السودان بين انشقاقات داخلية وقرارات دولية !
14 شعبان 1427

[email protected] <BR><BR><BR><BR><font color="#0000FF">الانشقاقات الداخلية وتمهيدها لتدخل خارجي : </font><BR> تمر الحكومة السودانية منذ اندلاع ثورة الإنقاذ الوطني من أزمات متعددة ، داخلية وخارجية ، والداخلية نفسها تأخذ أشكالاً وأنواعاً مختلفة ، إلا أن الشكل الأبرز منها الاختلاف الذي حصل بين أبناء المدرسة الواحدة ( الحركة الإسلامية السودانية ) ، هذا الانشقاق والاختلاف أذهب بريحهم وأصبحوا أيدي سبأ ، بعد أن وجدت الأهواء والشهوات وغيرها من الأمراض الطريق إلى بعض القلوب المريضة . بل وقامت هذه الفئات بالتنازل عن مبادئ الإسلام ومثله في سبيل الاحتفاظ بمنصب من المناصب الدنيوية ، أو شهوة من شهواتها ! <BR> ووسط هذه الأهواء والآراء الضالة والمضلة ، أصبح البعض يكيد لرفقائه وزملاء الدرب الذين كانوا في يوم من الأيام معه تحت خندق واحد لمحاربة النصارى والشيوعيين وغيرهما من الحركات والجماعات الهدامة في السودان . ليرتمي تحت أحضان هؤلاء مرة أخرى تحت مبدأ غربي : " الغاية تسوّغ الوسيلة" فعقدت تحالفات مشبوهة ومذمومة مع أعداء الأمس لمحاربة زملاء وأصدقاء وإخوان اليوم ، مما جعلت الفرص مواتية مرة أخرى لأعداء الإسلام في السودان لإعادة ترتيب أوراقهم والبدء بزعزعة الحكومة الحالية كخطوة أولية ، ومن ثم زعزعة كيان السودان كلية والقضاء على الإسلام كخطة ثانية ، واستبداله بطقوس صوفية مشوهة لصفاء الدين وقيمه ، و الرفع من شأن أصحاب هذا التيار ورموزه، بعد أن فشلوا في حكم السودان فشلاً كاد أن يقوّض أركان هذه الدولة في الثمانينيات من القرن الماضي ، فلولا فضل الله عز وجل ومن ثم قيام هذه الحكومة لكان السودان قد تجزأ آنذاك إلى دويلات كما يراد لها اليوم !<BR> هذه الانقسامات الداخلية والتخبط الواضح في بعض السياسات الخارجية ، مكنت بعض الرموز الشيوعية والعلمانية باختراق صف الحركة الإسلامية ، بل والمساهمة في زعزعته وزيادة تشرذمه ، فأوصلت السودان داخلياً إلى الوضع الحالي الذي لا يحسد عليه .<BR><font color="#0000FF">الوضع الخارجي : </font><BR>أما خارجياً ، فالغرب والمنظمات الصهيونية ناصبت الدولة العداء منذ انطلاقتها الأولى عام 1989م ، وبذلت كل المحاولات لإسقاطها !<BR> إلا أن سياسة إسقاط الحكومة أضحت غير مجدية عند بعض التيارات النافذة في الغرب خصوصاً في أمريكا ، حيث إن المنظمات النافذة داخل أجهزة اتخاذ القرار الأميركي وهي: اللوبي الإفريقي الأميركي، واللوبي البروتستانتي ، ومجلس الكنائس العالمي ، ولوبي حقوق الإنسان ، واللوبي الصهيوني، وجمعية محاربة الرق ، والكوكس السوداني، ولجنة الحريات الدينية في العالم ، وغيرها من المنظمات والجمعيات ، قدمت مذكرة تلو الأخرى إلى الإدارة الأمريكية لتشديد الوطأة على الحكومة السودانية منذ أيامها الأولى ، وعرقلة كل محاولات السلام في الجنوب . بل حتى اتفاقية السلام في الجنوب تعتبرها مجحفة في حق الجنوبيين ! وقد ناشدت المفوضية الأميركية للحرية الدينية الدولية في مذكرة أرسلتها إلى (وزير الخارجية السابق) كولن باول، أثناء المحادثات التي تُجْرى لإحلال السلام بالجنوب باستثناء غير المسلمين في كل السودان من قوانين الشريعة، حيث قالت:<BR> "السودان بلد متعدد الأديان، ومعظم السكان من المسلمين السنة، ولكنه يضم أيضاً شريحة كبيرة من المسيحيين ومن ذوي