أنت هنا

ساركوزي ..وخروف القبائل!!
23 ذو القعدة 1428

إذا غضبت عليك بنو قشير حسبت الناس كلهمو غضابا

هذا ما قاله شاعر عربي،في عصر التفاخر القبلي،والشعراء-إلا ما رحم الله-يبالغون في مشاعرهم.غير أن مقولة الشاعر تبقى شديدة اللطف والتواضع،أمام ما نلمسه في زماننا،حيث ترتعد فرائص كثير من الساسة والحكام العرب،إذا استاء منهم مسؤول غربي،من مستوى متوسط،فكيف إذا سخط عليهم رئيس إحدى الدول"الكبرى"دائمة العضوية في مجلس الأمن الدولي؟.فالرئيس الفرنسي ساركوزي مغتاظ من وزير المجاهدين الجزائري محمد الشريف عباس،الذي أشار إلى الجذور اليهودية لساركوزي.وقد اتصل الرئيس الجزائري عبد العزيز بو تفليقة بنظيره الفرنسي معتذرا،ومؤكدا أن كلام وزيره لا يعكس الموقف الرسمي للدولة الجزائرية.
في الواقعة ذاتها،يبدو تصريح الوزير الجزائري،غير موفق من جهة توقيته،بغض النظر عن صحة مضمونه،وللرئيس بو تفليقة عذر جلي في امتعاضه منه،لأن الرئيس الفرنسي سيحل ضيفا عليه خلال الأيام القليلة المقبلة،ولا يليق بمضيف استقبال ضيف بما يسيء إليه،علنا في الأقل.
فماذا لو ضربنا عن الواقعة وتوقيتها صفحا،وتجاوزنا الإحراج الذي تسببت به،لنتأمل حقيقة الصداقة التي يدعيها الغرب-في أكثره-مع ضحاياه السابقين،ولنأخذ العلاقات الفرنسية/الجزائرية نفسها مثالا،ولنركز في بؤرة الصورة على ساركوزي شخصيا،باعتباره الرئيس الجديد لبلاده،وبما يحمله من رؤى سياسية،تثير لغطا في فرنسا بخاصة،وفي الغرب بعامة؟
لقد "استعمر" الفرنسيون الجزائر ما بين(1830و1962م)،وكان "استعمارهم" أشد هولا من سواه،لأنه من النوع الاستيطاني،إذ كان الفرنسيون يريدون تحويل البلد المسلم العزيز إلى أرض فرنسية،ولذلك مارسوا على مواطنيه سياسة سميت "سياسة الأرض المحروقة".
ومع أن الذاكرة الوطنية الجزائرية حافلة بالصفحات المريرة جدا،فلطالما عرضت الضحية على جلادها الذي اضطر إلى الخروج صاغرا،بقوة الجهاد والنضال،عرضت عليه فتح صفحة جديدة،لتناسي آلام 132 عاما من القهر والظلم،بشرط يتيم وشديد البساطة،ألا وهو اعتذار باريس عن ماضيها الأسود.
لكن الاستعلاء العنصري عند أدعياء شعارات(الحرية والإخاء والمساواة)،أبى على قادة فرنسا من مختلف التيارات،أن يعترفوا بذنبهم،بالرغم من أنهم التمسوا صفح اليهود عنهم،لأن فئة من الفرنسيين،شاركت في اضطهاد اليهود في فترة الاحتلال النازي لفرنسا في الحرب العالمية الثانية.فهي لم تكن سياسة الدولة،بل ممارسة نفر محدود،ربما كان مكرها على مجاراة جنود هتلر المحتلين.
بل إن فرنسا المكابرة،التي ترفض مجرد مناقشة تركتها البغيضة في الجزائر،تصرفت كأي شخص مريض بانفصام الشخصية(شيزوفرينيا)،ففتحت-بوقاحة-ملف ما يسمى"مذابح الأرمن"المزعومة على أيدي الأتراك خلال الحرب العالمية الأولى(1914-1918م)!!
أما ساركوزي نفسه فأمره أدهى وأقسى،فهو صاحب نظرية محاربة الحجاب الإسلامي،عندما كان وزيرا للداخلية،باسم العلمانية التي يفترض فيها الحياد بين الأديان-زعموا!!-لكنه لم يعامل صليب النصارى ولا قبعات المتدينين اليهود كرموز دينية تهدد لادينيته المدعاة!!
وقد عبر ساركوزي عن حقده على المهاجرين في أحداث ضواحي باريس،بحجم القمع الذي واجه به احتجاجاتهم،بل حتى بشتائمه التي تلفظ بها شخصيا،ولقيت استياء واسعا لدى شرائح من المجتمع الفرنسي.ونسي الرجل أنه من أصول مجرية،فهو مهاجر مثلهم،وربما كان ذلك الاندفاع العنيف ضدهم،نوعا من المبالغة لينسى الآخرون أنه ليس فرنسيا أصيلا بالمعايير العنصرية الشوفينية،التي يتبناها صقور اليمين المتطرف.
ولساركوزي رؤى سياسية قريبة جدا من رؤى المحافظين الجدد في الولايات المتحدة الأمريكية،سواء في نظرته إلى الغرب أم إلى الآخرين،وبخاصة إزاء المسلمين.فهو يحمل لواء المعارضة العلنية الحازمة لدخول تركيا في عضوية الاتحاد الأوربي،الذي يريده ساكن قصر الإليزيه الحالي منظومة"مسيحية"محضة!!ولذلك ناصره اللوبي الصهيوني بقوة خلال حملته للانتخابات التي جاءت به رئيسا للجمهورية الفرنسية قبل أشهر.
وإلا فهل كان من المصادفات"البريئة"أنه أراد اصطحاب مطرب يهودي شديد العداء للإسلام في زيارته المرتقبة للجزائر،لولا شدة الاحتجاجات التي قوبلت به خطوته الاستفزازية هذه؟
وهل ندفن رؤوسنا في الرمال،ونحن نطالع أخبار المنصرين الفرنسيين ومساعيهم الخبيثة لاستغلال الفقر وتنصير المسلمين هناك،وبخاصة في مناطق القبائل(الأمازيغ)،حتى إن واحدا من أكثرهم وقاحة،يتزعم حملة مضادة لعيد الأضحى المبارك،في مجتمع أهله كلهم مسلمون،وهم أحفاد الفاتح البطل طارق بن زياد،وأبناء المجاهدين الجزائريين الذين طردوا الغزاة أجداد هذا القس الباغي. هؤلاء البربر الصناديد ركن من أركان الهوية الإسلامية المتلازمة مع عروبة اللسان القرآني هناك،وهو ما عبر عنه الشيخ المجاهد عبد الحميد بن باديس رحمه الله في مواجهة الفرنسة القهرية حين قال :
شعب الجزائر مسلم وإلى العروبة ينتسبْ