ما قبل الرنتيسي وما بعده.. الخفايا والتحديات
13 ربيع الأول 1425

العاشر من يونيو 2003م، طائرة أباتشي تغير على سيارة مدنية في قطاع غزة، والهدف كان عبد العزيز الرنتيسي لم يمت، الكل انشغل بتداعيات الحدث، أما الشيخ أحمد ياسين، وهو الهدف القادم، فبعث إلى الرنتيسي يناقشه في أمر آخر، وإقناعه ثم إلزامه بإجراءات أمنية من نوع خاص، يومها قرر ياسين تكليف مسؤول أمنه الشخصي أكرم نصار مسؤولية أمن الرنتيسي، أكرم غضب قليلاً، لقد تعود على مرافقة ياسين منذ سنوات بعيدة، لكنه التزم القرار بصورة حديدية. <BR>كانت إسرائيل قد اتخذت قراراً ترجمته الأجهزة المعنية بالعمل على تصفية الأهداف بأسرع وقت ممكن، والتركيز على ما يحقق نتائج بعيدة المدى، ما يعني الأولوية للموقع المعنوي والرمزي، أي: أحمد ياسين، والقائد الفعلي للحركة في القطاع أي: الرنتيسي. عندها كانت الإجراءات قد زادت بصورة ملحوظة، تم إقناع الشيخ ياسين بالحد من الاتصال المفتوح مع الجمهور، لكن الأخير كان يعتقد أن أي إجراءات إضافية لن تفيد طالما أنه يرفض تعديل بعض البرامج الإلزامية، ما جعل الأمر رهن قرار مباشر اتخذه أرييل شارون ونفذه في الثاني والعشرين من آذار الماضي. <BR>لم تكن الحركة بحاجة إلى قرار جديد لاختيار الرنتيسي قائداً عاماً. فالجميع يعرف أنه القائد الفعلي، وأن البت بالقرارات الرئيسة يعود إليه، وأن آلية إجرائية داخلية كافية للإعلان عنه قائداً، يومها فتح نقاش داخل قيادة الحركة حول ما إذا كان مفيداً عدم الإعلان رسمياً عن تولي الرنتيسي القيادة بعد استشهاد ياسين، كان الأمر عبارة عن "احتيال" لن يخدم الموضوع كثيراً، فالكل يعرف أنه القائد العملي، وما لم يكن الآخرون يدركونه بصورة حاسمة، أن الرنتيسي كان يعرف منذ وقت غير قصير، أن القيادة العامة للحركة موجودة في الخارج، وأن خالد مشعل هو القائد العام، حتى أنه في نقاش سابق، حصل قبل أعوام، وتحديداً بعد أزمة الحركة مع الأردن، رفض الرنتيسي فكرة انتقال قياديين من الخارج عن طريق التهريب إلى داخل القطاع لإدارة الأمور من هناك، كان حاسماً في أن الأمر لا يفيد، وأن المطلوب أن تظل القيادة بعيداً عن متناول اليد الإسرائيلية، وأن تحفظ لنفسها وسائل الاتصال بالعالم وقيادة الشؤون الأخرى للحركة، وأن الوضع القيادي للحركة داخل فلسطين جيد وبصورة تتيح متابعة الأمر. <BR>بعد انفضاض المعزين بالشيخ ياسين، بوشر العمل بالإجراءات الجديدة لحماية الرنتيسي، وتقرر بعد أيام قليلة قطع الاتصال بينه وبين وسائل الإعلام، وعدم المشاركة في لقاءات عامة، تم إجراء عملية لعينيه ما يتيح له التخلص من النظارات أولاً، ثم طلب إليه حلق لحيته وتخفيفها إلى الحد الأدنى، وخلع الملابس الرسمية وتعديل شكله الخارجي، كانت الفكرة تقول بأن من يراقبه يجب ألا يتأكد منه في لحظة واحدة، وهي اللحظة التي تحتاجها مخابرات العدو قبل أن تعطي الإشارة إلى القوة الجوية التي تحتاج بدورها