السلاح النووي يبرق من جديد: فرنسا ـ إيران ـ روسيا نماذج
22 ذو الحجه 1426

السلاح النووي لم يدخل المتحف بعد, هذا ما باتت تؤكده التصريحات الجديدة البارقة في سماء التحدي العسكري بين الدول النووية, والتي تومئ هذه الأيام إلى أن العصر النووي لم يأفل نجمه كأداة ردع مؤثرة. <BR>منذ أيام أطلق (الرئيس الفرنسي) جاك شيراك في كلمة ألقاها أمام أفراد القوات البحرية الفرنسية إنذاره بأنه على قادة الدول الذين "يحاولون تخويفنا بالإرهاب" أو يخططون لصنع أسلحة الدمار الشامل أن يذكروا أن "ردنا سيكون مناسباً وقاسياً".<BR>لم يدر تحديداً لماذا استخدم شيراك هذه العبارات التهديدية القاسية, ولمن وجهها تحديداً, وعلى من كان يرد بتصريحاته, غير أن الدوائر الإعلامية الأوربية اعتبرت بذلك التصريح الناري أن شيراك هدد باستخدام السلاح النووي ضد إيران وأن "الخطوة التالية يمكن أن تتمثل في إعلان الحرب"!! <BR> التهديد باستخدام السلاح النووي هو أمر بالغ الخطورة, ولا يتوقع أن يصدر من رئيس دولة إلا في حالة حرب أو في أجواء مشابهة لها أو حين يظن أن برنامج بلاده النووي قد بات مهدداً, لكن شيراك لم يكن "يعاني" من أي من تلك المشكلات. وما كان شيراك في الحقيقة إلا متماهياً مع لغة يزداد الناطقين بلغتها برغم "توحد النظام العالمي".<BR>شيراك ليس وحده الذي أطلق العنان لتصريحاته النووية, فقد سبقته تلميحات من مسؤولين روس في أعقاب الحديث عن تعقب "الإرهابيين" إثر عملية مدرسة "بيسلان" الروسية التي أوقعت العديد من الأطفال بين قتلى وجرحى, وذلك تحت غمامة تصريحات شديدة اللهجة بعثت بها روسيا رسائلها لـ"الإرهابيين" و"المجتمع الدولي" على حد سواء, حيث هدد حينذاك رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الروسية الجنرال يوري بالويفسكي بقصف قواعد الإرهابيين على أرض جورجيا بينما وعد (وزير الدفاع) سيرغي إيفانوف بضرب إرهابيين "في أية بقعة على الأرض", حتى عادت روسيا على لسان (وزير الدفاع) سيرغي إيفانوف وسحبت تهديداتها تلك, معربة عن استعدادها "لضرب الإرهابيين في أوكارهم أينما وجدت باستخدام جميع الوسائل المتاحة باستثناء السلاح النووي طبعا"!! <BR>وتزايدت المخاوف أيضاً بعد ورود أنباء غير مؤكدة عن شراء إيران لقنبلة نووية من كوريا الشمالية, ولا يبدد نفي هذه الأنباء ـ إذا ما تم ـ هذه المخاوف في وقت تمضي إيران قدماً في طريق امتلاكها للسلاح النووي, وهو ما يستدل عليه عبر إصرار إيران على عدم مناقشة "حل وسط" تقدمت به روسيا من أجل تنضيب اليورانيوم الخاص بمشروع إيران "السلمي" في الأراضي الروسية, ثم نقله إلى إيران, وأيضاً تلك اللغة "المتشددة" التي يبديها (الرئيس الإيراني) محمود أحمدي نجاد ضد "إسرائيل" وحديثه مراراً عن زوالها, وتهديدات قيادات عسكرية إيرانية بجهوزية القوات الإيرانية للرد الفوري والقوي على أي عدوان تتعرض له لاسيما مع تلويحها باستعدادها لاستخدام صواريخ بعيدة المدى تمكنت من تصنيعها خلال السنوات