احتلال العراق في المكتبة العربية
14 ربيع الأول 1427

ارتبط ذكر العراق في العقل الجمعي العربي بالمحطات الأساسية التي شهدت تحولا في مسيرة الأمة، فقبل عقد من انتهاء القرن العشرين كانت أهم الأحدث على ساحتنا العربية لها اتصال مباشر بالشأن العراقي بدءا بحرب الخليج الثانية عام 1991 التي مهدت لمرحلة جديدة تماماً تحولت خلالها موازين القوى في المنطقة سواء على مستوى الشعوب أو الأنظمة، ثم حرب احتلال العراق 2003 التي أذنت بدخول المنطقة برمتها مرحلة مختلفة تماماً أعادت تشكيل وتركيب المنطقة ليس خارجياً أو هيكلياً فحسب، بل أيضاً من داخلها وفي صميم تكوينها الثقافي والاجتماعي والحضاري. <BR>وكما كانت تفجيرات نيويورك وواشنطن في الحادي عشر من سبتمبر 2001 موعداً لتأريخ جديد للعالم وأسس تفاعلاته، أصبح احتلال العراق وسقوط بغداد في التاسع من إبريل 2003 نقطة بداية لتأريخ جديد للمنطقة العربية، وقد بدأ يؤرخ بالفعل للتطورات والأحداث التي تجري في المنطقة بهذا الحدث المفصلي، فهي إما قبل أو بعد .. سبباً أو نتيجة .. مرتبطة أو منفصلة عن احتلال العراق.. فكلها تعبيرات وقياسات مرجعيتها النهائية زمنياً وموضوعياً احتلال العراق ودخول القوات الأمريكية بغداد بعد قصة السيطرة على المطار الشهيرة، وما أكثر القصص المؤلمة في عالمنا العربي <BR>وفي هذا الإطار يمكن القول أن عملية احتلال العراق شكلت نقطة تحول كبيرة في مسار التوازنات الإقليمية فيما يسمى بمنطقة الشرق الأوسط، وفيما يتعلق بالعلاقات بين الدول العربية من ناحية وبين أقطاب دول الجوار "إيران وتركيا" وبين القطب المزروع داخليا و"إسرائيل" من ناحية أخرى<BR>كما أحدث احتلال العراق اختلالا بعيد المدى وعميق التأثير في معادلة التوازنات داخل العراق بين الإثنيات والمذهبيات المختلفة؛بعد انهيار الدولة ،وستنعكس آثاره على المستقبل والتوجهات السياسية للنظام العراقي الجديد الذي سينشأ في ظل الاحتلال.<BR><BR>ورغم كثرة الكتب التي جادت بها المطابع العربية بعد <font color="#ff0000"> سقوط بغداد واحتلال العراق </font> إلا أننا نعرض لثلاثة كتب نحسب أنها تغطي كثيراً من جوانب الموضوع <BR><font color="#0000FF"> الكتاب الأول كان للكاتب الأشهر في عالمنا العربي وهو الأستاذ محمد حسنين هيكل، المسمى: الإمبراطورية الأمريكية والإغارة على العراق </font><BR>ثم الكتاب الثاني لمجموعة من المؤلفين ذوي الخلفية البحثية والعلمية المختلفة من داخل العالم العربي وخارجه وذلك بهدف مراجعة تحليل علمي رصين وتقديم الرؤية الأخرى القادمة من خارج المنطقة، حيث شارك في صياغة الكتاب كثير من الباحثين الأجانب، وهو كتاب : <font color="#0000FF"> "العراق والمنطقة بعد الحرب: قضايا الإعمار الاقتصادي والاجتماعي" </font><BR><BR><font color="#0000FF"> أما الكتاب الثالث : نكبة العراق "الآثار السياسية والاقتصادية" فقد </font> أصدره مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية بالأهرام وهو مركز علمي قريب الصلة بصانع القرار المصري <BR><font color="#ff0000"> وفي حين ركز كتاب الأستاذ هيكل على </font> التغير الكبير الذي طرأ على أهداف وفلسفة واستراتيجية الولايات المتحدة الأمريكية, حيث تحولت هذه الأهداف والفلسفة من دولة كبرى أو قطب أوحد إلى إمبراطورية، وللأسف كان العراق هو الميدان الذي شهد هذا التحول الدرامي وتجربة واشنطن كي تتحول إلى هذه الفلسفة الجديدة.