هل تحولت أفغانستان إلى مقبرة للناتو ؟
17 رمضان 1427

كتب ك.م. بهادراكمار *<BR><BR>حظيت جمهورية الجبل الأسود التي مضى على استقلالها الآن أربعة أشهر فقط و الواقعة على البحر الإدرياتيكي، يوم الاثنين الماضي بزيارة هي الأولى التي يقوم بها ضيف أجنبي لها حينما وصل إلى عاصمتها 'بودغوريكا'، (وزير الدفاع الأمريكي) دونالد رامسفيلد. هذه البلاد المجهولة ذات الطبيعة الجبلية الصعبة و الرائعة في ذات الوقت، بسكانها الذين يناهز عددهم 630 ألف نسمة، باتت واحدة من أهم نقاط العلاقات الجيوسياسية العالمية مع بداية هذا القرن الحادي و العشرين. <BR>أما عن مهمة رامسفيلد فلقد كانت الطلب من القيادة في بودغوريكا التي لا تملك أية خبرة من هذا النوع، أن تشارك بإرسال مدد عسكري ليكون جزءً من الائتلاف المساهم في الحرب على 'الإرهاب'. و لقد وعدهم رامسفيلد في مقابل ذلك، أن الولايات المتحدة سوف تساعد في تدريب جيش جمهورية الجبل الأسود الحديث التكوين ليصير على نفس مقاييس منظمة حلف شمال الأطلسي (الناتو). <BR>الواقع أن رئيس الوزراء، ميلو دجوكانوفيتش، لم يكن من الممكن له أن يتعهد بأية التزامات. لأن مقترح رامسفيلد وصل في لحظة محرجة للقيادة في بودغوريكا التي كانت قد أنهت لتوّها، مسودة مشروع يقضي بتخفيض عدد أفراد قوتها من 4000 إلى نحو 2500 جندي فقط. <BR>هذا التبادل الدبلوماسي الغريب بين القوة العسكرية الأكثر إثارة للرعب على وجه الأرض من جهة، و بين أحدث عضو في المجتمع الدولي من الجهة الثانية، يحضر إلى الأذهان مفارقات الحرب على 'الإرهاب' عشية ذكراه السنوية الخامسة. فخلال الشهر الماضي فقط، وقعت ثلاثة اجتماعات للنّاتو على المستوى الوزاري و بحثت بشكل خاص، الكيفية التي ينبغي العمل بمقتضاها لأجل تعزيز قوات الحلف العاملة في أفغانستان. <BR>لقد اعترف (جنرال الفيلق البحري الأمريكي) جيمس جونز (القائد الأعلى للعمليات في الناتو)، أن المقاومة الشديدة التي تخوضها طالبان و التمرد المتنامي قد فاجأت الحلف. لقد أدركت قوات الناتو أن حربا شاملة باتت تقع هناك بدلا من مهمة حفظ السلام التي تُخُيِّلَتْ سابقا لأن القواعد الجديدة للاشتباك فرضت على قوات الناتو المنتشرة في الأقاليم الجنوبية لأفغانستان على أن تمتد قريبا لتعم البلد بالكامل، حيث يتواجد الجنود الأمريكيون والذين سوف يوضعون تحت قيادة الحلف طبقا للتقارير. <BR>القادة البريطانيون في الجنوب مُنحوا الضوء الأخضر في استخدام الصواريخ التي من الممكن أن تصيب المناطق السكنية و لقد سمح لهم أيضا باللجوء إلى الضربات الجوية على الأماكن التي يشتبه أنها تشمل تجمعات لتشكيلات طالبان بمعنى أن لهم الحق في القيام بضربات وقائية فضلا عن إقامة الكمائن. ولحد الآن، أعلن قائد بريطاني أمام الإعلاميين أن شدة ووحشية القتال تفوق وبكثير ذلك الدائر في العراق. <BR>معدّل الوفيات وسط هؤلاء الـ 18500 جنديا الذين تتشكل منهم قوة الناتو هناك، هو في حدود الخمسة أفراد أسبوعيا و هذا يساوي تقريبا الخسائر التي كان يتكبدها السوفييت في أفغانستان خلال الثمانينيات. و بالطبع هنا، يمكننا أن نفهم تلك التعليقات الساخرة التي أوردتها جريدة الصانداي تلغراف في عددها لنهاية الأسبوع الماضي على لسان القادة السوفييت الذين أشرفوا على حملة موسكو المدمرة حيث تنبأ هؤلاء بأن قوات الناتو سوف "تُجْبَر" أخيرا