هل تنجح أمريكا في وقف "الإرهاب " المزعوم عن طريق نشر الديمقراطية؟
9 ربيع الثاني 1426

سؤال يتردد هذه الأيام بكثرة مع توارد الأنباء برغبة الإدارة الأمريكية في رؤية الشرق الأوسط تنعم بظلال الديمقراطية التي هي هدية الغرب للشعوب الأخرى كما يزعمون.<BR><BR>ولاشك أن هناك رغبة حقيقية للولايات المتحدة لنشر الديمقراطية في الشرق الأوسط كأحد أفرع استراتيجيتها الموجهة لهذه المنطقة فقد ربط بوش في خطابه عن حالة الاتحاد، بين التحول الديمقراطي وبين تفريخ الإرهاب، واعتبر نشر الديمقراطية وسيلة لحماية أمن الولايات المتحدة الأميركية نفسها.<BR><BR>وهذا الربط صحيح في مجمله، ونظن بأن هذا الربط يتضمن الفلسفة الأميركية في (نشر الديمقراطية) كما يتضمن فلسفتها السياسية من تحقيقه، فبعد عقود طويلة، كانت فيها الولايات المتحدة تعتقد بأن المصالح الاقتصادية هي الحاكمة، انشغلت خلالها بدعم الديكتاتوريات في كل العالم، وتحالفت معها لتحقيق أكبر قدر من المكتسبات الاقتصادية، اكتشفت أميركا بعد 11 سبتمبر، وكما أشار بوش في خطابه الأخير، أن الديكتاتوريات تصنع المناخ المناسب لنمو الإرهاب، وأن الأخير لن يكون محصوراً في الدولة الديكتاتورية نفسها، بل انتشاره في كل أصقاع العالم، ولذا ـ لكي تحمي أميركا أمنها الداخلي ـ كما يتصور صانع القرار هناك ـ فإنه لا بدّ من إصلاح البؤر المفرخة له، وهذا واحد من أركان السياسة الخارجية الأميركية في علاقاتها مع الشرق الأوسط.<BR><BR>وقد عبر (الباحثان في الاستراتيجيات) وليام كريستول وروبرت كيجان، في مقال نشرته دوريتهما "ويكلي ستاندرد" اليمينية المتطرفة عن ذلك التوجه في مقال قالا فيه: تصريحات كوندوليزا رايس الأخيرة حول استمرار الالتزام الأمريكي بإعادة تشكيل الشرق الأوسط ، تعكس صلابة الرؤية الشخصية للرئيس بوش لجعل هذا الالتزام الشرق أوسطي أكثر فعالية، إذ يدرك هذا الأخير أن ثمة تقاطعاً بين المثل وبين المصالح الأمريكية على مستوى هذا المشروع، بحيث أن شرق أوسط أكثر ديمقراطية، من شأنه أن يحسن نوعية الحياة لشعوبه ويعزز في الوقت نفسه الأمن القومي الأمريكي.<BR><BR>ويكشف هيس (مدير التخطيط السياسي بوزارة الخارجية - وهو يهودي ذو ميول صهيونية -) في محاضرته الشهيرة عن أحد أسباب سعي أمريكا إلى نشر الديموقراطية، وهو كما قال: سوف نزدهر أكثر كشعب وكدولة في عالم من الديمقراطيات بدلاً من عالم من الأنظمة الاستبدادية والفوضوية، ويشرح هيس أسباب هذه الخطوة فيقول: العالم الديمقراطي هو عالم مسالم بشكل كبير؛ فنمط الديمقراطيات المتأصلة التي لا تتحارب مع بعضها البعض هو أحد أهم النتائج التي أمكن إثباتها في دراسات العلاقات الدولية.<BR><BR>إذن ما تهدف إليه أمريكا هو جعل الشعوب التي تعادي أمريكا شعوباً مسالمة كما ثبت في التجربة الألمانية واليابانية.