جرح فلسطين يتكرر في العراق
24 ربيع الثاني 1424

على الرغم من التوقعات الكبيرة التي سبقت عملية الغزو الأمريكي البريطاني على العراق بأن الشعب العراقي سيستقبل الجنود الأمريكيين بالفرحة والسعادة، إلا أن الشعب العراقي أدرك منذ الصواريخ (الذكية) الأولى التي أطلقتها القوات الأمريكية على العراق، بأنهم باتوا كالمستجير من الرمضاء بالنار.<BR>فالصواريخ التي كان من المفترض أن تصيب القيادات والمواقع العسكرية والأمنية للنظام العراقي السابق، أصابت السكان الآمنين في منازلهم وأسواقهم ليلاً ونهاراً، والقوات التي كان من المفترض أن تقضي على النظام العراقي بمفرده، قضت على مستقبل الكثير من العراقيين الأبرياء الذين شوهوا وأصيبوا بعاهات وشردوا من منازلهم، وترملوا وتيتموا. <BR><BR>ومنذ اللحظات الأولى للغزو الأمريكي، بات من المتوقع ظهور عمليات ثأر وانتقام (فردية على الأقل) ضد القوات الأمريكية، وما أن سقط النظام العراقي السابق، واستولت القوات الأمريكية على العراق، حتى اتضح جلياً للعراقيين أن القوات الأمريكية أتت محتلة وليست محررة كما تدعي، بل تكرر منها الاستفزاز والتحطيم المتقصد لكل معاني القوة والوحدة العراقية. ولذلك ظهرت مقاومة نشطة استهدفت التواجد الأمريكي في معظم مناطق العراق. <BR><BR><font color="#0000FF" size="4">أسباب ظهور المقاومة العراقية:</font></br><BR><BR>1. النقمة المتزايدة على الأمريكيين الذين أوصلوا العراق إلى حالة متدهورة أمنياً واقتصادياً واجتماعياً، أكثر مما كانت عليه في ظل النظام العراقي السابق وظروف الحرب الطويلة والحصار العالمي على العراق.<BR>2. جملة التسريحات التي قام بها المسؤولون الأمريكيون على العراق، منها (على سبيل المثال) ما قام به الحاكم الأمريكي للعراق بول برايمر من حل جميع الأجهزة الأمنية المرتبطة بحزب البعث القديم، بالإضافة إلى حل دائرتي المخابرات والاستخبارات العسكرية وأجهزة الأمن الخاص, وحل الجيش والحرس الجمهوري دون اقتراح بدائل وظيفية لحوالي مليون شخص كانوا يعيلون أسرهم إبان حكم صدام بواسطة العمل في هذه الجهات.<BR>3. موافقة مجلس الأمن الدولي على قرار يشرّع الاحتلال الأميركي البريطاني للعراق، ليأخذ بذلك الوجود العسكري الأميركي البريطاني صفة الاحتلال المباشر بعد أن جاء محمولاً على دعاوى التحرير.<BR>4. المماطلة في تعيين الحكومة الانتقالية والإصرار على صيغة الاحتلال الذي يبحث عن متعاونين معه لا أكثر، بصرف النظر عن ألوانهم وأشكالهم أو المسميات التي سيعملون تحتها.<BR>5. العمليات الاستفزازية التي تقوم بها القوات الأمريكية ضد أبناء الشعب العراقي، مثل عمليات مداهمة المساجد وتفتيشها، وتفتيش المنازل دون احترام حرمتها، وإطلاق النار على المتظاهرين.<BR>6. الأعمال الإجرامية التي تقوم بها القوات الأمريكية والبريطانية ضد الأسرى العراقيين، والتي وصلت إلى حد الاعتداء الجنسي الشاذ على بعضهم، وعمليات التعذيب التي تناقلتها وسائل الإعلام العالمية.<BR><BR>كل تلك الأسباب، بالإضافة إلى أسباب أخرى لا يحس بها إلا ابن الشارع العراقي، أدت إلى تكون المقاومة العراقي، ثم فيما بعد إلى تنامي هذه المقاومة التي قد تصل إلى مراحل متقدمة في المستقبل المنظور. <BR><BR><BR><font color="#0000FF" size="4">من هي المقاومة في العراق:</font></br><BR><BR><BR>ما زالت الأسئلة تدور حول حقيقة المقاومة العراقية وهل هي تابعة فعلاً لفلول الرئيس السابق صدام حسين، وبقايا حزب البعث كما تصر أمريكيا على إظهارها، أم أنها مقاومة جهادية (سنية) أم شعبية واسعة تضم مختلف فئات الشعب العراقي..؟