أسفر الاحتلال الأمريكي للعراق وتداعياته عن تأكيد مكانة الولايات المتحدة الأمريكية كدولة حاكمة لتفاعلات النظام الدولي ومنظّمة لطبيعة العلاقات الإقليمية في منطقة الشرق الأوسط وجدول اهتماماتها، وأعلنت بذلك عن انطلاق مرحلة متقدمة من الهيمنة الاستعمارية الجديدة تعتمل أحداثها على أرض عربية مع بداية بزوغ القرن الحادي والعشرين، وقد ألقى كل ذلك تأثيراته الواضحة على الأوضاع الجيوستراتيجية لمنطقة الشرق الأوسط، التي يشكل الوطن العربي الجزء الأكبر منها، وتشكل تركيا جزءاً مهماً آخر. <BR><BR>و تعبّر الرؤية التركية عن اهتمامها بمنطقة الشرق الأوسط، بالأساس، من منطلق الاستجابة للموقع الجيوسياسي الذي يفرض على تركيا الاهتمام بالاعتبارات الإقليمية المحيطة كمصدر تهديد للأمن القومي أو لإقامة علاقات اقتصادية ذات فائدة للصالح الوطني أو كمجال للحركة والنفوذ الإقليمي والدولي، وهو ما يتطلب منها مزيدا من الانخراط في هذه الاعتبارات لاسيما وأن تركيا تعد تقليديا، جزءا من المنطقة بحكم واقعها الجغرافي والتاريخي والثقافي. <BR>و يدرك المسؤولون الأتراك حجم و طبيعة التطورات الإقليمية التي جرت في المنطقة منذ الحرب على العراق والاحتلال الأنجلو أمريكي لأراضيه، حيث قيم مسؤول تركي ذلك أنه من الضروري التعامل مع الواقع بموضوعية، فبعد الحرب دمرت قوة العراق، وأفرغت القضية الفلسطينية من مضمونها، و تمزقت القومية العربية، وصارت جامعة الدول العربية حبراً على ورق، وخرجت إسرائيل وحدها مستفيدة من تلك الحرب.<BR>إن تشديد تركيا على المشاركة في ترتيب أعمال المنطقة ورسم تصورها المستقبلية ليس بالأمر المستجد و لكن الجديد هو المدى الذي ستندفع فيه تركيا، والذي لن يقتصر بالتأكيد على الجوانب الاقتصادية والسياسية بل قد يتعداه إلى الجوانب الأمنية أيضاً، خصوصاً وأن تركيا تحتل وضعاً استراتيجياً حساساً.<BR><BR>وتتميز تركيا بمقدرتها على التعامل مع الدول العربية والإسلامية من خلال مسالك وأساليب متنوعة دون المساس بارتباطاتها ومصالحها مع الدول الغربية، في سبيل حماية المصالح القومية التركية والإسهام في تحقيق السلام في المنطقة والعالم على أساس المبادئ الجوهرية التي أسس دعائمها أتاتورك على حد قول الرئيس التركي السابق تورغوت اوزال.<BR><BR>و تتوافر الفاعلية لتلك المصالح عبر التزام الرؤية التركية بانتهاج أسلوب براجماتي يتسم بقدر كبير من المرونة وتعدد الخيارات من خلال إقامة علاقات إيجابية وتعاونية بالقدر الذي تستطيع أن تجد لها مكانا مميزا في السياسات العربية عموما، بغض النظر عن فلسفات الحكم السائدة فيها ما دامت تعمل ضمن الإطار المقبول إقليميا و دوليا. <BR>وفي هذا الإطار، يمثل اتجاه تركيا نحو المنطقة بتكيف جديد لما كان من علاقات سابقة وبما يضمن استمرارية تعزيز المصالح الوطنية العليا لا سيما و أن المنطقة وبصورة أساسية الدول العربية تمثل خيارا اقتصاديا وتجاريا يتسم بمزايا إيجابية منها: القرب الجغرافي، وموارد الطاقة، والأسواق الاستهلاكية. <BR><BR>لقد أصبحت تركيا تدرك الحاجة إلى العثور على التوازن الصحيح بين هذه المصالح وبين الدور الذي ينبغي أن تقوم به في الشرق الأوسط في صياغة خياراتها إزاء أية قضية من القضايا الإقليمية. وتتراوح هذه الخيارات بين "دور المراقبة" الذي لعبته إبان حرب الخليج الأولى، ودور "التورط الكامل" الذي قامت به في أعمالها العسكرية في شمال العراق لملاحقة عناصر حزب العمال الكردستاني، وتتراوح الخيارات المتوسطة بين دور "الوسيط المحدّد" كما في التسوية السلمية للقضية الفلسطينية، وعدم الاستثناء من السياسات الآخذة في التبلور فيما يتعلق بالترتيبات الشرق أوسطية الجاري تصميمها تحت مسميات مختلفة بمفاهيمها الاقتصادية والأمنية كنظام إقليمي فرعي عن النظام الدولي بالنظر إلى التطورات المتعلقة بمستقبل الدولة العراقية ومخاوفها إزاء جنوح أكرادها نحو إقامة دولة خاصة بهم. <BR><BR>و يدرك صناع القرار الأتراك ما تملكه تركيا من إمكانات و خصائص ذاتية وموضوعية فريدة، سواء من حيث موضعها بالنسبة للجغرافيا السياسية - الحضارية، و روابطها الخاصة مع الغرب و لاسيما الولايات المتحدة بوضعها المهيمن على الصعيدين الإقليمي والدولي، وعلاقاتها مع الحليف الإقليمي ( إسرائيل )، و القوة العسكرية المتنامية، والثروة المائية، وعلاقاتها الاقتصادية و التاريخية - الثقافية مع الدول العربية، لاسيما استثمار امتدادها السياسي والاقتصادي مع الجمهوريات الإسلامية في آسيا الوسطى.<BR>و في الإطار ذاته، يؤكد المسؤولون الأتراك قدرة تركيا بنظامها العلماني وتجربتها الاقتصادية الليبرالية وحضور هويتها الإسلامية على أن تشكل نموذجا ملائما يمكن لدول الشرق الأوسط الاستفادة منه في إصلاحاتها السياسية والاقتصادية، باعتبار أن العقبة الأساسية، من وجهة نظر تركيا، و التي تحول دون تطور ما يلزم من تسامح و تفاهم واعتدال لتحقيق الأمن و الاستقرار و التعاون الإقليمي في منطقة الشرق الأوسط تنبع من أزمة الديمقراطية وانتشار التعصب والتطرف في العديد من دول المنطقة، و بالتالي يمكن لتركيا أن تكون نموذجا للمساعدة في اجتياز هذه العقبة. بمعنى أن تركيا تقدم نفسها للمنطقة باعتبارها دولة مسلمة ذات نظام علماني لها أهميتها على مستوى منظمة المؤتمر الإسلامي، و ترتبط معها بعلاقات تاريخية و ثقافية و اجتماعية موغلة في القدم، وهي المفاهيم التي طرحها رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان أمام مجلس العلاقات الخارجية بواشنطن في 26 يناير2004م، كما دعا (وزير الخارجية التركي) عبد الله غول خلال اجتماع دول الجوار العراقي الذي عقد في الكويت إلى تشكيل منظومة شاملة ذات محاور أمنية وسياسية واقتصادية بين دول المنطقة في إطار اتحاد جماعي، وهو ما يتأتى بضرورة التغيير الداخلي. <BR><BR>وعلى الدائرة الغربية توظف ما تتمتع به من ميزة باعتبارها البلد الأوروبي الوحيد العضو في المؤتمر الإسلامي، والذي له خبرة واسعة في الشرق الأوسط وروابط متميزة مع الدول الإسلامية، بحيث تلعب دورا مزدوجا كجسر بين أوروبا والشرق الأوسط" من جهة، وكأداة فعالة في النظام الدفاعي الغربي قادرة عند الضرورة على الإسهام في تأمين المصالح الأوروبية والغربية في المنطقة من جهة ثانية، كما لا يشكل هذا الاهتمام بديلا عن الاندماج في الدائرة الأوروبية-الأطلسية، وعدم وجود تعارض بين الدائرتين من وجهة نظر صانعي السياسة التركية من جهة ثالثة.