<BR>ولكن في تقرير نشرته مجلة المحافظين الجدد أو "ذا أمريكان كونسيرفيتيف" في الحادي عشر من أبريل الحالي انتقد جيمس إل باين _ وهو بروفيسور يقوم بتدريس العلوم السياسة في جامعات يايل، ويسليان، وكلية جونس هوبكنز للدراسات العالمية المتقدّمة، وله كتاب صدر مؤخراً بعنوان (تاريخ القوة) يستكشف فيه التحركات العالمية ضد عادات القمع وسفك الدماء والفوضى _ حملة إدارة الرئيس بوش من أجل نشر الحرية والديمقراطية، وكتب يقول: في الحقيقة إنه لشيء إيجابي تصور إمكانية إحداث عملية تزاوج ناجحة بين هذه المفاهيم البراقة، فالحرية شيء جيد والديمقراطية شيء جيد، وأيضاً القضاء على الإرهاب شيء جيد.... لكن عند النظرة الواقعية هل من الممكن إيجاد هذه المعادلة؟ هل حقيقي أنه في الدول التي تنعم بالحرية والديمقراطية تختفي ممارسات الإرهاب؟<BR><BR>ويبدأ الكاتب في استعراض للتاريخ والجغرافيا ليحاول الوصول إلى إجابات للأسئلة التي طرحها، ويقول: دعنا نبدأ مع الولايات المتّحدة، فمنذ منتصف الستينات شهدت أمريكا ميلاد – وفقًاً للإحصائيات – 16 منظمة إرهابية من بينها جماعة جيش تحرير سيمبيونيس وجماعة الفهود السود وجماعة اتحاد الدفاع اليهودي وجماعة الطقس تحت الأرض، وجماعة كوميتاتوس وجماعة أوميجا -7 وجماعة تحالف التاسع عشر من مايو الشيوعية وجماعة الميثاق وجماعة الأمم الآرية وجماعة جبهة تحرير الأرض، ومجموعات بورتوريكية تتضمّن جماعة ماتشيتروس وجماعة إف أي إل إن.<BR><BR>ولقد كانت جماعة الطقس تحت الأرض وحدها مسؤولة عن حوالي 800 تفجير في المدة ما بين عامي 1969-72م من بينها انفجارات في جامعة ويسكونسن للعلوم الرياضية، ومكاتب مجلس شيوخ أمريكي، ووزارة الدفاع الأمريكية. <BR><BR>وكما أنه توجد جماعات منظّمة، فقد رأينا إرهابيين منفردين، مثل تيد كاتشينسكي اختصاصي البيئة الذي قتلت رسائله الملغومة ثلاثة وجرحت 29، وأيضاً تيموثي ماكفاي الذي تعاون مع تيري نيكولز في قتل 167 شخصاً في التفجير الذي وقع في مدينة أوكلاهوما. <BR><BR>وكما أن كل دولة ديمقراطية قد عانت من ظهور الإرهابيين فكذلك كانت بريطانيا تعاني من منظمة الجيش الجمهوري الأيرلندي وجماعة "المقاتلون من أجل حرية أليستر" التي نفذت 10.000 تفجير خلفت ثلاثة آلاف قتيل، وأيضاً أسبانيا التي عانت من جماعة "الباسك" الإرهابية التي قتلت أكثر من مئة شخص ما بين العام 1979وعام 1980م؛ وعانت إيطاليا من جماعة الألوية الحمراء التي كانت مسؤولة عن آلاف الحوادث، من بينها الاختطاف المريع وقتل (رئيس الوزراء الإيطالي السابق) ألدو مورو؛ وحتى ألمانيا كانت عندها عصابة "بادر مينهوف"؛ واليابان كانت عندها ثلاث منظمات إرهابية؛ فيما شهد فرنسا ميلاد جماعتين إرهابيتين.<BR><BR>وقد ازدهر نشاط الإرهابيين في أغلب الدول الديمقراطية في أمريكا اللاتينية، مثل: تشيلي، البرازيل، الأرجنتين، بيرو، وأورجواي. كولومبيا، ورغم أن هذه البلاد تنعم بسجلّ طويل مع تطبيق الحرّية والديمقراطية في أمريكا الجنوبية، فإنها تتسم بكونها صاحبة المنظمات الإرهابية الأعرق، حيث إن جماعة القوات المسلحة الثورية في كولومبيا مثلاً التي تأسست عام 1964م قتلت عشرة آلاف وارتكبت جرائم وحشية بشعة من بينها تفجير السيارات في نادي بوجوتا الليلي