العقيد الانتقالي ..عبد الله يوسف أحمد
17 شوال 1427

حينما انتقل (الرئيس الانتقالي) عبد الله يوسف متوجا إلى مدينة جوهر الصومالية وألقى أول خطاب رسمي له على أرض صومالية كرر على مسامع الحاضرين أنه رجل حرب لا يرحم في المواقف الصعبة وأنه مستعد لكل شيء لاستعادة الأمن والاستقرار في الصومال .<BR>عبد الله يوسف أحمد ذو السبعين خريفا والذي استقر به الأمر كرئيس انتقالي بمدينة بيدوة له تاريخ حافل بالمفارقات حيث بدأ كعسكري وانتهى اليوم كسياسي يرى مستقبله في مهب الريح ، بعد أن رهن حياته لمشروع شخصي جعله يتنقل من عداوة إلى عداوة فجاءت حياته حافلة بصراعات اختار أكثرها بنفسه ..<BR>إذ يعد من أبرز زعماء المليشيات التي خاضت الحرب الأهلية ، ومن زعماء الحرب أصحاب النفوذ .<BR>ترأس إقليم بلاد بونت الصومالي ذي الحكم الذاتي التي أعلنت من جانب واحد عام 1998 في المحافظات الشمالية الغربية بالصومال. <BR>كان يوسف الذي ينتمي لقبيلة دارود إحدى القبائل الرئيسية ضابطا بارزا بالقوات المسلحة الصومالية خلال مدة حكم سياد بري.<BR><font color="#0000FF"> النشأة والتطور: </font><BR>ولد عبد الله يوسف عام 1934 بمدينة جالكعيو بوسط الصومال الصومال.<BR>تخرج في الكليات الحربية في كل من إيطاليا والاتحاد السوفيتي السابق، واستهل حياته العملية في السلك العسكري حيث ترقى في سلم الرتب العسكرية حتى رتبة عقيد.<BR>درس القانون فيما بعد بالصومال لفترة وجيزة ثم حال الاعتقال دون إتمامه الدراسة. <BR>اعتقل في أكتوبر 1969 إثر انقلاب تسلم به محمد سياد بري رئاسة البلاد،وظل في السجن لست سنوات.<BR>عين قائدا للجيش الوطني الصومالي في الجبهة الجنوبية خلال الحرب ضد أثيوبيا لتحرير إقليم أوجادين (1977-1978 ) ، وعلى إثر محاولة انقلابية فاشلة شارك فيها ضد نظام بري فر إلى كينيا في إبريل 1978.<BR>وبعد أشهر قليلة وفرت له إثيوبيا الملجأ الآمن ليشن من هناك حرب أحراش تستهدف الإطاحة بسياد بري.<BR> وفي أديس أبابا أنشأ أول جبهة معارضة صومالية تحت اسم "جبهة الخلاص الوطني" ولقي دعما كبيرا من الرئيس الأثيوبي منجستو هايلي مريام الذي كان يناصب سياد بري العداء.<BR> وفي عام 1986 اعتقلته السلطات الأثيوبية وأودعته السجن بموجب اتفاق بين سياد بري و منجستو مريام، وظل في السجن إلى أن تمت الإطاحة بكل من سياد بري ومنجستو عام 1991.<BR><font color="#0000FF"> من السجن إلى الأسر : </font><BR>بعد أن أفرج عن عبد الله يوسف عاد إلى الصومال ليقود جبهة الخلاص الوطني مرة أخرى واتخذ مقره مدينة بوصاصو بشمال شرق الصومال التي كانت تسيطر عليها جماعة الاتحاد الإسلامي، الأمر الذي أدى إلى تفاقم الخلاف بينه وبين قادة هذه الجماعة. <BR>ووقع يوسف في أسر جماعة الاتحاد الإسلامي بعد معارك دامية بين الطرفين عام 1993 ثم أفرج عنه بوساطة قبلية.<BR>لكنه وبتحالفه مع قوى إقليمية أفلح في القضاء على نفوذ الجماعة فيما بعد في منطقة شمال شرق الصومال.<BR><font color="#0000FF"> الزواج مع السلطة: </font><BR> في عام 1998 أعلن العقيد يوسف رئاسته على ولاية بونت الإقليمية التي تضم 5 محافظات من أصل 18 محافظة تتكون منها الجمهورية الصومالية وأقام بها حكما ذاتيا.