أنت هنا

قاطعوها قبل أن تَهلِك وتـُهلكـَنا..
7 ذو الحجه 1428

الحمد لله على نعمة الإسلام وكفى بها نعمة. هذا الدين العظيم الذي علمنا أن نشهد بالحق حتى لأعدائنا في الدين.ونحن نتحدى المتشدقين بشعارات"احترام الآخر"أن يقدموا لنا نموذجا فعليا مشابها،بالرغم من أنهم لو عثروا عليه،فإننا نبقى الرواد وأصحاب السبق.لكن الواقع يفيد نقيض ادعائهم،مع أننا في القرن الحادي والعشرين الميلادي،وهو ذروة الاتجار الكاذب بهذا الشعار لفظيا،مثلما هو ذروة خيانته عمليا.
فلسنا ننكر ما في المدنية الغربية من إنجازات أفادت البشرية منها بعامة،وتحديدا في علوم الطب والاتصال والعمران....غير أن ذلك لا ينبغي له أن يحجب الدوافع والغايات وراء هذا التقدم المادي، فهو نتج عن رؤية نفعية صرفة،وكانت السيطرة هي الغاية المنشودة لأصحابه. وإذ تقدم حقب الاستدمار (ويسميه أهله:استعمارا من باب الدجل السياسي)،هذه الحقب المتجددة، تقدم شواهد يتعذر دحضها على استنزاف خيرات الشعوب،لمصلحة الغربيين الغزاة،وهناك تتدرج نسبة النهب فيصب النصيب الأكبر منها في جيوب أصحاب الأموال الضخمة،والشركات العملاقة،ليجني منها الأقل دخلا شيئا من الفتات.
هذا التشخيص ليس من عندنا، بل إنه لم يعد حكرا على الماركسيين الذين ظلت"حسنتهم" اليتيمة، في تعرية الرأسمالية المتوحشة بالمعطيات الموثقة والأرقام التي لا تحابي ولا تجامل.
فبعيدا عن السياسة والكلام المؤدلج، تكفي قراءة عاجلة لتقارير الوكالات الدولية المتخصصة-تتبع الأمم المتحدة التي لا خلاف في هيمنة الغرب عليها-، تكفي للجزم بما لا يدع للشك مجالا، بحجم التخريب الهائل الذي اقترفه الغرب الصناعي الغني، في حق البيئة بجميع عناصرها:الماء والهواء والغذاء وصولا إلى الغلاف الجوي(ثقب الأوزون).
والأدهى من ذلكم الدمار- ونحن نفضل أن نسميه بما سماه به الله سبحانه:الإفساد في الأرض-،أن الجناة لم يكتفوا بما ارتكبوه من جنايات رهيبة تهدد الحياة إلى أمد لا يعلمه إلا الله عز وجل،وإنما يصرون على مواصلة نهجهم الفتاك،بل إنهم يأبون محاولات الحد التدريجي من مستواه.
أجل،فها هو العالم كله يسعى في جزيرة بالي الإندونيسية إلى إقناع المفسدين بتقليص معدل إفسادهم وليس بالكف عنه،في حين تتذكر البشرية بكل الأسى،أنه قد انقضت عشرة أعوام على معاهدة كيوتو للغرض ذاته،وهي معاهدة أفشلها التعنت الأمريكي وحده!!وما يجري اليوم لا يختلف عما جرى بالأمس؛ فمصلحة الشركات الأمريكية فوق مصالح البشر كافة، بمن فيهم أجداد الماضي في القارة الأوربية،الذين أصبحوا أكثر جرأة في اتهام العم سام بتلويث البيئة العالمية.والمضحك/المبكي،أن نسبة الأمريكان إلى سكان الأرض لا تبلغ 5%،لكنهم مسؤولون عن 80%من التلوث البيئي الذي يهلك الحرث والنسل!!
إن هذا الواقع المأساوي الذي يعبر عن أنانية مفرطة، واستهتار بالحياة والآخرين، يستدعي إلى الذاكرة، حديث السفينة الذي لخص مثل هذه الحالة منذ 15 قرنا؛ فقد روى النعمان بن بشير رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: " مثل القائم في حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استهموا على سفينة فصار بعضهم أعلاها وبعضهم أسفلها، وكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم؛ فقالوا : لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقاً ولم نؤذ من فوقنا ، فإن تركوهم وما أرادوا هلكوا جميعاً ، وإن اخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعاً " [رواه البخاري. ] .. فوالذي رفع السماء بغير عمد إنه لا سبيل أمام الإنسانية جمعاء سوى التوجيه النبوي الكريم:الأخذ على يد الشريك السفيه الذي لو تركناه لحماقته ورعونته لأهلكنا معه،وهو يظن أنه يستأثر بالنفع وحده.بالطبع،سيقال:ومن ذا الذي يستطيع أن يأخذ على يد الدولة الأشد قوة وتسلحا وفتكا؟ والجواب ميسور وواقعي: فمن قال إن كبح المتهور لا يتم إلا بالقوة المسلحة؟ ألا يستطيع البشر العقلاء بمن فيهم المقموعون في أمريكا نفسها أن يقاطعوا كل المنتجات التي يصر صانعوها على تدمير التوازن الكوني ومستقبل الحياة الإنسانية كلها؟