
يبدو أن العالم منذ تلك الأحداث التي أضحى التأريخ بها معتمدا فيقال ما قبل تفجيرات 11سبتمبر وما بعدها قد انقسم فعلا إلى فسطاطين: فسطاط "الهيمنة والاستكبار" وتمثله الولايات المتحدة وحلفاؤها في أوربا وتابعيها في "إسرائيل" ، وفسطاط "المقاومة" ويمثله عالم المسلمين، رغم أننا لا نستطيع أن نختزل تلك التباينات الجمة التي تمثل بقية أركان العالم على امتداد رقعته وترامي أطرافه وتباين مصالح دوله واختلاف حضاراته وإن أجمعت أغلبها على رفض منطق الهيمنة والاستكبار وإن لم تفعل ما يفرضه عليها ذلك الرفض من متطلبات <BR>إلا أن القاسم المشترك الذي يجمع عالم المسلمين ذلك العالم الذي يشكل محور طنجة- جاكرتا هو: "الاستهداف" ووقوعه في مرمى النيران الأمريكية – وهي ليست نيران صديقة على الإطلاق بل نيران متربصة تريد الهيمنة، وليست مجرد الهيمنة الاقتصادية بالسيطرة على الموارد أو الهيمنة السياسية بالتحكم بمقدرات الدول التي تشكل عالم المسلمين وتوجيه دفة الأمور بها بل تريد هيمنة أشد مما سبق، تريد الهيمنة الحضارية بفرض "النمط الأمريكي" في الحياة بكل تداعياته الثقافية والأخلاقية والسلوكية ولعل ذلك ما يتضح في منظومة المؤتمرات التي تتم تحت راية الأمم المتحدة وما تفرزه تلك المؤتمرات من وثائق واتفاقيات خاصة بالمرأة والمجال الاجتماعي وما تفرضه تلك الوثائق من نصوص يراد لها ان تدخل البنية التشريعية لدول العالم خاصة الإسلامي منه بما يفرض عليها النمط الأمريكي في الحياة <BR>ربما كان المدخل الثقافي اقرب المداخل التحليلية وأقدرها على فهم جوهر العلاقة الحاكمة بين عالم المسلمين بما يحوي من دول ونظم وكيانات وشعوب، وعالم الولايات المتحدة بما يملك من قدرة على التأثير وفرض مقتضيات أجندة لا تبدو فيها سوى مصالح الرأسمالية المتوحشة التي تريد صياغة المنظومة القيمية لشعوب العالم وليس فقط عالم المسلمين والقضاء على كل بؤر المقاومة والرفض <BR><font color="#0000FF">إن أهم ما في هاتين القوتين: </font> عالم المسلمين من ناحية ، وعالم الولايات المتحدة من ناحية أخرى هو أنهما: يملكان منهجا في الحياة ونمطا ثقافيا قابل للاستمرار وله قدرة واسعة على الانتشار وتدين بمنظومة معتقداته مئات الملايين من البشر <BR><font color="#ff0000">القوة الأولى: عالم المسلمين: </font> وهي تملك من عبق التاريخ والقدرات الرمزية والأمل في المستقبل أكثر مما تملك من إمكانيات واقعية <BR><font color="#ff0000">أما القوة الثانية: عالم الولايات المتحدة: </font> فهي تملك من أسباب القوة والتمكين لأفكارها ومنهجها في الحياة ما يجعل الوقوف في وجهها ضربا من ضروب المستحيل أو نوعا من مناطحة السحاب أو تضحية بمقدرات الأمة <BR>ويمكن القول أن الصراع بالمعنى الغربي - أو التدافع بالمعنى الإسلامي – بين هذين النموذجين في الحياة هو الذي سيشكل مستقبل العالم – على الأقل في القرن الحالي - وهو صراع لا تحكمه موازين القوى العادية التي تحكم العلاقات بين القوي السياسية والاقتصادية في العالم، بل يحكم هذا الصراع ميزان قوى من نوع خاص تمثل القيم الثقافية والقدرات الرمزية ما تحمل من "منهج في الحياة وطريقة في العيش" والقدرة على الاستمرار أهم قيمه على الإطلاق وتمثل القيم المادية مرتبة تالية وليست أولى في هذا الصراع فصراع مناهج الحياة تحكمه المنظومات العقائدية والثقافية بأكثر مما تحكمه القدرات المادية <BR>وعلى مدار عقود طويلة منذ أن بدأت الولايات المتحدة تتمدد خارج حدودها والرقعة الجغرافية التي تشكل عالم المسلمين أي: محور طنجة - جاكرتا عرضة للاستهداف، صحيح أنه كانت هناك فترة من الزمن حالفت فيها الولايات المتحدة كثير من دول عالم المسلمين وذلك حتى تتفرغ لعالم الشيوعيين وبمساعدة عالم المسلمين للولايات المتحدة في حربها الباردة ومحاصرة الشيوعية سقط العالم الذي يمثلها بما كان يطرحه من نموذج تحدي للعالم الأمريكي إن على مستوى