<BR>وأصبح فيما بعد رجل إثيوبيا في الصومال حيث عقد صفقة ينال بها دعم إثيوبيا في مقابل استغلال إثيوبيا لمواني إقليم بونت ومعاونتها في القضاء على التواجد الإسلامي في الصومال .<BR>وقد قرر مجلس الأعيان في بونت لاند إعلان الحكم الذاتي في أغسطس 1998، وانتخاب زعيم الجبهة الديمقراطية لإنقاذ وخلاص الصومال العقيد عبد الله يوسف أحمد رئيسًا انتقاليا لها ، وقد رضي طموحه إلى حين بهذا القدر من السلطة .<BR>ومن هنا عرقل عملية إجراء الانتخابات الرئاسية في الموعد المحدد قبل انتهاء المرحلة الانتقالية، والتي نص عليها ميثاق الحكم والذي جاء بموجبه رئيسا انتقاليا ،وإزاء الضغوط عليه رفض التنازل عن سلطاته، مما أدى إلى دخوله في صراع شديد مع رئيس المحكمة العليا، وانقسام مجلس أعيان بونت لاند بين جناح مؤيد للتمديد ليوسف لمدة ثلاث سنوات أخرى، وجناح آخر رفض التجديد. كما نشأت حالة من ازدواجية السلطة بسبب تجديد الجناح الأول لولاية يوسف بينما قام الجناح الثاني بانتخاب جامع علي جامع رئيسا جديدا للبلاد في 14/11/2001. وهو ما أدى بدوره إلى دخولهما في مواجهات مسلحة، حيث نجح يوسف في مايو 2002 في دخول مدينة بوصاصو التي سيطر عليها جامع، اضطر بعدها جامع إلى مغادرة البلدة ، لتتم سيطرة يوسف على الأقاليم الخمسة لبونت لاند في أغسطس 20002 بعد سلسلة من المواجهات العسكرية الواسعة.<BR>وحين قامت أول حكومة صومالية في أكتوبر من عام2000م بقيادة عبدي قاسم صلاد حسن والتي عرفت بحكومة عرتة ، والتي علق الصوماليون عليها آمالا كبيرة حيث كانت تحمل بالفعل رؤى وخططا وآمالا وميولا وطنية لتوحيد الصومال وإنهاء حالة الاحتراب الداخلي ، أنشأ يوسف أحمد مع مجموعة من زعماء الحرب ما عرف حينها :"المجلس الصومالي لإعادة البناء" الذي دعمته كل من إثيوبيا وكينيا والولايات المتحدة وهو تحالف بين زعماء حرب معارضين من أجل إفشال جهود حكومة عرتة لتوحيد الصومال ، ورغم هشاشة هذا التحالف نجح التحالف بالفعل في إفشال حكومة صلاد حسن ومن ثم إسقاطها. <BR><font color="#0000FF"> طموحات وميول: </font><BR>يميل يوسف إلى الأسلوب السلطوي في الحكم وله تاريخ حافل بالإقصاء والصراع حول السلطة بدءا من صراعه على السلطة في إقليم بونت مع جامع على جامع ومرورا بصراعه مع صلاد حسن والذي اضطره للانسحاب من الجولة الثانية من الانتخابات بعد معركة بالأيدي في مقر الانتخاب أثناء الانتخابات التي رعتها نيروبي ، ووصولا بصراعه مع غريميه الشريكين في السلطة الشريف حسن عدن رئيس البرلمان ذو الولاء الوطني ، ورئيس الوزراء الصومالي علي محمد جيدي المنافس الرئيسي له في نيل الدعم الغربي والإقليمي والذي لا يريد أن يشاركه فيه أحد . <BR> <BR>وقد جاء في تقرير منظمة العفو الدولية لعام 2002: انتهت مدة ولاية زعيم أرض البانت عبد الله يوسف أحمد في يونيو/حزيران 2002. وبموجب ميثاق أرض البانت، حل محله مؤقتاً رئيس المحكمة العليا، يوسف ناجي نور. ولكن عبد الله أحمد رفض الاعتراف باستبداله، ووقعت مصادمات بين أنصار الطرفين في أغسطس/آب في بوساسو( بوصاصو)، حيث قُتل نحو 40 شخصاً. وفي نوفمبر/تشرين الثاني عين مجلس الكبار جامع جامع الزعيم التالي، مع أن عبد الله يوسف أحمد رفض القرار مرة أخرى. واندلع قتال بين أنصار الجانبين في نوفمبر/تشرين الثاني و ديسمبر/كانون الأول في غاروي، أسفر عن مصرع مالا يقل عن 13 شخصاً.