استنساخ العقل الإسلامي على الطريقة الأمريكية
7 ذو الحجه 1427

استنساخ العقل الإسلامي على الطريقة الأمريكية <BR>إذا كانت آلة العسكرية الأمريكية قد تحركت واستطاعت أن تدمر أفغانستان ، والعراق ، وتستعد للمزيد من التدمير لدول عربية وإسلامية أخرى ، ناهيك عن التدمير عن طريق الوكيل الوحيد " إسرائيل " والذي أصاب ويصيب دول الجوار والفلسطينيين بالطبع، فإن آلة الإعلام والسياسة والاقتصاد تحركت بموازاة ذلك وقبل ذلك وبعده ، وهكذا فنحن أمام حرب أمريكية شاملة تستهدف القضاء على أمتنا واستعادة استعمارنا استعماراً مباشراً ، وكل هذا مفهوم ، ولكن أخطر من الحرب والضرب محاولة تدمير الهوية عن طريق الغزو الثقافي والفكري الذي لا نستطيع صده أو رده ، وأخطر منه وأخطر محاولة تغيير مناهج التعليم في الدول العربية والإسلامية وهي آخر قلاعنا ، ولو تم ذلك – لا قدر الله – لكان هذا بداية النهاية الحقيقية لأمتنا ، لأن التعليم هو حجر الأساس في بناء الشخصية ، والمطلوب – من وجهة نظرهم - مسخ هذه الشخصية والقضاء على تميزها العقائدي والفكري ومن ثم السياسي والثقافي والحصول بالطبع على نسخة إنسانية مشوهة من النموذج الأمريكي قابلة للتبعية لأمريكا ، بل مدمنة ومستمرة لتلك التبعية وتقبل بدور التابع والخادم بسهولة ، وهذا الكلام جزء من مشروع أمريكي واسع النطاق لإعادة صياغة العالم أمريكيًّاً وتسوية النتوءات والتمايزات الثقافية والعقائدية للشعوب ، وبالتالي يصبح العالم ممهداً للخضوع للهيمنة الأمريكية بدون مقاومة تذكر .<BR>الأخبار تواترت عن تقديم الولايات المتحدة الأمريكية لعدد من المذكرات إلى الدول العربية والإسلامية تدعو إلى إعادة النظر في تدريس المناهج الدينية والتاريخية والثقافية ، ورفع فكرة الجهاد والمقاومة ، وتغيير كل ما يتصل بالتاريخ الإسلامي ضد الصليبيين أو الإسرائيليين ، وكذلك رفع ما يتصل بأخلاق اليهود في القرآن الكريم ، والدعوة إلى ما تسميه تلك المذكرات : التسامح الديني – وإن شئت سَمِّه : ( الخضوع العربي ) لأننا أصلاً أمة التسامح ، ولن يعلمنا الغرب التسامح ، بل نحن الذين علمنا العالم هذا التسامح – وغيرها من المفاهيم المتصلة بالعولمة ، وإذا أضفنا إلى ذلك التدخل الأمريكي في شئون الأقليات ، وكذلك الاحتجاج على تجريم جريمة الشذوذ أو غيرها ، لأمكننا أن نفهم ما هو المراد بنا .<BR>بالطبع فإن تلك المطالب ليست جديدة ، وحدث شيء منها إبان توقيع مصر اتفاقية كامب ديفيد عام 1978 م والدخول في منزلق التطبيع مع الكيان الصهيوني ، وكذا عندما تم تسلل الأمريكيين إلى مراكز البحوث التربوية والتعليمية في مصر عن طريق برنامج المعونات الأمريكي وتم تشويه عدد من المقررات الدراسية ، وضغط ساعات اللغة العربية لحساب اللغات الأجنبية وكذلك تغيير المفاهيم وتسريب ما أمكن من المفاهيم المتأمركة ، ولكن الجديد هو أن الطلب هذه المرة محدد ولا يلجأ إلى التسلل بل هو مطلب واضح وحاد وقطعي وإلا فالحرب ! ! والأمر شديد الخطورة بالطبع ، ولا ننسى في هذا الصدد أن إسحاق شامير كان قد طالب بإلغاء كلمة الجهاد من القاموس الإسلامي " القرآن والسنة " وذلك في مؤتمر مدريد عام 1992 م في إطار الحديث عن عملية السلام المزعومة وكأن السلام لا يستقر إلا بإلغاء عقائدنا