصهيونية.<BR>فجد ساركوزي من جانب والدته طبيب يهودي الأصل اعتنق الكاثوليكية للزواج من سيدة كاثوليكية تنتمي إلى عائلة بورجوازية من مدينة ليون ، وهو تربى في بيت جده ومن ثم فهو متعاطف مع معاناة اليهود في الحرب العالمية ويؤمن بأهمية الحفاظ على الأمن الصهيوني ، كما أن الكيان الصهيوني كان أول "بلد" زاره في إطار حملته الانتخابية.<BR>وفي زيارته لأميركا لم يفوت ساركوزي الفرصة لمقابلة زعماء المؤتمر اليهودي العالمي حتى يكسب ودهم وبذلك مساندة يهود فرنسا له، الذين اشتهروا بمساندتهم لليسار، وبالمقابل انتقد مرارا وتكرارا حركة حماس و"حزب الله" في لبنان والفكر القومي العربي المناهض لـ"إسرائيل" والسياسة الأميركية في المنطقة . <BR>وهو عندما سئل عن الصراع العربي الصهيوني قال "إن أمن "إسرائيل" غير قابل للنقاش بالنسبة لي، إلا أن ذلك لا يعني أنني أدعم كل القرارات "الإسرائيلية" خصوصاً فيما يخص لبنان، والفلسطينيون لديهم الحق بدولة مستقلة، كما أن للبنانيين الحق للاستقلال عن سوريا و"إسرائيل"‏ .<BR>وحول حق العودة للشعب الفلسطيني الذي كفله القرار الدولي 194 قال ساركوزي: "إن هذه المسألة معقدة جداً، وحين يصبح لكل من الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني دولته عندها يتم النقاش في هذا الموضوع".‏ <BR>ومع أن ساركوزي سعي قبل فوزه لإطلاق بعض التصريحات المهدئة للعالم العربي ونفي أنه سيسير في ركاب السياسة الأمريكية كما هي مؤكداً أنه سيقول لهم لو أخطؤوا أنهم أخطؤوا (!)، فهناك مخاوف أخري من تخليه عن الموقف الفرنسي الحيادي تجاه الغزو الأمريكي للعراق الذي ميز فرنسا عن أمريكا بعدما قادت حملة معارضة ضد الغزو الأمريكي ودخلت في تحالف مع ألمانيا ضد أمريكا وفرنسا. <BR>ولهذا تشير توقعات بأن الجالية العربية في فرنسا ستعاني من قوانين صارمة ورادعة عقب فوزه خصوصا إذا أخذنا بعين الاعتبار سياسة ساركوزي إزاء الهجرة والمواقف الاستفزازية التي اتخذها قبل سنتين عندما واجه أبناء المهاجرين في مظاهرات ضواحي باريس ووصفهم بالحثالة ووعد بتنظيف فرنسا منهم، وأن تنحاز السياسة الخارجية الفرنسية في عهد ساركوزي لأميركا، غير الدعم اللا محدود لـ"إسرائيل"،ما يعني نهاية الديجولية .<BR><BR><font color="#0000FF"> مسلمي فرنسا في عهد ساركوزي </font><BR>يبلغ عدد مسلمي فرنسا قرابة 5-6 مليون نسمة (لا توجد إحصاءات رسمية)، وهم بذلك يشكلون قرابة 10% من السكان وأبرز أقلية دينية في البلاد ، وبينهم 4 ملايين فرنسي ، و2 مليون من المهاجرين غالبيتهم من دول المغرب العربي ، وهؤلاء يسكن غالبيتهم في مناطق الضواحي الفقيرة التي انعدلت منها اضرابات عديدة للشباب العاطلين الذين يعانون من الفقر ونقص الخدمات وعدم توافر فرص العمل .<BR>وعندما كان وزيرا للخارجية سعي ساركوزي لإسكات هؤلاء المحتجين بقوة البوليس والاعتقال ، وظل حتى وهو مرشح يتوعدهم، بيد أنه اضطر لزيارة مسجد باريس ولقاء قادة المسلمين لضمان تصويتهم له وطمأنتهم على حياديته ، ومع هذا لم يصوت له من مسلمي فرنسا سوي 1% فقط من الـ 10% في الجولة الأولي من الانتخابات .<BR>ويبدو أن غالبيتهم صوتوا لمرشحة الاشتراكية روايال نكاية في ساركوزي ولأنها أيضا قدمت برامج رعاية اجتماعية جيدة للشباب وللعاطلين ودعت لتعامل مختلف مع المهاجرين ومع مسلمي فرنسا .<BR>بل أنها حذرت من أن فوز ساركوزي سيكون معناه اشتعال الاضطرابات في ضواحي فرنسا من جانب المهاجرين الساخطين على ساركوزي ، وهو ما يتوقعه محللون أيضا مستقبلا في ظل برنامج ساركوزي الذي يهتم أكثر للأثرياء ولفرنسا بلا مهاجرين . <BR>ولا ننسى هنا أن ساركوزي استفز العرب والمسلمين في العديد من المناسبات، سواء فيما يتعلق بالحجاب أو بالهجرة أو حتى الرسوم المسيئة للرسول _صلى الله عليه وسلم_ حيث أبدى دعمه ومساندته لفكرة نشر الرسوم في إطار حرية الصحافة وحرية التعبير. <BR><font color="#0000FF"> أوضاع اجتماعية شاذة!</font> <BR>والغريب في انتخابات فرنسا هذا العام لا يقتصر على النواحي السياسية أو الدينية والتحريض ضد العرب والمسلمين خصوصا من فريق من العنصريين الفرنسيين أمثال جان ماري لوبان الذي خسر في الجولة الأولي ، فأحوال المرشحين الاجتماعية تدل بدورها على حالة التفسخ الاجتماعي في البلاد بعد التفسخ السياسي على يد الجيل الجديد القادم من السياسيين أمثال ساركوزي .<BR>فمن بين 12 مرشحا للرئاسة في المرحلة الأولي اختار الفرنسيون مرشحة متزوجة عرفي (روايال) ، ومرشح منفصل عن زوجته (ساركوزي)، وكأنهم يختارون من لا يفضل قيم الأسرة أو الحياة الزوجية ، فروايال متزوجة عرفيا بعقد يسمى (باكس) رغم أنها أم لأربعة أولاد ، في حين أن ساركوزي طلق زوجته ثم عادت له في الانتخابات وابتعدت عنه مرة أخرى .<BR>وفيما كان هو يحتفل بفوزه كانت زوجته – وفق صحف غربية – في أمريكا تتبضع مع شاب آخر، ما يظهر أوضاعا اجتماعية شاذة في قصر الرئاسة الفرنسي لأول مرة حيث كان العرف المتبع سابقا هو إقامة الرئيس وزوجته في القصر الرئاسي في حين تتردد شائعات قوية عن انفصال زوجة ساركوزي بعدما دخل القصر الرئاسي.<BR>صحيح أن القانون الفرنسي يمنع الحديث في الصحافة حول الأمور الاجتماعية ويعد الحياة الخاصة مقدسة ولا يجوز الحديث عنها، ولكن بعض الأصوات بدأت تطالب بوضع عائلي مستقر في مقر الرئاسة باعتبار أن الرئيس هو القدوة وإظهاره قيمة الأسرة في القصر الرئاسي ينعكس على الرعية، ولكن آخرين يقولون أن حال ساركوزي أفضل فيما لو فازت رويال وجاءت بزوجها العرفي للقصر الرئاسي !<BR><BR><br>