هل تتصالح تايلاند مع مسلميها للتكفير عن جرائمها أم لتنشيط السياحة ؟
23 ذو القعدة 1427

بعد شهرين من توليه السلطة كرئيس وزراء جديد لتايلاند عقب الانقلاب العسكري الذي قام به الجيش ضد (رئيس الوزراء السابق) تاكسين شيناواترا في سبتمبر 2006 ، قال "سورايود شولانوت" في أوائل نوفمبر الجاري 2006 إنه "لا بد من إعطاء دور أكبر للشريعة الإسلامية في أقصى جنوب البلاد المسلم" ، وأبلغ سواريود نادي المراسلين الأجانب في تايلاند أنه "لابد من السماح بتطبيق الشريعة في المنطقة حيث يشكل الملايو العرقيون والمسلمون 80% من السكان .<BR>ومع أن هذا التصريح جاء في سياق سلسلة تصريحات لرئيس الوزراء الجديد منذ توليه السلطة تصب في خانة التهدئة مع مسلمي البلاد وإبداء الرغبة في إحلال السلام بالجنوب ذي الغالبية المسلمة ، فقد لوحظ أن رئيس الوزراء وضع شرطا لإجراء محادثات مع المسلحين المسلمين في المنطقة هو عدم مناقشة مسألة الانفصال لإقليم "فطاني" أو "باتاني" في الجنوب حيث الأغلبية مسلمة وحيث مراكز السياحة الهامة .<BR>والأكثر غرابة أن قائد الجيش السابق في تايلاند والذي شارك في عدة مذابح ضد المسلمين ، قال أن من حق المسلمين أن يطبقوا الشريعة "لأن الطريقة التي يتعاملون بها في الممارسة العادية في مجتمعهم وحياتهم مختلفة تماما عنا " ، وقال موجها حديثه للمسلمين: "يمكنكم أن تعيشوا مع جماعتكم بأخلاقياتكم" .<BR>وسبق هذا قيام رئيس الوزراء الجديد بالسفر إلى أقصى جنوب البلاد في الأسبوع الماضي لتقديم اعتذار علني عن السياسات المتشددة للحكومة السابقة المسئولة عن ترسيخ عدم الاستقرار في المنطقة التي كانت سلطنة إسلامية قبل ضمها لبانكوك منذ قرن ، وجاء اعتذاره بعد إسقاط اتهامات ضد 92 إسلاميا شاركوا في احتجاج في عام 2004 تم بعده سحق 78 محتجا أو خنقهم حتى الموت إثناء احتجازهم في سيارات ومعسكر الجيش !.<BR>ففي يوم 26 أكتوبر الجاري 2004 تظاهر نحو 3000 مسلم أمام أحد مراكز شرطة ولاية ناراثيوات ذات الأغلبية المسلمة في جنوب تايلاند احتجاجا على حملات الاعتقالات التي تجري بشكل منظم ضد المسلمين واعتقال 6 مسئولين محليين مسلمين بتهمة دعم ما تصفه الحكومة بـ"الجماعات المتمردة المسلحة" في جنوب البلاد ، فتدخلت قوات الجيش والأمن التايلاندية بالذخيرة الحية لقمع المظاهرة وقتلت ستة مسلمين وجرح المئات واعتقلت أكثر من 1300 مسلم .<BR>وإمعانا في قمع المسلمين الذين يطالبون بحقوقهم الدينية ، قامت قوات الأمن بضرب هؤلاء المعتقلين وتكسير عظام بعضهم وحشرهم (1300 مسلم) في شاحنات ضيقة لنقلهم إلى ثكنات عسكرية في مدينة باتاني (فطاني) لاستجوابهم ،فقتل داخل هذه السلخانات المتحركة حوالي 78 مسلما تايلانديا خنقا وكسرا ، وامتدح رئيس الوزراء التايلاندي السابق ما فعلته قوات الأمن، واعتبر أنهم "أدوا عملاً رائعاً"!! .<BR>ورغم تشديد رئيس الوزراء الجديد على أنه مستعد للحوار مع المسلمين بشرط عدم طلبهم الاستقلال ، فقد اعتبر مراقبون أن تصريحاته جيدة حتى الآن وتعتبر لغة جديدة رسمية في التعامل مع مسلمي البلاد خصوصا أن رئيس الوزراء السابق المخلوع تاكسين شيناواترا كان يعارض أي شكل من المحادثات مع مسلمي الجنوب ويعتبرهم "متمردين" .