<BR>وتأسيسا على ذلك، يرى الغرب أن تركيا تمثل نموذجا رائعا للديمقراطية الإسلامية، وأنه لا مناص من دعم الغرب لتركيا العلمانية في وجه الأصولية الإسلامية المتنامية على مستوى المجتمع و التي يتزايد خطرها على مستوى الإقليم بسبب الجوار الجغرافي. و تحظى السياسة التركية بموقف إيجابي من الغرب، رغم المآخذ التي تظهر أحيانا فيما يتعلق بحقوق الإنسان في تركيا علاوة على رغبة الدول الغربية في عدم إعطاء أهمية كبيرة لتركيا إلى الحد الذي تكون فيه خارج السيطرة عسكريا، وقد أثنى الرئيس جورج بوش مؤخرا على أنقرة عندما وصفها بأنها أحد النماذج الفريدة في الشرق الأوسط التي تتضافر فيها الثقافة الإسلامية مع قيم الديمقراطية والحرية والقانون مقدما شكره لتركيا على دورها كشريك ديمقراطي في مبادرة الشرق الأوسط الكبير.<BR>والقدرية الجغرافية الواقعة فيها تركيا تقدم إمكانية لافتة، فهي أحد الفرص الكبيرة المحملة في نفس الوقت بالأخطار و التهديدات التي تستدعي ممارسة سياسة خارجية حذرة للتعامل مع النتائج المترتبة على الاختلالات و النزاعات الظاهرة في مراوحها الجغرافية بما لا يؤثر سلبيا في استقرارها و تطورها الطبيعي،ليس فقط باستدعائها القوة العسكرية والاقتصادية، وإنما أيضا بقدرتها على المساهمة بالقيم العامة وتسهيل تفاعل هذه القيم بين المناطق المختلفة. في هذا الشأن، يطمح الساسة الأتراك أن تكون بلادهم سلطة محل ثقة لصيانة الأمن، ورفيقا للتنمية الاقتصادية وحليفا في هزيمة الاختلالات الحالية في الشرق الأوسط، وذلك لتصبح بسياستها الخارجية الهادئة مصدرًا للوحي التحديثي في المنطقة في أخذ الخطوات الناجحة في هذا الصدد. و قد فسر هذا الاتجاه بصورة جلية عندما اعتبر تورغوت اوزال أن تركيا أقوى دولة في الشرق الأوسط في الوقت الراهن، وهي قوية بما فيه الكفاية للنهوض بدورها الخاص و ليس كشرطي للغرب في المنطقة.<BR>وفي منطقة الشرق الأوسط تعد تركيا، بلا شك، قوة إقليمية يعتد بها وهي بالضرورة أمامها مجالات عديدة لتشارك بها بصورة فاعلة والتراجع النسبي لوزنها نتيجة عدم مشاركتها في حرب العراق، لم يكن ليمثل سوى تبدلا في طبيعة الأداء الإقليمي والذي لا يترتب عليه، بالضرورة، انتقاص في الموقع والدور الإستراتيجي لتركيا. حيث بدأت في عملية من التغيرات الادراكية و البنائية في سياستها الخارجية، وهو مسار جديد تطور مع التطورات الجديدة في الجغرافيا السياسية المحيطة. <BR>وتعكس المعطيات الدولية تأثيرات متنوعة في الإطار الإقليمي خصوصا من منظور ارتباط الموقع الجغرافي لتركيا بالاستراتيجية الأمريكية، حيث اتسمت السياسة التركية بمنهجية فكرية محددة تعكس ارتباط تركيا مع الغرب، وهو ما ينسجم مع مساندة تركيا وتأييدها للمصالح الأمريكية والقيام بدور ملحوظ في إطار خططها الموجهة للمنطقة ودول الجوار الجغرافي، وهو يمثل، حسب الرؤية التركية، حالة من الاهتمامات المشتركة و تقاسم القيم التي رسخت تحالف تركيا مع الولايات المتحدة الأمريكية عبر نصف قرن تقريبا والذي سيكون دليلهم للنجاة خلال هذه الفترة المتقلبة.<BR>و تعد تركيا معنية بالبحث عن مكان دولي له انعكاسات إقليمية، سواء انعكس ذلك على المشاركة في ترتيبات مرحلة ما بعد احتلال العراق ضمن مسار التسوية السلمية أو المشاركة المشروطة في مبادرات التعاون الإقليمي المقترحة، أوفي معالجة ملفي المياه والأكراد، كما تعد معنية بالتطورات الدولية من حيث إقامة الكتل الاقتصادية ذات الوزن في التجارة الدولية، خصوصا الكتل الاقتصادية الأوروبية ورغبتها بان تلحق المعطيات الاقتصادية بالمعطيات السياسية والعسكرية السابقة ضمن توجهها الغربي.