إلى دقائق قليلة قبل أن يصير الهدف صيداً سهلاً أمامها. <BR>المرافقون جرى تبديلهم بصورة واضحة، لم يعد مع الرنتيسي إلا من يجب أن يكون معه، نجله أحمد وأكرم ومجموعة أخرى لم يسبق للناس أن شاهدوها معه، وهي من الجهاز الأمني المفترض أنه خارج الضوء، كانت الملاحقة الإسرائيلية له تتكثف، وكانت حماس تشعر بها، لكنها كانت تشعر أيضاً أن هناك إمكانية للتفلت من رقابة العملاء، أو آليات الرصد الإسرائيلية المباشرة.<BR><BR><font color="#0000FF">دحلان.. يعود: </font><BR>فجأة قطع محمد دحلان دورة تحسين لغته الإنجليزية في لندن!. عاد إلى الأراضي المحتلة، اجتمع مع ياسر عرفات واتفق معه على البدء بعملية حوار مع قادة حماس حول مستقبل قطاع غزة بعد الانسحاب الإسرائيلي منه، وصل دحلان إلى القطاع وفي رأسه جملة أفكار يتضح لاحقاً أنها حصيلة مشاورات قادها المصريون مع الإسرائيليين والأميركيين، ومؤداها إقناع عرفات من جهة بجملة ترتيبات داخل السلطة وإقناع حماس والتنظيمات الأخرى من جهة أخرى بضرورة تعديل قواعد اللعبة لمصلحة إفساح المجال أمام السلطة لترتيب وضع القطاع قبل الانسحاب وليس بعده. <BR>عمر سليمان يصل إلى رام الله في زيارة غير معلنة، يطلب من عرفات بصورة مباشرة: إعادة محمود عباس إلى رئاسة الحكومة، وتركه يشكلها من طاقم موثوق، توحيد الأجهزة الأمنية كافة وإلغاء مؤسسة مجلس الأمن القومي، وتسليم الحقيبة والصلاحيات كافة إلى دحلان، ولم ينس سليمان تذكير عرفات بأنه سيسبق الرئيس حسني مبارك إلى الولايات المتحدة للتحضير لاجتماعه مع بوش، وأنه سيلتقي كونداليزا رايس وآخرين، وأنه سيسعى إلى الحصول على ضمانات أميركية لكن يجب أن يكون بين يديه ما يقدمه كمقابل، وأن ذلك يترافق مع جولة حوار جديد تديره مصر مع الفصائل الأخرى لتوفير آلية إشراكها في مؤسسات السلطة. <BR>بعدها بعث سليمان يطلب من حماس أن ترسل له وفداً يقابله في القاهرة، الحركة التي لم تكن ترحب بالفكرة أصلاً تذرعت باستشهاد ياسين للقول بأنها مشغولة هذه المدة، ثم سارع سليمان إلى عرض من نوع آخر: هل تريدون من واشنطن أي شيء يفيد في الحوار. رفضت حماس الفكرة، ثم عقد اجتماع آخر في غزة لشرح الموقف بصورة أخرى وقيل للقائم بالأعمال المصري هناك: اسمع ليس لدينا ما نضيفه على آخر اقتراح لنا في اجتماعات القاهرة، وأكثر من ذلك، نحن لا نضيف على الكلام هناك أي سطر، ولكننا لا نؤكده تماماً بعد الذي حصل. <BR>عدَّ دحلان أن غياب ياسين قد يدخل الحركة الإسلامية في مشكلة داخلية، وأعرب عن اعتقاده بأن الحركة قد تكون الآن مستعدة لأي اتفاق داخلي، استند إلى هذا التقدير وإلى طلب مصري واضح بالسعي لإقناع حماس بالمشاركة المباشرة، بما في ذلك إقناع الحركة بدمج عناصرها المسلحة في القطاع بالأجهزة الأمنية هناك. <BR>يطلب دحلان عقد اجتماع عمل خاص مع قيادة حماس، بعد التشاور تقرر أن يقود الرنتيسي الحوار بنفسه، فجأة يصل إلى أحد مقرات