أنت هنا

يجسدها جنرالات أتاتورك..الجيش ضد الأمة!!
3 صفر 1429

من زمن بعيد قال أهل العلم:إن تعريف المعرَّف من المشكل،وبتعبير بعضهم:من أعضل المشكلات توضيح الواضحات!!
وتلك حكمة صادقة جدا،فليس أصعب على رجل علم من أن يشرح إحدى البدهيات (مثل أن الكل أكبر من الجزء) لشخص مكابر يصرّ على أن الماعز تطير،لأنه ظنها من بعيد كذلك، فلما طارت أبى عليه استكباره أن يعترف بما ثبت له بالدليل القاطع.
وذلكم هو جوهر المعاناة مع أشياع العلمنة والتغريب،الذين ابتليت بهم المجتمعات المسلمة،ففيهم المعاند المكابر الذي يجحد الحق عمدا فهو ممن أضله الله على علم،وفيهم الجاهل الأحمق الذي يقلّد سواه فينعق مع الناعقين،وفيهم المسلم الساذج الذي يوهمونه بأنه لا تعارض بين دينه –بالمعنى الغربي الكنسي-وبين منع الدين من كل دور في الحياة سياسيا واقصاديا وفكريا واجتماعيا – وحتى أخلاقيا!!-.
أما حقد العلمانيين على مجتمعاتهم فمصدره فشل هؤلاء في تسويق بضاعتهم بالرغم من تكرارها المملّ منذ قرنين من الزمان حتى اليوم،مدعومين بالغرب المسيطر والذي يبهر عميان البصيرة،ومستغلين هيمنة أذنابهم على الجيش والإعلام والتعليم،ومع ذلك ظل حصادهم مرّا!!
وبعبارة أخرى فإن الأمة هزمتهم عندما كانت معرفتها بدينها مغلوطة وملأى بالتشوهات والانحرافات،فهي ألحقت بهم هزيمة نكراء مذلّة وليس في يدها سوى سلاح الفطرة السليمة برغم ما اعتلاها من غبش وصدأ وركام من الجهل والتصوف الخنوع ....
من هنا يستطيع المراقب الموضوعي فهم تناقضاتهم القاتلة،بين ادعاءاتهم الحرص على حق الناس في حكم أنفسهم بلا وصاية من أحد-وهم يعنون بذلك التزام الفرد أو الجماعة بقيم الإسلام ومبادئه!!-،لكنهم يمارسون وصاية قمعية محضة،فيبطشون بالمتدينين كافة،ويحاربون مظاهر التدين بالقوة العارية من خلال السجن والتعذيب والتشريد وقطع الأرزاق....
صحيح أنهم يخصّون المتدينين الذين يعرفون دينهم حق المعرفة عقيدة وشريعة وتاريخا ذهبيا مشرّفا لم تعرف البشرية له مثيلا،لكنهم ينقمون على كل ملتزم ولو التزاما تعبديا صرفا-أي من يمارس العلمنة ضمنا-!!أفلم يبطش النظام التونسي مثلا بجماعة التبليغ التي تكاد تحصر الإسلام في أداء الصلاة فحسب؟!
ولأن صقور التغريب يدركون أن الأسرة هي المحضن التربوي الذي كان له النصيب الأوفى في إفشال مخططاتهم التآمرية،ولا سيما أن المرأة المسلمة العفيفة ظلت تخرّج أجيالا استعصت على عمليات غسل الأدمغة في مدارس تفرض عليهم مناهج بتراء مزورة،وعبر وسائل إعلام محتكرة تروّج للكذب الصرف-ولنذكر زعيق القوم عن احترام الآخر وحرية الاعتقاد والتعبير!!-.
لكل ما سلف تجدهم يوجّهون أقصى طاقاتهم لإخراج المرأة المسلمة من عفافها،ويركّزون على غطاء رأسها تحديدا.
وها هي خريطة العالم الإسلامي تؤكد هذه الصورة القاتمة إلا من رحم ربك وقليل ما هم. مع أن مستوى الحرب التي يسمونها "تجفيف المنابع!!- يختلف من بقعة إلى أخرى،وأن تركيا تتصدر هذا الوضع المقلوب،منذ أن بزغ فيها أتاتورك ولم يجد سبيلا لتحقيق أحلامه المريضة غير الحديد والنار.ولما جاء أخلافه ثبت لهم أن الاستمرار في بلوغ هذه النتيجة الفاسدة مشروط مثل بدايتها بالقوة .وعليه فقد تحول الجيش التركي عن حماية الوطن-كما يفترض فيه-إلى غول يخيف الشعب،فالجنرالات مشغولون كليا بمنع الطالبات المسلمات من تغطية شعرهن في المدارس والجامعات!!
فلا يهم تلك النمور الورقية موقف شعبها المبتلى بتسلطها،ولا أن ثلثي البرلمان المنتخب يصوّت على حق المسلمة الجامعية في تغطية شعرها جزئيا-إي والله جزئيا!!-.فها هو رئيس الأركان التركي يترك مهمته ليعترض على قرار للبرلمان التركي المنتخَب،ليصادر إرادة الأمة وممثليها المنتخبين ،فمن الذي جعله وصيا على شعب كامل؟
فما الفرق بين هؤلاء التابعين الأمساخ وبين سادتهم في الغرب الذين أخذوا يطاردون حجاب المسلمات في ديارهم بذريعة مطاردته في بلدان أهلها مسلمون كلهم أو جلّهم؟الفارق الجوهري أن الغرب يناوئ دينا طالما أوقف جبروت أوربا وقلّص مساحة تطاولها على عباد الله!!
كما أن الغرب الذي ثار على تسلط الكنيسة وظلمها ومعاداتها للعلم ،لم يمنع النصارى واليهود –ثم الوافدين من بوذيين وهندوس وغيرهم-لم يمنعهم من التزام طقوسهم ومظاهر تدينهم!!