جمعية المسلمين الفاسدين تحت راية اليهود والنصارى!
3 ذو الحجه 1424

<BR>من أحسن الإنجازات التي حققها الوجود الإسلامي بالغرب إسقاط راية الاستشراق وإغلاق بابه، فلم يعد بإمكان فئة من المثقفين والمتخصصين في الإسلام احتكار الحديث عن الإسلام ديناً وحضارة وواقعاً بعد الثورة الاتصالاتية الحالية وعولمة الإعلام والاقتصاد والثقافة والسياسة والمجتمع، ولم يعد المستشرقون قادرين على تقديم خدمات معرفية و استخباراتية للراغبين والمخططين في الوقت الذي صعد نجم مسلمين أوروبيين وأمريكيين يخاطبون أبناء أوطانهم بلسانهم، خطاب لا يقل بلاغة وإتقاناً إن لم يكن أحسن وأجمل، وكتابات لا ينقصها التوثيق والبرهنة ومقالات لا تنقصها الجودة والغزارة.<BR><BR>ولمواجهة هذا المتغير الهام، سارعت الدوائر المعنية بصناعة "مسلمين جدد" يعملون عمل المستشرقين والمخبرين معاً، وحتى تكون لهم سلطة ووزن عززت سيرتهم بشهادات علمية وتكوين "أكاديمي" مستمر، ودربوا على التحريف والتزوير تدريباً كبيراً، وروضوا على ذلك ترويضاً، من أبناء الجلدة هم، ومن الرحم الحضاري والثقافي والديني الوراثي ولدوا، لكنهم غرباء عن حضارتهم، متنكرون لأصولهم، بل مستعدون لشن حرب لا هوادة فيها على دين آبائهم وأجدادهم وإخوانهم، ولا يحجزهم حاجز عن المضي في التشويه والتزوير إلى درجة متطرفة جداً تحت غطاء الحرية في العقيدة والتعبير والحركة قد تصل أحياناً إلى الكفر بالإسلام جملة وتفصيلاً، وإتباع ذلك بالقذف والسب والشتم وتوجيه الضربات المتتالية، وإذا ما قام قائم يرد عليهم ويدافع ويفند ويكذب قيل له "مكانك يا إرهابي".<BR><BR>في هذا السياق يقدم الإعلام الغربي عموماً، والفرنسي خصوصاً في بهلوانية وتزيين بعض الوجوه والأسماء العربية والإسلامية ذات قلوب غربية الهوى علمانية الولاء ، وتفعل الدوائر الغربية ذلك لهدفين اثنين؛ فهي تسعى أولاً إلى التشويش على الجمعيات المسلمة المنظمة والشعبية وقطع الطريق أمامها، وتريد في المقام الثاني تقديم بديل للاستشراق "في أفق انسداده" بتلميع صور مثقفين مسلمين اسماً وأصلاً، متغربين مخربين جوهراً وشكلاً.<BR><BR>من الأمثلة الطريفة على هذا المقابلة المطولة التي أجرتها شهرية "لوموند دوليدوكاسيون" (عالم التربية لشهر يناير 2004م) مع عبد الوهاب مديب (الكاتب والشاعر التونسي)، الذي يعمل الآن أستاذاً في جامعة باريس 10، ومديرا لمجلة "ديدال"، وصاحب كتاب (مرض الإسلام) صدر عن دار لوسوي عام 2002م، وجاءت المقابلة بمناسبة الصخب الإعلامي والسياسي الدائر حول الحجاب الإسلامي ومنعه من دخول المدارس والمؤسسات الرسمية الفرنسية؛ لأنه يهدد بالانهيار والسقوط، في ملف ضخم أنجزته المجلة المذكورة تحت عنوان "العلمانية تفرض قانونها" في 22 صفحة. <BR><BR>ومن دون ريب، فإن عبد الوهاب مديب تلميذ خالص مخلص لمدرسة من المستشرقين القدامى والجدد، يقف على رأسها اليوم الأمريكي اليهودي برنار لويس، ومما يجمع بين هذا الأخير والتلميذ الصغير التزامهما بفكرة جهنمية في تناول الإسلام ديناً وتاريخاً وحاضراً، فكرة تدس السم في العسل، موجزها الجمع بين الاعتراف والإنكار: تمجيد التاريخ والحضارة الإسلامية من جهة، والترهيب من الحركات الإسلامية المعاصرة كلها معتدلها ومتشدها من جهة ثانية، وإذا كان برنار لويس ألف بهذه المنهجية كتابه الأخير (أزمة الإسلام)، فإن عبد الوهاب مديب ألف على نفس النهج كتاب (مرض الإسلام)، وحول مضامينه وأفكاره دار الحوار في المجلة الفرنسية الشهرية.