<BR>كما ركز الكتاب أيضاً عن فلسفة الحرب في تاريخ أمريكا وأنها – أي الحرب – كالقدر المكتوب على هذا الشعب النازح من كل مكان في العالم إلى أرض الأحلام الجديدة, حيث يرى هيكل أن الأمريكان يعتقدون أن التحول إلى الإمبراطورية فيه جزء إلهي ومقدس.<BR>ولقد تعرض الأستاذ هيكل أيضاً إلى التركيب الشخصي للرئيس جورج بوش الابن ولمجموعة المحافظين الجدد المحيطين به من أمثال كونداليزا رايس، وديك تشيني، ورامسفيلد، وولفوتيز...الخ., وقال: إنه لولا هذه العقليات لما اتجه التفكير الأمريكي إلى اختيار البديل الإمبراطوري. <BR>وتظل الإمبراطورية الأمريكية قضية أساسية تستدعي البحث والدراسة؛ وبعدها فإن ما جرى ويجري في العراق ً- عملية ممارسة لقوة هذه الإمبراطورية تثير الألم والوجع وسوف تظل كذلك حتى يجيء الأوان ويتمالك العالم أعصابه وإرادته - لكنه بدون البحث والدرس في القضية الأساسية فأي تناول للممارسات سطحي, وكل وصفة لعلاجها مهدئ, يداري عللها ولا يداويها!<BR>وعليه -كما يقول المؤلف - فإن الوقوف أمام المشروع الإمبراطوري الأميركي سواء في ذلك نظرياته المتطورة مع الوسائل الحديثة, أو رجاله المتغيرون مع العصور المستجدة - هو الذي يشرح ما جرى ويجري في العراق (وربما في غيره), ويكشف كيف جاء رجال من أمثال "ريتشارد تشيني" (نائب الرئيس الأميركي حالياً), و"دونالد رامسفيلد" (وزير الدفاع ومهندس حملة العراق), و"بول وولفويتز" (مساعد وزير الدفاع) و"ريتشارد بيرل" (رئيس لجنة سياسات الدفاع السابق) - فأمسكوا بمفاتيح القرار الأميركي, ثم فتحوا الأبواب على آخرها واحتلوا واحدة من أغلى العواصم, وأغناها إسهامًا في الثقافة العربية الإسلامية, وأبرزها تأثيرًا في المحيط الحضاري الإنساني الأوسع والأكبر.<BR>والواقع أن تاريخ الإمبراطوريات يكشف أشياء, كما أن تجربة هذه الإمبراطورية الأميركية تضيف إلى الكشف القديم أشياء أكثر, لأن هذه الأخيرة ظاهرة مستجدة, كما أن صناعها طراز مختلف عمن سبقوهم على نفس الطريق, فلم يكن يحدث من قبل أن اختلطت المشروعات الإمبراطورية الكبرى بالمصالح الشخصية المباشرة كما يحدث في حالة المشروع الإمبراطوري الأمريكي اليوم, وأول الأسباب أن التجزئة الإمبراطورية الأميركية في الجانب الرئيسي منها - مشروع مالي (شبه خاص!) وهنا اختلافه عما سبقه. ومع التسليم بالعلاقات العضوية بين الإمبراطورية والثورة فإن المشروع الأمريكي غير ترتيب العلاقات وبدل تركيبتها, وجاء بأحوال غير مسبوقة في نشأة الإمبراطوريات وقيامها.<BR><BR><font color="#0000FF"> أما الكتاب الثاني "العراق والمنطقة بعد الحرب: قضايا الإعمار الاقتصادي والاجتماعي" فقد ركز </font> على موضوع <font color="#ff0000"> "التعمير" </font> الذي يشكل ضلعا لمربع، أضلاعه الباقية هي <font color="#ff0000"> "التحرير" و"التوحد القومي" و"الاستقرار"، </font> لكنه ينفذ إلى مسائل عدة، سياسية وعسكرية واجتماعية وثقافية، تجسد في مجموعها الحالة العراقية على تعقدها وتشابكها وامتداد تأثيرها من المحيط الإقليمي للعراق إلى النظام الدولي برمته، حيث شارك في تأليف الكتاب نخبة متميزة من الباحثين والكتاب والساسة من العراق ومصر ولبنان والولايات المتحدة والمملكة المتحدة وألمانيا وكندا، وحوى الكتاب نقاشا محتدما وكرس جهده للإجابة على تساؤل محوري مفاده: <font color="#ff0000"> ما هي سبل العمل البديلة التي يمكن أن تعتمدها حكومات وشعوب المنطقة العربية لمواجهة تحديات إعادة إعمار العراق اقتصادياً واجتماعياً وثقافياً وإنسانياً؟ </font><BR><BR>وتنوعت الإجابة على هذا التساؤل بين من ناقش تحديات <font color="#ff0000"> "المرحلة الحرجة" </font> التي يمر بها العراق عبر انتقاله من حكم البعث إلي نظام سياسي تعددي تدار عمليته السياسية عبر انتخابات تعددية <BR>وبين من ناقش جهود إعادة إعمار العراق خلال الفترة من 1991 إلى 2002، بعد أن ألقيت على مدنه خلال حرب <font color="#ff0000"> "عاصفة الصحراء" </font> ما يربو على مئة ألف طن من المتفجرات، دمرت البنية الصناعية العراقية، وبين من قدم نماذج من جهود إعادة إعمار العراق منذ أن وضعت حرب الخليج الثانية 1991 أوزارها حتى عام 2002، خاصة في مجال الطاقة، سواء النفط أو الكهرباء. أو من رسم سيناريوهات سياسية لعراق ما بعد الحرب، أو من عرف بالمسائل المالية والنقدية في العراق، في إطار تضارب التقديرات حول الديون والتعويضات المستحقة عليه، وحجم الأموال اللازمة لإعادة الإعمار منطلقا من مناقشة الإطار القانوني المالي الراهن لعمل الدولة العراقية في ظل الاحتلال، وهناك من تناول قضية الأبعاد السياسية والاجتماعية لقضية الإعمار، من خلال التأكيد على القضايا والتحديات التي تؤثر في الأوضاع الاجتماعية والإنسانية في عراق ما بعد الحرب أو عرض الثانية الآثار السياسية والاجتماعية للحرب ضد العراق، سواء على الداخل العراقي أو المحيط العربي لتؤسس منطلقاتها على تصور مفاده أن الحرب لم تكن كارثية على العراق فحسب، بل على العالم العربي برمته، شارحة التركيبة السياسية والاجتماعية المعقدة للعراق، والتي يتقاطع فيها السياسي والأيديولوجي مع الطائفية والعشائرية، ويضع الخارج بصمته ووطأته على الداخل، بما يجعل خروج العراق من الحالة التي آل إليها مسألة ليست يسيرة.<BR>ولم ينس الكتاب التعرض لقضايا غاية في الأهمية لتحديد مستقبل العراق مثل قضية التنمية والمجتمع المدني في العراق، وقضية "السياسات الاقتصادية" المتبعة بالعراق قبل اندلاع الحرب في العشرين من مارس 2003 حيث كانت الدولة تقبض على المقدرات الاقتصادية للدولة، ثم عقب الحرب مباشرة حيث الانهيار المؤسسي وفقدان الأمن وعدم فاعلية القوانين وفرض الوصاية على الأسواق مع تزايد أعمال المقاومة، ليعرج على وصف حالة الاقتصاد العراقي في الوقت الراهن.<BR><BR>ويتميز هذا الكتاب بأن النتائج التي توصل إليها والأفكار التي طرحها والاقتراحات التي تضمنها ستظل تفرض نفسها على المسألة العراقية في المستقبل المنظور، رغم ما قد يبدو ظاهريا من الأحداث تتجاوز كل ما بين دفتيه. ومن ثم يبدو الكتاب بمنزلة الدليل الذي من الضروري أن يعود إليه كل من يعنيه أمر العراق، خاصة من النخبة الثقافية والسياسية والاجتماعية العربية إلى جانب المجموعات البحثية، نظرا لأنه، يشكل في خاتمة المطاف إطارا متعدد الأبعاد لمتابعة الأحداث الجارية المتلاحقة التي تموج بها الساحة العراقية يوما إثر يوم<BR>ومع ذلك لا يبدو