كوسوفا المسلمة.. عقبات مسيحية مستمرة على استقلالها!
2 صفر 1428

رغم أنه لم يكن هناك حيلة لمسلمي اندونيسيا في استقلال بعض أقاليمها ذات الأغلبية المسيحية (تيمور) بسبب الضغوط الغربية المكثفة ، كما أن دولة أذربيجان المسلمة تم نزع إقليم ناجورنو كارباخ منها لصالح دولة أرمينيا المسيحية ، بل وتم فرض النفوذ المسيحي للصرب والكروات علي رغبة الأغلبية في دولة البوسنة المسلمة لتصبح دولة شبه علمانية ، فقد صرخ الزعماء السياسيون والدينيون المسيحيون في الدول المحيطة بإقليم كوسوفا المسلم لمجرد تصاعد دعاوى انفصال إقليم كوسوفا المسلم عن دولة صربيا .<BR>وحتى رغم صدور قرار من المبعوث الأممي الخاص إلى كوسوفا (مارتي اهتساري) يؤكد فيها أن الإقليم يجب أن ينفصل عن صربيا وان يكون له دستور وعلم ونشيد خاص وينضم للمنظمات الدولية مثل أي دولة ، وهو ما يعني أن من حق الإقليم الاستقلال ، استكثر عليه المبعوث الدولي أن يستقل ولم يذكر كلمة (استقلال) في قراره ، ومع هذا قامت ثائرة العالم المسيحي وظهرت الأيديولوجيات الدينية في الحكم علي استقلال هذا الإقليم المسلم مع أن إقليم الجبل الأسود ( ذي الغالبية المسيحية) أعلن استقلاله عن صربيا أيضا وأجرى انتخابات حرة دون أن يعترض أحد !<BR>ولهذا كان من الطبيعي أن يرفض الرئيس الصربي بوريس تاديتش استقلال إقليم كوسوفا بعد الكشف عن تفاصيل مشروع الأمم المتحدة الذي يسمح بانفصال الإقليم عن صربيا تدريجيا ، وهدد قادة الصرب المتطرفين بمنع هذا الاستقلال واستئناف حرب الإبادة ضد المسلمين ، كما عارضت الكنيسة الأرثوذكسية الصربية أيضا خطة الأمم المتحدة التي وضعها (أهتيساري) ، معتبرة أنه لا يمكن لوسيط الأمم المتحدة تحديد مصير الإقليم، مشيرة إلى أن كوسوفا جزء لا يتجزأ من صربيا ! .<BR>بل أن الصرب يركزون في رفضهم لخطة الأمم المتحدة علي مزاعم أن كوسوفا بها أهم الأديرة المسيحية وتراثهم التاريخي ، ومع أن خطة مبعوث الأمم المتحدة وعدت بالتغلب على هذا بتحديد 40 منطقة وموقعا من كوسوفا ستعطي الحكم الذاتي (!) لمجرد أن بها أديرة مسيحية ، فهم يرفضون بإصرار هذه الخطة .<BR>والمشكلة الآن أن خطة الأمم المتحدة الخاص بكوسوفا مفترض أن يتم عرضها على مجلس الأمن للموافقة عليها ، وهنا من المؤكد أن روسيا – حامية المسيحية الأرثوذوكسية في أوروبا الشرقية – سوف تستخدم حق الفيتو لمنع حصول كوسوفا على هذا الاستقلال النسبي عن صربيا ، ما يعني تجميد المشكلة كما هي .<BR><font color="#ff0000"> الاستقلال الإسلامي في أوروبا ..ممنوع ! </font><BR>القضية أصبح واضحة بالتالي ولا تحتاج لتفسيرات سياسية ، فلأن الأمر يتعلق بمسلمين – وفي أوروبا- فمحظور عليهم الاستقلال ، تماما مثلما حدث مع البوسنة التي حولوها إلي كيان مشترك بين الصرب والكروات والبوسنة وذات حكم طائفي ثلاثي علماني رغم أن غالبية السكان مسلمون (90%) ، ولهذا بدأت المحاولات الصربية – مدعومة بالكنائس الارثوزوكسية في روسيا وباقي دول أوروبا الشرقية لإجهاض خطة الأمم المتحدة وإثارة العراقيل في وجهها . <BR>ومع أن هذا الاعتراف الأممي الدولي بضرورة أن يكون هناك نوع من الاستقلال الذاتي لإقليم كوسوفا المسلم تأخر كثيرا لأكثر من 8 سنوات ، منذ انتهاء حرب الإبادة الصربية ضد مسلمي كوسوفا بعدما اجبر حلف شمال الأطلسي القوات الصربية على الانسحاب منه عام 1999 ، خصوصا أن المفاوضات الجارية منذ ذاك الحين بين الطرفين لم تفض إلى أي اتفاق ، فهناك من يستكثر علي مسلمي الإقليم الاستقلال .