الباكستان الذي لن ترضى عنه أمريكا حتى يرضى عنه اليهود!
16 جمادى الثانية 1427

لعلها من المفاجأة غير المتوقعة بالنسبة للجنرال " برويز مشرف" في هذا الظرف أن تنتقد وزيرة الخارجية الأمريكية سياسيته الداخلية و تعاطيه "غير السليم" مع التنظيمات المسلحة في الباكستان، و قد ذهبت "كونداليسا رايس" إلى حد وصفها بالتسيب على حد تعبير وكالة الأنباء الفرنسية، ربما لأن الجنرال مشرف لم يتردد أبدا في فعل أي شيء لأجل إرضاء الأمريكيين، ذهب في بعض الحالات إلى ملاحقة عناصر من شعبه لأجل إعطاء الانطباع انه يحكم البلاد بقبضة من حديد و أن اليد التي تخنق الباكستانيين تقابلها يد تصافح الأمريكيين طلبا لرضاهم و ودهم. ما فعله الجنرال مشرف منذ وصوله إلى الحكم في ظروف "استثنائية" لم يكن في نظر الأمريكيين محل "تقدير" مع أنه هو الذي ألقى القبض على عالم الذرة، و هو الذي اقتلع منه التصريحات بأنه أمد دول إسلامية ببعض المعلومات فيما يخص التجارب النووية، حتى لو بدت تلك التصريحات تحت وقع الضغط عليه بحيث أنها لم تكن مقنعة، و لكنها عكست الدور الذي لعبه الجنرال مشرف لأجل إقالة من يشاء و تنصيب من يراه مكملا لرؤيته المتقاربة مع الأمريكيين وبالتالي إرضاء أولئك الذين وصفهم في عام 2003 بأنهم " الأصدقاء الذين يحملون شعاع الديمقراطية للعالم" و هم المحافظون الجدد الذين يضعون اليوم الجنرال مشرف تحت نعالهم بتهمة " التسيب" لأنه لا يسمع الكلام ! هذا هو التعبير تقريبا الذي نقلته جريدة لوماتان الفرنسية لوصف العلاقة الغريبة التي صارت بين الباكستان و بين ادارة جورج بوش التي لا تعترف ب"صديق" خارج الكيان الصهيوني، و هي العبارة نفسها التي قالتها صحيفة "أببدانيوز" الشبابية الباكستانية بأن الكيان الصهيوني هو الصديق و الحليف الوحيد للإدارة الأمريكية بجمهورييها و ديمقراطييها و أن الذين يركضون خلف ال"حب" الأمريكي لن ينالوا سوى الصفع على القفا !<BR><font color="#0000FF">ـ إشكالية الجنرال و التغيير في البلاد: </font><BR>في سنة 1947، انقسمت شبه القارة الهندية إلى إقليمين جعلا العلاقات الهندية الباكستانية تعيش حالة من الأزمات و التوتر المزمن. لم تتغير الرؤى بين البلدين بالرغم من مرور أكثر من خمسين عاما من المتغيرات التي أضافت إلى العالم صراعات كثيرة و أنهت حروبا أيضا، لكن الصراع الهندي الباكستاني ظل كما هو ، بنفس الضغينة التي اعتبرتها الهند استفزازية بوجود إقليم كشمير الإسلامي الذي يطالب فيه سكانه الاستقلال الذاتي عن الهند، وهو الأمر الذي ترفضه هذه الأخيرة و تجابهه بكل أنواع الاعتداءات التي مارستها الهند طوال الحقبة الماضية ضد الكشميريين. مشكلة الصراع الهندي الباكستاني كان في السنوات الماضية "قضية داخلية" بالنسبة للعديد من الدول، و حتى الأمم المتحدة لم تكن تنظر إليه خارج الاهتمام الأمريكي نفسه الذي كان يراقب التطورات القائمة داخل الباكستان بالكثير من الحذر، لارتباط هذه الأخيرة بالإسلاميين، و بالجهاديين أيضا. لكن الحقيقة الكبيرة أن التقارب الذي انفتح على مصراعيه بين الهند و إسرائيل هو الذي غير من التحرك الأمريكي في المنطقة، فقد نشرت جريدة "الفاينل" الهندية المعارضة أن التدخل الأمريكي في الشؤون الباكستانية بدأ انطلاقا من الضغوطات التي فرضتها إسرائيل لأجل أن تكسب ثقة الهند التي تدعمها الدولة الصهيونية فيما يخص السلاح و الاستثمار في مجال التبادل العسكري و التجاري