أنت هنا

بين"شطارة" الأسد و تجارة بوش.. دمشق تستعيد لبنان؟
8 ذو الحجه 1428

لم يأن لأضعف خلق الله ذاكرة، أن ينسى انقلاب الزعيم الدرزي وليد جنبلاط على نفسه بمقدار180درجة، فور انتهاء زيارته لواشنطن قبل أقل من شهر واحد! فقد يمم جنبلاط وجهه شطر البيت الأبيض وهو يجهر بالدعوة الصريحة إلى إسقاط النظام السوري، باعتبار ذلك شرطا حتميا لاستقرار لبنان، لكنه في طريق إيابه حاملا خفيّ حُنين، راح يبشّر بالتوافق مع المعارضة اللبنانية، التي كان ينعتها من قبل بأنها أداة تخريب في يد المحور الإيراني/السوري.
فما الذي تبدل في الإدارة الأمريكية، التي دأبت على اتهام دمشق بدعم الإرهاب، وطالما لوحت باحتمال إطاحة نظام بشار الأسد؟.
وهل يراد لنا أن نصدق أن إدارة بوش-بتركيبتها المعروفة-دعت سوريا إلى اجتماع أنابوليس حرصا على تسوية سياسية للقضية الفلسطينية؟
أم أن "العم سام" الذي لا يثق بتابعه السابق توني بلير، يمنح ثقته لساركوزي لكي يفاوض السوريين على تمرير استحقاق انتخابات رئاسة الجمهورية في لبنان؟
ربما أرادت واشنطن من تفويضها الظاهري للدبلوماسية الفرنسية، أن تصيب عصفورين بحجر واحدة؛ فهي تلعب على وتر الحنين الفرنسي التاريخي لمستعمرته. القديمة"المتميزة"، لكنها تمسك بالأوراق الحقيقية، سواء أكانت ضغوطا فعلية عند الحاجة، أم صفقة جزئية أو شاملة.
ولذلك كان مآل الجهود الفرنسية خيبة تامة، وحرجا غير مسبوق لباريس مع البطريرك الماروني، الذي اضطرته إلى تقديم لائحة بمرشحين للرئاسة، وضمنت له أن يتم اختيار واحد من اللائحة، غير أن الوعود المبهمة التي حصلوا عليها من سوريا، سرعان ما تبخرت على يد حلفاء دمشق بزعامة "حزب الله"،متدثرا وراء ستار نصراني تمثله طموحات ميشيل عون.
وبعد تقهقر الأكثرية عن تلويحها بانتخاب رئيس للجمهورية بالنصف زائدا واحدٍ،وقبولها بتعديل الدستور لاختيار قائد الجيش الحالي ميشيل سليمان، وضع حلفاء سوريا وإيران عراقيل تعجيزية جديدة، ونجحوا في عرقلة وصول الرجل إلى قصر بعبدا، بالرغم من أنه أقرب إليهم وإلى حلفائهم الإقليميين!!
بل إن سليمان تلقى رسالة/صفعة، من خلال اغتيال مدير عمليات الجيش العميد فرانسوا الحاج(المرشح الأوفر حظا لخلافته في قيادة الجيش)،الأمر الذي يعني"أننا نستطيع الوصول إليك".وبالرغم من الإحراج الذي سببه قتل الحاج لميشيل عون في الساحة النصرانية؛ فإنه لم يتمكن من فعل شيء، فهو في تفاهمه مع الرافضة هناك مجرد تابع، ليس له من القرار مثقال حبة من خردل.
ولم تنفع تنازلات الأمريكيين لآيات قم على صعيد المعلومات الاستخبارية المتصلة بملفهم النووي، وهم يدركون أن النظام السوري مرتاح لسير الأمور تماما، ولا يعنيه حاليا سوى رفع سيف المحكمة الدولية لمحاكمة قتلة رفيق الحريري عن عنقه، أما ما تبقى فليس سوى تفاصيل هامشية.
فهل قدم البيت الأبيض"العدالة" و"المبادئ"- كالعهد بهم -،على مذبح مصالحهم الخاصة؟أم أنهم في سبيلهم إلى عقد صفقة قذرة بهذا الشأن؟
قد يقال: إن واشنطن لن تفرط ب"إنجازها" الجزئي اليتيم في المنطقة، وإن قضية محكمة قتلة الحريري، بلغت شوطا يتعذر معه التملص منها بأي ذريعة، وإنه يستحيل أن يختم بوش عهده بهزيمة كاملة أمام دولة صغيرة مثل سوريا فيعيد تلزيم لبنان إلى نظامها الذي يفترض أنه مناوئ.....
وهذا لا يقوله إلا من اجتمع فيه جهل مثلث: بـ"العم سام" النفعي الانتهازي الميكيافللي، وبالنظام السوري وتكوينه وأساليب عمله المريعة، وبالتاريخ غير المشرّف للطرفين في شأن لبنان بخاصة، وفي الموقف الفعلي من "الدولة" الصهيونية؛ فجيش الأسد الأب دخل لبنان في عام 1976م، بضوء أخضر أمريكي لذبح القوى الفلسطينية واللبنانية القومية واليسارية!! وإعادة القوة إلى المارونية السياسية الدموية!! وظل جنوب الليطاني خطا أحمر التزمه الأسد، مثلما كانت جبهة الجولان المحتلة- وما زالت- خطا أحمر لحماية الاحتلال اليهودي، فلم تخترقها رصاصة واحدة- ولو بالخطأ! -،إلا إذا كانت الادعاءات اللفظية لإذاعة دمشق صواريخ عابرة للقارات!
يقول بعض المراقبين المطلعين: إن عودة دمشق إلى لبنان لن تتم بالطريقة التي تمت في عهد الأب؛ فهنالك متغيرات سوف تراعى تكتيكيا، وعلى المقيمين في أرض الثقة البلهاء بالأمريكان، أن يراعوا فوارق التوقيت..
فهل نقول مع المثل الشعبي: ما من دخان بلا نار؟