<BR>والأغرب أن التحذيرات الصربية والمسيحية الشرقية عموما عادت لتكرر نفس النغمة الخبيثة التي قيلت عن البوسنة ، من أن كوسوفا قد تتحول لمرتع للمتطرفين لو استقلت ، وربما تنظيم القاعدة لاحقا بهدف تخويف الأوروبيين من السماح بأي مبادرات انفصالية قد تؤدي لاستقلال الإقليم لاحقا ، وربما تساعد حملة الإرهاب الفكري هذه - في ظل غيبة أي دور إسلامي مساند – في تراجع الأوروبيين، خصوصا أن خطة المبعوث الأممي تفادى – وهو أمر غريب - الإشارة إلى أية رموز لاستقلال الإقليم عن صربيا رغم أنها وضعت لبنة هذا الاستقلال . <BR>وربما يزيد المخاوف الأوروبية والصربية أن الزعيم الكوسوفي الأكثر اعتدالا من وجهة نظرهم ( روجوفا) قد توفي العام الماضي ، وأصبحت هناك مخاوف من سيطرة عناصر إسلامية من قادة جيش التحرير الكوسوفي السابق على الإقليم.<BR>وقد ظهرت هذه المخاوف حينما دعا الغرب المسؤولين الكوسوفيين إلى سرعة اختيار خليفة للرئيس الراحل روجوفا، وأن يكونوا على مستوى اختيار الشخص المناسب لإكمال الطريق الذي بدأه روجوفا مع المجتمع الدولي، في إشارة للابتعاد عن الشخصيات التي يمكن أن يكون عليها تحفظات إقليمية خاصةً من قبل حكومة بلجراد الصربية، أو دوليا خاصةً من قبل روسيا والصين والاتحاد الأوربي، والمقصود بذلك هم قادة جيش التحرير الكوسوفي السابق والذين تحولوا للعمل في الميدان السياسي بناء على طلب "المجتمع الدولي" نفسه .<BR>إذ أكدت التجربة عدم قبول قوى إقليمية ودولية لصعود أي من هؤلاء الإسلاميين لأعلى منصب في السلطة الكوسوفية، كما حدث في بدايات العام 2005 عقب تمكن "راموش هاراديناي"، وهو أحد قادة جيش التحرير السابق ورئيس حزب (الرابطة) من أجل مستقبل كوسوفا، من تشكيل الحكومة الكوسوفية الجديدة بعد نجاحه في انتخابات ديمقراطية أشاد بها رئيس الإدارة المدنية المؤقتة التابعة للأمم المتحدة نفسها، بينما أعلن الغرب تحفظه على هذه الحكومة على لسان عدد من المسئولين، منهم "خافيير سولانا" منسق الاتحاد الأوربي للشؤون الخارجية والأمنية . <BR>وعلى الفور تقدمت رئيسة محكمة جرائم الحرب المتعلقة بيوغسلافيا السابقة في لاهاي بطلب اعتقال رئيس الوزراء الكوسوفي الجديد بناء على اتهامات -لم تثبت بعد- تقدمت بها حكومة بلجراد الصربية؛ الأمر الذي يعكس القيود علي كوسوفا من قبل الصرب والأوروبيين على السواء ، خصوصاً أن هناك تخوف من مطالبة هؤلاء الإسلاميين بالاستقلال الكامل وعدم موافقتهم على أي حلول وسط مع حكومة بلجراد .