وتحريف نصوصنا الدينية الربانية والنبوية . <BR>ويقال إن عدداً من الدول العربية قد استجاب – كنوع من الانحناء للعاصفة وسوف يتم مراعاة ذلك بالتدريج على حد قولهم ، ونذكر هنا ما قاله المعلق الأمريكي الشهير توماس فريدمان " من الآن وحتى السنوات العشر المقبلة سنعمل على استنساخ عقل إسلامي يفكر على طريقتنا نحن الأمريكان " . <BR>وهكذا فنحن بصدد إظهار طبعة منقحة من الإسلام " الإسلام الأمريكي " يقوم به خبراء التربية والثقافة الأمريكيين بإعادة صيغة الإسلام على الطريقة الأمريكية ، إسلام بلا رجولة ولا تميز ولا هوية ، ولا روح مقاومة ، وهو أمر يعني مباشرة حذف معظم آيات القرآن الكريم التي تتحدث عن الولاء والبراء ، أو عن الجهاد والحرب والمقاومة ، أو عن بني إسرائيل ، وكذلك إلغاء تاريخنا الذي عشناه وعرفناه ، والذي يشكل الغزو والتحدي الصليبي الغربي جزءاً كبيراً منه ، ليس فقط في الحملات الصليبية على الشرق من 1098 م – 1295 م ، أي تلك التي حدثت طوال 200 عام على فلسطين والشام ومصر وتونس بل أيضاً في كل المواجهات في الأندلس وفي المغرب العربي " حرب الألف عام " ، ثم المواجهة في قلب أوروبا " الدولة العثمانية " وعلينا أن نسقط من ذاكرتنا بالتالي صلاح الدين الأيوبي وعماد الدين زنكي ، بل وخالد بن الوليد ومحمد الفاتح . <BR>هذا المطلب الأمريكي لن يكون الأخير بالطبع ، وبالتالي فرفضه وتحمل نتيجة ذلك سيكون أفضل من القبول به ومحاولة الالتفاف عليه ، لأن هذا المطلب ستتبعه مطالب ، بإلغاء جامعة الأزهر مثلاً، والزيتونة والقرويين وفاس ، أو الخضوع لنوع من التفتيش على خطب الجمعة والعيدين ، أو إلغاء المدارس الدينية والجامعات الدينية عموماً ، وفي مرحلة لاحقة محاولة فرض اللغات الأجنبية <BR>" الإنجليزية مثلاً " كلغة رسمية ولغة لتلقي التعليم بدعوى العصرية والقضاء على منابع الإرهاب ، وهذا ليس غريباً على العقل الغربي الذي تمثل أمريكا النسخة الأخيرة له ، فقد فعلتها فرنسا في الجزائر ووصل الأمر إلى حد تجريم تعليم اللغة العربية والقرآن الكريم ومعاقبة من يقوم بذلك ، ولكن الشعب الجزائري مارس تعليم اللغة العربية وحفظ القرآن الكريم سرًّاً وكان هذا جزءاً من عملية الثورة على المستعمر وشكلاً من أشكال مقاومته . <BR>إنها إذن حرب أمريكية على الهوية ، لا يقبلها أحد ذو كرامة وتدخل في صميم شئوننا الداخلية ، بل ومساس خطير بالأمن القومي ، وهنا نسأل سؤالاً بريئاً ، هل يسمح لنا الأمريكيون أو الإسرائيليون مثلاً بالتفتيش في مناهجهم التعليمية ، ومطالبتهم بتغيير بعضها لأن بها أموراً تمسنا ، ومن المعروف أن تلك المناهج مليئة بالافتراءات على العرب والمسلمين وعلى الدين الإسلامي تحديداً وعلى الحضارة الإسلامية ، وترسم صورة مغايرة للحقيقة وتزرع وجداناً معادياً في العقل الغربي ضد كل ما هو عربي وإسلامي ، وهل يسمح لنا الأمريكيون والإسرائيليون بالمطالبة بتغيير القوانين العنصرية ضد الأجانب في القانون الأمريكي والإسرائيلي وخاصة ما تمت صياغته بعد 11 سبتمبر . <BR>ومن المهم هنا أن نذكر مثلاً ، أن إسرائيل لا تسمح طبقاً للقانون الإسرائيلي بممارسة التبشير المسيحي على أرضها ، وكذلك فإن أحداً لا يجرؤ على تغيير المناهج الإسرائيلية الممتلئة بالأساطير التاريخية