أنت هنا

بضائع مسمومة مدسوسة.. حرب المصطلحات وتحريف المفاهيم
13 ذو القعدة 1428

في قصة صراعنا المديد مع أعداء الله من الصهاينة وأشياعهم الصليبيين، حرب إرادات ومفاهيم، هي أشد خطرا من المواجهات المسلحة، لأنها أبعد مدى وأعمق أثرا.
وهي في الأصل جزء لا يتجزأ من مواجهتنا الشاملة مع الغرب، الذي خلص من غزواته العسكرية الفاشلة، إلى أهمية تزييف المصطلحات وتشويه الأفكار، مما يسميه باحثون غربيون -لديهم الحد الأدنى من الموضوعية-يسمونه"التلاعب بالعقول".
ألم يتحايلوا منذ عشرات السنين، على الربا المحرم في ديننا تحريما مغلظا، فأطلقوا عليه اسم (الفائدة)؟! أولم يمارسوا أحط أصناف المخاتلة، حين دعوا أم الخبائث -الخمر- باسم "المشروبات الروحية" والعياذ بالله؟ وهذا على سبيل التمثيل وليس الحصر.
ولقائل أن يقول:ما قيمة هذا التلاعب الرخيص، فالمسلمون يعرفون حقائق دينهم، ولن ينخدعوا عنها، بصرف النظر عن أنواع الغش والتدليس، التي تصب على رؤوسهم، في وسائل الإعلام، وفي كثير من مناهج التعليم، التي اخترقها هؤلاء مباشرة أو عن طريق عبيدهم من عميان البصيرة، الذين يسيرون وراء الغرب كله:خيره وشره، حلوه ومره!!
والإشكال لدى هذه الفئة الطيبة من المسلمين، أنهم يبالغون في الثقة بالنفس، ناسين أن وعي الناس درجات وطبقات، ومتجاهلين أن هذه الألاعيب، انطلت على أكثر مجتمعات الأمة، في القرنين الماضيين، قبل أن يعود الوعي، وتلوح بوادر الصحوة. كما أن مولانا عز وجل، هدانا إلى أسس التعامل مع هذه التحديات، ولم يدعها لتخبطنا يمنة ويسرة. فقد أمر الله سبحانه في محكم التنزيل أمة المصطفى، في حياته صلى الله عليه وسلم، في خير القرون، وعلى أطهر جيل من غير الأنبياء، أمرنا تبارك وتعالى بمخالفة أهل الكتاب باستخدام كلمة"انظرنا"، بدلا من كلمتهم"راعنا"، بالرغم من أن المعنى اللغوي المحض مشترك بين الكلمتين، فقد قال عز من قائل: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا وَاسْمَعُوا وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ أَلِيمٌ ) (البقرة:104)
فكيف بالله عليكم، حين يتناقض المدلول كليا، بين المصطلح المؤصل شرعا ولغة، والمصطلح الوافد من بيئة لا ترجو لله وقارا، بل من مناخ تخصص في صك مفاهيم ومصطلحات لتزوير الحقائق والعقول؟
وهنالك مؤشر عملي، يلحظه المراقب النزيه، من خلال الجهود الفائقة التي يبذلها القوم، وينفقون عليها الأموال الضخمة، ويقيضون لها أدهى خبرائهم، ويصبرون عليها طويلا، كي تتسلل إلى عقولنا وقلوبنا-لا قدر الله-. كما تتجلى أهمية هذه الحرب عندهم، عبر الضغوط الهائلة، التي يمارسونها على الحكومات، لتغيير هذا المصطلح، أو استعمال ذاك المفهوم!!
ولأن الأمثلة أوسع من أن نحصرها في مساحة محدودة كهذه، نكتفي بمثالين، هما الأكثر شيوعا، والأشد ضررا، وثمة صلة وطيدة بينهما، ونعني بهما: "الشرق الأوسط"و"السلام".
فمصطلح"الشرق الأوسط"صناعة غربية صرفة، ترافق ظهوره في الحقبة الاستعمارية المباشرة للأكثر البلدان العربية والإسلامية، وقد ولد من رحم الاستعلاء العنصري، الذي اشتهر باسم"عقدة المركزية الأوربية"، فأوربا بحسب هذا الفهم المنحرف، هي مركز العالم، ولذلك يصبح المشرق العربي الإسلامي، شرقا أوسط، بالقياس إلى القارة المغرورة!!
وقد توازى الإصرار الاستعماري على استخدامه، مع الرفض القوي في مجتمعاتنا، لكنه تمكن من خلال الإعلام الغربي المهيمن، وتوابعه الذيلية، التي تنطلق في رؤيتها للعالم والحياة، من مركب نقص قاتل. ولذلك شاع المصطلح، بالرغم مما افتضح من هدفه الهدام، بجعل الكيان الصهيوني، جزءا من نسيج المنطقة، بالضد من حقائق التاريخ والجغرافيا، بل ومفاهيم الدولة الحديثة في السياق الغربي، والتي لا يصح أن تكون دينية!!لكن الغرب المنافق، يجيز لبيبته المدللة، ملا يجيز لأحد سواها!!
أما مصطلح"السلام"في طبعته الغربية الكاذبة الخاطئة، فآلامه أشد وأقسى، لأن السلام من أسماء الله الحسنى، وهو تحية الإسلام، مثلما هو تحية أهل الجنة، ولذلك يجرح ضمير كل مسلم، تحريف هذا الاسم الشريف عن مواضعه، بل حتى خيانة دلالته اللغوية الأصلية.
فالكيان الذي نشأ على الجور غير المسبوق، وعلى التوسع والعدوان، والذي يأبى التزام قرارات الأمم المتحدة، التي يسيطر عليه سيدته-أو تابعته!!-الولايات المتحدة وهي قرارات أضفت على وجود دولة الظلم والعدوان، غلافا قانونيا صفيقا!!ومع ذلك، يكذب ما يسمى"المجتمع الدولي"على مرأى ومسمع مليارات البشر، فيصور الغازي المعتوه، الذي يسخر الإف16 لقتل المدنيين بالجملة، في صورة الحمل الوديع، الباحث عن السلام!!!أما الضحية-ممثلة في العرب والمسلمين-فهم المعتدون، الرافضون للسلام!!وحماس وكتائب شهداء الأقصى وسرايا القدس، حركات إرهابية، والمجرمون القتلة، "حمائم سلام"، يحصلون على جائزة نوبل للسلام!! ويا سلام سلم!!
من هنا، ينبغي لقادة الفكر والرأي في الأمة، أن يوقظوا الغافلين، ويحثوا المتهاونين، فالمعركة مصيرية، وليست ألفاظا مترادفة، ولا هي كلمات بريئة، لا مانع من تداول هذه أو تلك. .