ردود فعل مصرية غاضبة لتجاوزات السفير الأمريكي
15 رمضان 1424

أثارت تصريحات للسفير الأمريكي في القاهرة ديفيد وولش خلال مؤتمر عقده في الجامعة الأمريكية بالقاهرة في العشرين من شهر أكتوبر المنقضي، هاجم فيها الصحافة المصرية وطريقة تناولها للأحداث، استياء الكثير من الجهات المصرية وعلى رأسها الخارجية المصرية ونقابة الصحافيين المصريين، التي طالبت المؤسسات الصحفية والكتاب والصحفيين والقوى الوطنية بعدم التعامل معه وعده شخصاً غير مرغوب فيه.<BR><BR>حيث عبرت مصادر دبلوماسية مصرية عن استيائها من تجاوزات السفير الأمريكي في القاهرة ديفيد وولش بعد أن تعددت في الآونة الأخيرة، يضاف إليها هجومه الدائم على الصحافة المصرية، وهو ما عدته الخارجية المصرية " تدخلاً سافراً في الشؤون الداخلية لمصر". <BR><BR>وكان "ولش" قد هاجم خلال مؤتمر عقده في الجامعة الأمريكية بالقاهرة في20 أكتوبر 2003م الصحافة المصرية وطريقة تناولها للأحداث، معبراً عن أسفه عما أسماه "بعض المقالات المؤسفة في الصحافة المصرية التي تروّج لنظرية المؤامرة أو تهاجم الولايات المتحدة بعبارات عدائية وغير مهنية".<BR><BR>و هاجم وولش صحيفة "الجمهورية" بسبب وصفها للعملية التي نفذتها المقاومة الفلسطينية في حيفا في الرابع من أكتوبر 2003م بأنها "عملية فدائية جريئة" بدلاً من وصفها بأنها عملية "إرهابية". <BR><BR>يشار إلى أن الصحف المصرية الرسمية درجت على وصف عمليات المقاومة الفلسطينية بالفدائية أو بالاستشهادية منذ بدئها في فلسطين المحتلة . <BR>وقد دافعت الولايات المتحدة عن سفيرها بالقاهرة "ديفيد ولش"، وقالت: إنها تقف معه وتدعمه! ، وزعم (مساعد المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية) آدم إيريلي الاثنين 3 نوفمبر 2003م أن " ولش مدافع واضح وحازم عن الصحافة الحرة والمسؤولة، وهذا ما قام به بطريقة بليغة جدًا مع الصحفيين المصريين، ولذا فنحن ندعم ما قاله، ونعده أدلى بتعليقاته بروح الصداقة والمصلحة المتبادلة؛ من أجل حرية الصحافة" .<BR><BR> وهو ما دفع نقابة الصحفيين المصرية إلى الرد عليه في 26 أكتوبر 2003م ، حيث نددت النقابة بتصريحات <BR>السفير "غير المسؤولة"؛ بسبب اتهامه الصحافة المصرية بـ"التحايل على الوقائع"، داعية إلى مقاطعته وعده شخصًا غير مرغوب فيه.<BR>وقالت نقابة الصحفيين: "إن التدخل المتكرر للسفير الأمريكي في شؤون الصحافة المصرية يعد انتهاكاً للعرف الدبلوماسي"، وطالبت النقابة "المؤسسات الصحفية والكتاب والصحفيين والقوى الوطنية عدم التعامل مع السفير، وعده شخصاً غير مرغوب فيه؛ بسبب معارضته حرية الصحافة وقضايا ومصالح الشعوب العربية". <BR>كما طلبت النقابة رسميًّا من وزير الخارجية "أحمد ماهر" استدعاء السفير الأمريكي لدى مصر "ديفيد ولش" لإبلاغه غضبها، حيث سلم نقيب الصحفيين "جلال عارف"- السبت 1 نوفمبر 2003م مذكرةً إلى "ماهر" يطلب فيها استدعاء السفير وإبلاغه موقف النقابة، ومنعه من مواصلة حملته ضد الصحافة المحلية. <BR><BR>من ناحيتها، عبرت الخارجية المصرية عن شعورها بالدهشة والاستغراب من تصريحات المتحدث باسم الخارجية