بعد أزمة الرسوم.. الاسكندنافيون يقبلون على دراسة الإسلام واعتناقه !
25 صفر 1427

لم يكن يدر بخلد المشرفين على جريدة يولاتد بوستن الدانماركية وهم ينشرون اثني عشر رسما مسيئا للنبيّ محمد _عليه الصلاة والسلام_ أنّ نبيّ الإسلام وفي ظرف قياسي ووجيز سيصبح أحد أكبر الحضور في المشهد الإعلامي والثقافي والسياسي الاسكندنافي. فالفرد الاسكندنافي الذي يجد صعوبة بالغة في نطق الألفاظ العربية بات يتهجّى لفظة محمد كما يتلفظها أي عربي وذلك لكثرة ورود هذا الاسم في وسائل الإعلام المرئية و المسموعة و المكتوبة و الإلكترونية, ولم تبق وسيلة من وسائل في شمال أوروبا إلاّ وخصصت حيزا و حلقات لسيرة النبي محمد عليه الصلاة والسلام و رسالته الإسلامية, وتشبه حالة الاسكندنافيين مع النبي محمد في الظرف الراهن كحالة قريش معه عليه الصلاة والسلام في بداية البعثة النبوية عندما تساءل بعض أعيان قريش و لكن ماذا يريد محمد!<BR>وقد فرض ذكر الرسول محمد _عليه الصلاة والسلام_ نفسه على الحركة السياسية والإعلامية والثقافية و الأكاديمية في شمال أوروبا , فالعديد من الوزراء باتوا يستقيلون على خلفية الإساءة إليه, وعشرات البرامج التلفزيونية خصصت لدراسة رسالته الإسلامية وحياته وبداية الدعوة الإسلامية ومنتهاها , بل إنّ بعض المثقفين السويديين ومنهم مدير المعهد السويدي في الإسكندرية المستعرب يان هننجسون طرح مشروعا على المجموعة الأوروبية يقضي بتدريس الإسلام و التعريف بالحضارة الإسلامية في كل المدارس الأوروبية, كما أنّ الحكومة النرويجية أقرت قانونا يقضي بتجريم سبّ الأديان السماوية والتهكّم بالأنبياء, وتداعت فنلندا إلى تنظيم مؤتمر دولي للحوار بين الإسلام والغرب, وتحاول الحكومة الدانماركية وبمختلف الوسائل تصحيح صورتها لدى "المرجعيات" الإسلامية في العالم الإسلامي. <BR>ولأول مرّة في تاريخ أوروبا تأمر وزيرة الخارجية السويدية ليلى فريفالدس الأجهزة الأمنية في السويد بإغلاق موقع إلكتروني تابع للحزب الديموقراطي النازي كونه سعى لتنظيم مسابقة لرسم الرسول محمد عليه الصلاة والسلام أسوة بجريدة يولاند بوستن الدانماركية و قدمّت استقالتها لتحافظ على موقفها رافضة ضغوط الأحزاب اليمينية المتطرفة المناوئة للإسلام والمسلمين في شمال أوروبا. <BR>وقد أصبح النبي محمد _عليه الصلاة والسلام_ مادة للنقاش في برلمانات دول شمال أوروبا و مادة للنقاش بين السياسيين في البرامج الحوارية التلفزيونية, وأصبحت بعض الإذاعات في برامجها الخاصة تشرك المواطنين الاسكندنافيين في برامجها و تسألهم عن رأيهم في محمد عليه الصلاة والسلام. <BR>كما أنّ الصحف المحلية والذائعة الانتشار في شمال أوروبا درجت على نشر سلسلة مقالات للتعريف بالإسلام , كما فعلت جريدة أفتون بلادت السويدية والتي توزّع قرابة مليون ونصف مليون نسخة يوميا عندما نشرت سلسلة حوارات عن الإسلام مع المؤرخ السويدي جان ياربي أستاذ الدراسات الإسلامية في جامعة لوند السويدية و الذي أفاض في شرح مقاصد الإسلام ومرتكزاته للسويديين. وللإشارة فإنّ العناوين التي تنشر في صحف شمال أوروبا باتت تتناول الإسلام وبشكل يومي , وكأن اسكندنافيا تكتشف ظاهرة اسمها محمد والإسلام و من هذه العناوين:<BR> الإسلام فوبيا, الإسلام قوة الغد في أوروبا, الإسلام هو الدين الأكثر انتشارا في أوروبا, المسلمون هم الأكثر إنجابا في أوروبا, العوائل المسلمة هي الأكبر في أوروبا, الإسلام يعطي مناعة لأتباعه ضدّ الذوبان المطلق في إفرازات الملذات الغربية. . . هذه العناوين وغيرها كثير جدّا أكثر من أن تحصى باتت تشكل منطلقات لدراسات ومقالات وتصريحات تكاثرت في المدة الأخيرة في الغرب, وبات الإسلام هو أبرز حاضر في معظم النقاشات والمؤتمرات. <BR>ولم تبتعد نتاجات دور النشر في الدانمارك وإيسلندا وفنلندا و النرويج وإيسلندا عن هذه الأجواء, حيث أصدر الكاتب الدانماركي بيك سيموسن كتاباً بعنوان (ما الإسلام!)<BR>وفي هذا الكتاب يوضح سيموسن أنّ الإسلام دين حضاري ويتميز بديناميكية فكرية رهيبة وهو ذو ألوان متنوعة وليس أسود وأبيض فقط كما يحرص بعض الأوروبيين تصويره. <BR>ومن الإجحاف بمكان يقول سيموسن اتهام الإسلام بالتطرف والإرهاب حيث هو أبعد ما يكون عن هذه الاتهامات الباطلة , وأعاد هذا الكاتب التذكير بأنّ الدولة الإسلامية خدمت الحضارة وطورت العلوم و كل مجالات المعرفة , وفي السويد أعاد مستشار رئيس الحكومة السويدية الأسبق أولف بالمة السيد أكسيلسون سيجبرت وفي معرض مشاركته في مهرجان أقامه المسلمون في السويد نصرة للرسول محمد _عليه الصلاة والسلام_ أنّ الإسلام دين حضاري و من الظلم اتهامه بالجهل أو الإرهاب. وعلى الرغم من أنّ الإستراتجية الإعلامية الصهيونية في الغرب تسعى لأن يكون الإسلام عدوا رقم واحد للحضارة الغربية والغربيين والديّانة المسيحيّة لكنّ هذا التخطيط ورغم أنه نجح نسبيا في وسائل الإعلام الغربية إلى حدّ ما غير أنّه أنتج حالة فضول لدى الإنسان الغربي بضرورة التحرك فكريّا لإجراء مراجعة فكرية وثقافية للإسلام من خلال البحث عن الكتب التي تتحدث عن الإسلام والإقبال على شراء معظم الكتب المعرفيّة التي تشرح الظاهرة الإسلامية في أبعادها العقائديّة والتشريعية والثقافيّة, إلى درجة أنّ صحيفة سويدية مشهورة سألت مطربة سويدية مشهورة أيضا عن الكتاب المفضّل الذي تقرأه هذه الأيّام فأجابت بأنّه القرآن. <BR>وفي هذا السيّاق يشار إلى أنّ الكتب التي تتحدّث عن الإسلام باتت تحققّ أعلى المبيعات في معارض الكتب في الغرب بعد أزمة الرسوم الدانماركية , كما أنّ دور النشر الغربية اتصلت بالعديد من المتخصصّين في الدراسات الإسلامية والحضارة الإسلامية والعربية للكتابة في مواضيع بعينها على صلة بالإسلام, كما أنّ المعاهد الجامعية الغربية باتت تحضّ الباحثين الراغبين في إنجاز أطروحات دكتوراة للكتابة عن الحركات الإسلامية أو المذاهب الإسلامية وغيرها من المواضيع ذات العلاقة بالإسلام. <BR> أمّا البرامج التلفزيونيّة التي تصوّر حياة المسلمين في أكثر من قطر إسلامي فقد أصبحت من الكثرة بحيث يندهش المشاهد للقنوات الغربية لهذا السيل