المعاهد العلمية باليمن ومسلسل الإلغاء
5 ذو الحجه 1424

معركة المعاهد العلمية لم تكن وليدة اليوم ولا الأمس القريب، ولكنها مشكلة باتت مؤرقة للحكومة اليمنية على مختلف توجهاتها المتعاقبة، إلا أن ثمة أمر كان عائقاً أمام اتخاذ الحكومة اليمنية أي إجراء من شأنه المساس بتلك المؤسسات الشرعية.<BR><BR><font color="#0000FF"> قصة الميلاد: </font><BR>في بداية السبعينات وفي عهد الرئيس الأسبق القاضي عبدالرحمن الإرياني جاءت فكرة المعاهد العلمية كبديل ارتأته الحركة الإسلامية في اليمن (الإخوان المسلمون) للمدارس العلمية الأولية وكتاتيب القرآن التي كانت منتشرة في العهد الملكي الإمامي، ولعدم أخذ تلك المدارس والكتاتيب الطابع الرسمي وإهمال خريجيها واستنادها إلى المقومات المؤسسية الصحيحة، فقد بادر نخبة من علماء اليمن ورموز تيار (الإخوان المسلمين) إلى تأسيس معاهد علمية حديثة تجمع بين العلوم الشرعية والعلوم الأخرى، وتحظى بإشراف ورقابة لجنة رقابية شرعية متخصصة يكون في عضويتها عدد من المشائخ والعلماء المتخصصين، مع الحرص على إشراف الدولة عليها حتى لا تتعرض للمضايقات التي لاحقتها حتى تمت الإطاحة بالقاضي الإرياني نتيجة الفساد الذي أصاب مؤسسات الدولة في عهده.<BR><BR>كان الميلاد الجديد للمعاهد العلمية بعد مرحلتها الأولى مبتدئاً في عهد الرئيس الأسبق إبراهيم الحمدي من العام 1974م، والذي أصدر قراراً بإنشاء الهيئة العلمية التربوية لثمانية معاهد، إضافة إلى قرار إنشاء رئاسة المعاهد العلمية، وكان من أوكلت إليه مهمة إدارتها العالم اليمني الشهير فضيلة القاضي يحيى بن لطف الفسيل، وتم فصلها عن وزارة التربية والتعليم بميزانية مستقلة متفرعة من وزارة التربية والتعليم.<BR><BR><font color="#0000FF"> بداية مسلسل الإلغاء: </font><BR>لم تكن المعاهد العلمية بمنأى عن الصراع الطائفي والمذهبي المتنوع في مجتمع يضم في جوانبه أجنحة شتى من التوجهات الإسلامية المختلفة ناهيك عن الأحزاب الماركسية التي كانت آنذاك تخوض حروباً مستمرة ضد النظام في شطر اليمن الشمالي، والتي كانت تعد الخصم الألد لتلك المعاهد، وقد تكالبت عليها الاتهامات المختلفة كلٌ بحسب ثقافة الجهة المتهمة، فجهة تحمل عريضة اتهامها ضد المعاهد العلمية أنها (وهابية المنهج)؛ لما تحتويه مناهجها على اهتمام بدروس العقيدة والتوحيد والفقه وأصول الشريعة، وجهة أخرى تحمل عريضة اتهامها أن تلك المعاهد تقوم بتعليم الطلاب الأغاني (ويقصدون بها الأناشيد الإسلامية)، ومن جهة ثالثة تحمل في عريضة اتهامها أنها معاهد إخوانية جهادية تقوم بتدريب طلابها على السلاح، ووصم طلاب تلك المعاهد بعدد من الاتهامات المختلفة مما طالبوا حينها بإلغاء المعاهد العلمية.<BR><BR>وفي العام 1980م تشكلت لجنة بقرار رئاسي لدراسة مناهج التربية والتعليم والمعاهد العلمية، وكيفية ربط المعاهد بالتربية التقت اللجنة في أول اجتماع لها يوم 7 كانون ثاني (يناير) 1980م، وخرجت اجتماعاتها بضرورة توحيد جميع المعاهد العلمية والدينية، التي يديرها كل من القاضي يحيى الفسيل، والقاضي أحمد محبوب في جهاز واحد، وتسمى الهيئة العامة للمعاهد العلمية.