أنت هنا

الوهم الأكبر: الحرية بلا مسؤولية!!
17 صفر 1429

إذا كانت المقدمات صحيحة فيمكن الحصول على نتائج صائبة أو خاطئة، أما الانطلاق من مقدمات مغلوطة فإنه لا ينتج سوى حصيلة فاسدة بكل تأكيد.
وما من قضية تتجلى فيها دقة هذه القاعدة الذهبية، مثل قضية الحريات وبخاصة حرية التفكير وحرية التعبير، حيث تتداخل الجوانب السليمة المتفق عليها بين البشر الأسوياء والشعارات والخزعبلات والأهواء، حتى يكاد يتعذر تمييز الخط الأبيض من الخيط الأسود، في ظل ضباب كثيف ومهاترات وحذلقات لفظية تتعمد التلبيس لمصالح ذاتية أو فئوية أو......
لذلك ينبغي لمن أراد الوصول إلى الحقيقة في هذه القضية، أن يبدأ بتفكيك المفهوم وطرح التساؤلات الملائمة، مع تنحية الشوائب.

ولعل السؤال المحوري هنا هو:هل هناك حرية –من أي نوع- تكون مطلقة بلا ضوابط؟أو بعبارة أخرى:هل توجد في الواقع الإنساني حريات لا تقابلها مسؤوليات؟.وكم يلاحظ تهرب البعض من هذا السؤال، لأن الإجابة ب"نعم"تدخل في دائرة التهريج والتضليل، لافتقارها إلى سند واحد على الأقل في الواقع المعيش.

ونظرة عاجلة على الواقع الغربي الذي يسوّق نفسه –ويسوّقه المنبهرون به- باعتباره "نموذجا" للحريات الفردية، تفضح القيود والسدود، بالرغم من أن الحريات هناك أكبر وأوسع من الدول الأخرى التي تزعم السير وراء الشعار ذاته.

ويمكن تذكير ذوي الذاكرة الضعيفة بملاحقة بريطانيا "أم الديموقراطيات" لكتاب (صائد الجواسيس) ومؤلفه بيتر رايت، ومحاكمة فرنسا "بلد النور!!" لرجاء جارودي لأنه ناقش عدد ضحايا المحرقة النازية لليهود في الحرب العالمية الثانية، ومنع كتاب (الحلال والحرام) ليوسف القرضاوي، ومحاصرة العم سام لنعوم تشومسكي (المفكر واللغوي اليهودي!!) والتعتيم الإعلامي عليه.

أما في عالمنا العربي فالأمر أشد إثارة للسخرية، حيث يمنع انتقادك لأداء موظف حكومي من الدرجة الرابعة، وتساق بسببه إلى محاكم أمن الدولة التي تصدر أحكاما سياسية جاهزة في بضع دقائق، لكن عبيد التغريب المساندين لنظم الاستبداد الفظيعة لا يجدون غضاضة في تأييد كل القمع الرسمي لحرية الفكر والرأي، باستثناء الدعوة إلى فتح الباب على مصراعيه للتطاول على الإسلام والهزء بالمقدسات، ونشر الرذيلة باسم الفن.....وما آن لنا أن ننسى قضية (وليمة لأعشاب البحر) المليئة بالبذاءة والإسفاف في حق القرآن الكريم والسنة الشريفة وقيم العفاف والفضيلة....مع أن مؤلفها الوضيع وجوقة المطبلين له، لا يجرؤون على نشر كلمة واحدة ضد حكامهم المستبدين من دون بذاءة!!
ولعل من المفيد استرجاع صفحة مؤلمة من تاريخ هؤلاء السفهاء الذين يحتكرون منابر الرأي والتعبير في أكثر بلاد العربان، وهي دفاعهم المنحط عن قرينهم الأكثر انحطاطا: سلمان رشدي!!

إن ما يجري عند عرب التغريب هو إسقاط المقدسات الشرعية، وتنصيب أصنام جديدة على غرار اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى!! وهذه اللعبة باتت مفضوحة في عصر التدفق الهائل في المعلومات والتقدم المتنامي في وسائل الاتصال، ولم تعد تنطلي على تلاميذ المرحلة الابتدائية.