أنت هنا

مبارك يتجاوب..وعباس يتنطع؟
19 محرم 1429

"مصر لن تشارك في تجويع أهل غزة"..
ذلكم هو عنوان الموقف الرسمي الذي اتخذته الحكومة المصرية،من جريمة الصهاينة الوقحة لتركيع غزة عبر قطع الوقود والحرمان من الكهرباء ومنع الغذاء والدواء من ولوج القطاع المحاصر.
ثم تعاملت القاهرة بحنكة مع المشكلة، وهي حنكة تضطرها إلى انتهاجها ظروف معاهدة الكامب سيئة السمعة، وتنامي التعاطف الشعبي بين المصريين مع أشقائهم وجيرانهم في غزة هاشم الصامدة.لذا راوح الموقف المصري بين الاعتراض الخافت،والقبول بسياسة الأمر الواقع،وهو ما جعل السلطات الأمنية المصرية تغض بصرها عن تدفق الألوف من أبناء غزة إلى أراضي سيناء المجاهدة،في تحدِّ شجاع لحملة الموت اليهودية المدعومة غربيا،والمسكوت عنها عربيا!!وإن سعت الشرطة إلى احتواء الأمر في أدنى حدود الاحتكاك مع الجمهور الغزي المكلوم،والجمهور المصري الغاضب.
وبعد أيام قليلة،اجتمع مجلس الأمن القومي المصري، ليجهر بكلمة الحق بتحميل عصابة أولمرت وزر الكارثة الإنسانية/اللاأخلاقية في غزة. ولقائل أن يصف هذا الاتهام بأنه أضعف الإيمان،وهو على حق في وصفه،لولا أن النظر إلى الأحوال في سياقها،يجعل الصراحة الرسمية المصرية خطوة في الاتجاه المعاكس،الذي سارت عليه منذ أن قيّدت معاهدة كامب ديفيد يديها وهبطت بمكانتها الإقليمية،باعتبارها قلب العالم العربي وركن جهاده تاريخيا منذ التصدي للحملات الصليبية والغزوة المغولية مرورا بطرد نابليون وصولا إلى قيادتها المواجهة مع الغزاة الغربيين في القرن الماضي.
ونحن في قراءة المتغيرات، لسنا في وارد الدفاع عن الحكومة المصرية ولا سواها من الحكومات العربية،التي تبقى مسؤولة أمام الله عز وجل عن مؤازرة الجهاد الفلسطيني ضد أعداء الله وقتلة الأنبياء الذين غصبوا أرضنا وساموا المسلمين في فلسطين وما حولها سوء العذاب. فقد يكون التغير المصري آنيا وعابرا، وقد يعود كليا إلى تمرير موقف تكتيكي مراعاة لمشاعر ملايين المواطنين المصريين،الذين طفح بهم الكيل وهم يرون ما يقع على أهلنا في غزة من حيف لا نظير له، وقد يكون رغبة في الحفاظ على الأمن القومي المصري الذي لا ينتهي عند فلسطين، وتنتهز فرصة لإعادة قدر من الدور المحوري الذي كانت تلعبه في المنطقة.
كل ذلك ممكن، لكنه لا يعني بحال من الأحوال تجاهل ما جرى، واستقراء الاحتمالات المختلفة للمستقبل،فضلا عن مقارنة إعادة النظر في القاهرة بسياساتها إزاء العدو برغم اتفاقات "السلام"،في حين يذهل المراقب حتى لو كان محايدا-وأنّى لمسلم أن يحايد في قضية القدس؟-، يذهل وهو يتابع المواقف المخزية للدحلانيين وأمثالهم والتي تراوحت بين الشماتة والتحريض والسعي إلى استغلال مأساة شعبهم لمنافعهم الذاتية الوضيعة والمرتبطة بالانحناء لإملاءات الاحتلال!!على حساب القضية والمقدسات والمصالح العليا للشعب المظلوم والأمة كلها.
أفليس عجيبا جدا أن يسعى الرئيس حسني مبارك إلى محاولة رأب الصدع الداخلي الفلسطيني، فيأتي الرد من محمود عباس متعنتا بالإصرار على عودة زبانيته ولصوصه إلى التحكم بغزة وممارسة القهر والرشوة والفساد الذي فاحت روائحه حتى زكمت أنوف منظمات دولية لا تكنّ لحماس وأمثالها أدنى ودّ!!
فعباس الذي يتباكى على"شرعية"أزلامه يتناسى أن حماس فازت في انتخابات نزيهة وقد جرت تحت إشراف أجهزته المهزومة نفسها؟!وهو يتهم صواريخ القسام بأنها سبب عدوان اليهود الغاشم وحصارهم الدنيء لقطاع غزة،لكنه يتجاهل جدار الفصل العنصري في الضفة التي تتبع أجهزته،ومئات حواجز الإذلال اليهودية،بالرغم من غياب صواريخ القسام وغيرها ب"همّة"زبانية الأمن الوقائي؟فلماذا لم يتراجع العدو عن ممارساته هناك؟
ومن أعاجيب عباس وتوابعه،أنه يتذاكى على القيادة المصرية،فيزعم أن دعوتها للحوار بين حماس وفتح تحت رعايتها،لا يعني حوارا غير مشروط،بل إنه ينسب إلى القاهرة أنها تشاطره موقفه الصلف،مع أن مصر الآن تجد أنه لا سبيل إلى تجاوز الاحتقان الراهن بغير حوار مفتوح بلا شروط مسبقة.وهو موقف مشترك مع المملكة العربية السعودية،وقد سعت الرياض والقاهرة منذ فترة إلى إقناع الطرفين الفلسطينيين بالعودة إلى الحوار،وفشلت مساعيهما بسبب تعنت "صقور"فتح-وهم صقور على شعبهم وأرانب مع العدو-!!
ومن بدهيات الأمور أن شروط عباس ذاتها تلغي الحاجة إلى الحوار نهائيا،فعلى أي شيء تحاوره حماس إذا أعادت عصابات القمع والنهب لتتحكم في رقاب الغزيين؟
إن نظام مبارك يدرك الواقع ويحاول حماية وجوده،أما جماعة رام الله فإنهم ينتحرون لأنهم يضعون أنفسهم في مركب الاحتلال ،والاحتلال فقط..