الأمريكية التي أكد فيها تأييد واشنطن لأقوال سفيرها على خلفية الأزمة مع نقابة الصحفيين المصريين. <BR>وتتردد أنباء عن أن الخارجية المصرية تعكف حالياً على إعداد مذكرة للرد على تصريحات المتحدث الأمريكي ورفضها، انطلاقاً من أن ما قاله السفير الأمريكي بالقاهرة وديفيد وولش حول الصحافة المصرية يعد " تدخلاً في الشأن الداخلي المصري"، كما تدرس الخارجية المصرية تجنب الوزير أحمد ماهر لأي لقاء رسمي مع وولش، وإمكانية مطالبة الوزارات والهيئات الرسمية والمسؤولين المصريين بعدم توجيه أي دعوة إلى وولش لحضور أي لقاءات أو ندوات أو حفلات استقبال، منعاً لحدوث أي تجاوزات جديدة من جانب السفير. <BR><BR>كما رفضت النقابة منحة من الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية قدرها 1.35 مليون دولار لإنفاقها على تدريب 50 صحفياً في إحدى الجامعات الأمريكية. <BR>يشار إلى أن هذه المواجهة بين وولش والصحافة المصرية ليست الأولى من نوعها، فقد سبق للصحفيين المصريين أن طالبوا العام الماضي بطرد السفير الأمريكي في القاهرة، وذلك رداً على مطالبته الصحافة المصرية بنشر مقالات تؤيد وجهة النظر الأمريكية بشأن تفجيرات 11 سبتمبر 2001م. <BR><BR>يذكر أنه منذ تعيين ديفيد وولش سفيراً لدى مصر منذ ثلاث سنوات وهو ينتهج أسلوباً مختلفاً عن سابقيه، حيث يوصف وولش بأنه كثير الإدلاء بالتصريحات في المناسبات واللقاءات العامة، كما يطرح دائماً وجهة نظر مخالفة للسياسة الرسمية المصرية، كما يعرف وولش بانحيازه ودفاعه المستمر وتبريره للسلوكيات الإرهابية الإسرائيلية؛ وهو ما يعرف في الوسط الدبلوماسي بـ" الخروج عن حدود اللياقة الدبلوماسية ". <BR>كما دأب وولش على زيارة القرى والنجوع، وأيضاً المؤسسات الرسمية المصرية لحضور حفلات افتتاح مشاريع تمولها هيئة المعونة الأمريكية، حيث يدلي خلال هذه الزيارات بتصريحات يتطرق فيها إلى مواضيع تخص الشأن الداخلي المصري بالنقد . <BR><BR>وانطلاقاً من حرص "المسلم" على استكمال الصورة وتوثيقها، فقد عرضنا الأمر على أحد أساتذة الدبلوماسية والقانون الدولي بجامعة القاهرة ، كما رصدنا ردود فعل نقابة الصحفيين المصريين بوصفها الممثل القانوني للصحفيين والصحف المصرية . <BR>فقال صلاح عبد المقصود (وكيل نقابة الصحافيين المصريين):" منذ اللحظة الأولى لصدور تصريحات السفير الأمريكي بالقاهرة ديفيد وولش أعلنا رفضنا الشديد لها؛ لأنها لا تخص الشأن المصري وحسب، بل لأنها تمس شأننا العربي والإسلامي أيضاً، ولأنه انتقد موقف الصحافة المصرية عندما قامت بأداء واجبها في تغطية أحداث الانتفاضة الفلسطينية ، ولأنه رفض وصف العمليات التي يقوم بها الفلسطينيون ضد قوات الاحتلال الإسرائيلي بـ"الفدائية" واصفاً إياها بالعمليات الإرهابية" .<BR><BR>وأضاف عبد المقصود :" ليست هذه المرة الأولى له، بل إنه قد سبق أن تدخل ديفيد وولش وطلب من رؤساء تحرير الصحف المصرية عدم معارضة التدخل الأمريكي في العراق أو الإشارة إليه على أنه احتلال "، كما حاول هذه المرة أن يحرض السلطة في مصر على الصحافة" .