أنت هنا

الكيد لحجاج غزة نموذجا.. "فتح"والمراجعة الممنوعة
26 ذو الحجه 1428

كان اليوم الأول من العام الميلادي الجديد(2008)،بالنسبة إلى حركة فتح الفلسطينية يوم الذكرى الثالثة والثلاثين لانطلاقتها،كحركة تحرر وطني،بدأت بهوية ملتبسة تجمع أشتاتا غير متآلفة بين جذور إسلامية وأخرى قومية وثالثة وطنية/محلية.وربما كان اختيار التأريخ بالتقويم الغربي الكنسي مجرد إعلان عن تلكم التركيبة المتنافرة،واضطراب الرؤية لدى"الآباء المؤسسين".
غير أن السمت العام لجهاد الشعب الفلسطيني حجب هذه التناقضات بسبب غلبة الهم الأكبر الجامع،وظروف الشتات القاهرة،وضغوط النظم العربية المتصارعة والتي وظف أكثرها قميص فلسطين لحساباته الحزبية والفئوية الضيقة.
أما "احتفال"فتح هذا العام فكان أشد مرارة،لأنه ترافق مع محنة حجاج بيت الله الحرام الذين خرجوا من غزة،ثم علقوا عند عودتهم لإصرار العدو الصهيوني على منعهم من الدخول من المعابر التي غادروا منها لأنها لا تخضع للسيطرة اليهودية المباشرة.وقد كان المسعى الصهيوني جادا في ابتزاز مصر في هذه المحنة،بتلفيق افتراءات عن تهريب أسلحة إلى القطاع المحاصر تارة،وبتسريب أكاذيب عن ممنوعات يحملها حجاج منهكون وأكثرهم شيوخ ونساء مرضى!!ونسي الجميع أو تناسوا الصمت المريب الذي التزمته حكومة رام الله،وكأن هؤلاء المواطنين فعلا ليسوا فلسطينيين؟بل إن القاهرة عنفتهم بشدة لما بلغها عن تواطؤ ضمني من بعض رموزهم مع قرارات تل أبيب الحاقدة.
ولم يتوقف مختطفو فتح عند حد التآمر على ضيوف الرحمن نكاية بحركة حماس،وإحراجا للمصريين ودق إسفين بينهم وبين حماس وجمهورها مصريا وفلسطينيا وعربيا فحسب،بل إنهم سلكوا طريقا إضافية لافتعال الأزمات وتوسيع الشقاق،بتسيير مظاهرة استفزازية نبهتهم حكومة إسماعيل هنية إلى الكف عنها لاعتبارات سياسية وأمنية،وكان المفترض في بقايا عقلائهم أن يتذكر أن السلطة في الضفة الغربية سبق أن منعت حماس-قبل أسابيع فقط- من الاحتفال في ذكرى انطلاقتها.ولذلك واصل هؤلاء مخططهم حتى حصلت مواجهة مسلحة مؤسفة،استطاع الخيرون احتواءها بصعوبة بالغة.
إن حصاد فتح المر في السنوات الأخيرة بالذات يكفي لدى الحريصين على استمرارها للشروع في مراجعة ذاتية ناقدة وجريئة،تبين الخيط الأبيض من الأسود وما بينهما من ألوان عبر مسيرة طويلة شهدت محطات متناقضة تجاورت فيها الإنجازات بالإحباطات،وانتهت إلى هيمنة قطاع طرق طارئين على الحركة الفلسطينية الأم.
فاتفاقات أوسلو وحدها تستحق قراءة نقدية صارمة بأقصى درجات الموضوعية،كما يفعل كل الوطنيين الصادقين في العالم.أليست هي التي أتاحت لعصابة الفساد أن تستولي على فتح وعزل زعيمها التاريخي ياسر عرفات نفسه؟فكيف ومسار الخلل يعود إلى ماض أسبق مثل الصدام مع الأردن في خريف 1970م؟ثم المشاركة القاتلة في الحرب الأهلية اللبنانية( ولا سيما الفترة بين 1975 و1985م) .
ولذا فإن ما جرى من مشاركة في المؤامرة اليهودية على حجاج غزة-على فظاعته-لم يكن البداية ولن يكون النهاية،وهو-على بشاعته-ليس سوى فصل آخر في مؤامرة استهدفت خطف القضية الفلسطينية مرورا باختطاف حركة فتح ذاتها واختطاف منظمة التحرير التي ظلت دائما تحت سيطرة فتح،فكانت تلك السيطرة نقطة ضعفها القاتلة.
فلا سبيل أمام الشرفاء في فتح –وهم كثر وعبرت عنهم كتائب الأقصى التي هاجمت عمالة حكومة فياض مؤخرا-لا سبيل أمامهم سوى الانتفاض على اللصوص،ولو بإعادة إطلاق فتح من جديد بدون العملاء والفاسدين والمفسدين. وإلا فإن الناس سوف تعتبرهم شركاء في محاولة تصفية القضية ولو كانت شراكة بالسكوت عن الحق،وهو دور لا يرضونه لأنفسهم بالتأكيد.