دحلان رجل بلا نظارات وبلحية شبه حليقة، يأخذه دحلان بالأحضان، ويسأله عن أحواله ويبدأ الحوار. يقول دحلان: إن تقديراته ومعطياته تؤكد أن شارون جاد في قرار الانسحاب من غزة، وأن الأميركيين يساعدونه على تجاوز أزمة التصويت داخل الليكود، وأن نتنياهو قريب من الموافقة. لا يتأخر الرنتيسي في موافقته على تقديره لكنه يذكره بأن الأمر إن حصل، فهو نتيجة المقاومة وليس نتيجة أي جهد آخر، وأن إسرائيل تحاول الآن وبمساعدة الأميركيين الحصول على أثمان مباشرة وغير مباشرة لهذه الخطوة، وأن من بين الأهداف كيف ستدار الأمور في القطاع، وما هو مستقبل سلاح المقاومة هناك؟ <BR>عندها فتح دحلان الملف على مصراعيه. قال له: إنه يتحدث الآن بتكليف من الرئيس عرفات، علماً أن الرنتيسي لاحظ هذه المسألة من نوعية الحضور إلى جانب دحلان ولا سيما قيادات فتح القريبة من عرفات، والتي لم يقدر دحلان على تطويعها بالكامل تحت جناحه، وقال: أمامنا احتمال أن تنضموا إلى منظمة التحرير الفلسطينية، وهو أمر لا يعني كثيراً؛ لأن هذه المنظمة تحتاج إلى آلية تطوير من شأن البحث بها أن يتأخر وألا نصل إلى نتائج، أو البحث عن إطار آخر يجمع كل الفصائل الفلسطينية، ولكن هذا الإطار سوف يحتاج إلى من يعترف به، وهو أمر غير متوافر، فيما يبقى لدينا الخيار الثالث وهو السلطة الفلسطينية، وهو إطار آخر يحظى بالشرعية الدولية، وبالتالي فإن البحث يمكن أن يتركز هنا. وعلى أساس وحدانية القرار السياسي والأمني داخل القطاع. <BR><BR><font color="#0000FF">نعم للحوار.. ولكن! </font><BR>الرنتيسي كان مستعداً للحوار على أساس أنه جرت مناقشات كثيرة حول الأمر. قال له: نحن مع الدخول في منظمة التحرير على أساس برنامج لتطويرها ويعيد إليها وضعية لها تأثيراتها، وبالطبع نحن لا نبحث عن موقع ينتهي إلى جلوسنا بصورة كاريكاتورية إلى جانب عرفات كما هي حال كثيرين، أما السلطة فتواجه أزمة من نوع مختلف، وليس لدينا حتى الرغبة في الدخول إلى الأجهزة الأمنية، علماً أن دحلان ذكره بأنه في هذه الخطوة يعطي كوادر الحركة مواقع رئيسة، وهو في هذه الحالة يخفف على الحركة مصاريف ونفقات هؤلاء. ابتسم الرنتيسي، وقال له بأن هذا الخيار غير مرحب به أيضا، ولكن هناك إمكانية لشيء مختلف، وهو التوصل إلى إطار مدني جديد، يتولى إدارة القطاع بصورة مباشرة من الناحيتين الإدارية والحياتية، شرط أن تظل بندقية المقاومة محفوظة، مقاتلونا سيظلون في وضعية الجاهز لمواجهة احتمال عودة الإسرائيليين إلى القطاع أو القيام بعمليات مفاجئة ضده لسبب أو لآخر، وبالتالي فإن الحركة مستعدة لنقاش من هذا النوع وهي لا تتمسك بحضور أمني أو عسكري علني، ولكن أساس منطقها هو أن المقاومة مستمرة ويجب أن تستمر. <BR><BR>لم يرفض دحلان الفكرة، وقال: إنه لا يمانع في الأمر وسوف ينتقل في اليوم التالي إلى رام الله ويناقش الفكرة تفصيلياً مع الرئيس عرفات، وبعدها يعود لمتابعة