الشيخان مدني وبلحاج ..أملٌ بإنقاذ "الإنقاذ"
4 جمادى الأول 1424

(كِشك الجزائر) كما كان يطيب للشباب الجزائري في ثمانينات القرن الماضي أن يطلقوا على الشيخ علي بلحاج الرجل الثاني في الجبهة الإسلامية للإنقاذ الذي أفرج عنه اليوم 2/5/1424هـ(نسبة للشيخ عبد الحميد كشك الخطيب المصري الراحل ذي الشعبية الجارفة)، والذي خرج من سجنه عليلا بعد انقضاء مدة سجنه إثر اعتقاله مع الشيخ عباسي مدني زعيم الجبهة الإسلامية للإنقاذ في الثلاثين من يونيو 1991 ،وحكم عليهما بالسجن 12 سنة في يوليو 1992 بتهمة (المس بأمن الدولة) . لا يتوقع أن يعود كسابق عهده نجما للخطابة الملتهبة في الجزائر، فجزائر أوائل القرن ليست على استعداد لعودة (كشك الجزائر) إلى أعواد منابرها ؛ لأنها ما عادت تسمح بخطيب ثائر أن يلهب مئات الألوف كما كان يفعل من قبل ، وما عادت تسمح لحكيم مرب مجاهد كالشيخ عباسي مدني أن يصوب المسيرة كما كان يفعل حين كان يمثل رمانة الميزان بين التيارات والقوى الإسلامية المتباينة التي كان يلم شعثها في إطار جبهوي يسمح بالتعدد ولا يسمح بالتشظي . <BR><BR><font color="#0000FF" size="4">لمحات من حياة الشيخين:</font></br><BR>الشيخان أنموذجان يستحقان التقدير لما لهما من تاريخ طويل في النضال من أجل العمل لما يؤمنان به ، نعرض لبعض ملامحه ومحطاته فيما يلي : <BR><BR><font color="#0000FF" size="4">الشيخ الدكتور عباسي مدني:</font></br><BR>ولد الشيخ عباسي في العام 1931 ،وانضم في شرخ شبابه إلى حركة التحرير الجزائرية التي انبثق عنها فيما بعد جيش التحرير الشعبي الوطني، وأبلى في مقاومة الفرنسيين بلاء عظيما شهدت به الثورة الجزائرية (1954/1962) ومنحته لقب (مجاهد)، وكان قبل ذلك قد اعتقله الفرنسيون وظل لسنوات في سجونهم .<BR> و الشيخ تأثر في شبابه بجمعية العلماء المسلمين الجزائريين التي كان يرأسها إبان الثورة الشيخ بشير الإبراهيمي خلفا لمؤسسها الشيخ عبد الحميد بن باديس , وظل وفيا لخطها النهضوي .<BR> كان الشيخ دائما مؤمنا بضرورة تربية الجزائريين من جديد على معاني الإسلام الخالدة من منطلق عصري فدرس في لندن وحصل على شهادة الدكتوراة في التربية ، وعاد عازما على تنسيق الجهود الإسلامية نحو عمل يجمع الشعب الجزائري على الإسلام من جديد ، إلى أن اتفق ورفاق له في عام 89 على تأسيس الجبهة الإسلامية للإنقاذ ، وحصل على ترخيص لها في 14 سبتمبر من العام ذاته ، وبذلك أصبح الدكتور مدني يترأس أكبر حزب عرفته الجزائر في العهد الديمقراطي ، ذلك الحزب الذي كان يقود الجماهير من خلال أكثر من عشرة آلاف مسجد ، وقاد الدكتور عباسي هذا الحزب بعد ذلك بأقل من عام للفوز بالانتخابات البلدية في12 يونيو 1990 بغالبية تقدر بنحو 54% من مجموع الأصوات ،<BR>وبعد عام أيضا وتحديدا في يونيو 1991 قرر الشيخ ورفاقه من قادة الجبهة الإسلامية للإنقاذ الإضراب العام طيلة أسبوعين ؛ احتجاجا على قانون الانتخابات الجديد الذي كان مجحفا لحد كبير ، مطالبين بانتخابات رئاسية مسبقة ، وتدخل الجيش لفض الإضراب بالقوة ومشتتا المتظاهرين بالعيارات النارية ، وتم اعتقال زعيمي الإنقاذ (عباسي مدني ورفيقه على بلحاج) .