أنت هنا

من قتل بينظير بوتو؟ ولماذا؟
20 ذو الحجه 1428

بات من الرتيب أن نقرأ عبارات من قبيل "عليها بصمات القاعدة" أو "يعتقد أن منفذي الحادث من المتشددين" من دون أن نجد في المقابل ما يشير إلى الاحتمالات الكثيرة والتي تقود إلى هذا الطرف أو ذاك.
والتاريخ ملئ بالاغتيالات السياسية التي تتعدد الجهات المسؤولة عنها، غير أن واقع السياسة الدولية والإعلام التابع له غارق في وحل التلاعب بالمبادئ والقيم التي يرفع عقيرته بالانتصار لها أمام عدسات التصوير فقط، فالاغتيالات التي تنفذها عصابات الصهاينة"دفاع عن النفس"،مع أنها تفتك حتى بغير المستهدفين بها من قادة القتال أو السياسة بل والإعلام.
وكذلك عندما تدك طائرات F16 ألوفا من المدنيين المحصورين في الفلوجة العراقية،أو مئات من المحتفلين بعرس في أفغانستان،فهي حرب على"الإرهاب"!!ولعل الغرب ذا الذاكرة التحكمية الهوائية،يريدنا أن ننسى أن مدلليه اليهود اغتالوا غربيين مثل الكونت برنادوت،وأن عصابات الهاجاناه وشتيرن دمرت فندق الملك داود في القدس عشية جريمة العصر-إقامة الدولة اليهودية على حساب شعب فلسطين-!!
وقديما قيل-بحق-:العدل أساس الملك،فلو كان المتنفذون في العالم يلتزمون المواقف نفسها بغض النظر عن تصنيف الجلادين والفرائس بحسب اللون أو الدين أو أي عنصر تمييز آخر،لكانت الأرض اليوم خيرا مما هي عليه أضعافا مضاعفة.
غير أن ما جرى قد جرى،ولا يعلم إلا الله من الذي خطط لقتل بوتو ومن قام بالتنفيذ،فربما يكون المخطط من جهة والمنفذ من جهة أخرى، وبينهما ما صنع الحداد!!
وهذا ليس بدعا في مؤامرات من هذا النوع الذي برعت فيه أجهزة الاستخبارات الغربية،التي عرف الناس بعضا من صفحاتها السوداء،ومنها أنها تقتل أقرب عملائها عندما تنتهي الحاجة إليهم، أو إذا أصبح إثمهم أكبر من نفعهم،فهؤلاء يعرفون ما يؤذي سادتهم ولذلك فالاستقالة محظورة،والإقالة لا تكفي ما داموا قادرين على الكلام ولو في أضيق الاحتمالات.
ومما يزيد المسألة تعقيدا أن باكستان في عهد برويز مشرف ساحة شديدة التعقيد بسبب التدخلات الغربية الرهيبة،وبخاصة ضغوط الولايات المتحدة الأمريكية،واضطراب الرؤية لدى صانعي سياستها الخارجية،بين المراهنين على قدرة الجنرال على متابعة سيرته المرفوضة شعبيا،والمقتنعين بضرورة إعادة بوتو وأمثالها إلى الواجهة لإنقاذ المصالح الأمريكية هناك،في ظل تزايد السخط الشعبي على ممارسات مشرف وسياساته الداخلية والخارجية على حد سواء.
وما الذي يمنع من توجيه أصابع الاتهام إلى مشرف الذي لا بد أنه استشعر قلقا فعليا من عودة بوتو،ومن رهان "العم سام" عليها وعلى حزبها،ولا سيما على أبواب انتخابات برلمانية بعد أقل من أسبوعين،وربما لا تكفي براعته السابقة بتزوير الانتخابات في الحصول على النتائج المرغوب فيها،ولذلك فالحل الأسهل يكمن في التخلص من منافس قوي ذي حظوظ مرتفعة؟
وبما أن تنظيم القاعدة يمقت بوتو مقته لمشرف، فجسمه قابل للتلبيس-كما يقال-،فيمكن لمن شاء إزاحة بوتو أن يتهم القاعدة وحليفتها طالبان في منتهى اليسر.
والإشكال في فهم ما جرى يتلخص في الفرق بين الرغبة والقدرة،فهواة التصفية الجسدية من أشياع القاعدة يتعذر عليهم تنفيذ رغبتهم إزاء حماية رسمية وحزبية مكونة من عدة حلقات ،إلا بتواطؤ من بعض المسؤولين عن توفير الأمن لها.وأما نظام مشرف فلن يستطيع تكليف أحد من موظفيه بعملية تنتهي بموته المحتم!!
وبالتالي فكل الاحتمالات واردة في موضوع تغييب بوتو القسري في تلك اللحظة، أن تكون الاستخبارات الباكستانية التي أزعجها التوجه الغربي لبوتو، أو الولايات المتحدة الأمريكية التي قد تحتاج إلى إشعال باكستان من أجل فتح ثغرة يمكنها النفاذ منها للسيطرة على السلاح النووي الباكستاني أو مشرف ليكسح الطريق أمامه من جديد أو الجماعات المسلحة سواء أكانت طالبان الباكستانية أم الأفغانية أم القاعدة، وفي كل الأحوال،فإن اغتيال بوتو يفتح المستقبل القريب لباكستان على آفاق خطيرة،في ضوء الاضطرابات الداخلية،والتدخلات الغربية،والتعقيدات الإقليمية في غابة يغلب عليها تكاثر الأعداء المتربصين من أكثر من اتجاه.