النقاش. فجأة يقول القيادي في حماس سعيد صيام لدحلان بلغة يختلط فيها الجد بالمزاح: ومن يؤكد لنا أنك تتحدث الآن بلسان الرئيس عرفات؟! <BR>يلجأ دحلان إلى عينيه ليعبر عن غضبه. يحول الأمر إلى سؤال جدي ويلجأ مباشرة إلى رفع سماعة الهاتف ويتصل بمقر الرئاسة في رام الله ويطلب الكلام إلى عرفات، يصبح الأخير على الخط ويفتح دحلان الصوت ليسمع الحاضرون صوت الرئيس الفلسطيني يقول ما يشير إلى تكليفه دحلان بهذه المهمة، ويطلب الحديث إلى الرنتيسي، يشكره الأخير على عواطفه إزاء اغتيال الشيخ ياسين، ويتبادل معه التحيات في حوار سريع، بينما يراقبه دحلان بصمت متذكراً ما بينه وبين هذا الرجل منذ زمن بعيد، ليس هناك ود. ويروي دحلان أنه يحترم الرنتيسي كثيراً، ويعرف أنه مناضل حقيقي، ويتذكر أنه عاش معه في الحي نفسه عندما كان صغيراً، وأنه ذات يوم تعرض للضرب على يد الرنتيسي الذي اتهمه بمعاكسة فتيات في الحي، يذهب دحلان إلى والده يشكو عبد العزيز إلا أن الوالد يعود ليضربه من جديد؛ لأن عبد العزيز "إذا قام بضربك فلا بد أنك قمت بشيء سيئ". كما يتذكر دحلان اجتماعه من جديد مع الرنتيسي عندما قرر دحلان دراسة الشريعة قبل أن ينخرط تماماً في العمل داخل فتح. <BR><BR><font color="#0000FF">اللحظات الحرجة! </font><BR>يغادر الرنتيسي ورفاقه بعد أن انفض الاجتماع، ساعتها كان هناك من يفكر بالأمر من زاوية أخرى، الأمنيون من حول قائد حماس كانوا يفكرون بأن ما أدخلوه من تعديلات على هيئة رئيسهم صار مكشوفاً، والمهم الآن العمل على تمويه آخر، بعد أيام يقرر الرنتيسي زيارة عائلته، أولاده لم يجالسوه من أسابيع طويلة، الاتفاق نص على زيارة سريعة تستمر لساعات قليلة، والوصول يتطلب ترتيباً لا يجب أن يثير انتباه أحد، يصل الرنتيسي، ثمة من يصر عليه بالمبيت، نجله أحمد يتوتر ولا يعرف ما الذي حصل ولماذا لم يغادر والده المنزل حسب الاتفاق، أكرم الذي كان قد عبر عن انزعاجه من الذي حصل، كان لا يزال يعيش حالة اكتئاب منذ استشهاد قائده الكبير، قال لرفاقه: أشعر بالملل، لا أعرف إن كانت ساعتي قد دنت، لكنني لا أطيق الحياة بعد موت الشيخ. <BR>خطأ بسيط حصل، وصل المرافق المراقب من قبل الإسرائيليين إلى المكان، كان الأمر كافياً ليدرك العدو أن الهدف في دائرة النظر، وعندما خرج الرنتيسي وركب السيارة، كانت طائرة الأباتشي تقلع من مطار قريب، وما هي إلا لحظات حتى وصل الرنتيسي ومعه أكرم إلى جوار شيخهما الشهيد! <BR>لحظات قليلة قبل إصابة سيارة الدكتور عبد العزيز الرنتيسي بصاروخ "الأباتشي" حصل شيء لافت للانتباه. انقطاع للكهرباء وحتى لبعض الاتصالات، واستمر ذلك لساعات قليلة بعدما علم الجمهور بالحدث وخرج إلى الشوارع، وفي الخارج كان قياديون من الحركة يتلقون الأنباء والصور وبعض التفاصيل تصل من خلال شاشات الفضائيات العربية، وخبر نقل الرنتيسي مصاباً بجروح بليغة إلى المستشفى لم يكن هناك من مجال للتأكد منه. للحظات