<BR>وحتى فيما يتعلق بقضية دفع تعويضات لعائلات الإسلاميين الذين لقوا حتفهم إثناء احتجازهم لدى الجيش عام 2004 ، وافقت الحكومة على دفع التعويضات ، خصوصا إن عائلات الإسلاميين المقتولين خنقا على يد الجيش كانت ستحصل بعد معركة قضائية أمام المحاكم استمرت لأكثر من عام على 42 مليون بات (1.2 مليون دولار) من 107 ملايين بات كانوا يطالبون بها<BR>في الدعوة التي أقاموها .<BR><font color="#ff0000">الاضطهاد لم يتوقف ! </font><BR>والغريب أنه رغم هذه المبادرات الايجابية من جانب الحكومة الجديدة ، فقد استمرت أعمال العنف والقتل ضد مسلمي تايلاند ووصل الأمر لغلق 944 مدرسة في الجنوب المسلم بعدما قررت السلطات التايلندية إغلاق جميع المدارس الحكومية في الجنوب المسلم حتى إشعار آخر، بعد اندلاع حرائق متعمدة في المدارس وهجمات أسفرت عن مقتل مدرسين بوذيين الأسبوع الماضي .<BR>كما استمرت أعمال العنف ضد المسلمين بصورة غير عادية ورد عليها تنظيمات إسلامية مسلحة بالقيام بأعمال عنف مماثلة ضد مسئولين محليين يتعمدون إهانة المسلمين ورفض مطالبهم ، والسبب هو فرض ترويج تجارة الجنس والشذوذ في الإقليم الجنوبي المسلم بهدف تنشيط السياحة هناك .<BR>ويشهد الإقليم الجنوبي باستمرار مواجهات تقوم بين قوات الجيش ومقاومين مسلمين مسلحين ، ووقعت به موجة من التفجيرات شملت قطارات للمؤن ومستودعات للجيش ومكاتب للدولة, وأدي انتشار أخبار هذه الحوادث في وسائل الإعلام العالمية لمخاوف من قبل الحكومة بشأن تضرر السياحة في البلاد .<BR>وجاء إلغاء شركات غربية سياحية للعديد من رحلاتها الجماعية إلى تايلاند ، غير إلغاء مؤتمرات ومسابقات دولية كان من المفترض أن تعقد هناك ، ليثير قلق الحكومة على السياحة ،وهو ما أثر نسبيا على صناعة السياحة المزدهرة وأحد دعائم الاقتصاد القومي الهامة .<BR>وزاد الأمر سواء وتوترا هو خوف السلطات هناك من تحالف أو تمدد للقوي الإسلامية وتعاونها مع تنظيم القاعدة بما قد يحول الجنوب المسلم إلي مكان خصب لقوات القاعدة خصوصا بعدما حدث في المنتجعات السياحية في جنوب شرق أسيا في اندونيسيا من تفجيرات ضد منشآت سياحية ، خاصة بعدما نشرت تقارير استخباراتية حول اجتماع عقد في جنوب تايلاند في العام الماضي لمجموعة إسلامية مرتبطة بتنظيم القاعدة من اجل وضع إستراتيجية لضرب أهداف سياحية في منطقة جنوب شرق آسيا وتوزيع الأدوار التنفيذية على أنصارها .<BR><font color="#ff0000">السياحة سبب خطب ود المسلمين</font><BR>ومع أن هناك حالة من الهلع الشديد من جانب الحكومة البوذية تجاه تنامي دور التيار الإسلامي في هذا الإقليم الجنوبي والاستفادة من أجواء العداء الدولي ضد المسلمين هناك لقمع أي تمرد أو انفصال يسعى إليه مسلمو الإقليم بدعوى أنهم "إرهابيين" خصوصا أن إقليم فطاني الذي يقع بين تايلاند وماليزيا ويضم 18% من سكان تايلاند ( حوالي5- 8 ملايين مسلم) تنشط به منذ عشرات السنين حركة إسلامية قوية تدعو لإنشاء دولة إسلامية تضم أقاليم (يالا وباتاني وناراثيوات) ذات الأغلبية المسلمة في الجنوب ، فمن الواضح أن السعي للحفاظ على السياحة هي سبب أخر مهم لخطب ود المسلمين .