أنت هنا

كوسوفا .. نفرح أم نقلق؟!
15 صفر 1429

كمسلمين، ينتابنا شعور يتردد بين الفرح والقلق، وكثيراً ما يحار الناس فيما إن كان شعورهم من الجيد أن ينصرف باتجاه تأييد استقلال كوسوفا أو بقائها حيثما كانت؛ فالمتخوفون يخشون من حرب أو مجزرة في أسوأ الفروض تنفذ ضد المسلمين هناك.. وفي أقلها سوءاً أن يسقط المسلمون تحت نير احتلال أمريكي/أوروبي بعد أن كانوا في حوزة الصرب والروس.
دينياً: الانتقال من تحكم الأرثوذكس إلى البروتستانت والكاثوليك.. استراتيجياً: الانتقال من الفلك الروسي/الصربي إلى الأمريكي/الأوروبي.. سياسياً: الرحلة من الاحتلال المباشر إلى غير المباشر أو الرمزي.
لا فرق عند المتخوفين، لكن بين الفرحين الأمر يتجاوز اللحظة إلى الاستقلال التدريجي، وخطوة في سبيل التحرر.
وبين هؤلاء وأولئك، نقول هل لنا مرة أن نجاوز حدود التفرج والمتابعة والارتياح النفسي إلى الفعل والتأثير في الواقع العالمي؟
إن ربع سكان الأرض اليوم ينضوون تحت راية التوحيد، تنتظر دولهم أن تستأذن من القوى العظمى لتقول للكوسوفيين نحن معكم!! وشعوبهم لا يمكنها إلا أن تجلس على مقاعد المتفرجين لتتابع المباراة، لمن تكون فيها الغلبة، ألأمريكا أم روسيا؟!
هذا هو المأزق الحقيقي في المسألة الكوسوفيية وليس مأزق الاستقلال، إذ لن تحصل كوسوفا على استقلال حقيقي ودول العالم الإسلامي في غالبها ترزح تحت نير احتلال أجنبي مباشر أكان أم غير مباشر، إننا لن نمنح كوسوفا تضامناً ما لم نحقق معادلة الاستقلال في حوضنا الإسلامي العريض.. ومعادلة الاستقلال لن تتحقق إلا وقد صارت قضية أمة لا قضية أنظمة.. أن تحمل الشعوب الإسلامية لواء العزة؛ فتستقل عن الأجنبي في ثقافته واقتصاده وإعلامه ورؤاه وضغوطه.
إننا لنصنع واقعاً جديداً يؤهلنا أن نتحدث عن استقلال كوسوفا أو أبخازيا أو الشيشان أو أي دولة بوسعها أن تولد في فضاء السياسة الجديدة علينا أن ننطلق كشعوب مسلمة في سياق حضاري إسلامي يرفعنا فوق ذلة الاسترقاق للغير..
نقول إن من أبناء شعوبنا المسلمة كثيرين من يستمرؤون الاستعباد والذل للأجنبي.. لدينا من هم منهزمون جداً أمام الغرب وفي ذات الوقت يطالبون العالم بالاعتراف باستقلال كوسوفا.. من بني جلدتنا من إذا لاقوا من الولايات المتحدة ما لاقاه أهل كوسوفا من المساندة المخادعة لرفعوا أعلامها مثلما رفع البسطاء هناك أعلامها.. إنها معادلة لابد وأن تستوعب قبل أي حديث عن الاستقلال.. لابد أن نمضي في طريقنا الحضاري نقدم إسلامنا ـ نحن كشعوب قبل الحكام في العالم الإسلامي ـ باقتصاده وثقافته وأخلاقه، نحكم بها حياتنا ونرفعها فوق رؤوسنا ونمارسها في بيوتنا وأسواقنا ونوادينا وسائر حياتنا؛ ليحق لنا من بعد أن نتحدث عن المساندة، وحتى نعاين هذه الحالة فلا بأس أن نعلن التأييد وأن نبارك أو نحذر أو نقلق أو نفرح، لكن موقنين بأننا نكتفي بالقالب دون القلب.. وحيث تبقى الأمور شكلية، والمساندة معنوية وفرحنا أو حزننا مبرر لكنه ليس فاعلاً.. علينا أن نكون صرحاء.