المقاومة العراقية و فرص بوش الانتخابية
8 ربيع الأول 1425

عندما بدأ الرئيس الأمريكي جورج بوش حملته العسكرية لاحتلال العراق، قالت بعض الأوساط الإعلامية والسياسية: إن بوش الابن أراد أن يكمل ما بدأه والده في العراق، وأن ينتقم لأبيه الذي ترك كرسيه في البيت الأبيض، فيما بقي صدام حسين بعده بسنوات عديدة ؛ يجلس على ذات الكرسي الذي لم يتركه منذ عام 1979م.<BR><BR>وذهب البعض في تشبيه هذه الحالة بحملة جنكيز خان على البلاد الإسلامية، التي خلفه فيها أحد أحفاده وهو هولاكو، والذي استطاع احتلال العراق، ضمن ما احتله من أراض إسلامية.<BR><BR>وإن كان هذا الرأي مصيباً أو مخطئاً، إلا أن شيئاً واحداً ربما لم يكن ليخطر في بال بوش وهو يأمر قواته ببدء الضربة العسكرية على العراق، ألا وهي أن تصبح العراق حجر عثرة في فوزه ولاية حكم ثانية في أمريكا.<BR>وعلى الرغم من أن هذه الرؤية لم تكتمل بعد، حيث لا يزال هناك عدة أشهر تفصلنا عن الانتخابات الرئاسية في أمريكا، إلا أن الكثير من المؤشرات بدأت تظهر على الساحة الداخلية لأمريكا، وعلى الساحة الدولية، خصوصاً في العراق.<BR><BR><font color="#0000ff" size="4">مقومات الانتخابات الأمريكية:</font><BR><BR>تلعب العديد من المقومات الأساسية بشكل دائم، في حسم التصويت لصالح أحد المرشحين الأمريكيين؛ وصولاً إلى البيت الأبيض، من أهمها: مبالغ التبرعات التي تساند حملات الانتخابات للمرشحين،<BR>وقد استطاع كل من المرشحين الحاليين ( جورج بوش الرئيس الحالي للولايات المتحدة، والمرشح عن الحزب الجمهوري، وجون كيري المرشح عن الحزب الديموقراطي) الحصول على مبالغ كبيرة من قبل المتبرعين والموالين لهم ولأحزابهم.<BR>وإن كانت المبالغ التي صرفها كيري في السباق الانتخابي حتى الآن قد أفلست خزينة حزبه، إلا أن الآمال تنعقد مجدداً في دعوات العشاء التي بدأها الحزب الديموقراطي من جديد، ولكن هذه المرة لمواجهة بوش.<BR>الأوساط الاقتصادية في أمريكا تؤكد أن ما تبقى من حملة كيري لا تتجاوز المليوني دولار، فيما استطاع بوش أن يجمع لحملته الانتخابية القادمة نحو 100 مليون دولار، وهو مبلغ ضخم غير مسبوق في جولات الانتخابات.<BR>ويعتزم بوش استخدام هذه الأموال كلها في حملة كبيرة وواسعة له، يعترض فيها أفكار ومبادئ كيري وحزبه الليبرالي المتهم من قبل الديموقراطيين بالابتعاد عن الوسط الشعبي الأمريكي.<BR><BR>ورغم ذلك إلا أن مؤشرات الاستبيانات التي تحرص الصحف الأمريكية على إجرائها كل مدة، ( ومن بينها واشنطن بوست ) أظهرت تفوق شعبية كيري على بوش، ما يعني أن بوش قد يستخدم أموالاً طائلة في حملته الحالية من أجل رفع أسهمه لدى الشعب الأمريكي؛ كي يصبح في ذات المستوى مع كيري.<BR><BR>كيري استطاع أن يستفيد بشكل جيد من الأخطاء الكثيرة لبوش في السياسة الداخلية، ومنها بشكل خاص موضوع البيئة، متهماً بوش بأنه "عدو البيئة" خاصة بعد أن رفض بوش توقيع اتفاقية دولية لضمان حماية البيئة من التلوثات الصناعية.