الأديان والمعتقدات الإفريقية . إن فرض الجبهة القومية الإسلامية قوانين الشريعة الإسلامية في الخرطوم وفي كل السودان قد كان أحد الأسباب الرئيسة وراء أطول الحروب في أفريقيا وأكثرها قتلاً ودماراً، ولأن الحرية الدينية كانت أحد القضايا الرئيسة في الحرب الأهلية في السودان، تناشد المفوضية الولايات المتحدة الأميركية بمعارضة تطبيق الشريعة الإسلامية على غير المسلمين أينما كانوا يسكنون في البلاد "! <BR>فاتخذت هذه المنظمات دور الضغط السياسي على الإدارة الأمريكية والرأي العام الأمريكي لتقوم هي بدورها بمزيد من الضغوط على الحكومة السودانية .<BR>في حين استخدم بعض الساسة في الإدارة الأمريكية سياسة نيكسون المشهورة "بتغيير اتجاه الرياح دون الوقوف أمامها "، و تحريك الحركات والجماعات العلمانية في السودان لتقويض النظام من الداخل ، حيث يقول : " إن الأصوليين الإسلاميين الذين يحركهم حقدهم الشديد للغرب مصممون على استرجاع الحضارة الإسلامية السابقة عن طريق بعث الماضي ، ويهدفون إلى تطبيق الشريعة الإسلامية ، وينادون بأن الإسلام دين ودولة . .. فيجب علينا أن نعاون التقدميين في العالم العربي ، ففي ذلك مصلحتهم ومصلحتنا ...."(1)، وبعض من هؤلاء التقدميين قد استطاعوا اختراق صف الحركة الإسلامية السودانية ، وبدؤوا بتغيير الرياح .<BR> وبناء على هذه السياسات كان الاختراق في صف العمل الإسلامي السوداني كبيراً ، وتم تغيير الشعارات والاتجاه من أسلمة المجتمع ، وصبغها بالقيم الإسلامية إلى إفراغ هذه المفاهيم من محتواها ! وهذا التيار ماضٍ في مشروعه الكبير ، ولكن ضمن خطة مدروسة لا تنطلق إلى الخطة التالية حتى تطمئن بسلامة الخطة السابقة ، وتدرك ما تريد ، وليست للشعارات نصيب في برامجها !<BR> لقد ساهم هذا التيار في كثير من الأزمات التي تعرضت لها وما زال تتعرض لها الحكومة الحالية ، واتخاذها سياسات خاطئة وخاصة مع جماعات العمل الإسلامي المقيمة آنذاك في الخرطوم ، ولبَّست على البعض بشعار : " مصلحة الوطن لها الأولية " بدلاً من الشعار المرفوع :" الإسلام أولاً وآخراً " ! واستطاع هذا التيار أيضاً بحكم مهمتها الموكلة إليها من التقارب مع المخابرات الغربية وخاصة الفرنسية والأمريكية ، وتقديم تقارير عن نشطات بعض الجماعات الإسلامية في أفريقيا ، مما كانت السبب في التشديد على السودان بدلاً من التخفيف مقابل تلك الخدمات المجانية ! كما هي في الحالة الإرتيرية !<BR><BR><font color="#0000FF">القرارات الأممية الصادرة ضد السودان: </font><BR>لقد كان لتقاسم الأدوار بين القوى الغربية ومنظماتها ضد السودان السبب في إصدار عدد من القرارات ، منها ، قرارات: " 1556 ، 1564 ، 1591 ، 1593 " وآخرها القرار 1706 ، والذي اعتبر قاسمة الظهر حيث جاءت تحت الفصل السابع والذي يبيح بتدخل قوات أممية إلى دارفور ، وباستخدام القوة العسكرية من أجل ذلك !<BR><font color="#0000FF">الأمم المتحدة وسياسة التعايش مع الحرب : </font><BR> إن مسيرة التدخلات التي قامت بها المنظمة الدولية لحل المنازعات في بعض المناطق لم تحقق إلا الأهداف الغربية المرجوة منها ، ومزيداً من الدمار والقتل ، إلا فيما ندر ، والشاذ لا يقاس عليه ! ففي حالات كالبوسنة والهرسك ، وفلسطين ، ولبنان ، ما هي إلا شواهد على هذا التدخل . فالمجازر التي حدثت للمسلمين في البوسنة وهم تحت الحماية الدولية ، و كذلك في لبنان في مجزرتي قانا