أنت هنا

أنابوليس.. أنا بوليس!!
18 ذو القعدة 1428

جرى العرف دوماً في الزيارات المكوكية الأمريكية في الدول العربية بما فيها فلسطين أن يتم تناول الجزء الأكبر من المباحثات المسائل الأمنية المتعلقة بأمن الكيان الصهيوني، وعليه فقد نجحت الولايات المتحدة في تحويل ملفات الصراع إلى طريق واحدة تتعلق فقط بتحقيق هذا الأمن دون سواه من حقوق المتضررين من الاحتلال الصهيوني لأراضيهم، ويبقى الجزء الأهم في مباحثات "السلام" هو مسائل المعابر والحواجز والدوريات المشتركة والتنسيق الأمني لمنع العمليات "الإرهابية"، ومردت الولايات المتحدة إزاء ذلك على الضغط على الطرف الأضعف في المفاوضات وهو الجانب العربي، الواقع تحت تأثير "البوليس الدولي" الأمريكي، ولذا فلم يكن مثيراً للاستغراب يوماً أن تختزل حقوق الفلسطينيين وغيرهم في بعض الانفراج الأمني، وأن يدور جل المفاوضات حول كيفية تخلص "إسرائيل" من هاجس "الإرهاب" المسيطر عليها، ولم يكن كذلك غريباً أن يتحول الجهد الدبلوماسي إلى جهد أمني بكل معنى الكلمة حتى إن مسئولي ملف المفاوضات في الدول العربية قد صاروا كلهم من أجهزة الاستخبارات لا وزارات الخارجية الجهة المخولة افتراضاً بإجراء المفاوضات بين الدول.
غير أن الجهة الضاغطة الأولى، تحولت من أنا "بوليس" إلى أنابوليس أو إحدى البقع التي ستعرف مستقبلاً كأرض للتطبيع بين الكيان الصهيوني والدول العربية والإسلامية، حيث راعية الأمن انحازت هذه المرة إلى خطاب التطبيع ذي النمط الناعم لغرض إدماج "إسرائيل" في المنطقتين العربية والإسلامية، وقد بذلت من أجل ذلك الولايات المتحدة جهداً كبيراً من أجل جمع 22 دولة مسلمة على مائدة تطبيع معدة سلفاً لهذا الغرض لم تضم في مقابل هؤلاء إلا 17 دولة أخرى، بما يوحي بأن الغرض أكبر من "إقامة سلام" بين الفلسطينيين والصهاينة.
وبرغم أن الولايات المتحدة الأمريكية و"إسرائيل" معنيتان بضمان أمن الأخيرة في وقت لا يبدو المستقبل لها في ضوء هذا التحول الديموجرافي الهائل داخل فلسطين 48 ، وصعود النمط المقاوم عقيدة وتسليحاً وحنكة، إلا أن ما يبدو من تركيبة الحضور في المؤتمر وإجراءاته وبروتوكولاته توحي بأن الأمر يفوق هذا الهدف على أهميته، ومن يلحظ تصريحات الرئيس الأمريكي في مستهل "المؤتمر" عن رغبته في أن "تثبت إسرائيل للعالم رغبتها في إحلال السلام" يدرك أن هذه اللغة الناعمة والوعود التي سيفرزها هذا اللقاء لها ما وراءها من مساعٍ لأن يكون هناك أكثر من نتائج "كامب ديفيد"/السادات، و"أوسلو"/عرفات، و"وادي عربة"/حسين.
والأمر هنا أكثر وضوحاً من تلكم السابقات، نعني ما استتبعهم وإلا فلا نتائج منتظرة أو اتفاقيات يتوقع أن تتخلف عن أنابوليس الآن، ولا مفاوضات باعتراف الجميع، وهذا الوضوح وهذا الزخم، فريد من نوعه وتأثيره إلى الحد الذي جمع المتخاصمين فيه من الدول الإسلامية فإذا أنابوليس أشبه بـ"قمة إسلامية" لم تر مكانها في لحظة تيه!!