الكتاب قد جاء محققاً تماماً للهدف الذي وضعه لنفسه وظلت المناقشات المسهبة التي حواها الكتاب إلى جانب المقالات والأبحاث وأوراق العمل التي شملها أقرب ما تكون إلى "الغيبيات" وليست الحلول العملية، لتعيدنا مرة أخرى إلى الحلقة المفرغة التي تدور فيها القضية العراقية، وثمة سلبية أخرى لهذا الكتاب وهي ما قضاه كثير من مؤلفي الكتاب في مناظرات أبعادها الأيديولوجية أكثر حضوراً من بحثها عن حلول عملية لمعضلة العراق <BR><BR><font color="#0000FF"> الكتاب الثالث: نكبة العراق الآثار السياسية والاقتصادية </font><BR>يأتي هذا كتاب محاولة في الإجابة على كثير من التساؤلات والإشكاليات حول وضعية العراق بعد الاحتلال الأمريكي بأبعادها المختلفة سياسياً واقتصادياً وإقليمياً ودولياً.<BR>وقد عكس هذا الكتاب الجماعي قدراً من التباين بين الباحثين في استخدام المصطلحات المختلفة،وهو ما عبر عن تباين في الرؤى والمشارب الفكرية بين الباحثين، وهو ما يثري القضية التي يسعى الكتاب لمناقشتها، حيث ما زال العراق يعيش حالة من السيولة والقابلية للتشكل تغري بالتنوع في القراءة للحدث وتفسيره، والتوقعات حول سيناريوهات مستقبله، لكن هذا التنوع لم يمنع من ملاحظة وجود خط واحد يجمع بينهم،وهو :عدم إعفاء نظام صدام حسين من تحمل مسؤولية ما جرى للعراق، والانطلاق من هذه النقطة لتحذير الأنظمة العربية في المنطقة من خطورة الاستمرار في سياستها القمعية وكبتها للحريات وتهميشها لمساحة الديمقراطية.<BR>وعبر <font color="#ff0000"> خمسة محاور </font> حاول الكتاب أن يتناول مستقبل العراق بعد نكبته، حيث كانت هذه المحاور،هي: <BR><font color="#ff0000"> الآثار السياسية، الانعكاسات الإقليمية، والتأثير على الأطراف الإقليمية، والآثار الاقتصادية، النظام العالمي والأمم المتحدة </font><BR>حيث تناولت مجمل الدراسات ما ترتب على سقوط نظام صدام من ظهور المقاومة وما أحدثه للأمريكان من إرباك دفعهم للمبادرة ببعض الخطوات والإجراءات السياسية، وإن ظل التنوع السياسي الإثني والمذهبي في العراق،وامتلاك النخبة السياسية العراقية قدرا عاليا من التمرس والوعي يشكل مأزقا للأمريكيين في عدم القدرة على إيجاد قواسم مشتركة فيما يتعلق بقضية إقامة نظام سياسي جديد في العراق<BR>كما يتعرض الكتاب للقوى السياسية العراقية التي قررت الاستفادة من الغزو الأمريكي في التخلص من نظام صدام حسين، وإن واجهت تلك القوى بعد الاحتلال تواجه- لأول مرة - أسئلة تتعلق بالهوية الوطنية،وأسس تكوين المجتمع وشرعيته<BR>ومن اللمحات الدقيقة في هذا الكتاب دراسة جدلية "علاقات الداخل والخارج" ذلك أن هزيمة الداخل هي السبب الرئيسي في انتصار الخارج، ولعل أهم ما ركز عليه هذا الكتاب هو أن الاحتلال الأمريكي للعراق أدى إلى إعادة هيكلة ميزان القوى في منطقة الشرق الأوسط،وأحدث مزيداً من الخلل في موقع العرب في هذا الميزان، ولا ينسى الكتاب موقف إيران من التهديدات الأمريكية باعتبارها أكثر الدول التي تضررا من تغيير الخريطة السياسية في منطقة الخليج بعد الاحتلال الأمريكي للعراق،حيث أُحكم الحصار الأمريكي عليها،مما خلق تهديدات للأمن الوطني الإيراني، وفي هذا الإطار تظل "إسرائيل" أكثر الدول تحقيقا لمكاسب إستراتيجية من الاحتلال الأمريكي للعراق.<BR><br>