على الهروب من أفغانستان. <BR>الجنرال بوريس غروموف (القائد السوفييتي، الذي أشرف على الانسحاب في العام 1989)، حذر بقوله إن : "المقاومة الأفغانية هي، في رأيي، تنمو. إن مثل هذا السلوك بالنسبة للأفغان الفقراء، معروف بالنسبة لنا. لقد توارثوا هذا بمنطق قرون من التقاليد، الجغرافيا، المناخ و الدين" ثم يواصل: "رأينا على مدى سنوات طويلة، كيف كانت البلاد ممزقة تحت وقع الحرب الأهلية ... لكن و في مواجهة العدوان الخارجي، الأفغان كانوا دائما يتناسون اختلافاتهم و يتحدون. و بكل تأكيد، إن قوات الحلف (المقودة أمريكا) ينظر إليها باعتبارها تمثل تهديدا للوطن". <BR>المقارنة بفترة الثمانينيات غير دقيقة على نحو كامل. فإبان حقبة الوجود الشيوعي في ثمانينيات القرن الأخير، كان ما يربو عن المئة ألف جندي سوفييتي، يشتغلون مع جيش أفغاني يتشكل من ضباط مدربين في الكليات الحربية النخبوية في الاتحاد السوفييتي مدعومون بالطيران، المركبات المدرعة و المدفعية، فضلا عن كل ميزات العمل، و الدفع السياسي من حكومة كابول و لكن هذا لم يشكل مكافئا أو نظيرا للمقاومة الأفغانية.<BR>إذن و على سبيل المقارنة، هناك حوالي 20 ألف جندي أمريكي بالإضافة إلى نفس العدد تقريبا من الجنود الذين ينتمون إلى قوات الناتو من بينهم 5400 بريطاني، 2500 جندي كندي، 3200 آخرين من هولندا فضلا عما يقارب 4200 ألف جندي من الجيش النظامي إلا أن هؤلاء الأخيرين، يعانون من مشكلات كبيرة في التسليح و التدريب و لقد طلب الجنرال جونز، ما لا يقل عن 2500 جندي آخر لتعزيز قوة الناتو إلا أن أعضاء المنظمة الرئيسيين -تركيا، فرنسا، ألمانيا، أسبانيا و إيطاليا- رفضوا إرسال المزيد من الجند و في الحقيقة، من المشكوك فيه أنه إذا ما استقدم 2500 جندي إضافي فإن هذا سوف يحدث تغيرا كبيرا في بلد بحجم أفغانستان و بمثل تلك التضاريس التي يتشكل منها. <BR>السير سيريل تاونسند، السياسي - و الجندي سابقا- البريطاني المتميز، كتب في جريدة الحياة هذا الأسبوع: "إن تقييما عسكريا واقعيا للوضع يجعلنا نتوقع استحالة تحقيق سيطرة على طالبان و القاعدة، و البدء في استمالة جنوب شرق البلد، سوف يتطلب نشر ما لا يقل عن 10 آلاف جندي إضافي من القوات الاحترافية، المؤهلين جيدا مدعومين بقوة جوية متناسقة". <BR>بوضوح، هنالك أزمة كبيرة و متنامية بالنسبة للناتو مفادها أن مصداقيته حاليا، في خطر. و لكن السير سيريل لا يتنبّأ بأن الحلف سوف يتمكن من تجميع الموارد العسكرية المطلوبة لهزيمة طالبان على أرضها. و لا عجب في ذلك لأن الفريق ديفيد ريتشاردز، قائد قوات النّاتو في أفغانستان و المساعد الأول السابق في قيادة الأركان العامة للجيش البريطاني، حذر في مقابلة تلفزيونية حديثة، من هذا الخطر بالقول: "إننا نحتاج لإدراك أنه من الممكن لنا أن نفشل في ظل هذا الواقع". <BR>ينظر معظم المراقبون للأزمة المتنامية في أفغانستان، تقريبا إلى أن السبب يعود فقط إلى النقص في جلب التقنية العسكرية العالية لأجل تحقيق النصر على طالبان و في لعبة اللوم هذه، يتكرر النقد الذي مفاده أن واشنطن لم تخصص العدد الكافي من القوات هناك. <BR>البعض يقول أن حرب العراق بدأت تتضح على أنها عامل مشتت بائس بالنسبة للإدارة الأمريكية لأن هذه الأخيرة انشغلت هناك منذ عزلها لنظام طالبان في العام 2001. في حين أن البعض