والعداء والحقد والمناهج العنصرية الإسرائيلية ضد العرب الذين هم غير موجودون أصلاً ، وإن وجدوا فعلى الإسرائيلي قتلهم أو طردهم ، ثم إن المدارس الدينية الإسرائيلية التي أفرزت أمثال إيجال عامير قاتل رابين ، وباروخ جولد شتاين مرتكب مجزرة المسجد الإبراهيمي بمدينة الخليل ، هذه المدارس تحظى بالدعم الحكومي الإسرائيلي ، ولا يجرؤ الأمريكان مثلاً على المطالبة بإلغائها أو تعديل مناهجها ، بل كل إسرائيل كمجتمع وفكرة وحكومة ومدارس وتعليم وتربية كلها عنصرية حتى النخاع ولا تجرؤ أمريكا على المطالبة بتغيير عقلها مثلاً ! ! .<BR>المطلب الأمريكي خطير شكلاً ومضموناً ، وهو جزء من الحملة على العالم الإسلامي ، بل هو دخول في منطقة الألغام ، لأن أحداً لن يقبل هذا بسهولة ، وربط الموضوع بالإرهاب مغالطة خطيرة ، فالإرهابيون المزعومون بما فيهم المتهمون بارتكاب حوادث 11 سبتمبر ليسوا خريجي المدارس الدينية ، بل خريجي مدارس مدنية وبعضهم تعلم في الغرب ، وكذا فإن عدداً كبيراً من قادة وعناصر القاعدة بما فيهم أسامة بن لادن وأيمن الظواهري كلهم من غير خريجي المدارس الدينية ، بل إن عدداً لا بأس به من ذوي الأصول – وليس الجنسية فقط – الإنجليزية والأمريكية والفرنسية وغيرهم الذين دخلوا في الإسلام حديثاً أو منذ فترة قاتلوا في صفوف طالبان ، أو قاموا بمحاولة اختطاف طائرات " ريتشارد ريدلي مثلاً " ، وهم ليسوا خريجي مدارس دينية إسلامية ، بل تعلموا وتربوا وشربوا ثقافتهم من مجتمعات غربية ، وهكذا فإن ربط الموضوع بالإرهاب هو نوع من الخداع والصحيح أن محاربة الإرهاب تستخدم كذريعة لتمرير أمركة العالم ، وإعادة بناء العقل الإسلامي على النمط الأمريكي . <BR>ولا شك أن من دواعي الاستفزاز لعقلنا وحضارتنا أن يزعم الأمريكيون أو غيرهم ، أننا نحتاج إلى من يلقننا مفاهيم الحرية أو حقوق الأقليات أو احترام المرأة أو غيرها من المفاهيم لأن ذلك كله جزء لا يتجزأ من قيمنا الحضارية أكثر من الغرب عشرات المرات، فالحرية من صميم المنهج الإسلامي ، بل هي مقدمة على التوحيد لأن حرية الاختيار أساس المسئولية والحساب والعقاب وكذلك ضرب نصنا النظري " الكتاب والسنة " وتراثنا الحضاري وممارساتنا أروع أمثلة التعايش بين الأقليات ومختلف الأجناس والأعراق ، ويكفي أن أقليات عرقية ودينية عاشت ولا تزال في كنف المجتمعات الإسلامية ولم يحدث لها تطهير عرقي كما حدث ويحدث في الغرب " أوربا وأمريكا " حتى الآن تقريباً ، والحرية الغربية مثلاً حرية عنصرية وإلا لماذا يسكت الغرب وأمريكا على انتهاك تلك الحرية بصورة يومية وعلى مدار الساعة في فلسطين المحتلة منذ 54 عاماً وقبله عشرات الأعوام ، والأمثلة أكثر من أن تحصى في إطار العنصرية الغربية تجاه الآخر بل تجاه المرأة ، وهكذا ففاقد الشيء لا يعطيه فلن يعلمنا الغرب وأمريكا قيماً هم أنفسهم يفتقدونها على المستويين العالمي والإنساني . <BR>ولا يعني هذا بالطبع أننا نرفض التطوير أو الاستفادة من كل تقدم وكل قيمة صحيحة ونبيلة " فالحكمة ضالة المؤمن أينما وجدها فهو أحق بها " ، شريطة ألا يكون ذلك نوعاً من الإملاء ، وشريطة أن يكون ذلك أمراً صحيًّاً وليس في إطار إعادة تشكيل وتنميط العالم بما يتلاءم مع عنصر الهيمنة الأمريكية . <BR><BR><br>