الأولى والثانية سيسطرها التاريخ على جبين هذه المنظمة ! وفي أفريقيا، فالأفارقة لا ينسون تلك الأعمال القذرة التي قامت وما زالت تقوم بها هذه المنظمة وجنودها من اغتصاب ونهب وانتهاك لكرامة الإنسان ، بل والسعي لقلب الحكومات الأفريقية كما حدث في بورندي في الشهر الماضي ، حيث طالبت السلطات البورندية رسمياً من الأمم المتحدة استدعاء مبعوثها " نور الدين ساتي" لقيامه بأعمال لا تتماشى مع مفاهيم الدبلوماسية ، وهي أعمال مناهضة لحكومة الرئيس " بيير نكورونزيزا ". والأمثلة على هذه التجاوزات والاختراقات كثيرة في ساحل العاج وليبريا والكنغو ! <BR><font color="#0000FF">الاتحاد الأفريقي ودوره في التمهيد لغزو جديد للقارة : </font><BR>لقد أعطى الاتحاد الأفريقي موافقته المبدئية في 10/3/2006م على استقدام قوات الناتو لتحل محل القوات الأفريقية والتي تصل عدد أفرادها حوالي سبعة آلاف عسكري . وقد لاقت هذه الخطوة ترحيباً غربياً آنذاك ، وثنّي بقرار آخر في 24/3/2006م ، وبعدها مباشرة ذكر سفير بريطانيا في الأمم المتحدة " إمير جونس باري " أن القرار يعتبر خطوة حقيقية أولى نحو بناء السلام في كل أنحاء البلاد"، بل ذهب (الناطق باسم الخارجية الأمريكية) آدم إيرلي إلى أبعد من ذلك عندما ذكر أن "هناك تطلعا لتسهيل انتقال البعثة الأفريقية إلى قوة أممية، بتبني إجراءات تعزز دورها ابتداء من الآن دون<font color="#ff0000"> الانتظار ستة أشهر".</font><BR>وهكذا تم إعداد العدة لدخول القوات الغربية إلى دارفور وتهيئة الرأي العام الغربي لذلك ، وتم رفع شعار أن هناك مجزرة حقيقية تتم على الأرض تقوم بها الحكومة السودانية ومليشياتها ! وكأنَّ ما يحدث في فلسطين وفي العراق وفي لبنان من قبل الكيان الصهيوني ليست بمجزرة ، وإنما هو قتل رحيم ؟!<BR>إن قرار مجلس السلم والأمن الأفريقي بتمديد مهمة القوات الأفريقية إلى الثلاثين من سبتمبر الجاري اعتبر آنذاك حلاً وسطاً لوصول أطراف النزاع إلى حل في المفاوضات الجارية آنذاك في أبوجا ، وبضغط دولي مريب على حركات التمرد ، حيث تدخلت الولايات المتحدة الأمريكية بقوة في المفاوضات وأرسلت نائب وزير الخارجية " روبروت زوليك " للضغط على المتمردين بالقبول بما هو موجود ، وفعلا استجابة حركة مناوي ووافقت على مشروع السلام المقترح ، وعارضت بعض الحركات الأخرى التي لم تعجبها نصيبها من الكعكة !<BR>هذا الضغط الأمريكي على الحركات المتمردة لم يأت من فراغ ، وإنما نتيجة لبعض الخطوات التي تمت في الخفاء !. وقال مسؤول في الخارجية السودانية آنذاك : " إن الاهتمام الأميركي ووصول زوليك إلى أبوجا يؤكدان اهتمام المجتمع الدولي بإيجاد حل سريع للمشكلة وإقناع الحركات المسلحة بالقبول بوثيقة الاتفاق الإفريقية " . واعتبر هذا الاتفاق والنتائج الأخرى المترتبة عليها من تمديد لقوات الاتحاد الأفريقي مرحلة أولية للمرحلة المهمة ، وهي تدخل قوات عسكرية غربية إلى هذه المنطقة ، بعد أن تدخلت قوات تنصيرية ، تحت مسمى : " منظمات إنسانية " تقودها منظمات مثل : " جملك يا ربي ، وأكسفام ، الرؤيا العالمية، الإغاثة الكاثوليكية للتنمية ، منظمة التعاون السويسرية ، العمل لأجل مكافحة المجاعة ، أفريكار" وغيرها من المنظمات التنصيرية العاملة في الإقليم ليكتمل العقد : صليب + بندقية = استعمار غربي جديد للمنطقة ككل ، لأنها تقعيد جديد لمفهوم التدخل تحت غطاء عجز المنظمات الإقليمية ! <BR>ولم تكن زيارة (مساعدة وزير الخارجية) جينداي فريزر إلى الخرطوم قبل صدور القرار بأيام ، إلا محاولة للفت انتباه الرأي العام بالجهود الغربية " المشكورة " للحفاظ على حياة الناس وحرياتهم الأساسية ، والديمقراطية المفتقدة في العالم الثالث ؟! لذا صرحت بالقول إن : " دارفور على شفا السقوط في هاوية خطيرة ... ويجب أن نوقف هذه الإبادة الجماعية." وقالت أيضاً : " إن نشر قوات دولية في دارفور ضرورة ملحة لوقف "هجمات مخططة " تعد لها الحكومة السودانية .... " ! في حين أن القرار ( 1706) قد اتخذ و دُبِّر بليل في كواليس مجلس الأمن الدولي قبل ستة أشهر كما ذكر الناطق باسم البيت الأبيض ! ولم تأت " فريزر" إلى السودان إلا لأخذ الضوء الأخضر من بعض الأطراف ، وقد أكدت ذلك أيضاً " كريستين سلفربرغ " المسؤولة في الخارجية الأميركية بأن موافقة الخرطوم غير ضرورية لنشر قوات دولية ! <BR><font color="#0000FF">أمريكا وتحقيق مصالحها عبر المنظمة الدولية: </font><BR> وقد أكد الأمريكان أنفسهم أن قوات حفظ السلام لم توضع لحفظ السلم الدولي وإنما لحل المنازعات آنياً لتتفاقم لاحقاً ، وأن تدخّل أمريكا ضمن هذه القوات ليس لإحلال السلم الدولي ، وإنما لتحقيق مصالحها! حيث يقول كلينتون في ذلك : " وعندما تصبح القوة مطلوبة ( لضمان أمننا ) فإنَّ علينا استعمالها ، وعلينا أن نرحّب بآمال العالم لا أن نعرض عنها ،<font color="#ff0000"> ليس من أجل العالم فقط ، بل لأجلنا نحن أيضاً " .(2) </font><BR>ويقول " زوبرت دول " في دراسة في مجلة : " فورين بولسي " :" ... غير أنَّ الأحداث في رواندا والصومال لا تنطوي ، في أسوأ الأحوال ، إلا على تأثيرات هامشية بالنسبة لأمريكا إننا لا نستطيع أن نستمرَّ في نسف سمعة قواتنا المسلحة<font color="#ff0000"> من أجل عمليات إنسانية لا تفعل شيئاً في مجال تعزيز مكانة أمريكا "!(3) </font><BR> وتوجز "مادلين أولبرايت " السياسة الأمريكية بالقول : <font color="#ff0000"> " إن الأهداف الرئيسة الحيوية هي تأمين مصالح الولايات المتحدة ، والتوسّع بها لتشمل الكرة الأرضية "!</font><BR> فمن أول عملية غزو أمريكي خارجي من أجل النفط ونهب خيرات البلاد الأخرى عام 1833م في نيكارجوا ، مروراً ببيرو والمكسيك ودول أمريكا اللاتينية الأخرى ، والصومال وأفغانستان والعراق ، فهل تكون دارفور الفصل الأخير من فصول الاستعمار الأمريكي ، وتتحطم عندها سفينة النهب الأمريكي ! أم إنه البداية لحقبة جديدة من الاحتلال الأمريكي ـ الأوروبي للعالم الإسلامي تحت مظلة عجز المنظمات الإقليمية في تحقيق الأمن والديمقراطية والرفاهية ؟!<BR>وهل الحكومة السودانية ومن خلال شعاراتها : <font color="#ff0000"> " لن نسلم دارفور أبداً إلى القوات الدولية ، و لن تنعم هذه القوات أبداً بوجودها في المنطقة والتي ستتحول إلى مقبرة لها " ! </font> ستجد نصيباً من المصداقية على أرض الواقع ، أم أنها شعارات جوفاء للاستهلاك المحلي وتعزيز مكانة الحكومة ؟! <BR>حتماً ستبين لنا الأيام القادمة مصداقية هذه الشعارات وغيرها ! وتبين لنا كذلك الخارطة العسكرية الأمريكية الجديدة للقارة ، وخارطة السودان الجديد !<BR><BR>ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ<BR>(1) انظر : الفرصة السانحة ، ص : ( 140 ) .<BR>(1) حسن قطامش : : عولمة أم أمركة ؟!" : ص ( 34) .<BR>(2) المرجع السابق .<BR><br>