<BR>كما يركز كيري على سياسة بوش المالية التي رفعت عجز الميزانية العامة للولايات المتحدة للعام 2003م إلى 455 بليون دولار، كما رفعت العجز إلى أكثر نحو 4 ترليون دولار على مدى السنوات العشر القادمة، على الرغم من أن الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون، خلف وراءه فائضاً مالياً في الميزانية الحكومية الفيدرالية قدر بـ5.6 ترليون دولار على مدى العشر سنوات اللاحقة، وذلك بسبب الحرب العالمية التي أطلقها بوش، بالإضافة إلى سياسة الخفض الضريبي التي استخدمها في الداخل. <BR><BR><font color="#0000ff" size="4">العراق في سلم أولويات المنافسة:</font><BR><BR>تقول بعض الصحف المطلعة على سير الانتخابات الأمريكية: " إن السياسة الأمريكية الخارجية لا تشكل عادة مادة أساسية في منافسات الرئاسة، حيث يعد معظم الأمريكيون أن السياسة الخارجية من شأن البيروقراطيين والمختصين، إلا أن السياسة الخارجية هذه المرة دخلت بشكل أساسي في المنافسات".<BR><BR>وتشير العديد من الصحف الأمريكية إلى أن الحرب العالمية التي أطلقها بوش تحت مسمى ( الحرب على الإرهاب)، وبالتحديد احتلال العراق سيساهم بشكل أساسي هذه المرة؛ في تحديد الرئيس الأمريكي القادم.<BR><BR>وتنتقد بعض هذه الصحف (ومنها صحيفة سياتل تايمز) الابتسامات البراقة التي يرسمها بوش على وجهه أمام عدسات الكاميرات والشاشات، في حين يسقط العديد من الجنود الأمريكيين في العراق بشكل يومي.<BR><BR>كيري الذي وجد صيداً سهلاً في سياسة بوش في العراق، يحاول الاستفادة مما يعاني منه الجنود الأمريكيين لأقصى درجة، ليس حباً بالعراقيين ودفاعاً عن القتلى الأمريكيين، ولكن سعياً في الوصول إلى البيت الأبيض.<BR>ولا يشكل مقتل الجنود الأمريكيين فقط أحد عوامل أسلحة كيري في وجه بوش، بل يتعداها إلى السياسة الأمريكية العامة في العراق، ومنها نقل السلطة إلى العراقيين، والتي تعني تقليل الخسائر الأمريكية في العراق بشكل كبير.<BR><BR>وقد أعلن كيري خلال اجتماع مع رؤساء تحرير الصحف الأمريكية يوم السبت 24 إبريل 2004م أن " الإدارة تريد أن تقنعنا بأننا على وشك نقل السلطة في العراق إلى حكومة جديدة، وهو نقل للسلطة من شأنه أن ينهي الاحتلال، لكننا في الحقيقة لا نقترب من تشكيل حكومة عراقية حقيقية قادرة على توفير الأمن لشعبها وعلى تطبيق القوانين وضمان الحريات، وهذه تبقى مشكلة أمريكا".<BR><BR>ويرى كيري أن " إدارة بوش تحاول المرور عبر باب خفي لإيجاد طريق ثالث بين الانسحاب الكامل واستمرار الاحتلال في العراق". <BR><BR><BR><font color="#0000ff" size="4">المقاومة العراقية في وجه بوش: </font><BR>يقول روبرت داليك (مؤرخ انتخابات الرئاسة الأمريكية): " إن المحك الحقيقي لقدرة الرئيس بوش على تحسين فرص إعادة انتخابه سيكون ما يحدث في العراق".<BR>وبالفعل فإن العراق لم تنتظر طويلاً كي يفرض نفسه وبقوة على سير المنافسات الانتخابية.<BR>حيث كان توقيت اصطياد عناصر المخابرات الأمريكيين في الفلوجة، وبث صورهم عبر شاشات التلفزة العالمية سيئاً جداً لحكومة بوش.