طالت لم يكن ممكناً ملاحقة شيء إلا من خلال التلفزيون. <BR><BR>ثمة أمر ما حصل، الاتصالات المباشرة بين قياديي الحركة في الخارج توقفت لبعض الوقت، الأمور على صعوبتها وتعقيدها تتطلب إجراءات سريعة لأجل منع أي خطوة غير مدروسة، كان خالد مشعل يدرك ما يحصل، ويعرف حجم الخسارة التي حصلت مع استشهاد الرنتيسي. لقد تعود الرجلان على بعضهما البعض منذ مدة غير قصيرة، والمطلوب الآن تعزيز الوضع ورفع مستوى التماسك عند القياديين والكوادر أيضاً، وكان مشعل يعرف ماهية الخطوات الواجب اتخاذها من جانب رفاقه في الداخل، والإجراءات الأمنية الإضافية المتخذة من جانب هؤلاء عقدت الأمر أكثر، لكن النقاش كان ساخناً حول الخطوة المقبلة. <BR><BR><font color="#0000FF">قرارات لا تحتمل التأجيل: </font><BR>وفيما كان رفاق الرنتيسي في غزة يخلطون التشاور بالعواطف، كان هناك من يريد أخذ القرار بسرعة فائقة، ومع بعض التحدي العام الظاهر لإسرائيل: سوف نعلن الآن خليفة الرنتيسي وحتى نائبه أيضاً. الأمور على دقتها كانت تتطلب قدراً أعلى من الهدوء والتماسك والتفكير للمرحلة المقبلة، وبعدما تقرر رفع مستوى الظهور الإعلامي بواسطة قيادات الخارج، كان خالد مشعل يدرس خطوة ما من جانبه، وخلاصة الأمر كانت أن يصار إلى أن يتولى بنفسه توجيه رسالة إلى رفاقه وإلى جمهور الحركة ومناصري المقاومة وإلى الأعداء والأصدقاء أيضاً، وكان لديه هم آخر، وهو منع الآخرين من الوقوع في الخطأ في اللحظة غير المناسبة. <BR><BR>اتصل مشعل بقناة "الجزيرة"، كان مراسلها غسان بن جدو يدير حواراً مباشراً من بيروت، طلب مشعل إخراجه على الهواء لقول شيء ما. تصرف كداعية على غير عادته، تحدث عن الصعب عندما يخسر المؤمنون قائداً لهم، لكنه كان يريد إيصال رسالة في أسرع ما يمكن وذات وجهين. الأول، وهو: أن الخسارة على فداحتها يجب ألا تعطل آلية العمل، وأنه يجب التصرف بحكمة وروية. والثاني يتعلق بخلافة الرنتيسي، وقال: إنه يريد من رفاقه في الداخل العمل على اختيار الخليفة المناسب، وعدم الإعلان عن هويته. حصل الأمر في اليوم التالي وتم اختيار من له دوره الجدي،ونجح مشعل في منع حصول خطأ يصعب تداركه في وقت لاحق.<BR>لم تكن خسارة الرنتيسي أمراً عادياً بالنسبة لكل حماس. خارج الحركة وفي غزة وخارجها أيضاً، تصرف الجميع على أساس أن الرنتيسي كان القائد الفعلي وأن الخسارة مدوية، وأن ما يملكه الرجل من تاريخ بين أهله ورفاقه يعطيه مكانة يصعب توفير بديل عنها بقرار، وأن إسرائيل حققت مكسباً كبيراً من وراء هذه الخطوة. لقد تصرفت إسرائيل والآخرون على أن خسارة الرنتيسي ربما تفوق خسارة الشيخ أحمد ياسين، وفي التركيبة التنظيمية للحركة، بدت الخسارة كبيرة أيضاً، وكل الكلام عن متابعة المسيرة وهو أمر سيحصل، لا يعني أن ما حصل كان عادياً، الكل في حماس يعرف ذلك. صغاراً وكباراً، في الداخل وفي الخارج، لكن الأمر لا يتوقف عند هذا الحد؛ لأن