الإعلامي الذي يتناول ظواهر الإسلام والمسلمين في خطّ طنجة – جاكرتا. <BR>ورغم جدارات برلين الاجتماعية والثقافية والسياسية والأمنية والإستراتيجية المتعددة التي أقامها الغرب بينه وبين الإسلام منذ طرد المسلمين من الأندلس ومرورا بالحركات "الاستعمارية" ووصولا بالغارة الكبرى على عالمنا الإسلامي , إلاّ أنّ الإسلام استطاع أن يصبح سؤالا للاسكندنافيين أو بالتعبير الاسكندنافي Islam Fr&aring;ga , وهذا الحضور المكثّف للإسلام في المشهد الإعلامي والسياسي والثقافي والأكاديمي في الدول الاسكندنافية أنتجت حركة أسلمة وسط الشباب والشابات الغربيين والأكاديميين الغربيين التي باتت ظاهرة في حدّ ذاتها. <BR>ففي الدانمراك التي شهدت اندلاع أزمة الرسوم الكاريكاتورية يتردد على مسجد كوبنهاجن وحدة أزيد من عشرين شاب لإعلان إسلامهم أسبوعيا , وفي السويد أصبح مسجد ستوكهولم المركزي قبلة للشباب السويدي والشابات السويديات و غيرهما من شباب أوروبا الذين يعلنون إسلامهم بشكل يومي والأمر عينه يتكررّ في النرويج و فنلندا وإيسلندا, و يعكس هذا التوجه ما قاله الكاتب السويدي الراحل يان ساميلسون الذي أسلم في كتابه الإسلام في السويد أنّ الدين الإسلام سيكون أهم وأصعب رقم في معادلة الدول الاسكندنافية بعد عشرين سنة. <BR>وقد أعلنت وزارة التعليم الدانماركية أنّها أصدرت مرسوما يقضي بتدريس القرآن الكريم في كل الثانويات الدانماركية, وقد عللّت وزيرة التعليم الدانماركية أولي تورناس ذلك بقولها أنّ تدريس الإسلام في المراحل الثانوية في الدانمارك سيفيد من جهتين أساسيتين أولهما معرفة الدانماركيين بالدين الإسلامي خصوصا في ظل الإقبال الكبير على دراسة الإسلام من قبل الدانماركيين وثانيهما معرفة الدانماريكيين الأصليين لأصدقائهم المسلمين الذين يعيشون معهم في الدانمارك أو أصدقائهم بتعبير الوزيرة أولي تورناس, و للإشارة فإنّ عدد المسلمين في الدانمارك يبلغ حوالي 200 ألف مسلما أغلبهم من البلاد العربية والإسلامية وإفريقيا وهذا العدد هو من أصل خمس ملايين ونصف دانماركي وقد رحبّت الجمعيات الإسلامية في العاصمة الدانماركية كوبنهاجن بهذه البادرة واعتبروها خطوة في الاتجاه الصحيح وفي اتجاه بناء مجتمع متعدد الثقافات والديانات والذي تطالب بإقامته الحكومة الدانماركية و الأحزاب المعتدلة. و من الأحزاب التي عارضت قرار وزارة التعليم حزب الشعب اليميني الدانماركي الذي سبق لرئيسه أن تهجمّ بقوة على العرب والمسلمين و ذهب إلى حدّ التهجم على رسول الإسلام محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام ووقف ضد مسلمي الدانمارك في حملتهم القوية ضدّ جريدة يولاند بوستن التي أساءت للرسول عليه الصلاة والسلام. ولا يخفي هذا الحزب توجهاته اليمينية المتطرفة ضدّ مسلمي الدانمارك و المهاجرين على وجه التحديد , وقد تقدم باقتراح إلى الحكومة الدانماركية يدعوه فيها إلى مناقشة إعادة اللاجئين العراقيين في الدانمارك إلى العراق مع رئيس الحكومة العراقية.