الآخر يحمل اللوم على الجانب الأوروبي لأن الأوروبيين وفقاً لهؤلاء، جبناء جداً وأنانيون ولا يحبذون خوض الحروب البعيدة عنهم حتى ولكان في ذلك مصلحة مطلقة بالنسبة لهم. <BR>وبالطبع، هناك الاتهام الدائم على أن السياسة الإقليمية الأمريكية في عهد إدارة الرئيس جورج بوش، كانت مهملة لمبدأ بناء الدولة بما أن واشنطن كانت متأخرة في تخصيص الموارد المالية الكافية لإعادة بناء أفغانستان (مقارنة مع ما فعلته في تيمور الشرقية أو البوسنة والهرسك). <BR>كل هذا النقد قد يحتوي على عناصر الحقيقة. لكنه لا ينفي أن المعنى الجوهري للأزمة يتعلق بالواقع الصعب الذي يتكرر كثيرا والذي مفاده ضرورة العمل على تأمين الحدود مع الجارة باكستان، و طالبان قد استعادت مجدها الجوهري باعتبارها قوة مقاومة قادرة على شن صراع طويل الأجل. وبالتالي فإن القضية المركزية هي أن الولايات المتحدة فشلت في التوصل إلى إستراتيجية سياسية وعسكرية قادرة على تحقيق النصر في أفغانستان، ببساطة. <BR>المقارنة رُسِمَتْ مع عمليات حفظ السلام الناجحة في البلقان. أما ويسلي كلارك، القائد العام لقوات الناتو سابقا، فلقد كتب في مجلة نيوزويك مؤخرا يقول: "لأجل تحقيق النصر، يجب أن نستفيد من بعض الدروس التي تعلمناها و تألمنا جراءها كثيرا في البلقان. يجب أن نقر بحجم المهمة و نقف تحت مظلة السلطة الكاملة للمجتمع الدولي. في وسع الناتو أن يحقق كثيرا و أكثر من مجرد طلب المزيد من التعزيزات. نحتاج إلى الإقرار بأن مهمتنا هي أساسا: بناء الدولة". <BR>لكن ولمرة أخرى، إن المشكلة الأفغانية تختلف إلى حد بعيد مع تقسيم يوغسلافيا. في المقام الأول، هناك الطبيعة المختلفة بدرجة كبيرة للتدخل الأمريكي في أفغانستان. لقد كان ذلك بمثابة نتيجة فورية لهجمات 11/9 وسط مناخي دولي وصفته جريدة لوموند بـ"براعة"، بقولها: "كلنا أمريكيون !!" و لم يقم أي واحد وقتها بطرح الأسئلة حول هل من حق أمريكا مهاجمة طالبان أو لا. لقد قبل المجتمع الدولي الأمر ببساطة. <BR>لكن الحقيقة الباقية ملخصها أن واشنطن كان في وسعها ألا تعمد إلى التدخل المباشر والاكتفاء بدعم الجماعات المناوئة لطالبان بواسطة السند السياسي والدبلوماسي والعسكري، ولقد كانت هذه الجماعات تحت سلطة أحمد شاه مسعود ثم تحولت بعد اغتياله إلى مساندة الملك ظاهر شاه والكل كان جاهزا تقريبا في أواخر العام 2001 للإعلان عن تأسيس حكومة منفى. <BR>حتى الملك الأفغاني نفسه أُقْنِعَ أخيرا بضرورة الإقلاع عن تحفظه والعودة إلى النشاط السياسي بعد ثلاثة عقود من النفي في روما. لقد كان في وسع ذلك الخيار، لو تم تطبيقه، أن يفتح الطريق لأجل تحقيق حل أفغاني مثالي يتحدى نظام طالبان. حل كان يمكن أن يتمتع بالقدسية المتوافقة مع التقاليد والثقافة الأفغانيتين. <BR>لكن إدارة بوش عن عمد، اختارت ألا تسلك هذه الطريق. وقررت نظريا، أن عملية عسكرية سريعة سوف تساهم في التخفيف من وطأة الجرح الذي أصاب الأمريكيين نتيجة لهجمات 11/9 و تبرز بذلك، القيادة الحازمة في البيت الأبيض في كل ما يتعلق بحماية الأمن القومي. <BR>ومثلما كان مزعوما، اختارت إدارة بوش أن تجعل من أفغانستان مختبرا تجرب فيه صلاحية مبادئ سياسة 'الضربات الوقائية'، التحالف الدولي، الأحادية و ما إلى ذلك. إنها السياسة التي وفرت فيما بعد، الدعم السياسي لغزو العراق. أو على المديين المتوسط والطويل، كانت واشنطن تقدّر أنها ومن غير وجود عسكري داخل أفغانستان مدعوم بواسطة نظام عميل لها هناك، فإنها سوف تكون قادرة على التحكم في الأنظمة الإقليمية الأخرى انطلاقا من رقعة الشطرنج الأفغانية وصولا إلى إعادة ترتيب السياسة الجغرافية للمنطقة كجزء من استراتيجيتها العالمية.