<BR><BR>ربما كان من الصعب الحصول على أجوبة دقيقة لهذه الأسئلة، خاصة مع صعوبة الحصول على تصريحات حقيقية وواضحة من بعض قيادات المقاومة، ليس فقط بسبب ظروف الاحتلال الأمريكي للعراق، والهيمنة الأمريكية على وسائل الإعلام العراقية، فضلاً عن تحيز معظم وكالات الأنباء العالمية مع الخط الأمريكي السياسي، بل –ربما- بسبب تعدد مجموعات المقاومة وعدم وجود قيادة حقيقية موحدة لها، ذلك أن هذه المقاومة –على ما تبدو حتى الآن- نابعة عن تحرك شعبي، وعن إحساس وطني عام بالاحتلال وظلمه.<BR><BR>وليس غريباً الإصرار الأمريكي على نسبة المقاومة العراقية إلى تنظيم حزب البعث السابق في العراق، ولا إلى بقايا النظام العراقي المنزوع، ذلك أن أمريكا صاحبة خبرة طويلة في استغلال الإعلام بكافة وسائله، للحصول على ثمار متعددة. إذ أن نسب المقاومة إلى هذه الجهات يعطي القوات الأمريكية نفس الشرعية الدولية التي حصلت عليها للقضاء على النظام العراقي الحاكم، (حيث العدو نفسه)، ومن جهة أخرى يحاول خلق مقاومة شعبية ضد المقاومة العراقية نفسها، إذ أن الشعب العراقي لن يتوانى عن محاولة الخلاص من بقايا النظام العراقي الذي استمر لسنوات طويلة في حكمه بيد من حديد، ولن يتوانى من الوقوف في وجهه خوفاً من رجوعه مرة أخرى للحكم. ومن جهة ثالثة فإن الأمريكيين سيحصلون على مبرر جيد للبقاء داخل العراق، ما دامت المقاومة (البعثية والصدّامية) موجودة، ولا بد أن القوات الأمريكية ستجني المزيد والمزيد من ثمار هذا الإصرار على نسبة المقاومة لحزب البعث وبقايا نظام صدام حسين.<BR>خاصة وأن القادة الأمريكيون يتناوبون في الإعلان كل مدة –للتذكير – عن أن هذه المقاومة هي (بعثية).<BR><BR>وفي مواجهة الحقيقة الواضحة بعدم تنظيم صفوف المقاومة العراقية بعد، إلا أن الإعلام الأمريكي استطاع تقديم صورة تحمل نصف الحقيقة حين نقلت صحيفة نيويورك تايمز الأميركية قبل عدة أيام عن مسئولي وزارة الدفاع (البنتاغون) قولهم أن الهجمات التي تشن ضد القوات الأميركية في العراق وإن كانت تنم عن تخطيط لوحدات عسكرية صغيرة وبعض المهارات التكتيكية إلا أنهم لا يعتقدون بوجود مقاومة مركزية منظمة. وذلك على عكس ما أعلنه الحاكم المدني للعراق بول برايمر.<BR>وأضاف هؤلاء المسؤولون أن المقاومين يجمعهم هدف واحد وهو قتل الأميركيين. لكن أيا من الهجمات التي شنت لم تجئ في وقت واحد أو بالتنسيق في ما بينها ضد أهداف متعددة.<BR>وبين أحد المسؤولين أن تلك الهجمات كانت تغتنم الفرص وليس هناك ما يدل على أن المقاومة كانت تستلم أوامر من قيادات عليا بتنفيذ هجومها، بما يمكن أن يطلق عليه حملة فدائية أو حملة عسكرية بكل تأكيد. <BR>إلا أنهم بعد هذا أكدوا على أن هذه المقاومة غير المنظمة وغير المتناسقة، ليست شعبية وإنما تابعة لأعضاء في الحرس الجمهوري وأعضاء في حزب البعث إضافة إلى فدائيي صدام ومقاتلين "أجانب" (حسبما نقلت الصحيفة الأمريكية). <BR><BR>على أن المقاومة إلى الآن تعتبر (سنية) حيث يقف وراء العمليات الجهادية في العراق (في الفلوجة والرمادي وغيرها من المناطق السنية) مسلمين سنة، بالإضافة إلى الموقف الواضح الذي اتخذته الشيعة (حتى قبل بدء الغزو الأمريكي) من أنها لا تعارض لا الغزو الأمريكي، ولا التواجد الأمريكي في العراق، بل إن محمد باقر الحكيم رئيس المجلس الإسلامي الأعلى للثورة العراقية أعلن قبل نحو أسبوع أن العلميات الفدائية والجهادية التي تحدث في العراق لا تتم عن طريق الشيعة. وهذا الكلام يأخذ على ظاهره، إذ أنه بالإضافة إلى الموقف الشيعي المعروف، فإن الشيعة عموماً