أيضا، بحيث لأول مرة عام 2003، اكتشف فيه الهنديين أن السلع الصهيونية متوافرة وبشكل مبالغ فيه في الأسواق الهندية مما أثار جدالا كبيرا انتهى إلى "ضمان بقاء تلك السلع" بحجب ماركتها فقط، أي حجب عبارة " صنع في إسرائيل" لأجل تسويقها و بشكل كبير و واسع في الهند والدول الآسيوية المجاورة، بمن فيها تلك التي لا تجمعها علاقات مباشرة مع الكيان الصهيوني. في سنة 2004، نشر موقع "كول" الصهيوني على شبكة الانترنت أن العلاقات الصهيونية الهندية ستعيش أفضل مراحلها في إطار التغيير الذي طرأ على الهند والذي فتح البلاد سياسيا على الولايات الأمريكية و على العالم. لكن الحقيقة أن الزيارة التي قام بها الصهيوني الدموي "شارون" إلى الهند قوبلت بمظاهرات قمعتها الشرطة الهندية و أخفاها الإعلام هناك، بالرغم أن جريدة "نيويوركز" الأمريكية أخذت السبق في نشر الصورة أظهرت المتظاهرين و هم يحملون لافتة كتب عليها " سنحرق الهند لو تحالفت مع إسرائيل" مع أن هؤلاء لم يكونوا من المتطرفين كما حاولت وسائل الإعلام الهندية القول، بل كانوا بعضهم من أحزاب معارضة، و بالتالي كانوا يرون أن التقارب العسكري بالخصوص بين الهند و الكيان الصهيوني يساهم بشكل كبير في أبعاد الهند عن دورها الإقليمي و بالتالي حصرها في خانة جهزها لها الكيان الصهيوني بأن تكون معبرا استراتيجيا نحو الباكستان لأجل كل أنواع الاضطرابات التي ظلت الهند تمارسها على جارتها اللدودة، لكن هذه المرة، خرجت اللعبة عن أيدي الهنديين حين وضع المجرم الصهيوني شارون رجله في الهند و حين اعتبرت الحكومة الهندية أن التحالف مع الكيان الصهيوني مكسبا "لن يفقد الهند" الدور المنوط بها في المنطقة إزاء بقية جيرانها الذين كانوا في النهاية ضحية ذلك التحالف، باعتبار أن إسرائيل تشكل العدو رقم واحد لكل دول المنطقة و أولهم باكستان، و لأن الهند أيضا فتحت أراضيها لضباط استخبارات صهاينة نصبوا ثكنة عسكرية أشبه ببرج المراقبة في منطقة "بوردا" القريبة من كشمير، و هي المنطقة التي تشكل اليوم "قاعدة سرية" تابعة لكل من الكيان الصهيوني و للولايات الأمريكية على حد سواء. ربما الأخطر هو ما نشرته جريدة "روبوبليكا" الإيطالية أنه في الثاني من شهر مارس من العام الماضي تسلل إلى تلك المنطقة عشرات من الضباط الصهاينة الذين حاولوا التسلل إلى إقليم كشمير ببطاقات هوية مزورة بعضها تركية و بعضها باكستانية، ساهمت تلك المجموعة في العديد من العمليات الإرهابية بين الحدود الهندية الباكستانية و كادت تحدث حربا في أواخر سنة 2004، بيد أن تدخل الإدارة الأمريكية منعت من امتداد الخلاف إلى درجة التفجير العسكري، لكن الإدارة الأمريكية نفسها سعت إلى الضغط على الجنرال "برويز مشرف" لأجل تعديلات كثيفة على صعيد المؤسسة العسكرية لأجل استبدال العديد من الشخصيات التي كانت تحذر من مغبة الوقوع في الفخ الغربي إزاء الصراع الباكستاني الهندي، بيد أن الضغط الأمريكي وصل إلى حد إحداث القطيعة فيما بين "برويز مشرف" و (رئيس الوزراء الباكستاني) شوكت عزيز الذي ينظر إليه الباكستانيون كواحد من المعتدلين الرافضين لأمركة البلاد، بالرغم من كل الأخبار التي كانت تنشرها المواقع الالكترونية الصهيونية عنه بأنه "واحد من المتطرفين الإسلاميين" داخل السلطة الباكستانية، ربما لأن "شوكت عزيز" وقتها كان من أشد الرافضين لسياسة الجنرال "برويز مشرف" في التعاطي مع الإسلاميين و مع القبائل الكثيرة