<BR>وبعد عام (يوليو 1992) ، وإثر انقلاب العسكر على خيار الشعب الجزائري حكمت محكمة جزائرية على الشيخين بالسجن مع الأشغال الشاقة لمدة 12 عاما ، وقد ساءت صحة الشيخ مدني الذي كان بلغ الستين من عمره لدى دخوله السجن ، وتدخلت كثير من الشخصيات الجزائرية الإسلامية وغير الإسلامية بالوساطة للإفراج عنه كالأستاذ أحمد طالب الإبراهيمي (وزير خارجية الجزائر الأسبق)، والشيخ محفوظ نحناح (زعيم حركة مجتمع السلم _رحمه الله_)، وحسين آيت أحمد (زعيم جبهة القوى الاشتراكية)، وعبد الحميد مهري ولويزة حنون (الزعيمة اليسارية) ، وغير الجزائرية كالأستاذ يوسف ندا (مفوض جماعة الإخوان المسلمين للشؤون الخارجية)، وشخصيات خليجية وسودانية مرموقة ، لكن هذه الجهود لم تسفر سوى عن وضع الشيخ مدني تحت الإقامة الجبرية من العام 1997 إلى أن يقضي مدة سجنه . <BR><BR><font color="#0000FF" size="4">الشيخ أبوعبد الفتاح علي بلحاج:</font></br><BR>عرف الشيخ بلحاج الثورة والنضال منذ مولده، فقد ولد في المهجر بتونس في العام 1956 ، ولأن الثورة لم تكن قد قامت منذ سنتين فقط ، فقد كان أبوه يشارك إخوانه<BR>في صفوف جيش التحرير جهاد الفرنسيين إلى أن قتل على تخوم بلاده، وخلف عليا يتيماً في بيت جدته، ثم بيت خاله (الذي حرم الشيخ من شهود جنازته بعد ذلك، وكان له بمثابة الأب) بالجزائر العاصمة، ودرس الشيخ إلى أن تخرج معلما في المتوسطة .<BR>عرف عن الشيخ ولعه بالدراسات الشرعية ، وإجادته للخطابة والتدريس، فقد حفظ القرآن على سبع قراءات عام 1977بتفسيره، وكان كثير الاطلاع على مؤلفات علماء السلف وكتب المعاصرين وأدبيات الحركات الإسلامية، وهذا يتضح في معظم كتبه(كفصل الكلام في مواجهة ظلم الحكام)،(الصاعدة الفتية)،(غاية البيان)،(البيان الواضح)،وغيرها .<BR>و(فصل الكلام) خصوصا يتضح فيه سعة اطلاعه الكبيرة على كثير مما أنتجه منظرو الصحوة الإسلامية من اتجاهاتها المختلفة والمتباينة .<BR>وللشيخ نفس أبية جعلته لا يرضى بالمداهنة أو التهدئة ،فهو وإن كان عرف عنه تدريس التفسير والفقه ومصطلح الحديث والعقيدة والسيرة والأصول في مساجد العاصمة منذ عام 1978م، غير أن أكثر ما اشتهر به في زمن شبابه الأول، هو: خطبه الرنانة والملتهبة ، لذا فقد حل ضيفا دائما على معظم سجون الجزائر (الحراش، سركاجي، برواقية،تازولت في باتنة ، و تيزي وزو والسجن العسكري بالبليدة وصحراء تمنراست في جنوب البلاد) . <BR>نفسه الجسور تأبى عليه أن يقبل بعفو في سجن لا يعترف فيه النظام بخطيئته، وإلا بقي في السجن حتى إتمام عقوبته مقتديا في ذلك بالنبي يوسف _عليه السلام_ الذي رفض الإفراج عنه دون اعتراف العزيز ببراءته، فقد رفض الإفراج عنه بعفو عندما سجن في العام 1983، وحكم عليه بالسجن لمدة خمس سنوات إلى أن خرج قبل تأسيس الجبهة الإسلامية بسنتين، ورفض كذلك ذات العرض قبل شهور من الآن دون قيد أو شرط لئلا يكون للنظام منة أو فضل عليه ، ورفض الشيءنفسه قبل سنوات بشرط توجيه نداء لوقف العنف في الجزائر.