<BR> <BR>يدرك صناع القرار السياسي الأتراك أن مصداقية المكانة الإقليمية لتركيا لن تكتمل سواء في الدائرة الغربية أو الدائرة الشرق أوسطية إلا بالقدر الذي تنجح فيه بتحقيق الموازنة الدقيقة من خلال تطوير العلاقات مع المنطقة في المجالات السياسية والاقتصادية باعتبارها أحد مكوناتها السياسية، دون أن تفقد توجهها الغربي المميز في الجوانب السياسية والاجتماعية بما يوفر لها مجال للحركة أو النفوذ. وفي هذا الإطار فإن تبعية تركيا للعالم الغربي يفرض عليها التأثر بعملية توزيع الأدوار/الوظائف التي تحددها الاستراتيجية الأمريكية. يأتي ذلك ضمن إدراك النخبة السياسية التركية أن مستقبل تركيا يكون باعتماد العلمانية كأحد أسس الفكر السياسي في تحديد علاقات تركيا الخارجية إضافة إلى ارتباطها ودرجة اندماجها بالحضارة الغربية، و ضمن ذلك الإطار، دخلت النخبة السياسية في نقاش واسع بخصوص أن تنطلق تركيا في توجهها نحو منطقة الشرق الأوسط بما يخدم مصالحها القومية، وأصبح الرأي السائد في الأوساط الثقافية و السياسية إضافة إلى البيروقراطية الحاكمة هو إقامة نظام الشرق الأوسطي على أسس؛ الديمقراطية،و العلمانية، وحقوق الإنسان تقربا من أوروبا والفكر الليبرالي من جهة، وحماية للنظام القائم والأفكار الكمالية من جهة أخرى. وليس نيابة عن الولايات المتحدة بما يعادي المصالح التركية على المدى البعيد مع ضرورة إقامة علاقات متوازنة مع جاراتها بغض النظر عن خلافاتهم. حتى تجعل من موقعها الاستراتيجي و مواردها البشرية و الطبيعية عامل استقرار و توازن في المنطقة . وما يساعد على ذلك أن المجتمع التركي لم يخل في أي وقت من قوى سياسية وفكرية تدعو إلى إعادة الاعتبار للدائرة الشرق أوسطية في التعامل الخارجي. على أن فرصة هذه القوى عادة ما تتعزز كلما ازدادت مشكلات تركيا مع القوى الأوروبية.<BR>لقد أصبحت تركيا مدعوة للمساهمة في أشكال جديدة من التعاون متعدد الأبعاد الذي يضم غرب أوروبا و الديمقراطيات الجديدة في آسيا الوسطى، و شرق أوروبا، والدول المستقلة المنبثقة عن الاتحاد السوفيتي و يوغسلافيا و أخيرا بعض دول الشرق الأوسط وحوض البحر المتوسط، وهو الدور الذي يتطلع الغرب إلى تركيا للقيام به، والدور الذي تتطلع تركيا نفسها للقيام به أيضا وهو ليس دور رئيسي ولكن دور الوكيل المسهل لتحقيق مصالح تركية وأهداف أمريكية -أوروبية. <BR> الرؤية العربية لتركيا <BR>و يدرك العرب أن الدور الذي تنشده تركيا في أي ترتيبات يجري اتخاذها في المنطقة سوف يكون لها تأثيرات في الخيارات و الأولويات العربية لا سيما و أن مسألة توجه تركيا نحو العالم العربي ليس مسألة خيار، بل أصبحت أمرا ضروريا لحاجتها إلى دور إقليمي جديد يحفظ لها مكانتها في الاستراتيجية الغربية ضمن الإطار الإقليمي، وقد أوجدت التغيرات السياسية و الفكرية في البيئتين الرسمية و غير الرسمية ( النخبوي و الشعبي) في العالم العربي، عوامل مساعدة تسهل من ولوج تركيا نحو التفاعل والمشاركة مع معطيات المنطقة، وفي مقدمتها؛ انتهاء حدت التقسيمات السياسية حسب الأطياف الفكرية ( تقدمي - محافظ، قومي -غربي)، حيث انتهى بذلك مصدر جوهري للاحتكاك مع التوجهات الغربية لتركيا، ففي الوقت الذي اختفى فيه التفاوت الأيديولوجي والمجابهة الاستراتيجية، أهمل العامل التاريخي