الأفكار أو على مستوى التطبيق والتقدم المادي، وبقي عالم المسلمين بما يقدم فقط من تحدي على مستوى الأفكار، لكن النموذج الأمريكي الذي قام على التفرد لا يقبل منافسين ولو على مستوى الأفكار <BR>وانتهت فترة الحرب الباردة ووقع عالم المسلمين في مرمي النيران الأمريكية، وهي نيران عدوة وأصبحت دول المسلمين عرضة للاحتلال المباشر تارة والاحتلال غير المباشر - عسكريا وسياسيا واقتصاديا وثقافيا وأمنيا- تارات أخرى، وأصبح الصراع على المستقبل ومن يحدد مصير هذا القرن الذي بدأت سنواته الأولى بحروب مشتعلة في أكثر من نقطة على مستوى العالم وإن كان يجمعها أنها في نقاط تمثل عالم المسلمين ودوله ووقوع شعوبه في مرمى النيران الأمريكية <BR>لقد كان الاعتقاد السائد منذ سنوات وبعد انتهاء الحرب الباردة بين المعسكرين الشرقي والغربي أن عالم المسلمين قد ودع وإلى الأبد الحركة الاستعمارية التوسعية الغربية التي أرخت بظلالها عليه في القرن الماضي، والتي كانت سببا رئيسيا في تراجع مشروع النهضة الإسلامي، كما كانت السبب في إنتاج نخب علمانية أتاحت للفكر الاستعماري في كل أبعاده السياسية والثقافية والاقتصادية أن يستمر محركا لتفاصيل الدولة الحديثة المستقلة اسما وشكلا، لقد رحل الاستعمار وترك وكلائه من بني جلدتنا ويتكلمون بألستنا يديرون حركة تلك المجتمعات نيابة عنه وبما يمكن لمنهجه في الحياة <BR><font color="#0000FF">وما أقسى واقع عالم المسلمين الآن: </font><BR><font color="#ff0000">فعلى صعيد الاحتلال العسكري</font> فإن هناك دولتين إسلاميتين محتلة احتلالا مباشرا من قبل الولايات المتحدة الأمريكية هي أفغانستان والعراق، وهناك ثلاث دول محتلة إما كلها أو أجزاء منها من قبل دولة الكيان الصهيوني وبدعم مباشر من الولايات المتحدة هي فلسطين وسوريا ولبنان وهناك دول إسلامية تفتت بسبب الولايات المتحدة الأمريكية ومساعيها وهي إندونيسيا والتي استقلت عنها (تيمور الشرقية) والصومال التي لا تلبث فيها أن تندلع الحرب الأهلية <BR>وفوق كل هذا وهذا هناك دول في عالم المسلمين تستباح مطاراتها للطيران الأمريكي وموانيها وممراتها المائية للأساطيل الأمريكية وهي تستهدف العدوان على دول إسلامية بمخالفة ذلك حتى للقانون الدولي والمواثيق والمعاهدات الدولية التي تنظم حركة المرور في تلك الممرات <BR><font color="#ff0000">وعلى الصعيد الاقتصادي</font> فما زالت الشركات المتعددة الجنسيات الأمريكية في مجملها وصندوق النقد الدولي يتحكم في اقتصاديات عالم المسلمين وقد أصبحت المساعدة الاقتصادية للعالم الإسلامي مقرونة بالرضوخ السياسي والاستجابة الكاملة لقرارات ومخططات المانحين وشروطهم المجحفة، وأضحت تلك المساعدات المالية والفنية أحد أهم أدوات رسم السياسية الخارجية للولايات المتحدة، وأحد أهم الأدوات في الضغط على الدول <BR><font color="#ff0000">وعلى الصعيد الثقافي: </font> فإن الإدارة الأمريكية وضعت مخططا كاملا واستراتيجية متعدد الأبعاد لإعادة تأهيل العالم الإسلامي ثقافيا وتربويا وعلميا، وكل دولة إسلامية تحاول الانطلاق من مقوماتها الذاتية وتعمل على استكناه أسرار التقنية وتحديدا تكنولوجيا السلاح فإنها تدرج في خانة الدول المتمردة وبالتالي هناك كم هائل من القوانين لمعاقبتها ومحاصرتها وما تجربة إيران – على دخنها- عنا ببعيد <BR>ومثلما كان العالم الإسلامي في بداية القرن الماضي عرضة للاستعمار والاحتلال المباشر فإنه دشن بداية قرنه الحالي احتلالا أمريكا لدولة مفصلية - استراتيجيا وجيوسياسيا- في الجغرافيا الإسلامية هي العراق ودعما مباشرا لاحتلال دولة معبر في نقطة كثيرة التشعبات الإقليمية هي لبنان ومحاصرة حركة المقاومة فيها وحصار حكومة حماس في فلسطين ومنع المساعدات أن تصل إليها ومحاولات تركيع الشعب الفلسطيني – للأسف – بدعم من ذوي القربى، وهكذا تتبدى معالم المعركة وانقسام معالم الفسطاطين بوضوح <BR><br>