يعتمدون على قرار المرجع الديني لهم، فهم يقاتلون ويقاومون ويهادنون ويصالحون بناءاً على قرار ديني من أحد المرجعيات الدينية لديهم، ولن تكون مقاومتهم بناءاً على إحساس ذاتي بموقف يجب أن يتخذ (كما هو الحال لدى السنة). <BR><BR><font color="#0000FF" size="4">مدى اتساع المقاومة العراقية:</font></br><BR><BR>من الملاحظ أن رقعة المقاومة في العراق في اتساع مطرد، ليس فقط من ناحية العلميات التي تنفذها، بل أيضاً من ناحية الاتساع الجغرافي الذي تقع ضمنه العمليات الجهادية.<BR><BR>بدأت علميات المقاومة ضمن المثلث السني والذي يشمل شمال بغداد وغربها. حيث بدأ هذا المسار في مدينة الفلوجة العراقية التي تبعد حوالي 50 كلم عن العاصمة بغداد، فكان أول احتكاك بين الأهالي والقوات الأميركية مبكراً عقب سقوط بغداد، عندما طالب الأهالي القوات أميركية بالخروج من إحدى المدارس ورفضوا، فجرى تنظيم مظاهرة سلمية أطلق الأميركيون النار عليها فسقط من المتظاهرين 13 رجلاً وعشرات الجرحى. فيما بعد امتدت المقاومة العراقية إلى مدن ومحافظات أخرى، كالموصل التي قام الأهالي فيها بمواجهات واشتباكات مع جنود الاحتلال الأمريكي أكثر من مرة، ومحافظة الأنبار، وصولاً إلى خطوط أنابيب النفط العراقية باتجاه سورية وتركيا التي قامت المقاومة العراقية (على الأرجح) بثلاث علميات تفجير خلال الأسبوعين الأخيرين.<BR><BR>وتوالت التصريحات الأمريكية التي تعلن بشكل يومي تقريباً عن مقتل جنود لها أو إصابتهم، أو سقوط طائرات ومروحيات في غرب العراق وجنوبها وشمالها وفي بغداد وقرب الحدود السورية، وهذا ما يثبت أن المقاومة بدأت تتنامى بشكل واسع جغرافياً، وأن القادم قد يكون أكبر مما يتوقعه الكثيرون، وعلى رأسهم القوات الأمريكية التي أتت وهي تحلم بأن يستقبلها المواطنون العراقيون بالورود والتصفيق. <BR><BR><font color="#0000FF" size="4">القوات الأمريكية وحربها ضد المقاومة:</font></br><BR><BR>بعد الإطاحة بالرئيس العراقي السابق، الذي شكل السبب الرئيس (المعلن) للغزو الأمريكي البريطاني، أعلن مسؤولون أمريكيون أن تشكيل حكومة عراقية قد يستغرق سنوات مما يستلزم بقاء القوات العسكرية الغازية فوق أراضي العراق، وبعد يوم واحد من هذا الإعلان الأمريكي، قالت صحيفة "تايمز" اللندنية إن القوات البريطانية قد تبقى في العراق أربع سنوات، وذلك إذا ما استمرت عمليات المقاومة العراقية.<BR>واليوم (23/4/1424) أعلن أعضاء في مجلس الشيوخ الأمريكي ( لجنة العلاقات <BR>الخارجية بالمجلس في زيارة لتقصي الحقائق في العراق) انهم يرون أهمية بقاء القوات الأمريكية في العراق لمدة خمس سنوات أخرى.<BR><BR>الإدارة الأمريكية لم تواجه مشكلة في غزو العراق واحتلاله، لذلك فهي الآن لا تواجه مشكلة عالمية في بقائها في العراق، إلا ما تواجهه من مقاومة عراقية باسلة قتلت إلى الآن أكثر من خمسين جندياً أمريكياً. <BR>لذلك فإن الإدارة الأمريكية بدأت تضرب بيد من حديد المقاومة العراقية، وكأنما هي حكومة دولة يقوم الشعب فيها بمحاولات إطاحة بالحكومة "المنتخبة الدستورية"...!!؟؟ <BR><BR>العمليات الأمريكية المتلاحقة "عقرب الصحراء" و "شبه الجزيرة" وغيرها من العمليات التي راح ضحيتها في يوم وليلة أكثر من مائة عراقي دفعة واحدة، دون أن يجرؤ شخص واحد أو دولة واحدة على الاحتجاج ضد هذا السلوك الدموي والوحشي، ودون أن تسألها جهة واحدة عن هذه التصرفات. <BR>ومنها ما أعلن متحدث باسم الجيش الأميركي عن أن الجنود الأميركيين قتلوا 70 عراقيا على الأقل في هجوم على ما وصفه بـ"معسكر لتدريب الإرهابيين" شمال غرب العراق، وكذلك مقتل 27 عراقياً في عملية أخرى في مدينة (بلد) شما ل العاصمة بغداد، ومقل نحو 60 عراقياً في منطقة "السحل" قرب مدينة "راوى"، وغيرها من العمليات اليومية التي يقتل فيها مسلمين عراقيين، دون أن يحرك أحدٌ ساكناً.