أنت هنا

على حسابنا.. صراع وتواطؤ بين باطلين
8 محرم 1429

حفلت الأيام الأخيرة بأحداث ووقائع ذات دلالات بالغة على حجم التآمر المستمر والمتصاعد على أمة الإسلام بعامة وعلى قلبها في العالم العربي بخاصة.
فالرئيس الأمريكي جورج بوش الابن يختتم جولة في المنطقة،كان الاستفزاز للأصدقاء والخصوم،هو طابعها السائد،باستثناء ربيبته دولة العدوان والتوسع:الكيان الصهيوني،التي اعتادت على الأخذ بلا مقابل.وكانت مصر هي المحطة الأخيرة لجولة بوش،وربما كانت أسوأ المحطات.فبالرغم من العلاقة المتينة مع النظام المصري منذ انقلاب السادات على جغرافيا مصر وتاريخها فضلا عن هويتها الحضارية ودورها المركزي،فإن ركاما من الشكوك المتبادلة أفسد على بوش التمتع بدفء شرم الشيخ بينما تعاني المنطقة كلها من صقيع شديد.
طبعا لم يعد بوش يروج لأكذوبته التي كانت مفضلة عقب الحادي عشر من سبتمبر 2001م، لكنه يخشى على مستقبل مصر في ظل التوتر الداخلي المفتوح على احتمالات شتى، بين توريث يتهم الرئيس مبارك بالتحضير له، ومعارضة تزداد حدة بينما تمتزج فيها السياسة بتردي الأحوال المعيشية لملايين الفقراء.
وللمرة الأولى يتفق مؤيدو الحكم في مصر ومناوئوه على موقف موحد من قضية داخلية أو خارجية،فقد كان عدم الترحيب بالزائر الثقيل قاسما مشتركا للطرفين،وإن اختلفت الدوافع ودرجة الوضوح وأسلوب التعبير عن الاحتجاج؛ فبوش لم يقف عند حدود تجاهله المستمر لحصر مكانة القاهرة في نطاق الرديف الثانوي للاستراتيجية الأمريكية في المنطقة،حتى كاد يختزل المطلوب منها في حماية حدود الكيان الصهيوني،وهو ما جعله يستجيب لإملاءات أولمرت فيقطع عنها مساعدات عسكرية نمطية،بذريعة تقصيرها في منع تهريب السلاح إلى المقاومة في قطاع غزة!!
بوش استفز كرامة المصريين الجريحة أصلا،وهم ردوا الصاع بمثله عندما أعلنوا انخراطهم الصريح في موقف عربي يرفض الاستجابة لحديث واشنطن عن خطورة إيران لحساب الدولة الصهيونية!!
وأمريكا لا تريد حقا تغيير نظام الملالي المتفاهم معها ضد المسلمين في كل مكان، لكنها قد ترحب بحرب محدودة تعزز دورها مجددا،وتضع المسلمين بين نارها ونار المجوس!! لأن أي مواجهة عسكرية ستكون محدودة النطاق والأهداف،ولن تهدد طهران جديا،أما التبعات السياسية والبشرية والمالية فيختص بها العرب لو تجاوبوا مع طروحات البيت الأبيض.
نحن لا نقول هذا تخمينا ولا رجما بالغيب،فذلكم هو ما جرى من صراع تحت السيطرة مشفوعا بتواطؤ بعيد المدى،بين الغزاة الأمريكيين وحلفائهم الفعليين آيات قم:والشواهد تبدأ في كابل وتمر في بغداد ولا تنتهي في لبنان،حيث ينسق غلاة الرافضة وغلاة الموارنة جهودهم التآمرية في ما يسمى"تحالف الأقليات"،الذي يصب في المحصلة النهائية ضمن المخطط اليهودي القديم الجديد.وتكمن المفارقة في أن هؤلاء يرفعون راية المقاومة والعداء لتل أبيب،وأن "العم سام" يتظاهر بعداوتهم وتأييد الأكثرية السنية التي يؤيدها بعض النصارى والدروز تأييدا مرحليا،لا يركن إليه عاقل!!
إن ما يجري بين الحليفين المتدثرين بعباءة خصومة أكثرها تمثيل مصطنع،يشبه حال العشب بين فيلين فهو الضحية إذا تناحرا،وهو ضحية كذلك إذا تقاسماه بالتفاهم.ولا يلومن العرب سوى أنفسهم إذا ارتضوا –بتمزقهم وأنانياتهم وبعد أكثر حكامهم عن شعوبهم- إذا ارتضوا بدور العشب،مع أنهم قادرون على ردع العدوين بإذن الله:البعيد والقريب.
أما مجرد التحذير اللفظي من الحريق المقبل في هذا البلد أو ذاك في منطقتنا،فليس سوى دليل على استمراء بعض القيادات العربية حال العجز والإخلاد إلى الأرض،وانتظار ما يرسمه الأعداء الحاقدون،وكأننا قطيع لا حول له ولا قوة أمام جزار يقوده إلى حتفه بكل يسر!!
إن لدينا من الطاقات البشرية ما يكفي للذود عن حاضرنا وغدنا بجدارة وكفاءة،ومن القدرات الاقتصادية والثروات المادية،ما يحسدنا الآخرون عليه ويتنافسون في السعي إلى نهبه،ولو أننا عدنا إلى ديننا الحق كما بلغه خاتم الأنبياء والمرسلين صلى الله عليه وسلم وكما طبق في القرون الثلاثة المفضلة-عصور العز والمنعة-،لما كان لبؤر الشر حولنا من وجود!!