<BR>وبالفعل أصدر الرئيس علي عبد الله صالح، الذي لم يكد يمضي على حكمه سنتان القانون رقم 8 بتاريخ 5 شباط (فبراير) 1980م، اعتمده مجلس الشعب التأسيسي، بإنشاء الهيئة العامة للمعاهد العلمية، الذي جمع معاهد الهيئة التربوية، ورئاسة المعاهد، وأسندت عملية قيادة الهيئة العامة إلى القاضي الفسيل، وبعد عامين وبالتحديد في 8 أيار (مايو) 1982م صدر قرار جمهوري رقم 36 بتنظيم الهيئة العامة للمعاهد العلمية، وتحديد اختصاصاتها. <BR><BR>وقد توسعت هذه المعاهد في عموم مناطق اليمن، وتزايد عدد المنتسبين إلى صفوفها، وترافق مع انتشارها توسع في عدد مدارس تحفيظ القرآن الكريم، وأنشئت معاهد خاصة بالفتيات، وبحلول عام 1985م كانت المعاهد العلمية قد أصبحت مؤسسة تعليمية موجودة في عموم محافظات شمال اليمن (سابقاً)، لكن حجم الضغوط تزايد على رئيس الجمهورية من القوى الماركسية واليسارية والقومية العلمانية، ومن قوى خارجية؛ لتحجيم قوة المعاهد، وتقليص عملية انتشارها، بعد أن أحست تلك القوى أن المعاهد تشكل مخزونًا تربويًّا يمكّن من مواجهة تيارات التغريب في البلاد، وأمام هذا التوسع والانتشار بدأت الرغبة ثانية في إلغاء المعاهد العلمية، لا سيما بعد أن نجحت الحكومة في استئصال قوات المعارضة اليسارية المسلحة ودحرها، بالتحالف مع أبناء الحركة الإسلامية، من المناطق التي كانت تسيطر عليها، وذلك مع تنامي شعور الحكومة باستغنائها عن الحركة الإسلامية، فشكلت المجلس الأعلى للمناهج، وكان أن بدأت تخرج إلى النور بوادر قرار ينص على توحيد المناهج التعليمية، ولكن المهتمين بأمر المعاهد العلمية قادوا مواجهات فكرية وسياسية حاشدة في صنعاء تصدياً لهذا الأمر تطالب بالعدول عن القرار، ولتهدئة الأوضاع التي تفاقمت نتيجة تلك المطالب تم العدول عن قرار توحيد المناهج، وتم إبعاد القاضي الفسيل من منصبه، وأسندت رئاسة الهيئة العامة إلى صهر الرئيس القاضي أحمد الحجري، والذي اتسمت مدته بالمحافظة على الواقع القائم دون توسع، والاهتمام بالنوعية، وبدأت الحكومات المتعاقبة تمارس منذ ذلك الوقت عملية مضايقات مالية بحق العاملين في المعاهد العلمية.<BR><BR><font color="#0000FF"> الورقة الرابحة: </font><BR>كان واضحاً أن سياسة الرئيس اليمني علي عبدالله صالح قامت على تبادل المصالح بينه وبين الحركة الإسلامية في اليمن، وكانت سياسة العصا والجزرة هي السياسة التي اعتمدها مع الحركة الإسلامية ومشروعها المعاهد العلمية، ولذا فإنه كان يبقي على تلك المعاهد في حال حاجته إلى الإخوان المسلمين، ثم ما إن تهدأ الأوضاع وتزول المنغصات حتى يفكر في إلغائها..<BR><BR>وفي نصيحة بعث بها القاضي الفسيل للرئيس صالح، ولم تنشر في وسائل الإعلام، جاء فيها: "إنا نحبك ومعك وفي ولائك، فنرجوك ألا تسمع لمن يريد أن يوحشك علينا أو يوحشنا منك.. إن لزومنا لطاعتك لا يمنعنا من الجد في مطالبتنا، والغضب لمن يريد أن يخون الأمة في معاهدها، أو يخدع الشعب عن تثقيف أبنائه بالثقافة السليمة"، ثم تستدرك النصيحة قائلة: "ولو قد أمنت فتنة المخربين، ومداهمة الشيوعيين، ومؤامرة العلمانيين، لما ضاقت القلوب من أي عمل نحو المعاهد، ولكن في هذا الظرف، الذي يطمع أعداؤك وأعداء الأمة على الوثبة، ويتابعون الأنفاس والإحساس في كل ساعة، وينظرون إليك وإلى الشعب من مواطن القوة والضعف، ويحاولون إدخال الشقاق والخلاف والفتنة في صفوفنا…".