<BR> <BR>و مع أحداث سبتمبر علت موجه أمريكا للحرب على "الإرهاب" خطب ود أمريكا مرارا ليكون رجلها في حربها المزعومة ضد الإرهاب في الصومال ، فقد صرح مرارا بأن في العاصمة إرهابيين، وأبدى مرارا قبل أن يصبح رئيسا استعداده لتنظيف الصومال من الإرهابيين .<BR>وجاءت أحداث كينيا بمحاولة إسقاط طائرة إسرائيلية شمال مومباسا، أكبر مرفأ على الساحل الكيني، في 28 نوفمبر 2002، و تفجير سيارة مفخخة في قلب فندق باراديس الذي تملكه شركة إسرائيلية، ويرتاده سياح إسرائيليون ،وتوجهت الأنظار الاستخباراتية الأمريكية صوب الصومال لتجد العقيد عبد الله يوسف رهن الإشارة حيث طالب الحكومتين الأمريكية والإسرائيلية بمساعدته في السيطرة على مدينة كيسمايو الاستراتيجية، ليتمكن من القضاء على شبكات الإرهاب التي تشكل خطراً على المناطق القريبة من الحدود الكينية، وكرر تأكيد وجود قواعد للإرهابيين في مناطق نائية من إقليم بونت لاند.<BR>ولعلَّ توقيت ظهور دعاوى مكافحة "الإرهاب" والتسريباتِ الأمريكية لحلفائها بوجود أكثر من 70 عنصرًا من عناصر القاعدة ما بين يمنيين وسودانيين، كمبررٍ لتشكيل "تحالف مكافحة الإرهاب" في ظلِّ وجود حكومة فيدرالية يكشف مخططاتٍ دفينةً ومصالح مشتركة بين واشنطن وأثيوبيا التي تريد استمرارَ التدخل في كافةِ الأوضاع الأمنية والسياسية في الصومال في ظلِّ رئاسة الجنرال يوسف عبد الله الموالي لها.<BR>ومن هنا فإن تبني الرئيس الصومالي الانتقالي لخيار استدعاء قوات أجنبية إلى الصومال والضغط على الحكومة والبرلمان في بيدوة للموافقة على ذلك هو مبدأ مقترن بطبيعته الشخصية أكثر من ارتباطه بالظرف الأمني والسياسي .<BR> ولكون الرجل ذي السبعين خريفا عسكريا فلم يكن ليملك رؤى خلاقة لحلحلة الوضع في الصومال بالإضافة إلى انخفاض سقف طموحاته تمحورها حول ذاته ودورانها في فلك القوى الخارجية اللاعبة ، فلم يكن يملك أي خطط لإرساء الأمن وبدأ مهمته بمحاولة استيراد الحلول من الخارج حيث يرى أن النظام الفيدرالي هو النظام الأنسب للصومال، حيث تتوزع السلطات بين الأقاليم، إضافة لاعتماد نظام السوق الحر، وإقامة علاقات جيدة مع دول الجوار، وتوطيد علاقات الصومال مع الدول الغربية. ووفق الدستور،ولهذا فمما يؤثر عنه قوله: بكل صراحة ووضوح، أقول انه لا أمل في أي سلام أو استقرار في الصومال، ما لم تتم الاستعانة بقوات من الخارج لتساعدنا على نزع سلاح الميليشيات المسلحة المنتشرة في البلد، وتعين قواتنا الناشئة على تحمل مسؤوليتها في الداخل. وهذه القوات مهمة ولا نجاة للصوماليين من دونها. هكذا أفهم الأمر، وهكذا يتعين على الآخرين أن ينظروا إليه. <BR>و مع صعود المحاكم وقع صراع مسلح بين زعيم المليشيات التابعة لحاكم بيدوا وبين المليشيات التابعة ليوسف مما أدى لمعركة سقط فيها العشرات تمكن يوسف من إنهائها لصالحه ، كما أنه تعرض مؤخرا لمحاولة اغتيال في بيدوة لم يعلن بعد عن مسؤولية أي جهة عنها.<BR>ومن ثم جاءت إنجازات اتحاد المحاكم الإسلامية لتمثل صدمة للرئيس وتقضي على آماله بعد ظنه أنه كان ينظم له العقد ليتوج !!<BR><br>