<BR>وتابع (وكيل نقابة الصحفيين المصريين) قوله: " نحن من جهتنا اعتبرنا هذا تدخلاً منه غير مقبول في صميم عملنا، وقد ابلغنا اعتراضنا كصحفيين مصريين لوزارة الخارجية المصرية، وطلبنا منها استدعاءه وإبلاغه برفض موقفه واستياءنا من تصريحاته، واعتباره شخصاً غير مرغوباً فيه " .<BR><BR>واستطرد عبد المقصود قائلاً :" الأمر لم يقف عند هذا الحد، بل جددت نقابة الصحفيين الدعوة لكل الصحفيين الشرفاء في مصر ببذل أقصى الجهد في سبيل دعم حق الشعب الفلسطيني في مقاومة المحتل الإسرائيلي بكافة الطرق بما فيها المقاومة المسلحة حسبما تنص القرارات الدولية، والعمل على كشف اعتداءات قوات الاحتلال الإسرائيلي للرأي العام المصري والعربي والعالمي، والقيام بواجبنا كصحفيين مصريين علينا دور في دعم المقاومة الفلسطينية" .<BR>وعلى جانب ذي صلة، رفضت نقابة الصحفيين المصريين منحة أمريكية تقدمت بها هيئة المعونة الأمريكية، قيمتها مليون و 350 ألف دولار( حوالي 9 مليون جنيه مصري) قالوا: إنها ستكون منحة سنوية قابلة للزيادة، زعموا أن هدفها تدريب 50 صحفياً في إحدى الجامعات بالولايات المتحدة الأمريكية" .<BR><BR>وأكد صلاح عبد المقصود رفض النقابة للمنحة الأمريكية قائلاً: " عندما عرضت علينا المنحة عقدنا اجتماعاً بالنقابة حضره أعضاء المجلس، قمنا خلاله بدراسة المنحة دراسة وافية فوجدنا أنها قد احتوت على عدد من الشروط والإملاءات، منها :- <BR>1- تدخل الأمريكان في اختيار الصحفيين الذين سيحصلون على المنحة.<BR>2- وقيامهم بإجراء مقابلات مع الصحفيين بالسفارة قبل إعطائهم المنحة.<BR>3- وأن تقتصر مشاركة النقابة بعضو واحد من بين 8 أعضاء في لجنة الترشيح والاختيار.<BR>4- كما أن برنامج الزيارة للولايات المتحدة معد سلفاً وليس للنقابة الحق في الإضافة إليه أو الحذف منه.<BR>واختتم عبد المقصود كلامه قائلاً: " خلاصة الأمر أننا وجدنا أن هذه المنحة تحمل شروطا مسبقة، مما يثير حولها الشبهات، ويدفعنا كصحفيين وطنيين لرفضها، و بالفعل أبلغناهم رفضنا النهائي للمنحة كما حذرنا الصحفيين المصريين من التعامل معها" .<BR><BR>ومن جهته قال الدكتور/ أحمد عبد الونيس (أستاذ الدبلوماسية والقانون الدولي بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة) : ينبغي النظر إلى هذه المسالة من زاويتين : - <BR>الأولى : تتعلق بواجبات الممثل الدبلوماسي في الدولة المعتمد لديها .<BR>الثانية : وظيفة الممثل الدبلوماسي والمهام والمصالح التي يقوم بها لصالح دولته في الدولة المعتمد لديها .<BR>وأضاف عبد الونيس " أما بخصوص الزاوية الأولى فإن الممثل الدبلوماسي لا يمارس مهام عمله في الدولة المعتمد لديها إلا بعد حصوله على موافقة الدولة، حيث يشترط لتسلمه عمله وبدئه في ممارسة مهامه أن يحوز على موافقة الدولة ورضاها" .<BR>وتابع قائلاً : " وأما بخصوص الزاوية الأخرى فإن عليه أن يراعي ويحترم النظم الدبلوماسية والقوانين واللوائح في الدولة المعتمد لديها، وإلا فإنه تصرفاته وأقواله ستعد حسب الأصول الدبلوماسية تصرفاً مخالفاً وسلوكاً مرفوضاً وتدخلاً غير مقبول في الشؤون الداخلية للدولة المعتمد لديها" .