أنت هنا

مخابرات واشنطن تبرئ آيات قم؟!
26 ذو القعدة 1428

هنالك إشكال ذهني لدى عدد غير قليل من المسلمين في عصرنا الحاضر،يتجلى في قراءة سياسات الدول،بعيدا عن فهم بنيتها العقدية،وتركيبتها الاجتماعية، ومسيرتها التاريخية، وخصائصها النفسية.
وليت هذا الخطأ يقتصر على نفر من العامة،إذن لهان الأمر قليلا،لكن المعاناة الحقيقة،من ذلك الخلل تكمن في أن بعضا من الفضلاء ممن يؤثرون في الرأي العام،يقعون في هذا المطب،الذي يؤدي إلى غبش في الرؤية،واضطراب في إدراك الأحداث وخلفياتها،وتقلبات السياسة الظاهرة....
فكيف يتسنى لمراقب موضوعي،أن يحسن قراءة السياسة الخارجية لإيران،منذ ثورة الخميني،ما لم يكن مطلعا على مذهب الرفض الذي تتبناه بالقوة،وعلى موقع عقيدة التقية الباطنية منه،وعلى صلته بالموروث الشعوبي ورواسب الضغينة المجوسية لدى طوائف من الفرس،وكذلك ما لم يكن ملما بتاريخ الدولة الصفوية،التي تخصصت في العداء للصحابة الكرام،ولم تحارب سوى الدولة العثمانية حتى أعاقت حركة فتوحاتها في أوربا!!
إن غياب تلك العدة المنهجية،يفسر لنا نجاح طهران في تضليل حشود من أهل السنة والجماعة،حتى إن بعض المخدوعين يعدها الدولة الإسلامية الحقيقية الوحيدة في زماننا!! ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.والسبب أن هؤلاء المساكين،غرتهم شعارات "الآيات"التي تزعم العداء المطلق للكيان الصهيوني ولمن يدعمونه في الغرب.ولذلك يأبى أولئك المفتونون أن يطالعوا الوثائق التي تفضح علاقات سرية مع تل أبيب،ولا سيما في أثناء الحرب العراقية/الإيرانية،في ما اشتهر باسم"إيران-جيت".
ولا يعدم المرء نفرا من هؤلاء يسألونه:فما بال التهديد الأمريكي المتكرر بتوجيه ضربة عسكرية لإيران؟لكن المسكين،يتناسى أن الولايات المتحدة الأمريكية(الشيطان الأكبر بحسب تسمية آلة الدعاية القمية!!)،قدمت لنظام الملالي رأس أكبر عدوين قويين له،هما نظام صدام حسين في العراق،ونظام طالبان في أفغانستان!!
ولو أنه التزم معايير الحياد والموضوعية،وأصر على حق التساؤل عما وراء الظواهر المتناقضة،حتى لو سلم-جدلا-بأن "العم سام" ساذج إلى هذه الدرجة،لوقف عند رضا طهران نفسها،بتحالف حلفائها في العراق(مثل فيلق بدر الذي تأسس في حضنها لمحاربة بلده من قبل،وحزب الدعوة وأشباههما)،مع من تسميه الشيطان الأكبر الذي استقدمه أشياعها لاحتلال العراق،في حين أنها توزع اتهاماتها المجانية لمن لا يلعن أمريكا في إعلامه ليل نهار؟!
حسنا،فنتأمل في أحدث نبأ ورد من أمريكا،حول ملف إيران النووي،ولنقرأه بأمانة ودقة،ولنضعه في سياق الأحداث السابقة والراهنة،لكي نستوعبه على وجهه،وليس كما نحب أو نكره.فها هي وكالات الاستخبارات الأمريكية كافة(16 جهازا استخباريا!!)،تجمع في تقرير واحد،على أن طهران جمدت الشق العسكري من برنامجها النووي،منذ عام2003م!!
أفلا يستحق هذا التقرير/الصاعقة،ألف علامة تعجب،ومليون خط أحمر؟
فإذا كان محتواه صحيحا،فمنذ متى تسعى الاستخبارات الأمريكية،إلى منح صكوك الغفران،لنظام تصنفه على رأس محور الشر؟ولماذا تعلن التقرير،في بلد بلغت خيانته لمبادئه المعلنة،حد إجراء محاكمات لأشخاص مسلمين،من دون أن يطلعوا-هم ولا محاموهم الأمريكان!!- على أدلة الاتهامات الموجهة إليهم!!
وإذا كان التقرير صادقا،فمعناه أن إدارة بوش ونظام آيات قم،تواطآ معا على تضليل البشرية أربع سنوات متصلة،الأمر الذي يوجب على العاقل أن يسأل عن الدوافع،ولا يبقى مجال لذرة احتمال واحد عن جدية الخصومة المعلنة من الطرفين.وكيف تتفق الأجهزة الستة عشر على أمر بهذا التعقيد،مع أنها تختلف في مسائل أقرب إلى العلنية والشفافية؟ولماذا كذبت هذه الأجهزة على عراق صدام إذن؟......
أما إذا كان التقرير كاذبا،فإن المصيبة أوضح وأشد سطوعا..
أفرأيتم كم نخدع أنفسنا،إذا مارسنا التحليل السياسي بالتشهي،من دون خلفية فكرية سليمة،وبلا مناقشة منطقية للملابسات والظروف والخفايا؟