<BR>وخلال السنوات الأربع التي تخللت مدتي السجن ذاع صيت الشيخ في الخطابة والمناظرات، خصوصا بعدما انتخب نائبا لزعيم الجبهة الإسلامية للإنقاذ في عام 89 حتى كان يلهب حماس مئات الآلاف الذين كانت تضج بهم ساحات و ميادين وملاعب الكرة في الجزائر، وكان للشيخ أكثر من أربعمائة شريط صوتي توزع بالآلاف على مؤيديه . <BR>حتى إنه لما ألقت سلطات الأمن القبض عليه في عام 1991 من داخل مبنى الإذاعة والتلفزيون كان ينتظر للرّد مباشرة على اتهامات خصومه العلمانيين ، وأدخل السجن العسكري بالبليدة , ومن ثم قامت السلطات بإخفاء الشيخ علي بن حاج في 6/2/1995،ونقله عقاباً له إلى أقصى الجنوب في الصحراء بولاية تمنراست ووضعه في أسوأ الأحوال معزولاً عن العالم الخارجي لمدة أربعةأشهر وستةأيام، وعومل بقسوة شديدة، فأضرب عن الطعام مرات عدة احتجاجا ًعلى المعاملة التي كان يلقاها هناك إلى أن عاد مرة أخرى إلى سجن البليدة . <BR>وقد أثارت المعاملة القاسية التي يلقاها الشيخ من السلطات الجزائرية مطالب لمنظمات حقوقية عديدة لمنح الشيخ حقوق السجين منها: منظمة هيومان رايتس ووتش الأمريكية التي جاء في تقريرها لعام 1997 ما يلي : "على بلحاج: أحد زعيمي (الجبهة الإسلامية للإنقاذ) المحظورة، وما يزال رهن الاعتقال السري بمعزل عن العالم الخارجي، منذ نقله من مكان حبسه السابق، وكان ذلك في آخر عام 1994 _على ما يبدو_ وكان يقضي مدة العقوبة المحكوم بها عليه، بعد محاكمته والحكم عليه في يوليو 1992 بالسجن 12 سنة بتهمة التآمر ضد سلطة الدولة، والإضرار بالاقتصاد، وتوزيع منشورات تدعو إلى الفتنة، وقد أصبح يواجه تهماً جديدة منذ نقله إلى الاعتقال السري في آخر 1994، وذلك بعد ما زُعم عن اكتشاف خطاب في حوزة أحد الإسلاميين المسلحين يدمغ بلحاج بالتورط في جريمة الحض على استعمال العنف، وقد كتب محامو بلحاج إلى السلطات يطالبون بحقهم الذي يخوله لهم القانون الجزائري بمقابلة موكلهم، ويقولون: "إنه يوجد في مكان مجهول."<BR><BR><font color="#0000FF" size="4">إلى الساحة السياسية:</font></br><BR>هناك العديد من المخاطر تنتظر الشيخين خارج السجن والإقامة الجبرية، منها: رغبة الجنرالات في تحجيمهما وإفشالهما في أي جهد يراد منه توحيد الجبهة الإسلامية للإنقاذ من جديد ،وربما إسكاتهما للأبد مثلما حدث مع الشيخ عبد القادر حشاني (الرئيس المؤقت للجبهة) أثناء الانتخابات الملغاة الذي أراد توحيد الجبهة فور خروجه من السجن، فقيضت له أجهزة الاستخبارات من يقتله غيلة. <BR>وهناك أصبحت الحالة الصحية بالغة السوء لكليهما ؛فالأول يعاني من أمراض القلب والرئة بالإضافة إلى الشيخوخة،والثاني يعاني من أمراض الكلى وفقر الدم، وكلاهما كاد يقضي نحبه في غياهب السجون . <BR>بيد أن الشيخين عازمان ـ إن لم تكن هناك قيود حكومية قاهرة ـ على التحرك من جديد إنقاذا للإنقاذ , وهذا قد لوحظ من رسائلهما التي تسربت من وراء القضبان قبل الإفراج عنهما، فالدكتور مدني قال في وصيته من السجن: "الله الله في شعبكم وفي أمة الإسلام قاطبة، إنها الأمانة التي أضعها بين أيديكم يا من اختاركم الله لهذا الحظ العظيم والشأن النبيل.. وإن أبقاني الله، فسنواصل السير على الصراط المستقيم إلى أن يأتي اليقين _إن شاء الله رب العالمين_ وأنا على حسن الخاتمة" وهذا دليل على استعداده لمواصلة العمل السياسي من جديد .<BR> أما أخوه الشيخ بلحاج فلكم أطل في كل أزمة للمسلمين في بداية الانتفاضة وبدء العدوان على العراق من سجنه داعيا جلاده إلى إطلاق سراحه للجهاد هنا أو هناك، متعهدا العودة إلى سجنه اقتداء بالتابعي أبي محجن الثقفي في معركة القادسية ..<BR>ترى، هل عزيمة بهذا الشموخ يتوقع منها السكون ؟؟<BR> <BR><br>