التوقعات تقول بأن إسرائيل تريد التخلص وبأسرع وقت ممكن من كل قيادي في الحركة يمكن له أن يلعب دوراً محورياً في قيادة المقاومة أو قيادة الشارع في غزة وخارجها. <BR><BR>حتى أن أحداً لا يعتقد أن هناك تبايناً سوف يقوم داخل الحركة، وما مات عليه الرنتيسي وقبله ياسين وآخرون من قياديي ومناضلي الحركة سوف يكون عنواناً ثابتاً، وهو ما جعل كل الإجراءات اللاحقة والتي طالت الجميع ومن دون استثناء، داخل الأراضي المحتلة وخارجها، تأخذ بالاعتبار أنه لا مجال لأي مهادنة، وأن المواجهة في المرحلة المقبلة تتطلب قدراً أعلى من الجهوزية ومن الاستنفار والتحوط ، ولا مجال بعد الآن للخطأ. <BR>وفيما كانت الحركة تفتح من جديد ملف العملاء في القطاع، كان آخرون من قادة الأجهزة الأمنية هناك يحاولون رمي الكرة في ملعب الآخرين، ويعتقدون أن الإجراءات المتخذة من قبل القوى ليست كافية، فيما هم يعرفون وسبق لهم أن أوقفوا عدداً غير قليل من العملاء، وحصل أن قامت القوات الإسرائيلية بجعل محمد دحلان يوافق على إخلاء سبيل البعض منهم وتسليمهم إلى قوات الاحتلال التي أحضرت لهم هويات إسرائيلية، وحاول قادة هذه الأجهزة أيضاً الحديث عن ضرورة طي هذا الملف؛ لأن في إثارته ما يناقض الدعوة إلى رص الصف الداخلي، ما أعطى إشارة غير إيجابية عن مستوى الإجراءات التي يمكن لأجهزة السلطة أن تقوم بها لاحقاً، وهذا يعني بالنسبة لقوى المقاومة أمراً واحداً: تولي الملف مباشرة وحيث يجب، وعدم انتظار أحد ! <BR>لكن ما الذي جعل الخسارة أكبر معنوياً، كان في أن الحركة لم تنجح في الرد على اغتيال ياسين، وتصرف كثيرون على أساس أن عدم حصول الرد كان عاملاً مشجعاً لأرييل شارون للمضي في برنامجه، لكن حقيقة الأمر أن الجناح العسكري للحركة قرر القيام بأمر ما، ولكنه يعرف الصعوبات التي تحول دون القيام بعمل من نوع خاص، وأن أي خطوة يجب أن يكون لها سياقها السياسي قبل الميداني، وهو أمر يتطلب آليات عمل من نوع مختلف.. حتى الرنتيسي نفسه كان يعرف هذا الأمر ويعرف الكثير أيضاً. <BR><BR><font color="#0000FF">لكن كيف يكون الرد؟ </font><BR>النقاش بصوت مرتفع لا ينفع في مثل هذه الحالات، لكن خالد مشعل حاول بعض الشيء في رسالته إثر استشهاد الرنتيسي. تحدث عن دور أكبر مطلوب من كل داعمي المقاومة في المرحلة المقبلة. وأشار ضمناً إلى أن الآليات التي اتبعت سابقاً قد لا تكون صالحة من الآن فصاعداً، ما يعني أننا حكماً أمام مرحلة جديدة. في وقت سابق كان الإسرائيليون يحاولون نسف البنى التحتية للمقاومة في الضفة الغربية أو غزة، وسلسلة عمليات الاغتيال والتصفيات والاعتقالات لم تكن كافية لإقفال الملف، والانتقال إلى التصفية المباشرة لرموز القيادة السياسية سوف يؤثر من دون شك، لكنها لن تقفل الملف أيضاً، ولكن كل ذلك يدفع بقوى المقاومة وعلى رأسها حماس إلى إدخال تعديلات من نوع آخر.<BR> <BR>______________<BR>(*) محلل سياسي.<BR><br>