عند الأكثرية العربية أو على الأقل تم تهميشه مما يجعل التطبيع مع تركيا أمرا مستحبا ومبررا. إلى جانب ظهور أصوات مثقفة ذات اتجاهات مختلفة، تدفع إلى قراءة جديدة للعلاقات زمن الإمبراطورية العثمانية بعيدا عن الخطاب التقليدي السائد الذي يصورها بأنها قوة استعمارية، علاوة على اختراق قيم سياسية - ثقافية غربية للجسد السياسي والاجتماعي في المنطقة، الأمر الذي جعل من تركيا كيانا مقبولا نوعا ما. كما أن تغير طبيعة الصراع العربي الإسرائيلي ضيق إلى حد كبير الفجوة التي كانت تفصل بين أغلبية النخب العربية و تركيا في هذه المسألة.<BR>ولا تنبع الرؤية العربية لتركيا من كون الأخيرة دولة إسلامية أو من المشاعر الكامنة للشعب التركي المسلم فحسب، و إنما أيضا من جملة اعتبارات أخرى تجسد هذه الرؤية. حيث تنطلق من واقع التاريخ و الجغرافيا، وعلى الرغم من علمانية النظام التركي إلا أنها ما تزال شرقية التاريخ والقيم على المستوى الشعبي. كما أن المعادلة السياسية والثقافية الرسمية في تركيا مرتبطة بالهوية الغربية، فضلا عن ارتباط القوة العسكرية على مستوى العقيدة والعتاد بالغرب.<BR>انعكاس الوجود التركي في المنطقة و الذي تزايد بشكل خاص قبل الحرب على العراق وبعده، في اتجاهين متلازمين على مستوى العلاقات التركية العربية و مستوى العلاقات التركية الإسرائيلية، ورغم أن الدول العربية في معظمها ، لا تنظر بسلبية تامة إلى مرحلة التسوية السلمية بل تستجيب لهذا المسار، إلا نجد أن تداعيات الهواجس الأمنية تجاه ما تمثله إسرائيل ضمن الترتيبات الشرق أوسطية لا بد من أن تثير إشكالية ضمان عدم انعكاس هذه التطورات على الأرض بشكل أو بآخر . <BR>و تدعو السياسات العربية إلى ضرورة انسجام الأداء الإقليمي التركي في علاقاتها الإقليمية العربية مع المسائل و القضايا ذات الاهتمام المشترك ، لاسيما في توظيف علاقات ذات طبيعة سياسية و اقتصادية - تجارية و تعزيز الدواعي الأمنية بما لا يتيح مجالا لدرجة ما من الانكشاف لاسيما و أن تركيا تمثل الجدار الدفاعي أوروبا و آسيا الوسطى.الشمالي عن العالم العربي و الفاصل بين المشرق العربي و مصادر التهديد.<BR>كما تدرك التوجهات العربية أن عوامل و مؤثرات صنع القرار في تركيا مرتبطة بمعطيات إقليمية و دولية فضلا عن عضويتها في حلف شمال الأطلسي و هويتها السياسية الغربية والتي مثلت واقعا لا يمكن للدول العربية أن تكون في منأى عنه لاسيما مع اقتناع العرب بان الوجود التركي لا يمكن تجاهله على هذا المستوى، ولذا فإن ما تحرص عليه السياسات العربية هو عدم امتداد تأثير هذه القناعات علىالمنطقة. <BR>و في الحقيقة ، مع أن تركيا تبدو متحمسة لقيام ترتيبات إقليمية جديدة في المنطقة يعيد لها بعض نفوذها السابق فيها، ويعزز دورها الإقليمي، ويمكنها من الحصول على عوائد اقتصادية في مجالات الاستثمار والسياحة والتجارة، فضلاً عما تجنيه من عوائد البنية التحتية المشتركة إقليمياً (المياه – الطاقة – الطرق) فإنه لا يمكن القول بأن لدى تركيا رؤية مستقلة أو متكاملة لطبيعة وحجم دورها، بمعنى غياب تصور واضح لاستراتيجية محددة تجاه المنطقة، وذلك لأسباب ذاتية وموضوعية خصوصا ما يتعلق منها بمفاهيم الدور التركي و طموحاته و مدى فاعليته الإقليمية و ارتباطاته الدولية برغم كل النشاط والحماسة اللذين تبديهما.<BR><BR><br>