<BR>اذ تتميز مناطق جنوب تايلاند ذات الأغلبية المسلمة بأنها من المناطق السياحية الهامة في البلاد ويرتادها سياح غربيون بكثرة خاصة أنها تقع على الحدود مع ماليزيا أكبر نمور أسيا تقدما اقتصاديا، ولكن هذه السياحة ترتبط بانتشار الرذيلة وتجارة الجنس التي تنتشر في تايلاند بشكل وبائي ، كما ترتبط بمئات الخمارات وأندية الليل التي تدمر حياة مسلمي الإقليم وتتعارض مع تعاليم دينهم .<BR>وقد سعت حركة تحرير فطاني (بولو) عدة مرات لمعارضة هذه السياحة المدمرة ، وحث بيان منسوب لحركة بولو الإسلامية ، وهي اختصار لمنظمة تحرير باتاني المتحدة، شعب مالاي في جنوب تايلاند والمسلمين في أرجاء البلاد على إتباع التعاليم الإسلامية ، وحذرت المسلمين من ارتياد أماكن مثل الحانات والملاهي الليلية والحفلات الموسيقية وطلبوا منهم بدلا من ذلك البقاء في منازلهم أو في المساجد .<BR>ويبدو أن تصاعد انتشار الرذيلة في الإقليم المسلم وعدم التفات الحكومة أو مراعاتها مشاعر المسلمين هناك كانت وراء لجوء شباب من حركة التحرير إلي الهجوم الأخير على عدة مراكز للشرطة وتظاهرهم المستمر ، الأمر الذي يفسر الرد العنيف من جانب الجيش التايلندي خشية انهيار صناعة السياحة في هذه المنطقة الهامة التي تعتبر مكان سياحي جيد ولكن لا يستفيد منها مسلمي الإقليم .<BR>بيد أن هذا لا ينفي أن الصراع هناك قديم ومتصل بمحاولات القضاء على المسلمين والتيارات التي تدعو لانفصال إقليم فطاني المسلم ، حيث سبق هذا مواجهات عديدة واشتباكات قتل فيها المئات، كما جري اعتقال العديد من قادة الجماعات هناك ،ومداهمة عددًا من المساجد والمدارس وعددًا من القرى النائية، وهي العمليات التي أثارت استياء شديدًا بين المسلمين هناك .<BR>وزاد الأمر سوءا انتشار الملاهي والخمارات وبيوت الدعارة في وقت يشعر فيه مسلمو تايلاند بالغضب من عدم اعتراف الدولة رسميًّا بلغتهم وثقافتهم وعرقيتهم المالاوية الإسلامية على الرغم من مرور أكثر من 102 عاما على ضم حكومة تايلاند (مملكة سيام في ذلك الوقت) ، مملكة باتاني (فطاني) الإسلامية (جنوب تايلاند) إليها عام 1902 .<BR><font color="#ff0000">المسلمون من "مملكة" إلي أقلية ! </font><BR>وتقع منطقة فطاني بين ماليزيا وتايلاند ويرجع أصل سكانها للمجموعة الملايوية المسلمة ، ويتكلمون اللغة الملايوية ويكتبونها حتى الآن بأحرف عربية بسبب أصولهم العربية منذ نشأة مملكة فطاني الإسلامية في القرن الثامن الهجري .<BR>وتقول المراجع التاريخية أن الإسلام وصل إلى فطاني عن طريق التجارة في القرن الخامس الهجري وأخذ في التنامي حتى صارت المنطقة كلها إسلامية وتحت حكم المسلمين في القرن الثامن الهجري وصارت فطاني مملكة إسلامية خالصة ومستقلة.<BR>وعندما احتل البرتغاليون الصليبيون تايلاند أوعزوا إلى قادة تايلاند بحتمية احتلال فطاني للقضاء على سلطنة الإسلام بها ولابتلاع خيراتها فقام التايلاندون باحتلال فطاني سنة 917هـ ولكنهم ما لبثوا أن خرجوا منها بعد قليل تحت ضغط المقاومة الإسلامية .