أنت هنا

فلسطين..وشر"الأصدقاء"
22 ذو الحجه 1428

يحكى أن رجلا كان في مواجهة أعدائه الذين لم يتمكنوا منه،بالرغم من خذلان ذويه له،ومن تواطؤ أقرب أصدقائه مع أعدائه،فقال:اللهم اكفني شر أصدقائي،أم أعدائي فأنا قادر على هزيمتهم بإذنك!!
والمعنى العميق للحكاية التي ربما تكون رمزية،هو أن القريب الذي يشارك الخصم البعيد،لا يتوقى المرء عادة منه،فهو عنده محل ثقة،ومصدر طمأنينة.ولعل الشاعر عبر عن هذا المغزى عندما أنشد قائلا:
إذا خانك الأدنى الذي أنت حزبه فوا عجبا إن سالمتك الأباعد
ونظرة عاجلة على أكثر بؤر الاضطراب والتوتر في ديار الإسلام،تكفي لتأكيد هذه القناعة المبدئية،حيث تلعب الأطراف الداخلية أخطر الأدوار في مآسي المسلمين الذين يواجهون عدوا غازيا.
ففي العراق كان للعراقيين من أعوان الاحتلال النصيب الأكبر من معاناة العراقيين جماعات وفرادى،باستثناء الزاحفين في ظل الغازي الأجنبي،واللاهثين بحثا عن فتات مائدته.
وفي أفغانستان تكررت الصورة المؤذية،مع الأفغان الذين آثروا موالاة الغربيين الغزاة،على أبناء دينهم وجلدتهم،في سبيل التخلص من حكم طالبان.
وأما فلسطين فقصتها أشد وضوحا،فمنذ اتفاق أوسلو سيئ الصيت،أصبح قسم من الفلسطينيين شركاء للجلاد الصهيوني في مطاردة المجاهدين،وزجهم في السجون والمعتقلات.هذا على الصعيد الرسمي المعلن،بذريعة سلام يثير الضحك والبكاء معا!ويضاف إلى ذلك صنف أشد خبثا يتمثل في عملاء يقدمون للعدو المحتل معلومات عن تحركات المطلوبين لأجهزة الاستخبارت اليهودية الحاقدة،والتي تعلن دائما أنه ليس هناك فلسطيني جيد سوى الفلسطيني الميت.
ومع التنازلات غير المسبوقة التي انتزعها اليهود في أوسلو،فإن العاقل يسأل عما حصل عليه الجانب الفلسطيني في المقابل؟والجواب:حصار"بطل"أوسلو ياسر عرفات ثم دس السم في طعامه!!
ولو كان دعاة الاستسلام صادقين،لاتخذوا من معارضيهم حجة تعزز موقفهم التفاوضي،لكن الحقيقة هي عكس ذلك تماما.فهم طالما استعانوا بدعم واشنطن وتل أبيب للحصول على مهمة يتيمة وغير مشرفة،هي التحول إلى حرس مجاني لجلاد شعبهم وعدو أمتهم.
وباعتراف أدعياء السلام البائس،لم يوقف العدو سياسته "الاستعمارية" التهويدية،ولم تكف غاراته عن الفتك بالأبرياء،ولم تتراجع حكومة أولمرت عن شبر واحد مما بقي من أرض مجزأة ومبعثرة،ويحيط بها جيش الاحتلال من كل جانب.
ووصلت الدناءة حدود منع حجاج بيت الله الحرام الغزاويين من العودة إلى ديارهم من معبر رفح الذي خرجوا منه يوم توجهوا إلى مكة المكرمة..فالمطلوب هو إكراههم على الدخول من معبر كرم أبو سالم الذي يسيطر عليه اليهود مباشرة،لإذلالهم والتنفيس عن الحقد المتراكم عليهم،واقتناص من يهم أجهزة القمع الصهيونية وإضافتهم إلى الألوف المؤلفة من الأسرى والمختطفين في معتقلات الاحتلال.
ومثال آخر لا يقل هولا عن معاناة حجاج غزة التي لم تنته بعد، كان مسرحه مدينة الخليل،التي تخضع-نظريا-للسلطة الفلسطينية بقيادة محمود عباس،لكن وجود 400 مستعمر يهودي جعل من حياة 100 ألف فلسطيني في الخليل جحيما لا يطاق.وفي ظل البطش والقهر المستمرين،عمد بعض المجاهدين إلى قتل اثنين من جنود الاحتلال،فبادرت حكومة الضفة الغربية إلى اعتقالهم بسرعة،وسارع رئيسها سلام فياض إلى الاعتذار-إي والله-من رئيس كيان اليهود المعتدي،وتباكي على مصرع اثنين ممن ساموا شعبه سوء العذاب بشهادة المنظمات الدولية-على ما فيها من خلل وانحرافات-!!
وذلك سقطت عن هؤلاء آخر ورقة توت،فلطالما ادعوا أنهم يعارضون أعمال الجهاد ضد"المدنيين"،مع علمهم بتركيبة المجتمع الصهيوني المعسكرة بالكامل،أما الآن فها هم عبيد المحتل يظهرون على حقيقتهم،فهم مع المحتل الذي يقتل مواطنيهم ويعذبهم ويذلهم ويحاصرهم ويجوعهم،لكنهم ضد أن يصاب جنود بطشه بأذى!!
إن كل ما وقع في فلسطين وغيرها من حالات مماثلة،ينتهي بالمرء المنصف،إلى حقيقة طالما أراد الأعداء طمسها،وهي أن الدخول إلى مواجهة الغزاة بغير العدة الشرعية والأساس العقدي المتين،كثيرا ما ينتهي ب"مجاهدين"سابقين إلى أن يصبحوا أدوات في يد الغازي نفسه!! فكيف بمن لم يكن مهتما في أي وقت بمواجهة العدو،بل إنه في قرارة نفسه يراه مخلصا له،لأنه يشاطره معتقداته وضغائنه على الإسلام والمسلمين،لكن الظروف لا تساعدهم للبوح بمكنونات نفاقهم.