<BR><BR>ومع انفجار الأوضاع في جنوب اليمن في أوائل شهر يناير 1986م، وكسباً لود وتلاحم الحركة الإسلامية معه عاد الرئيس علي عبدالله صالح في خطاب شهير وجهه من معهد معاذ بن جبل العلمي في 17 يناير 1986م إلى تأكيد أهمية المعاهد العلمية، مؤكداً أن المعاهد العلمية جزء لا يتجزأ من حقول التربية والتعليم، وأوضح أن قطاع التعليم سواء في المعاهد العلمية أو معاهد المعلمين أو الجامعة هو جيل واحد لا فرق بينهم..<BR><BR>بعد تحقيق الوحدة اليمنية في العام 1990م، ودخول اليمن مناخاً سياسياً مغايراً تماماً لما كانت عليه، واعتماد التعددية الحزبية كمبدأ من مبادئ قيام الدولة اليمنية الحديثة، فقد واجهت الحكومة اليمنية ضغوطاً شديدة من أجل إلغاء المعاهد العلمية، باعتبارها إحدى المؤسسات التي ساهمت في إجهاض المشروع اليساري الماركسي في شمال اليمن، وقد بدأت الفصول الأولى في مسرحية إلغاء المعاهد العلمية تدريجياً ابتداءً من العام 1992م عندما تحالف أعضاء الحزب الاشتراكي والمؤتمر الشعبي العام في مجلس النواب في المدة الانتقالية التي أدارها الحزبان لإصدار قانون التعليم الذي ينص على دمع ميزانية المعاهد العلمية في ميزانية التربية والتعليم.<BR><BR>وللمرة الثالثة تحتشد الجماهير اليمنية الغاضبة في حملات إعلامية تمثّلت في سلسلة اعتصامات ومسيرات احتجاجية صاخبة، مما اضطر مجلس الرئاسة إلى تجميده كان الفضل في ذلك بوادر خلاف بدأت تعصف بقيادتي الحزبين الحاكمين الاشتراكي والمؤتمر، ولعظم المؤامرة التي كان يخططها القادة الاشتراكيين ضد اليمن، ورغبتهم في العودة إلى الانفصال عندما رأوا بأن حلمهم في إقامة أنقاض الدولة الماركسية التي تحطمت أعمدتها في الاتحاد السوفيتي على أرض يمنية أصبح بعيد المنال أمام الثقافة الإسلامية التي يتحلى بها الشعب اليمني كافة، فقد كانت الحركة الإسلامية التي عرفت في ذلك الوقت بـ (التجمع اليمني للإصلاح) هي الرافد والحليف الأول مع الرئيس اليمني ضد خطر أكبر يهدد البلاد، وما إن استتبت الأوضاع وتلاشى الغبار عن المشهد اليمني الحديث بعد عام 94م، ووصول الإخوان المسلمين (التجمع اليمني للإصلاح) إلى السلطة حتى ومشاركتهم الحكم في مجلس رئاسي ضمهم مع المؤتمر حتى عادت نغمة دمج المعاهد العلمية من جديد مما فسرها الكثير بأنها وسيلة ناجحة تستخدمها الدولة للضغط على الإسلاميين، من أجل التنازل عن بعض القضايا التي تسعى الدولة إلى تحقيقها..