بلير على خطى بوش في رحلة الصعود والهبوط
12 ربيع الثاني 1427

مع اقتراب موعد الانتخابات الحكومية في بريطانيا، قرر(رئيس الوزراء) توني بلير اتباع سياسية (الرئيس الأمريكي) جورج بوش مجدداً في تثبيت نفسه أولاً، وإلهاء منافسيه بإقالات وتغييرات حكومية قد لا تعطي الكثير من التغيير في البنية الرئيسة للحكومة، إلا أنها قد تساعد في استمرار "الحرب الإعلامية" التي تعد أساساً في أي انتخابات حكومية أو رئاسية في الدول الديمقراطية!<BR><BR>فالرئيس الأمريكي الذي تدنّت شعبيته إلى أقل مستوياتها مؤخراً، بفعل العديد من القضايا الداخلية والخارجية، وعلى رأسها موضوع العراق، والإخفاق في إنقاذ الجنود الأمريكيين من الموت يومياً هناك، وعدم القدرة على تشكيل حكومة وحدة عراقية بعد 3سنوات من الاحتلال والوعود بالديمقراطية، قرر أخيراً إحداث تغييرات أساسية في بيته الأبيض، وفي إدارته المتهالكة، طالت قيادة الاستخبارات المركزية.<BR>واليوم، يبدو بلير وقد قرر اللحاق بركب بوش إلى آخر دقيقة، وقرر استغلال النفس السياسي الأخير له في ترسيخ سياسة أمريكا في بريطانيا، واتباع صديقه الحميم في السقوط، كما تبعه في الصعود.<BR><BR>قبل أسبوع تقريباً، استبقت صحيفة (التايمز) البريطانية الأحداث، ونشرت استطلاعاً للرأي حول شعبية الأحزاب السياسية وفرص فوزها في الانتخابات المحلية. ولم تكن الاستطلاعات بعيدة عمّا حدث الجمعة الماضية 5 مايو. حيث قالت الصحيفة: " إن دعم البريطانيين لحزب توني بلير انخفض إلى أقل مستوى له منذ عام 1992 _عندما كان حزب معارضة_ ليصل إلى 30% فقط"، مضيفة أن نسبة 65% من البريطانيين استبعدوا فوز حزب العمال مجدداً في الانتخابات العامة القادمة.<BR>وبعد ثلاثة أيام على نشر الاستطلاع، جاء موعد الانتخابات المحلية العامة، التي خسر فيها حزب العمال 200 مقعداً في عدة مدن ومناطق، ما حجّم الحزب الحاكم، وأوجد حالة ارتباك واسعة، لم تستمر طويلاً _على الأقل لدى توني بلير_ الذي قرر خلال 24 ساعة فقط أن يتّبع أسلوب بوش مجدداً في حل مشاكله.<BR>أعلن بلير عن جملة من التغييرات في حكومته، وخلال جلسة للحزب يوم السبت الماضي، أقال (وزير داخليته) تشارلز كلارك، ونقل (وزير الخارجية) جاك سترو إلى منصب (رئيس مجلس العموم)، فيما سحب معظم صلاحيات جون بريسكوت (نائب رئيس الوزراء)، وأبقاه في منصبه بدون مكتب.<BR><BR>بلير الذي استمر في الحكم طيلة 9 سنوات، قام بهذه التغييرات من أجل تهدئة الانتقادات الموجهة إلى أعضاء حكومته بشكل خاص، إذ يعد (وزير الداخلية السابق) تشارلز كلارك، أكثر الوزراء تعرّضاّ للانتقاد في بريطانيا، على خلفية فضيحة اختفاء أكثر من 1000 سجين أجنبي من البلاد بعد مغادرتهم السجن، تؤكد مصادر إعلامية وسياسية أنه تم ترحيلهم دون إذن قضائي إلى دول أخرى، من بينها الولايات المتحدة!<BR>فيما يعد بريسكوت (نائب بلير) أحد أعضاء الحكومة الذين ينظر إليهم على أنهم "أفسدوا الحزب أخلاقياً"، عبر فضيحة انتشرت بشكل واسع في الإعلام البريطاني حول علاقته الجنسية مع سكرتيرته الخاصة.<BR>أما سترو، فتؤكد مصادر سياسية أنه فقد منصبه بسبب ضغط مباشر من بوش، الذي انتقد سترو على خلفية تصريحاته المتتالية حول"عدم إمكانية أو منطقية توجيه ضربة عسكرية لإيران".<BR><BR>ورغم اعتراض بلير على "سبب إقالة سترو من منصبه" إلا أنه يعترف أن تشكيلة حزبه باتت بحاجة إلى تغييرات جذرية.