التي أرادت المؤسسة العسكرية أن تثير الفتنة فيما بينها، و هو ما ذكرته صحف باكستانية حين تكلمت عن القرار الذي أصدره "رئيس الوزراء الباكستاني عزيز شوكت إلى القيادة العامة للمخابرات الباكستانية و الأجهزة العسكرية بعدم القيام بأي مداهمة عسكرية ضد القرى و ضد القبائل المترامية من دون العودة إليه شخصيا" و هو الشيء الذي رفضه الجنرال "برويز مشرف" و اعتبره "عصيانا أبيض" على سلطاته كقائد عام للقوات المسلحة الباكستانية، و الحال أن الصراع بين الرجلين كان في النهاية يغطي صراعا عميقا في المؤسسة العسكرية التي كانت منقسمة بين الرافضين الرضوخ للضغوطات الأمريكية و بين الراغبين في "الاستفادة من النصائح الأمريكية" على حد تعبير جريدة "النيويوركز" في تقريرها عن الوضع الباكستاني الذي نشرته في نهاية العام الماضي.. <BR><font color="#0000FF">ـ التلميذ و الأستاذ ! </font><BR>لم يكن الجنرال مشرف تلميذا نجيبا بالنسبة للأمريكيين الذين لم يكن واحد منهم يفوت أبسط الفرص لتوجيه الانتقادات إليه. ربما لأن الإدارة الأمريكية لا تشعر بالثقة لهذا الجنرال القادم إلى السلطة على ظهر الانقلاب الأبيض و الدموي في الوقت نفسه، و بالرغم من أنه هو نفسه يؤكد أنه من أقوى الحلفاء لأمريكا في المنطقة وهو ما سعى الكيان الصهيوني إلى تأكيده لأجل دعمه دوليا، لكن الغريب أن الأمريكيين لا يفوتون الفرصة لانتقاده، و الحال أن الانتقاد اللاذع الذي جاء على لسان وزيرة الخارجية الأمريكية في الزيارة الأخيرة كان بمثابة القطرة التي أفاضت الكأس، ربما أن "برويز مشرف" لن يستطيع القيام بأكثر مما قام به للأمريكيين و لأنه في الوقت نفسه يعي أنه لن يكون ضمن المرحلة الأمريكية القادمة في المنطقة، بالخصوص في الظروف التي تواجهها القوات الأمريكية في أفغانستان و الاعتراف الأمريكي الصريح بأن حركة طالبان عادت إلى السطح بقوة و هو اعتراف لم يكن الأمريكيون يعترفون به بسهولة لولا الخسائر الكبيرة التي يتكبدونها فعليا.. من هنا تبدو المرحلة الجديدة بالنسبة للأمريكيين مرحلة بحث عن البديل ليس للجنرال "برويز مشرف" فقط، بل و للأنظمة التي أفنت حياتها في خدمة الإمبريالية و التي تبدو اليوم أشبه بالورقة المحروقة، و صار حتميا استبدالها بأنظمة ديكتاتورية جديدة تخدم المصالح الأمريكية في تلك الأقاليم. صحيح أن الإحراج الذي يشعر به الجنرال مشرف كبيرا و غير محتمل بالخصوص وسط الانتقادات الكبيرة التي تصدر من الداخل، إلا أن الصورة التي رأيناها أظهرت و بشكل واضح أن أمريكا لا تعترف بشيء اسمه "صديق" أو "حليف" و أن صديقها هو الذي يقتل نفسه قربانا لتلك الصداقة الوهمية التي تمنحها الإدارة الأمريكية كطعم للأنظمة لأجل استدراجها للأخطاء و بالتالي لإجبارها على الانتحار لحفظ ماء الوجه. و الانتحار في الشأن الباكستاني يبدو معقدا بالخصوص في بلد يعيش كل أنواع التوترات و النزاعات المختلفة و يعيش حالة من الاستعداد القصوى لعدو "جاهز" اسمه الهند، بكل ما صارت تمثله الهند اليوم من تكتلات "إستراتيجية" للدول الغربية التي تريد الانتقام من الباكستانيين الذين تتهمهم بأنهم يصدرون الإرهاب إلى العالم ، و هو الذي قاله " رونالد رامسفيلد" حين علق على الزلزال الذي ضرب الباكستان قبل فترة و الذي لأول مرة لم يكن حضور المنظمات الإنسانية الدولية فاعلا لأن السياسة لم تعد تمنح للإنسان مساحة لغير الموت سواء بقنبلة أو تحت الأنقاض !<BR><br>