أنت هنا

الغزاويون والسيناويون إذ أسقطوا سايكس بيكو
16 محرم 1429

حدود مصطنعة واتفاقات سرية خجولة وقرارات مرهونة، وكثير منها هدر جهد ومال وكرامة لا ينتهي، ومباحثات هباء تنسج خيوط العنكبوت حول مسائل بديهية للشعوب فإذا ما جاءت ساعة الحقيقة تبين أن ليس ما يتمسك به المفاوضون إلا سراباً.
اليوم شهد حدثاً استثنائياً بكل ما تعنيه الكلمة، ولحظة تاريخية، حين تدفق الفلسطينييون على سيناء في مشهد لم تعرف له العقود الثلاثة الماضية مثيلاً؛ إذ بحفاوة بالغة، استقبل أهالي مدن رفح والعريش والشيخ زويد في سيناء المصرية أبناء غزة في أجواء تكافلية إسلامية رائعة، وفتح الأهالي بيوتهم للفلسطينيين، وإن لم تفِ ففي المقاهي والمطاعم بالمجان، فعلاوة على علاقات المصاهرة والقرابة التي تجمع بين عائلات رفح على جانبي الحدود الاصطناعية، هناك ـ أو تسبقها ـ اللحمة الإسلامية والأخوة الإيمانية والعروبة الأصيلة.
"توقعنا دخول الفلسطينيين، لذا أعد أهالي العريش ورفح الليلة الماضية العديد من الكراتين الممتلئة بالمواد الغذائية كجهد تطوعي" [عبد الرحمن الشوريجي، من سكان العريش المصرية].. إنه بالفعل تعبير عن روح لم تكسرها اتفاقية سايكس بيكو اللعينة لترسيم الحدود 1916، ولا نكسة الهزيمة في العام 67، ولا حتى اتفاقية كامب ديفيد في العام 78 المقيدة لحركة الفلسطينيين والسيناويين بين جانبي الحدود على النحو الذي كان مألوفاً قبل العام 67 .. فروح الإخاء والتكافل لا تعرف أسيجة ولا معابر بين المسلمين.
وحين عبر الفلسطينيون اليوم معبر رفح؛ فإن المسلمين على جانبي المعبر في الحقيقة قد عبروا جسر الخوف، ومحوا بممحاة الصبر والمصابرة والمرابطة خطوط سايكس بيكو التي للمفارقة قد رسمت بالقلم الرصاص؛ فمحيت بعزمة الإيمان وثقة الموعودين بالنصر وشجاعة الفرسان.
إنه لم يك ممكناً أن يكون تفجير الأسيجة كسراً لطوق الحصار ما لم هناك من الإرادة والتناغم الشعبي مع حكومة إسماعيل هنية الشرعية في فلسطين وصدق التوكل على الله سبحانه وتعالى من قبل، ما يجعل هذه الألوف المؤلفة التي انطلقت ما بزوغ الفجر تستعين بربها على كسر هذا الطوق غير الشرعي ولا القانوني الذي يسجن الغزاويين لا لشيء إلا لأنهم أعلنوا ولاءهم للمقاومين وغسلوا أيديهم من العملاء والمرتزقة.
إنها ملحمة نصر جديدة يسطرها الشعب الفلسطيني وعنوان لمرحلة تشهد تحولاً استراتيجياً في قواعد الصراع، ومفهوماً مكتوباً بحروف الدم لآليات الصراع وفقه المناورة وديناميكية المقاومة.
إن ما حدث برفح اليوم هو درس لكل المتخاذلين ولكل أولئك المتعلقين بأوهام السلام المزعوم والراجين نوالاً من باب نحس وخزي وعار؛ فالحقوق لا تنتزع إلا بالأظافر لا بأيدي المتسولين على أعتاب الأعادي.. وإن مكان الجبناء والضعفاء لابد وأن يكون في ذيل الصفوف؛ فشارات النصر لا يحملها الساقة ولا طوابير التفاوض الخامسة، وانظروا ماذا جنت المفاوضات وكيف حققت المقاومة البطلة..