عبدالحليم خدام.. كيف شق عصا الطاعة؟
4 ذو الحجه 1426

عبدالحليم خدام (نائب الرئيس السوري، وأحد أقدم أعضاء حزب البعث الاشتراكي الحاكم في سوريا)، قرر أخيراً الخروج عن العزلة التي التزمها منذ سفره إلى باريس، واستقالته من مهامه الحزبية والرسمية، ليفجر قنبلة جديدة في وجه النظام السوري الحاكم، عدها البعض، بداية النهاية للنظام.<BR><BR>خلال سنواته الـ 25 في الحكم تحت ظل عائلة "الأسد" التزم خدام بالسياسة السورية الداخلية والخارجية، وكان ركيزة أساسية من ركائز الحكم، ويعد أحد أعرق السياسيين السوريين، الذين قدموا خبراتهم السابقة لـ (الرئيس السوري الشاب) بشار الأسد، بعد أن أصبح "بتعديل دستور صغير" رئيساً لسوريا.<BR>ورغم أنه السني الوحيد في أركان الحكم بدمشق، إلا أن (الرئيس السوري الراحل) حافظ الأسد، كان يعتمد عليه، يأخذ برأيه، ويشاركه القرار، وكان يثق بخبراته السياسية المتراكمة، التي اختزلها بعد مناصبه الحساسة والرفيعة في الحكومة والحزب، لدرجة أنه طلب منه منذ عام 1998م، تقديم خبراته لبشار الأسد، الذي كان وقتها يستعد لتولي "التركة السياسية" في دمشق، بعد رحيل أخيه الأكبر "باسل الأسد" الذي هيأه والده قبل ذلك لتولي ذات التركة.<BR><BR><font color="#0000ff">سنوات الصعود:</font><BR>خدام - السني الوحيد في النظام الحاكم- لم يبتعد كثيراً عن "الساحل السوري" الذي ضم القيادة السورية لسنوات طويلة، فهو من مدينة "بانياس" الساحلية، والقريبة من اللاذقية والقرداحة، مسقط رأس الرئيس السوري الراحل.<BR>ولد عام 1932م، ودرس القانون في جامعة دمشق في بداية الخمسينات، وكان يميل إلى العمل السياسي، حيث كان مشاركاً في الاتحاد الوطني السوري للطلاب، وانضم إلى حزب البعث منذ كان عمره 17 عاماً.<BR><BR>وخلال دراسته الجامعية، وانضمامه للحزب، التقى بالرئيس السوري الراحل، ونشأت علاقة صداقة بينهما، كانت أساساً لعمل سياسي أكبر خلال السنوات اللاحقة.<BR>عمل عبدالحليم خدام في مهنة المحاماة بعد تخرجه، وبقي في العاصمة السورية، حيث شهد عام 1963م تولي حزب البعث للسلطة في سوريا.<BR>وكونه أحد الأعضاء الأوائل في الحزب، وأحد المشاركين السياسيين، تولى خدام منصب "محافظ" مدينة القنيطرة السورية في الجولان "التي احتلتها القوات الإسرائيلية خلال حرب عام 1967م". <BR>ثم أصبح محافظاً لمدينة حماة (وسط سوريا)، قبل أن ينتقل إلى منصب محافظ مدينة دمشق، بعد حرب 1967م.<BR>وخلال حكومة (الرئيس السوري السابق) أمين زعين، تولى خدام منصب "وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية" عام 1969م.<BR><BR>وعندما نفّذ (الرئيس الراحل) حافظ الأسد، انقلاباً على السلطة، وتولى القيادة في دمشق عام 1970م، عيّن السياسي اللامع في منصب وزير الخارجية، وبقي في منصبه إلى أن حصل على ترقيته الأخيرة عام 1984م من الأسد، بتعيينه نائباً لرئيس الجمهورية.