<BR><BR>وأوضح الخبير القانوني عبد الونيس أن " الدولة المعتمد لديها الممثل الدبلوماسي لها آنئذ الحق في اتخاذ الخطوات الآتية : - <BR>1- استدعائه من قبل وزارة خارجية الدولة المعتمد لديها وتنبيهه إلى قوله أو سلوكه بهذا الشأن يعد تجاوزاً لمهام عمله .<BR>2- إخطار دولته بمذكرة بهذا الأمر كي تتخذ معه الإجراءات المتبعة حفاظاً على العلاقات بين الدولتين .<BR>3- أن تعده شخصاً غير مرغوب فيه، وذلك إذا صرح أو كشف عن تصريحات أو أفعال معادية أو مخالفة للسياسة العامة للدولة المعتمد لديها، أو إذا فسرتها على أنها تدخلا في شؤونها الداخلية .<BR>وقال عبد الونيس :" إذا كان السفير الأمريكي من حقه أن يسعى خلال عمله لتحقيق مصالح بلده على المستويين الرسمي والشعبي من خلال متابعة ما يصدر من بيانات أو تصريحات رسمية تخص العلاقة مع دولته أو من خلال رصد تصريحات وتعليقات الصحف التي يرى أن بها مساساً بدولته، فإن الواجب عليه أن يلتزم بالأصول الدبلوماسية والأعراف الدولية فلا يدخل في مواجهات مباشرة بينه وبين الصحف أو المؤسسات أو الأفراد، وإنما عليه أن يلجأ إلى الخارجية المصرية فيطلب مقابلة الوزير أو أن يقدم له مذكرة اعتراض على ما يراه ماساً بهيبة ومكانة دولته" .<BR>وبين عبد الونيس (الخبير بشؤون الدبلوماسية) أن " تصريحات ديفيد وولش الأخيرة بشأن مهاجمته للصحف المصرية، وخاصة صحيفة الجمهورية بسبب وصفها للعملية التي نفذتها المقاومة الفلسطينية في حيفا في الرابع من أكتوبر 2003م بأنها "عملية فدائية جريئة" بدلاً من وصفها بأنها عملية "إرهابية" ، بها اكثر من مغالطة ومخالفة دبلوماسية وقانونية :- <BR>1- فهو من جهة سمح لنفسه بمغالطة القوانين الدولية التي تعطي للدول المحتلة الحق في مقاومة المحتل وإخراجه من أرضها بكافة السبل الممكنة بما في ذلك المقاومة المسلحة .<BR><BR>2- وهو من جهة أخرى كشف عن الوجه القبيح والانحياز السافر من قبل السياسة الأمريكية للموقف الإسرائيلي العدواني، حيث عرف عن وولش تبريره الدائم للاعتداءات الإسرائيلية على الشعب الفلسطيني ولم يعرف عنه تنديده ولو مرة بالمجازر والاعتداءات اليومية المتكررة التي يقوم بها جيش الاحتلال في مواجهة شعب اعزل .<BR>3- وهو من جهة ثالثة سمح لنفسه بالتدخل في الشأن الداخلي للدولة المعتمد لديها، من خلال مهاجمته للصحف المحلية للدولة والدخول في مواجهة مباشرة معها دون الأخذ بالأصول الدبلوماسية المتبعة والقوانين واللوائح التي تحكم مهام منصبه ووظيفته .<BR><BR>واختتم الدكتور/ أحمد عبد الونيس (أستاذ الدبلوماسية والقانون الدولي بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة) كلامه قائلاً : " يجب التنبيه إلى أنه إذا كان وولش يسعى جاهداً لتجميل صورة بلده القبيحة لدى المواطن العربي، فإن عليه ألا يتخطى حدود ومهام وظيفته وأن يراعي الأعراف الدبلوماسية المتبعة، كما أنه لا يحق له بحال إقحام نفسه في الشأن الداخلي للدولة أو التعرض إلى القضايا و الموضوعات ذات الخصوصية المصرية كالسياسة الاقتصادية وغلاء الأسعار أو المشكلات الاجتماعية كالبطالة وغيرها مما يعد شأناً داخلياً " . <BR><br>