<BR><BR>ولعل آخر المحاولات الأمريكية لتحويل المقاومة إلى نوع من القتال الداخلي، هو ما أعلنته القيادة الأمريكية من أنها بصدد تشكيل فرق أمنية عراقية، مهمتها وقف ما أسمتهم (بالإرهابيين الذين يروعون الشعب العراقي ويهددون أمنه وسلامته) (...)!!!.<BR>مما يجدد في المنطقة العربية مرارة الألم من السياسات الصليبية الصهيونية التي أقضت المضاجع في فلسطين وهاهي تتجدد في العراق.<BR><BR><font color="#0000FF" size="4">ماذا حققت المقاومة العراقية:</font></br><BR><BR>وصل عدد القتلى الأمريكيين إلى الآن أكثر من خمسين قتيلاً تقريباً وفق الإحصاءات الرسمية الأمريكية التي تحاول التقليل من العدد المعلن بشكل دائم. <BR>على أن تقارير أخرى أظهرت أنواعاً أخرى للنجاح الذي تحققه المقاومة العراقية منها (على سبيل المثال) ما كشفته صحيفة النيويورك تايمز في عدد صدر قبل عدة أيام عن الخوف الشديد والشعور العميق بالقلق الذي يسود أفراد القوات الأمريكية المحتلة في العراق وبخاصة بعد تزايد هجمات المقاومة العراقية.<BR>ونقلت نيويورك تايمز عن الضابط الأمريكي "جيمى بيتانكورت" (21 سنة ) الذي يشارك في الدوريات اليومية في بغداد قوله: إن درجة الخوف لديه وصلت إلى مرحلة متقدمة، حتى إن العراقيين يثيرون فيه الرعب. بينما أكد ضابط آخر يدعى "ماثيو ماكودل" هذه الدرجة من المخاوف بقوله:"أرجو أن تتصلوا بوزير الدفاع "دونالد رامسفيلد" وتبلغوه اعتذارنا، نحن جاهزون للعودة إلى الوطن". وأضاف قائلا :"اطلبوا منه أن يحضر ويقضى ليلة في هذا المبنى" ، في إشارة إلى المكان الذي يتولى حراسته في العاصمة العراقية". <BR>وأشار الضابط "راي روبنسون" من الوحدة ذاتها إلى تعرض عربة نصف مجنزرة إلى هجوم بقنبلة يدوية قبل بضعة أيام جرح فيه جنديان. وأكد أن الخسائر ربما كانت أكبر لو أن الدورية أبطأت في السير. وقال:" كفى، إنهم يقتلوننا" في إشارة إلى القيادة الأمريكية. وكان الضابط الأمريكي "مارك نوردستروم" والذي أرجع تلكأ أفراد وحداته في الانتشار داخل الأراضي العراقية إلى تفشي مشاعر الإحباط بينهم"، مشيرا إلى أن هناك حالات قلق شديد تنتاب جنودا لديهم زوجات أو أفراد عائلة في حال صحية سيئة، أو أولئك الذين تتسرب إليهم روايات عن خيانة زوجاتهم لهم وما شابه...!!<BR><BR>والمقاومة الشعبية (بشكل عام) تعتبر من أنجح الطرق الفعالة في دحر الاحتلال وتكبيده خسائر كبيرة، والتي تثبت مع الوقت قدرتها على تحقيق العديد من الأهداف الاستراتيجية التي عجزت الحكومات عن تحقيقها. فقد استنزفت المقاومة الشعبية البطولية في فلسطين، وأرهقت العدو الصهيوني ، وأرهقت السوفيت في أفغانستان، وروسيا في الشيشان، واليوم بدأت تعود مرة أخرى في أفغانستان ضد الاحتلال الأمريكي، وفي العراق بدأت ملامحها بالظهور، كما تمارسها حماس والجهاد في فلسطين منذ سنوات، وقد أدت إلى ما يشبه توازن الرعب، وأعادت الحيوية والثقة بالنفس للشارع الفلسطيني، بل العربي والإسلامي بأسره، وأعطت الإنسان المسلم شعوراً معنوياًُ قوياً برفض الهوان والذل الذين يريد الحكام - المنهزمين أمام الاستبداد الأمريكي - طبع الجبين العربي بهما.<BR>وبات المجتمع العراقي يقدم مثالاً عظيماً على إرادة الإنسان المسلم ووعيه، وقدرته على تجاوز جراحه ومصائبه والدفاع عن كرامته ومصالحه وحقوقه.<BR><BR><BR><BR><br>