<BR>ومع انتشار الاحتلال الإنجليزي في المنطقة الآسيوية ، دخل الإنجليز تايلاند وفطاني ، وقمعوا بدورهم مملكة فطاني ومسلميها ، واضعفوا الإقليم مما مهد الطريق أمام مملكة تايلاند (مملكة سيام) لضم فطاني رسمياً لها سنة 1320هـ ( 1902 ميلادية) بعد سلسلة طويلة من الثورات والمقاومة الباسلة من المسلمين وكان هذا الضم إيذاناً بعهد جديد في الصراع بين المسلمين وأعدائهم البوذيين في تايلاند .<BR>وتشير المراجع التاريخية إلي أن إقليم فطاني لم ينضم بسهولة ويخضع لمملكة تايلاند سوي بالحديد والنار ، حيث اندلعت العديد من الثورات التي قادها أمراء مسلمون أخرها ثورة الأمير عبد القادر ، وهو آخر ملوك فطاني المسلمين والذي تقدم بقيادة الثورة سنة 1321هـ بعد سنة واحدة فقط من الضم وتعرض للاعتقال واندلعت الثورة بفطاني على إثر ذلك ولكن التايلانديين قمعوها بمنتهى الوحشية بمساعدة قوية من الإنجليز .<BR>وعندما تحول الحكم من ملكي إلي جمهوري عقب الانقلاب العسكري عام 1933 م ( سنة 1351هـ) الذي أطاح بالملكية وتردد أن هل فطاني لعبوا دورا في نجاحه للتخلص من الحكم الملكي الذي اضطهدهم ، سعي مسلمو المناطق الإسلامية الأربعة (فطاني - جالا - ساتول – بنغارا) ذات الأغلبية المسلمة في جنوب تايلاند للمطالبة بعدة حقوق لهم في عريضة قدموها للحكومة الجديدة كان أبرز ما فيها :<BR>1- تعيين حاكم واحد على المديريات الأربعة المسلمة عن طريق أهل البلاد ويكون مسلماً .<BR>2- أن يدين 80% من موظفي الحكومة بفطاني بالإسلام .<BR>3- أن تكون اللغة الملايوية هي لغة التعليم بالمدارس واللغة الرسمية لأهل فطاني .<BR>4- تطبيق الشريعة الإسلامية .<BR>5- تكوين مجلس أعلى إسلامي لتسيير شئون المسلمين .<BR>ولكن جاءت الريح بما لا يشتهي المسلمون وتحول الحكم العسكري إلي واقع مرير للمسلمين ليس لأنه تجاهل مطالبهم ، ولكنه سعي لمسخ هويتهم تماما وإذابتهم داخل الدولة ، حيث أصدر الفريق أول (سنقرام) الذي تولي السلطة في تايلاند قرارات بتغيير الأسماء المسلمة إلى تايلندية ومنع لبس الجلباب الأبيض المميز للمسلمين غطاء الرأس للنساء ،وتحريم استعمال اللغة الملايوية ذات الحروف العربية وأغلقت أبواب المدارس والجامعات أمام الفطانيين وكذلك المناصب الحكومية والجيش والشرطة وأغلقت الجوامع والمساجد وحرم التبليغ والتبشير بالدين الإسلامي .<BR>وقد توالت على الإقليم المسلم عدة ثورات ومحاولات من جانب المسلمين لإعادة المطالبة بحقوقهم واجهتها السلطات هناك بالقمع والاعتقال لكل من قاد المطالبة بهذه الحقوق ، مثل حركة الحاج محمد سولونج أحد العلماء المسلمين بفطاني الذي طالب عمل بعدم إخراج محصولات وموارد فطاني خارجها واستهلاكها محلياً واعتقل وحكم عليه بثلاث سنوات ، ثم قتلوه !.<BR>ولذلك لم تكن المظاهرات أو انتفاضة الشباب المسلم الأخيرة سوي جزء من محاولة لفت الأنظار إلي قضية مسلمي الإقليم الذين لم يعودا يطالبون بالانفصال بقدر ما يطالبون بأقل حقوق الإنسان الضرورية المحرومين منها مثل حقهم في تعلم دينهم والتعلم بلغاتهم الملاوية ومراعاة عاداتهم وتقاليدهم الإسلامية .<BR>التهدئة الحكومية الأخيرة مع المسلمين هناك ليس لها تفسير سوي أنها تستهدف تحقيق هدف مزدوج هو منع تحالف القوي الإسلامية هناك مع جماعات القاعدة المنتشرة في جنوب شرق أسيا كي لا ينعكس هذا على تقوية شوكتهم وتحول المنطقة إلي ساحة قتال تهرب منها السياحة .<BR><br>