في عام 2003م الذي قتل 30 شخصاً. <BR><BR>ويقول الكاتب: إنه حتى الدول الإسلامية التي تطبق الديمقراطية فإنها عاجزة عن وقف الإرهاب ويستدل بالنموذج التركي والإندونيسي فإندونيسيا لديها الجماعة الإسلامية المسؤولة عن تفجير فندق ماريوت في جاكرتا، وتفجيرات بالي التي قتلت أكثر من 200 شخص، وتركيا تعد مأوى للجماعات الإرهابية،حيث تعمل على أرضها ثمان منظمات إسلامية إرهابية وسبع منظمات كردية وسبع أخرى ماركسية، وقد قتلت هذه الجماعات جميعها آلاف الناس خلال العقود المؤخرة.<BR><BR>ويقول الكاتب: إنه عندما سمع الرئيس الأمريكي يقول: إن الديمقراطية تمنع انتشار أفكار الكراهية والحقد، تذكر تلقائياً العقائد والنظريات التي ارتبطت بأبشع ألوان الكراهية والحقد، مثل: الفاشية والنازية واكتشف أن هذه العقائد الشريرة نمت وترعرعت في ظل ازدهار الديمقراطية والحرية في ألمانيا ما بين عامي 1919 و1933م.<BR><BR>وينتقل الكاتب إلى العراق الذي يعد في نظره كنموذج للتيقن من مدى واقعية نظرية الرئيس الأمريكي وما إذا كانت أجواء الديمقراطية والحرية بالفعل تعمل على منع انتشار الإرهاب، ويطرح السؤال الآتي: العراق الحالي الذي هو بالطبع ينعم بحرية وديمقراطية أكثر مما كان عليه الحال أيام صدام حسين.. هل فيه إرهابيون أقل أم أكثر الآن؟<BR><BR>و يخلص الكاتب إلى حقيقة أنه بناء على ذلك يمكن القول: إنه إذا انتشرت الحرّية والديمقراطية فلن تمنعا الإرهاب.<BR>إذن ما الحل يطرح الكاتب ما يسميه أحد الحلول الجزئية الممكنة ويتمثل في تقليل التواجد العسكري الغربي وبالذات الأمريكي في العالم الإسلامي، حيث يقول: بدأ الإرهابيون المسلمون يعتقدون في نظرية أنهم مضطهدون من قبل الأشرار، وبالنسبة لهم كان الشيطان هو الغرب، وخصوصاً زعيمة الغرب الولايات المتحدة الأمريكية، حتى إن عدداً من كبار الراديكاليين الإسلاميين كان يسمي أمريكا بالشيطان الأكبر، ويعتقد الإرهابيون الإسلاميون على حد تسمية الكاتب أن الولايات المتحدة تستعمل وسائل متنوعة تتصف بالخداع من أجل تدمير الدين الإسلامي والثقافة الإسلامية والمجتمعات المسلمة، وهناك الكثير من الاعتماد لديهم على نظرية المؤامرة، ويدندن القادة المسلمون على تأثيرات استيراد الثقافة والقيم الأمريكية من أفلام وموسيقى ومجلات تعمل على تقويض القيم والثوابت الاجتماعية الإسلامية التقليدية، في إشارة إلى الديانة المسيحية وتأثيرها، وكذلك إشارة إلى الشركات الأمريكية التي تقدم النمط الغربي من الملابس والسلع الاستهلاكية.<BR><BR>ويعد الكاتب أن هذه النقاط تعد نموذجاً على الأدلة التي يسوقها ما يسميهم الإرهابيين المسلمين على النوايا الشريرة للولايات المتحدة، لكن مثل هذه النقاط لا تكفي وحدها لصنع الصورة - التي تتسم بالشر المطلق وتكشف الظلم الكبير الذي تمارسه الولايات المتحدة ومن ورائها العالم الغربي – والتي تساعد في تجنيد عناصر جديدة للحاق بقطار الإرهاب الإسلامي، وإنما يحتاج الإرهابيون المسلمون لما احتاج إليه من قبل الماركسيون من عرض فعلي ملموس لطبيعة قوة العدو الشرير، عندما يظهر الضحايا والمضطهدون وهم يعانون ويتألمون، وعندها يكتمل نموذج العدو الشرير الظالم.