<BR>على أية حال، الحيلة استهدفت استغلال المشكلة الأفغانية من أجل الوصول إلى الاستيلاء على الميزات الجيوسياسية التي لم تكن واضحة في البداية إلا أنها لم تبق كذلك لمدة طويلة إذ أصبح الأمر جليا بأن جدول الأعمال الأمريكي كان استغلال الحرب على الإرهاب لإقامة دولة تابعة في أفغانستان، ولكسب وجود عسكري منشود في آسيا الوسطى. وفي ذلك الحين، مهد الوجود العسكري الأمريكي، الطريق لخلق قاعدة للناتو في المنطقة. <BR>كانت هناك درجة سفسطة عالية في العمليات العسكرية الأمريكية في أكتوبر 2001، أيضا. في المراحل الأولى، تم خلق انطباع متعمد بأن التدخل الأمريكي سيظل محصورا في الضربات الجوية وتجنيد عدد محدود من القوات الخاصة لأجل مساعدة وتوجيه ميليشيا التحالف الشمالي.ومن ثمّ، اعترض هذا الأخير و بشدة حينما سمع بوصول القوات البرية الأمريكية في مطار باغرام في وقت مبكر من شهر نوفمبر 2001، في أعقاب الانقلاب على حكومة طالبان. <BR>لقد أعطت واشنطن انطباعات مختلفة للذين كانت تخاطبهم أيضا في المنطقة بخصوص طبيعة النظام الذي سوف يلي طالبان وبكل تأكيد فإن قيادة التحالف الشمالي، التي كانت طاجيكية في أغلبها، كانت تعتقد أن الانقلاب على طالبان سوف يكون سببا تلقائيا في عودتها إلى السلطة في كابول التي طردت منها في العام 1996. <BR>من الناحية النظرية، لقد أُقنعت الدول الإقليمية مثل روسيا، إيران و الهند أيضا أن مثل هذه النتيجة كانت محتملة وبأن انتقال السلطة في كابول إلى قيادة التحالف الشمالي ستكون في صالحهم على اعتبار مواقفهم السابقة من طالبان ودعمهم السياسي والمادي للتحالف الذي كان يمثل رأس الحربة في مواجهة نظام طالبان منذ 1996 وحتى العام 2001. <BR>أما من الناحية الأخرى، فإن إسلام آباد، أُعْطِيَتْ تأكيدات من قبل واشنطن بأن حكومة ذات أغلبية باشتونية، كانت جاهزة فضلا على أن الحكومة القادمة سوف تشمل عددا من طالبان أيضا بمعنى أن إسلام آباد كانت تمتلك ضمانات تفيد بأن التحالف الشمالي لن يكون تحت أي ظرف، السلطة المقبلة التي تعقب نظام طالبان. <BR>وسط كل هذا، كانت واشنطن قد قررت وقتها أنها وجدت في 'عبد الحق'، قائد سابق في مجموعات المجاهدين والذي كانت له علاقات وثيقة مع المخابرات الأمريكية، الشخص المثالي الذي سوف يتولى القيادة بعد الانقلاب على نظام طالبان في كابول. <BR>لكن وفي هذه الأثناء، أُغتيل عبد الحق من قبل طالبان، ولقد حدث هذا على أغلب الظن بتغاضٍ من المخابرات العامة في باكستان التي سمعت وعن طريق الصدفة، بنية واشنطن حول الرجل علاوة على أن هذه الأخيرة، لم تكن متأكدة من أنه سوف يكون قادرا على إقناع إسلام آباد. <BR>في أثناء ذلك أيضا، فاق التحالف الشمالي دهاء ناصحيه الأمريكيين إذ وعلى عكس التفاهم الضمني بين قادة التحالف ومستشاريهم الأمريكان، بأن تبقى كابول في البداية، مدينة حيادية تحت سلطة الأمم المتحدة، أقدمت ميليشيا التحالف على احتلال العاصمة ونصبت نفسها على رأس السلطة من جانب واحد. لقد كان العمل يهدف