الماضية. <BR>ويلاحظ بعض المراقبين أن إيران قد سارت حذو كوريا الشمالية في تعاطيها المتحدي ثم المرن مع الغرب بشأن برنامجها النووي, وأن كوريا الشمالية من قبل قد أصبحت نموذجاً لافتاً للتمرد النووي من خارج منظومة النادي النووي, لاعتبارها على أي حال دولة فقيرة, وهو ما يفتح شهية دولاً أخرى, ربما ظنت في مستهل طغيان النظام العالمي الجديد أن عهد السباق النووي قد ولى, وأن الساحة لا تتحمل وجود لاعبين جدد، وهذه الشهية لم تعد مقصورة على البلدان الناشئة في المضمار النووي, بل تخطت ذلك إلى نزوع الدول الأقدم في امتلاك السلاح النووي إلى الإفادة من خبرتها وترسانتها النووية وعدم الاكتفاء بكونها سلاح ردع فقط, والعبور إلى مناطق كانت بالأمس محرمة, وهي منطقة استخدام السلاح النووي بشكل محدود في غير أجواء الحرب الضروس، وعلى ذلك لم يكن غريباً أن ترى القيادة العسكرية الروسية ضرورة أن يحتل تطوير القدرة النووية أول سلم أولويات وزارة الدفاع, بعد أن أكد وزير الدفاع الروسي في حديث لـ"وول ستريت جورنل" في يناير الحالي "أن روسيا لا تنوي التخلي عن القوات النووية الإستراتيجية"، ومرد هذا الاهتمام النووي ليس على صعيد زيادة ترسانة الأسلحة النووية الروسية بعد أن تضخمت لدي الدولتين العظميين إبان الحرب الباردة, وإنما في إيجاد الوسائل لتحويل هذه الأسلحة الرادعة إلى أسلحة مستخدمة بالفعل تصفها في خانة الأسلحة التقليدية, مثلما مضت الولايات المتحدة في هذا الطريق من قبل, واستخدامها الفعلي لقنابل نووية صغيرة في أفغانستان والتي أميط اللثام عن فضيحة استعمالها في حينها فيما عرف بقصف القرى الأفغانية باليورانيوم المنضب في العام 2001م أثناء غزو أفغانستان. <BR>وتمادت الولايات المتحدة في استخدام الأسلحة المحرمة وربما النووية في قصف مدينتي الفلوجة والقائم العراقيتين خلال عمليات كسر أنف المقاومة العراقية, إلى أن بدت عازمة على تقنين استخدام السلاح النووي بكثرة حتى من غير أن تعلن الحرب على دولة ما, حيث انتهت وزارة الدفاع الأمريكية قبل ثلاثة أشهر من كتابة مسودة العقيدة العسكرية الجديدة للولايات المتحدة والتي تراعي إمكانية القيام بالسبق في توجيه الضربة النووية الأولى إلى أعداء أمريكا في وقت السلم بموافقة رئيس الولايات المتحدة!! <BR>ونخلص إلى أن السلاح النووي, لم يفض انتهاء الحرب الباردة وسقوط الاتحاد السوفيتي إلى صدئه في مخازن دول النادي النووي, بل على العكس ازداد عدد المنضمين لهذا النادي بعد أن دخلته الهند وباكستان وأعلنت كوريا عن امتلاكها للسلاح النووي, وسعت الدول العتيدة في امتلاكه إلى التلويح باستخدامه وأحيانا باستخدامه بالفعل تحت ذرائع ليست مقبولة ومنها استهداف بعض الأشخاص به مثلما حدث في تورا بورا بأفغانستان حتى غدا كسلاح شخصي أبيض!, وأصبح التهديد باستخدامه شيئاً ربما يصدر ـ كما من الرئيس الفرنسي جاك شيراك ـ ويمضي في نشرات الأخبار من دون أن يهتم به أحد أو حتى يفهم أحد مبرراته!!<BR><BR><br>