<BR><BR><font color="#0000ff">صناعة الرئيس:</font><BR>لم يقتصر دور نائب الرئيس على تقديم خبراته للرئيس السوري الشاب، في ظل حكم والده الراحل، بل كان له دور أكبر من ذلك، بعد أن شارك شخصياً ورسمياً، في صناعة الرئيس السوري الجديد، وغيّر بعض القوانين في الأنظمة السورية خلال مدة حكمه القصيرة (إثر توليه مسؤولية رئاسة الدولة بعد رحيل حافظ الأسد) لتتناسب تماماً مع مقاس الخليفة الشاب.<BR><BR>فبعد إعلان وفاة الأسد الأب في 10/6/2000م، ووفقاً لما ينص عليه الدستور لمدة انتقالية، تولى خدام مهام رئيس الجمهورية، وكان من أول ما فعله؛ ترقية العقيد بشار الأسد إلى رتبة فريق، وتعيينه قائداً عاماً للقوات المسلحة، ممهداً الطريق أمامه ليتولى منصب الرئاسة خلفاً لوالده.<BR>واجتمع مجلس الشعب وأقر تعديل المادة 83 من الدستور، التي تحدد عمر المرشح لرئاسة الجمهورية بإتمامه سن الأربعين، لتلائم ترشيح بشار لمنصب الرئاسة. <BR><BR>وفي اليوم التالي أصدر عبد الحليم خدام القانون رقم (9) بتاريخ 11/6/2000 م القاضي بتعديل المادة 83، التي تحدد عمر المرشح لرئاسة الجمهورية بإتمامه الرابعة والثلاثين من عمره.<BR>وبين 17 وحتى 21/6/2000 انعقد مؤتمر لحزب البعث، وأعلن عن قيادة قطرية جديدة وانتخاب بشار الأسد أميناً عاماً لها وترشيحه لمنصب رئيس الجمهورية.<BR>وفي 10/7/2000 م جرى الاستفتاء الشعبي على منصب الرئاسة، وأعلن فوز المرشح الوحيد بنسبة 97,3%. <BR><BR>وبعد أن تسلم بشار الأسد الحكم، كما رسمه له والده الراحل، أبقى على خدام في منصب "نائب الرئيس" مرة أخرى، الذي استمر في دوره "الشرفي" في النظام الحاكم، بعد أن كان الأسد الراحل قد قلّص من صلاحيته، منذ بزوغ نجم بشار في السلطة.<BR><BR><font color="#0000ff">الملف اللبناني:</font><BR>أناط الرئيس الراحل مهام الملف السوري الإيراني إلى عبدالحليم خدام، خلال مدة الثمانينات، وكان له دوراً فاعلاً في تنشيط العلاقات بين البلدين، وإنشاء تحالف سياسي استراتيجي، أثمر عن علاقات أمتن خلال السنوات اللاحقة.<BR>وفي عام 1976، تولى خدام الملف السوري اللبناني، وشارك بفاعلية كبيرة في تقوية السيادة السورية في لبنان، وتسيير الاتفاقيات الدولية لصالح نفوذ سوري هناك.<BR><BR>وكان له إسهامات كبيرة وواضحة في إنهاء الحرب الأهلية اللبنانية، التي امتدت بين عامي 1975 و1990م.<BR>حيث شارك شخصياً في أكتوبر 1983، في مؤتمر "المصالحة الوطنية" اللبنانية في جنيف، الذي أعطى سوريا أحقية دولية في رفض أية تسوية مستقبلية لا تحفظ مصالح سوريا في لبنان. <BR>وكان الراعي الأساسي للاتفاق الثلاثي عام 1985 بين (زعيم حزب القوات آنذاك) إيلي حبيقة، و(زعيم حزب أمل الشيعي) نبيه بري، و(زعيم الحزب التقدمي الاشتراكي الدرزي) وليد جنبلاط ، والذي فشل بعد طرد حبيقه من بيروت الشرقية. <BR><BR>كما كان له دوراً محورياً في تقريب وجهات النظر بين مختلف الأطراف اللبنانية، وصولاً إلى عقد اتفاق الطائف عام 1989م، الذي أنهى الحرب الأهلية اللبنانية، وأفضى إلى تقسيم الحكم في لبنان.