<BR>فبعد ليلة طويلة من أحلام الانتصارات الأمريكية في قتل وملاحقة فلول البعث الهاربين والمختفين، استيقظ الأمريكيون والعالم على صورة واحدة من صور شراسة المقاومة العراقية، وقدرتها على قتل أولئك الرجال الذين يعدون من خيرة القوات الأمريكية.<BR><BR>هذه الصورة أجبرت بوش على سلوك طريق واحد لا رجعة منه، وهو تقديم الفاعلين (للعدالة.!!) كي يري الأمريكيون أن هذه الفعلة ليست إلا كابوساً مؤلماً، تستطيع القوات الأمريكية أن تتعامل معه بحسم.<BR>ومن هنا بدأت الحملة العسكرية ضد الفلوجة، وهو الطريق الذي خط من جديد، سطراً في تدني مستوى شعبية بوش.<BR><BR>صورة قوات المارينز التي انتشر اسمها ملاصقاً للتفوق التكنولوجي والتنظيم والشراسة، بدأت تتهشم يوماً بعد يوم أمام أهالي مدينة صغيرة عراقية، لا يتجاوز عدد سكانها (300 ألف) نسمة.<BR>فالمجاهدون الذين لم يكونوا يتوقعون أن يوضعوا في هذا المحك، أثبتوا لنا وللأمريكيين أنهم أقوى وأمتن وأشرس من (المارينز).<BR>وفي الواقع فإن المجاهدين في الفلوجة أعادوا لنا الإيمان بأن "كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله"، وأعادوا لنا ثقتنا بأنفسنا، وثقتنا أننا قادرون _بإذن الله_ بالإيمان والصبر على الوقوف أمام أكبر الدول الظالمة، طالما كنا على الحق.<BR><BR><font color="#0000ff" size="4">محاولات الإدارة الأمريكية إنهاء أزمة الفلوجة:</font><BR><BR>المأزق الجديد الذي وضعت الإدارة الأمريكية فيه نفسها، لم يكن من السهولة الخروج منه؛ لأنها أرادت إثبات شيء للأمريكيين لم تستطع إثباته، ( وهو اعتقال عناصر المقاومة الذين قتلوا الأمريكيين الأربعة)، وبدلاً من ذلك شهدت العراق عمليات أسر واختطاف العديد من المقاولين والجنود الأجانب.<BR>وإن كانت المقاومة العراقية قد رضيت بوساطة العلماء في إطلاق سراح العديد من أسرى الجنسيات الأخرى، إلا أنها لا تزال تحتفظ بالأسرى الأمريكيين بالتحديد، وهو ما يؤكد أن هدف المقاومة الأساسي هم الأمريكيون بصفتهم قادة للاحتلال.<BR><BR>هذه الأمور أجبرت الحاكم المدني الأمريكي للعراق بول بريمر على زيارة مدينة الفلوجة الصغيرة بنفسه!! يوم السبت 24 إبريل 2004م؛ من أجل التوصل إلى حل يخرج بوش من الأزمة الحالية.<BR>إلا أن أهالي الفلوجة البطلة لم يوافقوا حتى الآن بتسليم عناصر المقاومة لقيادة الاحتلال، وهو ما يفقد الأمريكيين صوابهم بين فينةٍ وأخرى، مستخدمين القصف والقتل والتدمير أسلوباً للضغط على المقاومة.<BR><BR>كما أجبرت المقاومة إدارة بوش وإدارة الاحتلال في العراق، على دفع بعض أعضاء مجلس الحكم العراقي وعلماء العراقي للتوسط من أجل إيجاد حل لهذه الأزمة، ولكن دون جدوى حتى الآن، ما قد يجبر الأمريكيين على فعل أي شيء آخر من أجل صرف أنظار الأمريكيين عن هذه المصيدة العراقية، وإشغالهم بقضية أخرى تثير شهيتهم للمتابعة.<BR><BR><font color="#0000ff" size="4">صور القتلى والجرحى:</font><BR><BR>هذه المرة حصل ما كانت تتمناه الإدارة الأمريكية، فقد ظهر شيء جديد أشغل الأمريكيين وغيرهم عن مدينة الفلوجة المحاصرة، ولكن ربما كان هذا الشيء آخر ما تتمناه إدارة بوش.