أنت هنا

قيصر من طراز آخر
3 محرم 1429

قياصرة كثيرون حكموا الروم لقرون، وامتد سلطانهم الطاغي في بلاد شاسعة بين أوروبا وآسيا وبلاد العرب، والروم قد عرفهم التاريخ باسم بني الأصفر.. لكن قيصر اليوم ليس من بني الأصفر؛ ففي دمائه يجري الدم الأحمر.
إن اعتداء يمس امرأة مسلمة يدمي قلب كل حر شهد أن لا إله إلا الله، ولو انحاز يوماً إلى الجيش الموالي للاحتلال، ويقيناً نحن لا نعرف قيصر سعدي الجبوري الجندي العراقي الذي سجل ملحمة عراقية جديدة أوائل هذا الأسبوع، لكن الله يعرفه.
والله يعلم ما في قلبه ساعة انتفض يدافع عن مسلمة حامل ضربها المحتلون الأمريكيون المجرمون بشدة وهم يقتحمون أحد المنازل، في الموصل.. نهرهم؛ فتمادوا في "ديمقراطيتهم" و"حريتهم" التي جاءوا إلينا بها يسوقون، وقالوا بكل صلف وكبر وطغيان ـ بحسب بيان هيئة علماء المسلمين ـ: "نحن نفعل ما نريد".. وما دروا أن الله فعال لما يريد..
ارتفع قيصر فوق الهام الخاطئة، وفتح نيران الكرامة في صدور المحتلين، فأردى منهم ثلاثة وأصاب آخرين، ثم غادر فلحقه بعض خونة الباشمركة، وأحذية المحتل فاقتادوه إلى الأمريكيين ليبدأ التحقيق معه والتعذيب.. التي يبدأ أول فصوله عند السؤال الافتراضي لما أنت هكذا تملك كرامة ونخوة لا كتلك الأحذية التي نلبسها من ميليشيات العار والخسة؟!
إن قيصر ليس حالة فردية، ولا ينبغي أن يكون كذلك؛ فإن أبناء العراق الشرفاء من أحفاد خالد بن الوليد والمثنى بن حارثة والغافقي وغيرهم لابد أن تكون لهم وقفة مع ذواتهم وإن رضي بعضهم تحت أي تفسير أن يكون في جنود حكومة المالكي!
إن الملاحم الدالة على أن هذه الأمة نابضة بالحياة زاخرة بها الأحداث اليومية في العراق؛ فأنى تحول بنا المشهد من الموصل حيث قام قيصر، إلى ديالى حين قام عراقيون بتفخيخ منزل وقع في شراكه المحتلون الذين سعوا لتفتيشه فانفجر بهم مردياً ستة على الأقل وأصاب أربعة، في حصيلة ـ كحصيلة الموصل ـ غير مؤكدة كونها صادرة عن مصدر كاذب/الجيش الأمريكي.
إن صور المقاومة في العراق وملاحمها غزيرة، وبحاجة لمن يضمنها في "أرشيف الشرف" الذي يؤكد بجلاء أن الأمة بمقاومتها الأبية لم تمت، وليس هذان النموذجان إلا أمثولة محدودة لما يسطره أهل النخوة في العراق الذين لا يرضون الضيم وتأبى أنفسهم الكريمة أن يعيشوا تحت وطأة الصليبية التي جاء بها الرئيس الأمريكي بوش، وجنوده.
وفي الحادثتين معانٍ لا تفوت، منها أن حملة تبلغ نحو 70 ألف جندي من الاحتلال الأمريكي والميليشات التابعة والمعاونة له، وقبلهم عمل استخباري متقن موازٍ لم يحولوا دون تنفيذ عمليات تشي بأن دعايات التفوق العسكري زائفة، وأن بدائيات المقاومة ـ أيا كان مصدرها ـ يمكن أن تحدث خسائر فادحة عند العدو الأمريكي، وأن النخوة جنديٌ مخلص يمكن التعويل عليه في معركة العراق، وأن من يتحدى إرادة الله فلن يعجزه في الأرض ولن يعجزه هرباً..