<BR><BR><font color="#0000FF"> بداية النهاية: </font><BR>مرت العلاقة بين الطرفين الحزب الحاكم المتمثل بالمؤتمر الشعبي العام وحركة الإخوان المسلمين المتمثلة في (التجمع اليمني للإصلاح) بشيء من التوتر الذي وصل إلى ذروته عند تقديم رئيس الحكومة الجديدة عبدالقادر باجمال برنامجه إلى مجلس النواب في 28/4/2001م، والذي تضمن إشارة واضحة إلى توحيد التعليم منهجاً وإدارة وتطبيقاً وإنهاء حالة الازدواجية والثنائية في إشارة واضحة إلى المعاهد العلمية، وكرسالة احتجاج قوية على هذا الأمر، فقد بعث رئيس مجلس النواب الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر (رئيس التجمع اليمني للإصلاح) برسالة جاء فيها: "أعتذر عن عدم حضور الجلسة التي سيناقش فيها بيان الحكومة، حيث وهو يتضمن إلغاء المعاهد العلمية المؤسسة التعليمية الناجحة، والتي هي من منجزات الثورة والجمهورية التي لا يجوز المساس بها فأرجو قبول عذري.. وشكراً". وقد قوبل هذا العرض بصخب واستهجان أعضاء مجلس النواب من غير المؤتمر الشعبي العام.<BR><BR>وبعد حيازة الحكومة على ثقة أغلبية مجلس النواب لبرنامجها (بعد انسحاب كتلة الإصلاح من جلسة التصويت على القانون) وفي إطار تنفيذها له اتخذ مجلس الوزراء في اجتماعه الذي عقد بتاريخ 8/5/2001م جملة من القرارات، كان من أبرزها القرار المتعلق بتنفيذ القانون الخاص بتوحيد التعليم حيث جاء فيه " تطبيقاً للقانون العام للتربية والتعليم رقم 45 لعام 1992م، وتنفيذاً للبرنامج العام للحكومة الذي أقره مجلس النواب، يقرر مجلس الوزراء مايلي:<BR>1- دمج ميزانية المعاهد العلمية مالياً وإدارياً وفنياً في ميزانية وزارة التربية والتعليم ابتداءاً من شهر يونيو 2001م، وتشكل في أمانة العاصمة والمحافظات لجان من وزارة المالية ووزارة الخدمة المدنية والتأمينات ووزارة التربية والتعليم والجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة تتولى صرف مرتبات جميع العاملين في التربية والتعليم ابتداءاً من شهر يونيو 2001م.<BR>2- يتولى كل من نائب رئيس الوزراء وزير المالية، ووزير الخدمة المدنية والتأمينات، ووزير التربية والتعليم تنفيذ هذا القرار وإنهاء الازدواجية المالية والإدارية والفنية تطبيقاً للقانون العام للتربية والتعليم رقم 45 لسنة 1992م.<BR>3- ينشأ في وزارة التربية والتعليم قطاع انتقالي، ولمدة عام واحد برئاسة وكيل وزارة يعين بقرار جمهوري يتولى تحت إشراف الوزير استكمال تنفيذ المهام الواردة في المادة رقم 73 من القانون العام للتربية والتعليم رقم 45 لسنة 1992م.<BR>4- ينفذ القرار بالوسائل الإدارية المناسبة.<BR>5- يبدأ تنفيذ القرار من تاريخ 8/5/2001م<BR><BR><BR>بعد صراع عنيف شهدته اليمن طوال السنوات الماضية أعلنت الحكومة اليمنية الجديدة إلغاء المعاهد العلمية 'الدينية' بحجة توحيد المناهج التعليمية ودمج التعليم, وهو ما يعني إغلاق 450 معهدًا تضم حوالي 400 ألف طالب وطالبة، ويشرف عليها حزب الإصلاح والحكومة اليمنية, وتبلغ ميزانيتها السنوية 7 مليارات ريال يمني.