<BR> وعلى صعيد آخر يبدو أن مشكلة إيجاد أرض لبناء مقابر الجالية المسلمة قد تُحل قريبا في الدانمارك. حيث أعلنت بلدية بروندبي أنهاّ ستطرح الأرض التي زاد الجدل حول استخدامها لهذا الغرض للبيع قريبا وأن الجالية المسلمة قد أبدت استعدادها لشراء الأرض في مقابل 3.2 مليون كرونة دانماركية. <BR>والجدير بالذكر أن الأرض التي يود المسلمون شراءها وتحويلها إلى مقبرة دائمة لمسلمي الدانمارك قد كانت محل جدل بين كل من بلدية كوبنهاجن وبلدية بروندبي حول تسعير الأرض قبل بيعها، حيث أرادت بلدية كوبنهاجن مبلغا يصل إلى أضعاف مبلغ الشراء الحالي. وبات للرابطة الإسلامية في النرويج العديد من الفعاليات حيث سبق لها أن أقامت الرابطة الإسلامية مؤتمرا كبيرا عن الأسرة المسلمة في الغرب و التحديّات المحدقة بها, و قد توجه إلى العاصمة النرويجية أوسلو عشرات الأكاديميين و المتخصصين في هذا المجال للمشاركة في أعمال هذا المؤتمر الذي استمر على مدى يومين, طرحت فيه الكثير من الرؤى والأوراق حول منظور الإسلام إلى الأسرة وإلى المرأة على وجه التحديد التي نالت كل حقوقها في الإسلام عكس ما يشاع في الغرب من أنّ الإسلام استضعف المرأة المسلمة وبخسها حقوقها. <BR>كما ناقش المؤتمر التحديات المحدقة بالأسرة المسلمة حيث تعرضّت مئات الأسر المسلمة في الغرب إلى الانفجار جرّاء الطلاق وانحراف الأولاد وفقدانهم هويتهم الدينية والثقافية والاجتماعية. <BR>و للإشارة فقد شارك في هذا المؤتمر أزيد من 700 شخصا جاء معظمهم من النرويج وبقية دول أوروبا الشمالية و بقية الدول الأوروبية. <BR> و تضطلع الرابطة الإسلامية في النرويج بالعديد من الفعاليات الإسلامية وتنظم مؤتمرات إسلامية سنوية و تضمّ في عضويتها أكثر من 1700 عضوا , وهي التي تشرف على مسجد أوسلو المركزي و بقية المؤسسات الإسلامية المرفقة بالمسجد. <BR>ويبلغ عدد مسلمي النرويج حوالي مئة ألف مسلماً أغلبهم من المهاجرين اللاجئين الذين بدؤوا يتوافدون على النرويج في سبعينيات القرن الماضي و قد جاء الكثير منهم إلى النرويج من تركيا و باكستان والمغرب العربي و العراق وفلسطين ولبنان والبوسنة والهرسك و إيران وغيرها. <BR>وقد اختارت الرابطة الإسلامية عنوان الأسرة المسلمة في الغرب لما تعانيه الأسرة المسلمة التي تفد إلى النرويج أو الغرب من البلاد الإسلامية وتتعرض إلى مخاطر جمة لها أول وليس لها آخر, بدءا بعلاقة الرجل بزوجته التي تصبح خاضعة للقانون النرويجي والغربي بشكل عام وليس لنظرية القيمومة الإسلامية باعتبار أنّ الدولة النرويجية هي التي تعطي راتبا للمرأة كما للرجل ويفقد الرجل صفة معيل الأسرة التي كانت تعطيه صلاحيات الإمساك بشؤون الأسرة, وهنا قد يحلو للمرأة المسلمة الاستقلالية عن زوجها و بمجرد أن تطلب ذلك تمنح بيتا خاصا وراتبا باسمها و يوفر لها القانون النرويجي والغربي حماية مطلقة وبهذا الشكل تبدأ الأسرة بالتلاشي و الأولاد بالضياع خصوصا مع حماية القانون للإباحية الجنسية وتقديس الحرية الفردية والتي أفضت إلى انحراف آلاف الأبناء المسلمين الذي انغمسوا في الماديّة الغربية.<BR><br>