<BR><BR>ومنذ الوهلة الأولى تطلع علينا ملامح القدح والذم الموجه لكتاب الله - عز وجل - التي تقطر إنكاراً وجحوداً، والتي أسس لها المستشرق الفرنسي اليهودي الآخر مكسيم رودانسون، فلما سئل التونسي "المسلم" -انطلاقاً من قوله في كتابه (مرض الإسلام): "إذا كان التزمت هو مرض الكاثوليكية، وإذا كانت النازية هي مرض ألمانيا، فمن المؤكد أن التطرف هو مرض الإسلام"- عن الأسباب المتعلقة بالإسلام ذاته التي تغذي الإرهاب الدولي، لم يتردد هذا التلميذ الاستشراقي في توجيه التهمة مثل أساتذته إلى القرآن الكريم. قال بالحرف وهو يضع القرآن الكريم في منزلة واحدة مع الكتب السماوية المحرفة: "هناك أولا وقبل كل شيء رسالة القرآن نفسها التي يمكن أن تؤدي إلى هذا المرض. مثله في ذلك مثل نصوص -تقدم على أنها وحي من السماء- القرآن متناقض... القرآن ليس أصيلاً ولا مجدداً بما فيه الكفاية، وفي مقاطع معينة يستلهم العهد القديم، خاصة في مجال الحرب المقدسة... وليس صدفة أن يستشهد فولتير بمقطع من القرآن في إحدى مسرحياته عندما أراد التنديد بالمرض الكاثوليكي، فيصح لنا القول: إن التزمت استعداد موجود في الإسلام". ويسترسل التونسي المقيم بفرنسا في التهجم على القرآن الكريم وتاريخانيته وتخلفه عن الحداثة، فيقول: "على كل حال، القرآن يحتوي على عدد هام من الاعتبارات المرفوضة عندما نواجهها بالتطور الاجتماعي والسياسي الذي عرفته البشرية في العصور الحديثة مثل تفاوت النساء والرجال، وكراهية اليهود والحدود الهمجية كحد الزنا وحد السرقة... يجب تجديد العلاقة مع التطور الثقافي الذي عرفه العصر الكلاسيكي للإسلام حتى يتم تذويب الرسالة القرآنية في الفعل التحديثي."<BR><BR>مقابلة مديب اتخذت لها عنواناً صادقاً منطقياً، هو: "الإسلام في حاجة إلى مسلمين فاسدين". عنوان صادق ومنطقي؛ لأن عبد الوهاب مديب يعترف بأن ما يقوله يصدق عليه أولاً، إذ إنه يسعى إلى الانخراط في جمعية "المسلمين الفاسدين" الذين يسعون في الأرض فساداً وفي القرآن تحريفا، وفي التاريخ تزييفا، وفي الفرنسيين تخويفا. "المسلمون الفاسدون" حسب ما جاء في المقابلة وفي كتابه (مرض الإسلام) هم الذين يعيدون قراءة القرآن على طريقة اسبينوزا، واسبينوزا هذا فيلسوف يهودي هولندي أعاد قراءة العهد القديم والتوراة -رغم تحريفهما- قراءة تسمح لليهودي أن يندمج في الحياة الأوروبية والحداثة الغربية للخروج من "الملاح المغلق"، ولذلك وصفه إخوانه في الدين والملة بأنه "يهودي فاسد"، وعبد الوهاب مديب يريد أن يقتدي هو وأمثاله بهذا اليهودي وأن يكونوا "مسلمين فاسدين"؛ لأنهم بهذا الفساد سيخرجون الإسلام والمسلمين من الظلمات إلى النور، ومن التخلف إلى التقدم، ومن الانغلاق والتزمت إلى الانفتاح والاعتدال. ولهذا يرى مديب أن رجلاً مثل طارق رمضان يكتسي خطورة كبيرة على مشروعه الفاسد؛ لأنه يريد "أسلمة الحداثة وليس تحديث الإسلام"، كما أنه يكره الحجاب الذي ظهر لأول الأمر بفرنسا في مدينة عُدت عاصمة الأنوار وهي مدينة كريي، ويدعو الدول الغربية إلى تكثيف ضغوطها من أجل تعديل المناهج الدراسية.<BR><BR>ليقل عبد الوهاب مديب ما يشاء، فقد التجأ إلى فرنسا حسب قوله ليقول ما يشاء، لقد علمنا ديننا وكتاب ربنا أن من شاء فليؤمن، ومن شاء فليكفر، كما علمنا أن الزبد يذهب جفاء وأن ما ينفع الناس يمكث في الأرض، وأن الله يقذف بالحق على الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق. وإذا كان هذا النكرة يريد أن يكون مثل سلمان رشدي، وتسليمة نسرين، والمرأة النيجيرية أمينة لاوال، وغيرهم فلن نمكنه من ذلك. حسبنا أن نقول له: لا مكان في الإسلام للمسلمين الفاسدين، إنما مكانهم في العواصم والجامعات التي قصدوها طواعية واختياراً، "وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ".<br>