إلى فرض الأمر الواقع على واشنطن. <BR>من ثم وحينما كان ينعقد مؤتمر بون في ديسمبر 2001، كان لدى واشنطن جدول أعمال من نقطتين، القذف على رأس السلطة ببديل موثوق للقائد عبد الحق يكون زعيما للنظام القادم والثانية، العمل على 'لي ذراع' التحالف الشمالي للإقلاع عن دور قيادته في كابول. <BR>مع ذلك، عندما أثارت الولايات المتّحدة اسم حامد كرزاي في بون، كانت هناك معارضة واسعة لهذا الرجل من قبل الجماعات الأفغانية إذ إنه ووفقا لما يؤمن به المشاركون الأفغان في أشغال مؤتمر بون، لم يكن كرزاي يحظى بمكانة كافية تجعل منه يصلح لأن يصيرا زعيما سياسيا وسط المشهد الأفغاني فضلا على أنه كان غائبا عن البلاد طيلة سنوات عديدة قضاها بالمنفى في الولايات المتحدة. <BR>إلا أن هذه الأخيرة، ضغطت في سبيل تحقيق ذلك على اعتبار قرب كرزاي من المؤسسات الأمريكية فضلا عن اعتماده 'الكلي' على الدعم الأمريكي. لقد بذلت أمريكا ضغطا كبيرا على الوفود الأفغانية التي حضرت أشغال ذلك المؤتمر حتى يتم القبول باسم كرزاي وهذا ما وافق عليه أخيرا، زعيم تحالف الشمال، الرئيس برهان الدين رباني، حيث سلم هذا الأخير السلطة لحامد كرزاي. <BR>أثناء مراسيم التنحي عن السلطة التي جرت في كابول أوائل العام 2002، قال رباني أنه يأمل أن: "هذه سوف تكون المرة الأخيرة التي يجبر فيها الشعب الأفغاني على تقبل الرأي الأجنبي" وكان في وسع أي شخص وقتها، مهما كانت ملكاته، أن يتنبأ أن كرزاي سوف لن ينجح وحيدا في تعزيز قبضته على العاصمة كابول فضلا عن فرضها على البلد بكامله، وهذا بالطبع، ما حدث طيلة الخمس سنوات الماضية. <BR>إن المعالجة الوقحة والمكررة، التي تنتهجها الولايات المتّحدة خلال هذه السنوات، خصوصا أثناء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التي أجريت هناك، بطريقة أعدت مسبقا لأجل أن تناسب التوقعات مما ساهم في الفشل من تحقيق أي احترام لحامد كرزاي وسط الشعب الأفغاني. <BR>لقد فشلت محاولات الولايات المتحدة في تعزيز دعم الباشتون لكرزاي. وبموازاة ذلك، لم تنجح محاولات شق صفوف طالبان من خلال بث الفرقة بين أفرادها. و نتيجة لذلك، ازدادت غربة الباشتون و لم تتحقق المرامي الأمريكية في تهميش التحالف الشمالي و تقوية حضور العرق الباشتوني في مجلس الوزراء زيادة على أن هذه التصرفات، ساهمت في تعزيز الاستياء المستشري بين زعماء التحالف الذين لا يظهرون على السطح في الوقت الحالي. . <BR>بعبارة أخرى، هناك مخرج جوهري لشرعية سلطة الدولة التي ما تزال مستعصية في أفغانستان. وفي الحد الأدنى، في هذه السنوات الخمسة الماضية، كان يفترض أن يعقد حوار داخلي بين الأفغانيين بمن فيهم، أفراد طالبان. هذا الحل ينبغي أن يتم تحت إشراف مباشر من قبل الأمم المتحدة و يجري بالتوازي مع ما كان يفترض أن يحدث. <BR>العجز عن كسب الاحترام و الإمساك الفعلي بزمام السلطة بالإضافة إلى الاعتماد الواضح جدا، على الدعم الأمريكي بشكل يومي، جعل النظام في كابول غير ذي جدوى. وبجانب هذا، أدت ممارسات المحسوبية، اعتبار الانتماءات القبلية و الفساد أيضا، إلى تدهور نظام الحكم. إنه و في ظل هذه المجموعة من الظروف، نجحت طالبان في استعادة مجدها. <BR><font color="#0000FF">لأجل هذا،</font> سيكون من العسير علينا جدا أن نتنبأ بما قد يحدث مستقبلا، و حتى مع وصول 2500 جندي إضافي