<BR>هذه التغييرات لم تقنع أعضاء الحزب الذين يخشون من سقوط حزبهم في الانتخابات القادمة أكثر من خشيتهم على بلير وحكومته، إذ أن تراجع الحزب الحاكم لصالح حزب المحافظين _الذي كسب 8 نقاط في استطلاعات الرأي خلال شهر واحد_ يعدّ تدهوراً استراتيجياً في الحزب الحالم بالصمود والاستمرار.<BR><BR>وبعد ضغوطات عديدة، من أبرزها التهديد بتقديم ورقة موقعة من قبل 50 من نواب حزبه في مجلس العموم لمطالبته بالتنحي عن منصبه، ووضع جدول زمني لذلك، ألقى بلير كلمة له يوم الاثنين، تحوّل فيها من الدفاع إلى الهجوم، حيث اتهم النواب الذين يطالبون بالتغيير بأنهم "يريدون إرجاع الحزب إلى الوراء" ويريدون "إحداث تغيير راديكالي في مسار الحزب، وليس تجديده". <BR>كما رفض تقديم موعد محدد لاستقالته، لان ذلك من شأنه أن "يحدث شللاً في الأداء الصحيح للحكومة" حسب قوله، إلا أنه وعد بأن يستقيل قبل نهاية مدته القانونية، لفسح المجال أمام قيادات جديدة لإعادة تشكيل الحزب المتهالك، قبل الانتخابات العامة.<BR><BR>ويوافق السيناريو البريطاني مثيله الأمريكي الذي سبقه في ذلك.. إذ استطاع بوش مراراً التنصّل من مواجهة المشاكل كرئيس للإدارة الأمريكية عبر إعادة توجيه الضربات من المعارضة، إلى أعضاء من إدارته.<BR>فبعد الانتقادات الحادة التي طالت الإدارة الأمريكية، وبعد استطلاعات الرأي التي أكدت تدني شعبية بوش إلى أقل مستوى له منذ توليه السلطة، أجرى بوش جملة من التغييرات طالت عدة مناصب هامة. إلا أن هذه التغييرات جاءت من باب "الاستقالات"، وهو الشكل المحترم "للطرد" التي تستخدمها الإدارة الأمريكية.<BR>الإقالات بدأت نهاية شهر مارس الماضي، عندما أعلن اندي كارد (كبير موظفي البيت الأبيض) استقالته من منصبه.<BR>وحسب وكالة الاسوشتدبرس الأمريكية، فإن "تلك الخطوة تأتي في غمرة تدني حاد في شعبية بوش ووسط دعوات متصاعدة للرئيس بتغيير طاقم معاونيه".<BR>ثم تبعها تعيين (الممثل التجاري الأميركي) روبرت بوتمان مديراً لمكتب الميزانية، خلفاً لجوشوا بولتن، الذي بات كبير موظفي البيت الأبيض.<BR><BR>وخلال أقل من شهر، أعلن سكوت ماكليلان (الناطق باسم البيت الأبيض) استقالته من منصب، فيما كان يقف إلى جوار بوش، الذي رحّب بالاستقالة، وهو ما اعتبره السياسيون قراراً سابقاً من بوش بتنحية ماكليلان.<BR>وفيما كان بلير يخسر مزيداً من المقاعد يوم الجمعة 5 مايو، أعلن بوش تنحي بورتر جوس (مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية) عن منصبه. بعد أقل من عامين على تعيينه خلفاً لجورج تينيت.<BR>وتقول مصادر إعلام أمريكية: " إن التغييرات التي يقوم بها بوش أشبه بلعبة (الكراسي) في محاولة منه لإعطاء إدارته وحزبه دماء جديدة قبل انتخابات الكونغرس المقرر عقدها في نوفمبر القادم".<BR>لعبة (الكراسي) هذه وجدت أصداءً لها في لندن، التي قرر بلير ممارستها في بريطانيا على أمل الفوز بما يتمنى بوش الفوز به.<BR>إلا أن مؤشرات استطلاعات الرأي التي قد ترتفع بعد هذه التغييرات الحكومية في واشنطن ولندن، لن تخدم الثنائي (بوش وبلير) كثيراً، لأن الشعبين الأمريكي والبريطاني يبدو أنهم اسقطوا هذا الثنائي من حساباتهم، وبدؤوا يراهنون على قيادات أخرى، خارج مأزق العراق وأفغانستان والفضائح الداخلية المتلاحقة.<BR><br>