<BR><BR><font color="#0000FF"> من يتحمل مسؤولية الإلغاء: </font><BR>لا يمكن المرور على مسألة إلغاء المعاهد العلمية وتوحيد المناهج بشيء من غض الطرف، دون أن يكون لهذا الأمر مدلولاته ونتائجه وآثاره، ولابد أن يكون قد أفرز هذا التوجه العديد من النتائج والقضايا الهامة، نلخصها كما يلي:<BR><BR>يثبت الواقع أن هناك تدخلات متعددة وضغوط خفية أمريكية لحمل الدول العربية على تغيير مناهجها.. منذ أواخر السبعينات عبر العديد من الأكاديميات الأمريكية التربوية، ولم تكن أحداث سبتمبر إلا تنشيطٌ وبوابة مرور لطرح هذا الموضوع بشكل علني ومباشر وصريح، وتحميلها مسؤولية إفراز مثل هذه العقليات (الانتحارية) على حد وصفها، والتي تغذت ونمت على مواد هذه المناهج، وكان التركيز خصوصاً بالدرجة الأولى على المملكة العربية السعودية كإرث إسلامي وشرعي تقوم عليه البلاد ويقوم عليها دستورها، ثم مصر لما تحويه من هرمٍ علمي شامخ وهو الأزهر الشريف، ويأتي بعد ذلك اليمن كبيئة خصبة مهيأة لتلقي العلوم الشرعية خصوصاً ما يتميز به شعبه من عاطفة جياشة تجاه الدين وانتشار التعليم الديني فيه عبر مؤسسات مختلفة ابتداءً من حلقات مدارس تحفيظ القرآن الكريم التي تقام في المساجد، أو في المراكز الصيفية المنتشرة، أو عبر المعاهد العلمية التي تهتم بالتعليم الشرعي اهتماماً بالغاً إلى جانب المنهج الوزاري المعتمد من الدولة، وبعد ذلك المؤسسة العلمية الدينية الكبيرة التي أسسها الشيخ عبدالمجيد الزنداني أثناء مشاركته في مجلس رئاسة الجمهورية في العام 93-94م، وهي جامعة الإيمان..<BR><BR>إلا أن ما جرى في اليمن من إلغاء للمعاهد قد يكون من هضم الحقيقة أن نحمِّل مسؤوليته الحكومة اليمنية لوحدها، وما تقوم به عبر بعض رجالات التيار العلماني الذين تصب جهودهم في هذا الاتجاه، ولكن الحركة الإسلامية نفسها قد تدركها المسؤولية الأولى حول هذا الحدث، فاهتمام التجمع اليمني للإصلاح بالسياسة وإغفاله جانب التربية الروحية لدى الفرد بعكس ما كان عليه الحال عند بدايات انطلاق الإصلاح هو ما أدى إلى وجود فجوة عميقة بينه وبين شرائح الشعب البسيطة، والتي لم تعد العلاقة التي تربطه به إلا صندوق اقتراع يوضع كل بضع سنوات ويصاحبه آلاف بل مئات الآلاف من الأوراق والملصقات التي تدعو إلى التصدي للفساد ومحاربته، وما إن يتم الفرز وتعود الصناديق أدراجها إلى مخابئ اللجنة العليا للانتخابات حتى يعود الجميع إلى أماكنهم لكي يسنَّ كل منهم سكينه لبدء الهجوم وتقديم الطعون السياسية واتهام كل حزبٍ للآخر بتزويره وتجاوزاته، وما إن تقوم المحكمة بتصفية النزاع وحلِّه، والذي يأخذ وقته وزمانه، إلا وقد قربت انتخابات أخرى، وضاع الهدف الأول والمحرك الأساسي والباعث الأسمى لقيام الحركة الإسلامية وهو الدعوة والإصلاح والتربية أمام إعصار السياسة ودهاليز الحكم.<BR><BR>عملية إلغاء المعاهد في اليمن لم يكن فيها التدخل الخارجي والدولي إلا القشة التي قصمت ظهر البعير مفسحة المجال وبكل سهولة لأن تأخذ الحكومة اليمنية قراراً كهذا تثبت به من جانب تجاوبها مع ظروف المتغيرات الدولية، وتلبي فيه من جانب آخر حاجة لها في نفس يعقوب، وفي خضم هذا الصخب السياسي المدوي بين مجتمع يلفه عشرات الأحزاب التي قد تتجاوز المائة، وبين فقرٍ مدقع دكّ كاهله وأثقل همومه، يقعد المواطن عاجزاً عن التعبير في اعتراضه ووقوفه أمام تلك الهجمة الشرسة، وتلك الأيدي الخفية التي بدأت تتسلل إلى البلاد مستغلة كل هذه الظروف في تنفيذ مؤامرة لنشر العلمانية في المجتمع اليمني.<br>