<BR><BR>ويلاحظ الكاتب أنه مراراً وتكراراً انطلقت الحركات الإرهابية في الشرق الأوسط كرد فعل على تدخل القوات العسكرية الغربية في هذه البلدان، وهذا ما يرصده جوان كول (أستاذ التاريخ في جامعة ميتشجن) بقوله: "إنه من الواضح أن الإرهاب الإسلامي يبرز كردّ فعل لعمليات احتلال من قبل الأجانب" ويشير إلى أحد أكبر الأمثلة على هذا المعنى وهو جماعة الإخوان المسلمين في مصر التي انطلقت كرد فعل على الاحتلال البريطاني لمصر في الأربعينات، حيث نمت حركة الإخوان إلى أن أصبح عدد أفرادها نصف مليون في عام 1948م، وكانت مسؤولة عن تنفيذ العديد من عمليات الاغتيال للمسؤولين البريطانيين والسياسيين المصريين.<BR><BR>وينتقل الكاتب أيضاً الولايات المتّحدة الذي يعدها لعبت دور المحتل الأجنبي الذي يتدخل في العالم الإسلامي عسكرياً، والمثال على ذلك لبنان، عندما أرسلت الولايات المتحدة قواتها إلى ذلك البلد مرتين الأولى عام 1983م والثانية 1985م، وهذا ما أدى إلى تحول لبنان لأحد أوكار الإرهاب الإسلامي، ويضاف إلى لبنان التدخل العسكري الأمريكي في الصومال بين عامي 1992 و1994م، إضافة إلى الضربات الجوية الأمريكية على ليبيا عام 1987م، وصواريخ كروز الأمريكية التي ضربت السودان عام 1998م.<BR><BR>ثمّ هناك العراق، الذي يتجلى فيه عدم صدق طرح الرئيس بوش الذي قال فيه: إن نشر الحرية والديمقراطية يمنع الإرهاب، ويؤكد العراق أن مقدم القوات الأمريكية إلى الدول الإسلامية يغذي الإرهاب، حيث توجد حقيقة لا يمكن إنكارها هي أنه في الأسابيع الأولى لدخول القوات الأمريكية إلى العراق لم يكن هناك من الناحية العملية إرهاب فعلي، وإنما كان هناك حفنة من المقاتلين، واليوم هناك مئات الممارسات العنيفة تقع كل أسبوع، وهناك آلاف الإرهابيين.<BR><BR>وفي نهاية مقاله يتوجه الكاتب بشبه نداء إلى صنّاع السياسة الأمريكيين إن كانوا يريدون بالفعل أن يمنعوا نمو الإرهاب الإسلامي فمن الضروري أن يكونوا حذرين تماماً بشأن إرسال قواتهم العسكرية إلى مواقع الاضطرابات في العالم الإسلامي، وقد تكون هناك حالات ذات أولوية معينة مثل أفغانستان مثلاً، لكن الحقيقة أن الثمن مازال يدفع حتى الآن في أفغانستان.<BR><BR>فالعالم الإسلامي في نظره تعداده حوالي مليار شخص، ويوجد بينهم حوالي مئة مليون من الشباب الذي يمكن جداً أن يتحول وينجح الإرهابيون في تجنيده ضمن صفوفهم، ولو افترضنا أن نشر القوات الأمريكية في العالم الإسلامي بشكل متهور غير مدروس سيفرز نسبة عشر 1% من عدد المئة مليون شاب الذين يمكن أن يقتنعوا بفكرة أن الولايات المتحدة مصممة على فرض الاستبداد في العالم الإسلامي فسيعني ذلك أن الولايات المتحدة عليها أن تستعد للتعامل مع 100 ألف إرهابي جديد.<BR><BR>تلك نظرة الكاتب ونصيحته، فهل تسمع لها الإدارة الأمريكية وتسحب قواتها من المنطقة؟ هذا ما سوف تثبته الأيام القادمة.<BR><br>