<BR><BR>وبقي محتفظاً بالملف اللبناني، مدة لاحقة، أطلق عليه خلالها اسم "المفوض السامي" نسبة إلى دوره الأساسي في لبنان، الذي يمثّل مصالح سوريا بالدرجة الأولى.<BR>ولكنه ومع ظهور بشار الأسد على الساحة السياسية في دمشق، أوكل الأسد الراحل الملف السوري إلى بشار، عام 1998. ومنذ ذلك الوقت، بدأ دوره بالتضاؤل هناك. إلا أنه استطاع الاحتفاظ بعلاقات مميزة -وشخصية في أحيان كثيرة-، مع القادة والساسة اللبنانيين، من التيارين الموالي والمعارض لسوريا.<BR>ومع مرور الوقت، وتولي أسماء جديدة الملف السوري، بناءاً على توجيهات بشار الأسد، بقي خدام متمسكاً بعلاقاته مع الأحزاب اللبنانية، ومراهناً على التغيرات الجديدة التي تحدث في المنطقة. لذلك ذهب معزياً إلى بيروت مرتين بعد حادثة اغتيال رئيس الوزراء اللبناني السابق رفيق الحريري، بصفته الشخصية، وعاد النائب مروان حمادة في المستشفى إثر محاولة اغتياله، واحتفظ بعلاقات مع عائلة الحريري حتى الآن.<BR><BR><font color="#0000ff">قبل العاصفة:</font><BR>فجر خدام قنبلته الأولى، التي بقيت عدة سنوات حبيسة في صدره، خلال المؤتمر القطري العاشر لحزب البعث الحاكم في سوريا، عندما أعلن في اليوم الأول منه، استقالته من الحزب والدولة. وهو ما يعني تركه لكل المناصب التي كان يشغلها في القيادة القطرية للحزب، والقيادة القومية له، وفي السلطة كنائب للرئيس.<BR><BR>ورغم أن استقالته جاءت بعد صدام شخصي مع وزير الخارجية السوري فاروق الشرع، انتقد خدام خلالها سياسة الشرع الخارجية، متهماً إياه بلعب دور في إيصال سوريا دولياً إلى ما هي عليه من الاتهام والتهديد، إلا أن المسألة كانت أكبر بكثير من هذا الخلاف العرضي.<BR>فالنائب الأول للرئيس السوري، بات بعيداً عن صنع القرار السياسي الفعلي، وبعيداً عن الملف اللبناني الذي تسلمه لسنوات طويلة، وبعيداً عن أي أحلام بتولي الرئاسة، بعد أن تسلم بشار الأسد (الرئيس الشاب) الحكم، فيما وصل هو إلى عمر الـ 73 عاماً.<BR><BR>وبعد مدة من استقالته، ودّع خدام سوريا، متوجهاً إلى باريس، العاصمة الفرنسية، التي تعد إحدى أهم المدن العالمية التي تجتمع فيها أقطاب المعارضة للنظام السوري، مشيراً إلى نيته بالتفرغ لكتابة مذكراته التي سترصد مدة طويلة وهامة من حياة سوريا.<BR><BR>خلال هذه المدة، بدأ بعض الصحفيين السوريين بالكتابة ضده، وتطاول سياسيون آخرون عليه، متهمينه بالفساد والخيانة والأنانية، وغيرها، بعد أن كان ذات الصحفيين لا يجرؤون النظر إلى وجهه خلال أوقات بسيطة يسمح لهم فيها برؤيته، وهو ما يدل على أن القيادة السورية سمحت لهم بفتح ملف خدام، وإلغاء "فرض الحظر حوله" الذي كان معمولاً به منذ أربعين عاماً.<BR><BR>إلا أن خدام قرر أخيراً إشهار بعض ما لديه من معلومات، ليصبح إحدى الجبهات العديدة التي فتحت ضد النظام السوري مؤخراً، وليشق عصا الطاعة، بعد حياة مليئة بالسمع والطاعة.<BR><br>