<BR>فقد نشرت صحيفة (سياتل تايمز) يوم الأربعاء 21 إبريل، صوراً لجثث الجنود الأمريكيين، كانت قد حصلت عليها من إحدى العاملات في شحن المعدات العسكرية الأمريكية في مطار الكويت الدولي.<BR>أول رد فعل للإدارة الأمريكية على هذه الحادثة، تخصه الموظفة تامي سيليسيو التي أرسلت الصور للصحيفة الأمريكية بالقول: " لقد فقدت وظيفي كما استغنوا عن زوجي أيضا" <BR><BR>وسرعان ما انتشرت صور العشرين نعشاً للجنود الأمريكيين محاطة بجنود آخرين حزينين، بين أوساط الأمريكيين والأوروبيين، بعد سنة كاملة من التعتيم الإعلامي على صور القتلى والجرحى،<BR>فقد أعادت صحيفة (سياتل تايمز) يوم الخميس 22 إبريل، نشر صور القتلى الأمريكيين، كما نشرتها العديد من الصحف الأمريكية والبريطانية، منها: صحيفة (الإندبندت) التي كتبت تقول: " إن هذه الصور التي تنشر لأول مرة، قد أثارت اهتمام الرأي العام ووسائل الإعلام الأميركية".<BR><BR>وقد شاركت الإندبندنت من قصد أو دون قصد، في حملة ترشيح كيري، عندما كتبت تقول: " إن 700 جندي أمريكي قتلوا حتى الآن في العراق دون أن يشارك الرئيس الأميركي بحضور شعائر دفن أي منهم أو أن يسمح لذويهم برؤيتهم أو وداعهم"<BR><BR>الصحف الأمريكية والأوروبية وجدت في هذه الصور مجالاً خصباً لإظهار ما تتكتم عليه واشنطن منذ عام 1991م، عندما قررت الإدارة إخراج صور القتلى والجرحى الأمريكيين من دائرة الضوء الإعلامية؛ خوفاً من الرأي العام الأمريكي.<BR><BR>إلا أن بعض الوسائل الإعلامية الأخرى الموالية لبوش، حرصت على تجنب نشر هذه الصور، ومنها قناة (فوكس) لصاحبها اليهودي روبرت ميردوخ، الذي منع القناة حتى عن مناقشة قرار وزارة الدفاع الأميركية بمنع التعاطي مع هذه الصور.<BR><BR><font color="#0000ff" size="4">شر خلف لشر سلف.!!</font><BR><BR>إن كان قد قدر لبوش -انتخابياً- أن يسقط على يد المقاومة العراقية، كما سقط رئيس الوزراء الإسباني، فإن خلفه ليس بأفضل منه إطلاقاً.<BR>فعلى الرغم من تصريحات كيري المكررة بأنه سيقوم بسحب قواته العسكرية من العراق بحال فوزه، وتسليم قيادة الاحتلال للأمم المتحدة، إلا أن الواقع قد يفرض شيئاً آخر.<BR>ذلك أن المليارات التي تجنيها واشنطن من منابع النفط العراقية، كفيلة خلال مدة زمنية ليست طويلة، أن تعيد للخزينة الأمريكية كل (سنت) دفعته لاحتلال العراق، وقدمته على شكل (هبات) لبعض الدول العالمية من أجل إرسال قوات عسكرية إلى العراق تحت قيادة أمريكية.<BR><BR>كما أن تصريحات كيري الخاصة بفلسطين المحتلة لا تبشر بأي خير، إذ إنه يحرص بين فينة وأخرى على كسب ود اليهود، منها تصريحاته خلال شهر فبراير المؤيدة لجدار الفصل العنصري الإسرائيلي، ومواقفه المتضامنة مع سياسة الاغتيالات الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني بحجة "عدم وجود شريك فلسطيني في عملية السلام" على حد قول كيري !!<BR><BR>وقد اعتادت الدول العربية على إطلاق تفاؤلها كل أربع سنوات، ورهانها على الرئيس الأمريكي الجديد، أن يكون خلفاً جيداً لسلف سيئ، لكن تاريخ الولايات المتحدة حافل بالتحيّز والاستغلال والعدوان.<BR>وهو ما نتوقعه من المرشح ذي الحظ الوافر جون كيري...<BR><br>