<BR>ومع أن الغرب نجح في تنحية رئيس الوزراء الكوسوفي الإسلامي (راموش) رغم أنه جاء بانتخابات حرة - كعادة الغرب في التنكر للديمقراطية لو جاءت بمن لا يرضون عنه – ليحل محله (بيرم قسومي) الذي قدم استقالته بضغط من الائتلاف الحاكم الذي رشح قائد جيش تحرير كوسوفو سابقا الجنرال أغيم تشيكو لشغل المنصب حاليا ، فالصرب يعدون أن مجرد تعيين أحد من جيش تحرير كوسوفا في منصب كبير أمر مقلق يساعد علي استقلال كوسوفا في النهاية .<BR><BR><font color="#ff0000"> أصل الأزمة</font><BR>وترجع قصة الأزمة في الإقليم إلى عام 1989 حينما قام الرئيس الصربي السابق "سلوبودان ميلوسيفيتش" بإلغاء ميزة الحكم الذاتي لكوسوفا والذي منحه إياها الرئيس اليوغسلافي الأسبق "تيتو" عام 1974؛ الأمر الذي دفع مسلمي كوسوفا إلى الرد على ذلك بإجراء استفتاء عام حول استقلال الإقليم في سبتمبر 1991 حيث صوت لصالح الاستقلال 99% ممن شارك به، وبناء عليه، تمت انتخابات رئاسية كوسوفية نجح فيها "إبراهيم روجوفا" الأستاذ السابق بكلية الدراسات الألبانية بجامعة برشتينا في مقدمة لتحقيق الكوسوفيين حلمهم الاستقلال بالطرق السلمية والدبلوماسية . <BR>وقد عارضت صربيا كل هذه الأمور لأنها لا ترغب في استقلال كوسوفا الذي يقضي على حلم التوسع الصربي؛ ما دفع مجموعات من الشباب الكوسوفيين إلى تكوين "جيش تحرير كوسوفا" الذي أخذ في شن حرب عصابات ضد جيش الاحتلال وقوات الشرطة الصربية المتواجدة بالإقليم عام 1998/ 1999 وقد ردت صربيا بحملات إبادة شديدة في المناطق التي ينطلق منها جيش التحرير الكوسوفي، من ثم لم تجد أوربا وأمريكا بُدًّا من التدخل عسكريا ضد صربيا للقضاء على هذه الحملات بعد أن فشلت جهود التفاوض السلمي التي كان آخرها مفاوضات "رامبوييه" مطلع عام 1999 نتيجة لتعنت الجانب الصربي مقابل قبول ألبان كوسوفو للشروط الدولية لحل هذا النزاع، وهو ما تحقق بالضربات الجوية من حلف الناتو لصربيا في مارس 1999 إلى أن دخلت القوات البرية لحلف الناتو إقليم كوسوفا في 9 يونيو 1999، لتبدأ مرحلة جديدة في تاريخ كوسوفا لا يكون الحكم فيها للطرف الصربي أو للجانب الألباني المسلم وإنما لإدارة مدنية دولية مؤقتة تابعة للأمم المتحدة. <BR>وتبلغ مساحة إقليم كوسوفا حوالي 11,000 كم، وعدد سكانه 2,500,000، وتبلغ نسبة المسلمين الألبان داخل كوسوفو حوالي 92%، والأقليات هناك (8%) تشمل الصرب والمونتنيغري والبوسنيين والغجر والأتراك ، ويعتبر الإسلام هو الدين الرسمي داخل الإقليم حيث تبلغ نسبة المسلمين وسط الألبان حوالي 99%، كما أن هناك أقلية ألبانية صغيرة جدا تعتنق المذهب الكاثوليكي تتمركز في شمال كوسوفا .<BR><BR>لا يرى مسلمو كوسوفا حلا نهائيا لإقليمهم غير الاستقلال التام، بينما تسوف صربيا وتريد منحهم : ''شيئا أكثر من الحكم الذاتي وأقل من الاستقلال''، ما يعني أن بلجراد لا تريد منح السيادة لسكان الإقليم ، ومع أن خطة الأمم المتحدة جاءت وسطا بين رغبات الطرفين ، فهي لا تزال مرفوضة من الصرب رغم ترحيب المسلمين بها ، ولكن دخول دول كبري علي خط تحديد مصير الإقليم - خاصة روسيا التي تزعم أن بعض أقاليمها المسلمة قد تطالب بالمثل مثل أوسيتيا الشمالية – ربما يعرقل هذه الخطط .<BR><br>