أنت هنا

الديموقراطية والإيدز؟..صفعة مجانية لواشنطن
24 ذو الحجه 1428

كان في وسع إدارة جورج بوش الابن أن تتروى قليلا قبل أن "تهنئ"الرئيس الكيني (مواي كيباكي)،الذي أعلن فوزه بولاية رئاسية ثانية،وسط شكوك قوية أثارتها المعارضة الكينية،مدعمة بتسريبات من بعثة المراقبين الأوربية.
فالتريث جميل،وجماله هنا مزدوج الأسباب،فهو ضروري انتظارا لجلاء الضباب المحيط بالحالة،وكذلك الأمر من الناحية الأمنية،إذ سرعان ما اندلعت مواجهات دموية مسلحة بين الرئيس وأجهزته وقبيلته من جانب،وأنصار مرشح المعارضة وقبيلته من جانب آخر،إلى درجة تنطوي على احتمال تحولها حربا أهلية على غرار ما شهده أكثر من بلد إفريقي في السنوات الأخيرة(رواندا-الكونغو-سيراليون...).
والصبر هنا كان أجمل،لأن تعجل الخارجية الأمريكية بالتهنئة الملتبسة،اضطرها عاجلا إلى "سحب"التهنئة بل وإلى الادعاء بأنها لم تحصل أصلا!!
لكن من يتابع سيرة بوش الابن منذ سبع سنوات في البيت الأبيض،لا يفاجئه حرص العم سام على ممارسة انتقائيتها،وفقا لأكذوبتها الكبرى عن نشر الديموقراطية من كرسي الوصي،الذي يمنح النظم السياسية "صكوك غفران"سياسية،بحسب موقع كل نظام من تنفيذ الاستراتيجيات الأمريكية.فالجنرال مشرف –مثلا – ديموقراطي حتى النخاع حتى حين يفرض حالة الطوارئ في باكستان،ثم يرفعها بعد إجراء تعديل غير دستوري في الدستور ليحميه من المساءلة،وينقل صلاحيات عسكرية إلى صورته الجديدة كرئيس للجمهورية،عندما اضطرته الضغوط الشعبية إلى خلع ملابسه العسكرية!!
أما هوجو تشافيز الذي جاء إلى مقعد الرئاسة في فنزويلا عبر انتخابات حرة باعتراف الغرب كله،فهو ديكتاتور يجب إقصاؤه ولو بأموال الاستخبارات المركزية الأمريكية،بل عن طريق محاولة انقلابية فاشلة بعد فشل التحريض والتمويل الخفي.
صحيح أن الرجل سعى إلى الحصول على صلاحيات أوسع قد تتيح له الاستبداد بالحكم،لكنه استفتى شعبه ولم يتلاعب تشافيز بالنتائج فقد أظهرت معارضة أغلبية شعبه لمساعيه!!واحترم النتائج غير أن الرأي الأمريكي فيه لم يتغير.
وكينيا الرازحة تحت وطأة الانقسامات القبلية الحادة،موضع اهتمام غربي ليس وليد اليوم،فهي بنت التنصير الناجحة بالمعايير الغربية المنافقة،التي تزعم الفصل بين الدين والدولة،في حين أثبت تاريخها أنها كانت على الدوام تتحالف مع جيوش المنصرين في البلدان الإسلامية،بدءا بالجزائر في ظل الهمجية الفرنسية المديدة،وانتهاء بـ"استقلال"تيمور الشرقية!!
فقد احتل الإنجليز كينيا بعد اتفاق مع ألمانيا على اقتسام شرقي أفريقيا في سنة 1305هـ -1988 م )، وقام هذا الاحتلال على أنقاض تمزيق (البو سعيد ) الإسلامية ،فأخذت ألمانيا القسم الجنوبي (تنجانيقا)،واستولت بريطانيا على كينيا والقسم الأكبر من الصومال .وبالطبع أكمل القس المتظاهر بالاشتراكية جوليوس نيريري مهمة سادته فاستولى على تنجانيقا وأزال الوجود السياسي والحضاري العربي والإسلامي وأعلن عن قيام تنزانيا.
وما لا يعلمه كثير من المسلمين البعيدين،أنه بالرغم من مساعي التنصير الرهيبة –معززة بالحكم الاستعماري البريطاني-،ظل المسلمون أكبر مكون ديني في كينيا(40%في مقابل 35%بروتستانتو20%كاثوليك)،غير أن هذه الحقيقة لم تغير من واقعهم المضطهد سياسيا واقتصاديا قيد أنملة!!
ولم يقتصر سكوت الغرب على واقع كينيا الرديء على مآسي المسلمين وحدهم،فلطالموا تجاهلوا ما تقدمه منظمات الأمم المتحدة(مثل منظمة الطفولة"يونيسيف"ومنظمة الصحة العالمية) عن تردي الأحوال الأخلاقية والخدمية،ما دام النظام الكيني المستقر عنصر دعم غير معلن لمخططات الغرب ضد السودان والصومال وأوغندا،في مسعى خبيث لإنهاء الوجود الإسلامي،الذي عجز عنه الغربيون خلال حقبة الاستعمار المباشر للمنطقة.كما كانت كينيا وما زالت متنفسا للشواذ في الغرب،الباحثين عن أحطّ وأخسّ تجارة غير أخلاقية(يسمونها:سياحة جنسية!!)،التي استرقّت حتى اليوم نحو30 ألف طفل(طفل !!).
وبتأثير تلك التجارة النجسة،فإن في هذا البلد المنكوب واحدة من أعلى معدلات مرض نقص المناعة المكتسب(الإيدز)،وهي 6،7%،وكم هلل الغرب عند بلوغ هذه النسبة التي كانت10% حتى عام 2004م!!
فهل هذه هي النماذج التي يود الغرب منا أن نتأسى بها؟ألم يئن لعبيد التغريب أن يتعظوا إن كانت لديهم بقية من حياء ؟نحن لا ننفي وجود علل وأدواء كثيرة،الشعوب هي المسؤولة عن اسنمرارها،لكن أصل الداء الأكبر يكمن في تدخلات الغرب المنافق الأشر،الذي يضيف إليها معضلات أشد وأقسى،ويعمل على تجديد حيوية ما يجده من علل ومشكلات.