أنت هنا

جوانتانامو.. فضيحة لا يطويها النسيان
12 ذو الحجه 1428

نخطئ كثيرا إذا تعاملنا مع معتقل جوانتانامو مثلما نتعامل مع أي ممارسة غربية جائرة،مع البشر من غير الغربيين بعامة،ومعنا-نحن معشر المسلمين-بخاصة.
فقد يضعه بعض قراء المظاهر في نطاق المرووث الغربي النكد،بطبعه الاستعلائي المستكبر،منذ الإمبراطورية الرومانية،عندما كان كل أبناء آدم من غير الرومان برابرة،لا بأس في استئصالهم،ولا مشكلة في إذلال من يبقى منهم على قيد الحياة.
وصحيح أن سجل الغرب حافل بألوف الشواهد القاطعة،والبراهين الناصعة،على المسافة الشاسعة بين شعاراته وبين تنفيذها في أرض الواقع،فهي على امتداد القرون الثلاثة الأخيرة-الأشد هولا وفظاعة-،أكثر من أن تحصى،وأكبر من أن يجحدها مراقب منصف.غير أن لمعتقل جوانتانامو"مكانة"متفردة،من حيث الحجم ومن حيث النوع ومن حيث الدلالة.
فهذه هي أوضح ممارسة جماعية شاملة لمبدأ ازدراء الآخرين،وإلغاء حقوقهم الآدمية،بصورة علنية،تتجاوز التاريخ الغربي الأسود كله،فما بالنا إذا أخذنا في الاعتبار أن الغرب كان يحتقر "الأغيار"من قبل،في غياب ما أقامه من منظمات دولية تتخذ من شعارات المساواة وحقوق الإنسان أكبر شعارات زائفة،وأردأ تجارة بالمبادئ والقيم الإنسانية.
وللمرة الأولى"يسبق"الغرب المنافق،مستوى القمع الوضيع في ظل نظم الديكتاتورية في العالم الثالث،التي كانت-وما زالت-محل حماية فعلية من قبل القوى المتنفذة عالميا،وموضع نقد لفظي لا يسمن ولا يغني من جوع.
فلا الاعتقال يتم بإشراف قضائي،ولا التحقيق يجرى مع توفير أدنى حد من الحماية القانونية،لكي لا يؤخذ الأبيض والأسود معا،والأدلة سرية.ولا أساس لمدة الاحتجاز سوى مزاجية الاستخبارات،ناهيكم عن التعذيب الوحشي،وانتهاء بمتابعة الضغط حتى على الذين يتم الإفراج عنهم!!ولو أن شخصا نسب ذلك إلى الدول"الديموقراطية"لهب المتغربون يشتمونه بأقذع الألفاظ.لكن القوم باتوا يجاهرون بما يفعلون ويصرحون به على مرأى ومسمع من وسائل الإعلام كافة.
فقبل أيام،حكمت محكمة فرنسية على خمسة من رعاياها بالسجن،بالرغم من أنهم أمضوا سنوات من المعاناة الجائرة في المعتقل الأميركي البائس.ولو سلمنا-جدلا-أن هؤلاء مذنبون،أفلا تقضي العدالة بعدم معاقبة المجرم على الجريمة الواحدة مرتين؟
والأدهى أن المدعية العامة التي طالبت بسجن أولئك الشباب،أقرت صراحة بأن احتجازهم في جوانتانامو مخالف للقانون الدولي!!!
وقد تبين من سوابق مؤكدة،أن الذين يخرجون من ذلك المعتقل الرهيب،-باعتراف استخباراتي ضمني أنهم أبرياء-يحظر عليهم السفر من بلدانهم طول حياتهم،ويمنعون من دخول"الفردوس"الأمريكي نهائيا.
ولأن فضيحة جوانتانامو بهذا الحجم من الفظاعة،فإن بعض العقلاء في الغرب،أخذوا ينتقدونه،ويطالبون بإغلاقه،حرصا منهم على تقليص الخسارة الكبرى التي تسبب بها عالميا.نقول هذا ونحن نظن أن هذه الفضيحة لن يسترها حتى إقفالها،ولن يطويها مرور الزمن،لكن إنهاءها يحد من استمرار آثار الكارثة.
وكلنا نذكر أن مستشارة ألمانيا-ذات التوجه اليميني الجلي-افتتحت عهدها بزيارة إلى الولايات المتحدة،وهناك أعلنت عن اعتراضها على جوانتانامو في حضور بوش نفسه.والمنظمات غير الحكومية ترفع صوتها بالاحتجاج بعد أن شاركت في الجريمة بالتواطؤ الصامت في السنوات الأولى.فهل يستيقظ عقلاء السياسة في واشنطن أم أن المكابرة سوف تستمر بعد رحيل الإدارة الحالية بتطرفها المعلن؟