كقوة معززة للناتو، فإنه من غير القطعي أن هذا الأخير سوف ينجح في تحقيق النصر على طالبان: أولا لأن هذه الحركة تتمتع بدعم عموم الناس في أفغانستان و ليس هناك مجال لإنكار هذه الحقيقة التي تثبتها الوقائع اليومية. <BR><font color="#0000FF">ثانيا،</font> لقد أصبحت طالبان مرادفا لمفهوم المقاومة الأفغانية فالانتهاكات الغبية لميثاق الشرف الوطني التي ترتكبها قوات الناتو خلال عملياتها العسكرية واعتمادها على الاستعمال المفرط للقوة مما أدى إلى مقتل أعداد كبيرة من المدنيين الأبرياء و بالتالي، انتشار التغير الواسع في الموقف إزاءها بين أفراد الشعب الأفغاني برمته. <BR>بالإضافة إلى هذا، فإن عجز كرزاي عن فعل أي شيء في مقابل السلوكيات التعسفية التي تقوم بها قوات حلف شمال الأطلسي، ساهم في ترويج صورته على أنه زعيم ضعيف وتعميق خسارته للسلطة في ذهن الأفغانيين على خلاف تقوي صورة المقاومة. <BR><font color="#0000FF">ثالثا،</font> ويتعلق بمسألة الوقت، فإذا ما أصبحت عتبة عودة طالبان إلى سدة السلطة وشيكة، فإن المجموعات غير الباشتونية في الأقاليم الشمالية والغربية والشرقية أيضا، سوف يبدؤون في تنظيم أنفسهم وهنالك علامات 'مقلقة' تفيد بتطور في هذا الاتجاه بالفعل. وحينما يحدث ذلك، فإن قوات الناتو، سوف تجد نفسها تقع في وسط مرمى النيران بين المجموعات العرقية المتحاربة المختلفة. <BR><font color="#0000FF">رابعا،</font> حينما يقع هذا، سوف تجر الأنظمة الإقليمية حتما إلى النزاع. والحقيقة تبقى أن كل المجموعات العرقية الأفغانية تتمتع بحضور مجاور وراء الحدود وداخل الدول المجاورة. هنالك تخوف كبير بين الدول الإقليمية بالفعل، من جدول أعمال واشنطن السري والطويل الأجل، الذي يهدف إلى تحويل أفغانستان التي كانت دائما، بلدا محايدا، إلى دولة 'عضو' في حلف شمال الأطلسي. <BR>الواقع أن كمية تصريحات 'النوايا الحسنة' عن دور الناتو وأهدافه، غير كافية لأن تخفي المرامي الجيوسياسية التي لأجلها أقدم حلف شمال الأطلسي على احتلال بلد مهم من الناحية الإستراتيجية رغم بعده الكبير عن القارة الأوروبية، لولا أنه بلد يقع في تقاطع مناطق شاسعة تقع في وسط ساحات النفوذ العالمي. <BR>ليس هنالك شك في أن دول المنطقة تدرك أن هزيمة الناتو في أفغانستان وحدها، سوف تعني اندحارا للمشاريع الأمريكية في وسط و جنوب آسيا و كل منطقة الخليج العربي. <BR>لقد صرح أنطونيو ماريا كوستا، رئيس المكتب التابع للأمم المتحدة المتخصص في تتبع قضايا المخدرات و الجريمة، في شهادته أمام لجنة العلاقات الدولية بمجلس النواب في الكونغرس الأمريكي في واشنطن خلال الأسبوع الأخير: "لقد جعلت الضغوط الخارجية من أفغانستان مسرحا لحروب الآخرين. إن البلد يُزَعْزَع بفعل تدفق المتمردين والأسلحة والمال ومصالح الاستخبارات الدولية. هنالك مؤامرة من الدول المجاورة، وهذه في حد ذاتها، مشكلة". <BR>(1) العنوان الأصلي للمقالة: "لماذا لا يتمكن الناتو من تحقيق النصر في أفغانستان؟"و يمكن قراءته على الرابط:<BR>http://www.atimes.com/atimes/South_Asia/HI30Df01.html<BR>* خدم بهادراكمار كسياسي لدى السلك الدبلوماسي الهندي لمدة جاوزت التسعة و عشرين عاما، من بينها اشتغاله في منصب سفير لبلاده في أوزبكستان (بين عامي 69 و 1998) و في تركيا أيضا ( بين عامي 98 و 2001).<BR><br>